Monday, July 02, 2012

التحرش لا دين له



أول أمس كنت مستقلا إحدى وسائل النقل العام ، لم تكن السيارة مزدحمة، كانت الأمور عادية وطبيعية، فجأة سمعت صراخ أنثى، سيدة أو فتاة لا أدري، غير أنني - والركاب في السيارة - قد فوجئنا بالصراخ، وفي نفس الوقت يهب شاب في الثلاثينيات من عمره مهرولا لينزل من السيارة، وإذ بالفتاة تصيح بالركاب " امسكوه، اقتلوه الواد الزبالة ده، ده بيحط إيده عليا ويمسكني..."، غير أن الشاب انسل خارج السيارة قبل أن نفيق من المفاجأة.
الواقعة تبدو للأسف عادية، تكررت وتتكرر كثيرا في الشارع ، في المواصلات العامة، في الأسواق والمحال التجارية، ما جعلني مذهولا أنني حين التفت لأتطلع إلى الأنثى التي صرخت؛ فوجئت بامرأة منتقبة، تتشح السواد من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها، لا يُرى منها شيء.
تخيل أن شابا في الثلاثينيات يتحرش بسيدة منتقبة في المواصلات العامة، ربما كان يتخيل أنه لكونها على هذه الهيئة سوف تسكت خجلا أو خوفا، ولكن ليست هذه القضية، المشكلة أن المتحرش لا يتهجم على أنثى لأنها تبدو مثيرة، أو ترتدي ما يبرز مفاتنها، لا يتحرش بالمتبرجة فحسب، بل امتدت يده الحقيرة إلى امرأة لا يظهر من جسدها شيء.
أيها السادة؛ يا من تتهمون المرأة بأنها مسئولة عن إغواء الشباب بزيها، بخروجها إلى الشارع والعمل والسوق، بدلا من صب لعناتكم على الطرف المجني عليه، وتحميله وزر الجاني؛ ابحثوا عن حلول للتخلص من جريمة التحرش التي لا تكاد تسلم منها امرأة في مصر.
المشكلة بالطبع ليست في زي المرأة، ليست في وجود غطاء رأسها من عدمه، ليست في ارتداء السروال بدلا من التنورة، ليست في خروجها إلى عملها الذي يفيدها ويفيد أسرتها، ويشعرها بأهمية وجودها، المشكلة ليست في المرأة بقدر ما هي مشكلة ذكور لا يستحقون وصفهم بالرجال، مشكلة دولة لا تحمي مواطِنة لها كامل الحق في التحرك بأمان في شوارع وطنها.
تتزايد حوادث التحرش يوميا في مصر لأن الكثيرين يلقون بالتهمة على المرأة ولا يحاسبون المتحرش، بل يتذرعون له الحجج، فالزواج صعب، والشباب لم يعد يتحمل، والفتيات يرتدين ما لا يستر مفاتنهن، فما بالكم الآن وقد اكتوت المحجبات والمنتقبات بنار التحرش؟!
كما أرفض نغمة غياب الوازع الديني، وتطور وسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة، وتأخر سن الزواج، وكبت الشباب، فهذه أعذار أقبح من ذنب التحرش.
مطلوب وقفة حقيقية من الدولة ومنظمات المجتمع المدني، وقبلها من الأسرة، يجب أن تُشدد عقوبات التحرش لا أن تقابل باستهزاء ولامبالاة، يجب أن يكون المتحرش عبرة لغيره بقوانين رادعة، يجب أن نستمع للفتيات والنسوة اللاتي يتعرضن لهذه الجريمة القذرة، نستمع لهن لا أن نوجّه لهن التهمة.
الكل مسئول عن هذه الكارثة التي لا تحط من شان المرأة وتهينها بقدر ما تهين الرجل الذي يرى حالة تحرش ويغمض عينيه، والرجل الذي يلتمس العذر للمتحرش ويتهم المجني عليها.
المشكلة جد خطيرة، ليست قاصرة على طبقة اجتماعية بعينها، ليست قاصرة على غياب وازع ديني لدى هذا أو ذاك، ليست جريمة المرأة، ولن تُحل بالشعارات والخطب والبرامج التوعوية وحدها، وإذا كنا بصدد جمهورية ثانية؛ نتمنى أن تصبح نقلة حضارية نحو مستقبل أفضل من الماضي الذي عشناه؛ فعلينا أولا وقبل كل شيء إن نعالج مثل هذه المشكلات الأخلاقية، يجب أن يكون المواطن - امرأة أو رجل - آمنا مستقرا في وطنه، لا يشعر بنظرات وضيعة أو لمسات حقيرة أو مضايقات قذرة، وحل المشكلة ليس بإخفاء المرأة في علبة قطيفة، أو تغطيتها بخيمة ثقيلة، ليس بقتل طموحها ورغبتها في المشاركة الفعالة في بناء المجتمع، بل يكمن حل المشكلة في التربية أولا ثم القوانين والتشريعات والرقابة.


