Saturday, July 20, 2013

أكتوبر/ رمضان رايح جاي.

   أي حدث يقع في مصر أو أي دولة تسير وفقا لتقويمين تأتي مناسبته في التقويمين، وهذا أمر طبيعي، لكن من المعتاد أن يُحتفل بذكراه وفقا لتقويم واحد فحسب، لأن الحكاية مش "هيصة"، فنحن نحتفل بذكرى ثورة 19 مثلا مرة واحدة في العام، وليس مرتين وفقا للتقويم الميلادي وليس الهجري، باعتبار الأول هو المعتاد والمتعارف عليه في أغلب الصيغ الرسمية والتعاملات. وهكذا الأمر في أغلب الأحداث القومية والتاريخية التي لا تحمل صبغة دينية بالطبع، فالحديث هنا ليس عن المولد النبوي أو الإسراء والمعراج أو عيدي الفطر والأضحى.

   ومن هنا فمن  غير الطبيعي أن نحتفل بذكرى حرب السادس من أكتوبر (العاشر من رمضان)  مرتين في العام، أولا لأنه من غير الطبيعي - كما ذكرت آنفا-  أن نحتفل بحدث مرتين سنويا، وكأنه عيد الحب، ثانيا لأننا لم نقدم شيئا لسيناء في ذكرى السادس من أكتوبر، لا هذا العام ولا في العام السابق، ولا في أي عام منذ 1973م، بل على العكس عانت سيناء التجاهل والإهمال الرسمي والشعبي طوال أربعين عاما، ولم تقم لها قائمة منذ أن عبرت قواتنا المسلحة لتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي.  ونحن نحتفل بذكرى أكتوبر/ رمضان!.

   بل من المضحكات المبكيات أن المصري يعاني ويستنزف أموالا كي يستطيع عبور قناة السويس، ليستمتع بأجواء سيناء الساحرة، ويتمكن من قضاء أجازة أو عطلة في أي من مدنها الجميلة. في حين يستطيع المواطن الإسرائيلي ببطاقته الشخصية أن يدخل إلى جنوب سيناء بسيارته بكل سهولة ويسر. ونحن نحتفل بذكرى أكتوبر/ رمضان!.

  هذه المرة كان الأمر مختلفا، حيث احتفلت الدولة بذكرى السادس من أكتوبر العام الماضي، وكان احتفالا كارثيا، ركب فيه الرئيس المعزول سيارة مكشوفة، ليطوف استاد القاهرة، متقمصا شخصية رئيس عسكري فاتح، في حين كان هو الرئيس المدني الوحيد، ومحييا جماهيره المؤيدة له ولجماعته، وبينهم من قتلوا السادات الذي عبرنا سيناء في عهده، ونحن نحتفل بذكرى أكتوبر/ رمضان!.

   زاد الطين بلا حينما احتفلنا بالأمس بذكر العاشر من رمضان بنفس طريقة احتفالنا بالسادس من أكتوبر، وكأننا مصرون على"الاستهبال"، وبدا الأمر مفضوحا للغاية، فبعد 30 يونيو، انقسمنا إلى شعبين، متعاركين، متعارضين، يخوّن أحدهما الآخر، شعب يسمي ما حدث ثورة أيدها الجيش، وشعب يسميه انقلابا عسكريا صرفا، ولا يعنيني هنا مسمى ما حدث. لكن ما يعنيني هذه المظاهر الاحتفالية المبالغ فيها، والتي تتزامن مع مطاردة إرهابيين في سيناء، وعزل مرسي، وتظاهرات مؤيديه متهمين الجيش بالانقلاب، وتظاهرات معارضيه مؤيدين الجيش، مع الأخذ في الاعتبار أننا احتفلنا منذ أشهر قليلة بذكرى الحرب في أكتوبر الماضي، والآن نعيد الكرة ونحتفل بها في العاشر من رمضان، لنرسخ من الصبغة الدينية للحرب، وليحاول أولو الأمر ترسيخ صورة الجيش المصري البطل الذي حارب لتحرير سيناء، والآن يقف ويدعم مطالب الشعب في الحرية والديمقراطية.

    الأمر