طفولة مذبوحة

مشهد لافت رأيته منذ سويعات:
 طفل من هؤلاء الملايين في شوارعنا، ممن يحملون علبتي مناديل ورقية ويتوسلون عليك أن تشتريها أو تعطيه مما أعطاك الله، بغض النظر عما إذا كان يستحق، أم أن أهله يتاجرون به، المهم رأيته جالسا مشدوها بوجه معفر وثياب قذرة، لكن وجهه وجلسته لا يخلوان من روح الطفولة البريئة، يشاهد وفمه شبه مفتوح ما يعرضه تلفاز حديث معروض في إحدى أكبر متاجر الأدوات الكهربائية والإلكترونيات، جالسا على الرصيف في الشارع يشاهد الكارتون المعروض على الشاشة ثلاثية الأبعاد من وراء الزجاج السميك النظيف للمتجر، أتطلع عليه فألعن نفسي وألعن المجتمع والدولة وكل هؤلاء الحقراء في المناصب والمنتشرين على الشاشات يظرطون في وجوهنا تصريحات وكلام تافه وشعارات كاذبة وبرامج رئاسية مزيفة، هؤلاء المتدينين والمتاجرين بالدين، وغير المتدينين والعلمانيين، المثقفين والمُصفقين، المتناحرين على السلطة الذين يدهسون تحت أرجلهم مثل هذا الطفل وأهله، هؤلاء الذين حرموا طفل كهذا من الجلوس آمنا أمام التلفاز في بيته يتناول شطيرة دافئة وحوله ألعابه، ومن ورائه تتطلع إليه أمه في أمل.

Sunday, July 01, 2012

العزاء في الحرب


"الحرب المرتقبة سيئة
لأنه قد يموت طفل
اسمه يوحاي
بسبب شرفة البيت التي
تهوي على رأسه
وعندما يضطجع في العربة،
وأمه تُبتر يدها
أو ربما فقط تخدش،
ورغم ذلك
فهناك عزاء في الحرب،
إذ مع كل الأسف على الطفل يوحاي
فثمة أمل أن نُمْنى
بهزيمة عظيمة
كما جرى لشعوب كثيرة
فقدت صوابها
أشياء كثيرة ستهدم،
وكثيرون أيضًا سيـبــــكون،
لكن الديموغاجيين يتخرّسون:
ينفلقون مثل شرج السمكة
ونحن نصحو،
نعود لنكون بشرًا،
نمسك بالقلم
ونصغي لا لهم،
 وإنما للعصافير"

(שבתאי, אהרון: הנחמה שבמלחמה, הארץ, תרבות וספרות, 16- 3- 2012)
أهرون شبتاي: العزاء في الحرب، هآرتس، 16/ 03/ 2012، ترجمة: محمد عبد الدايم هندام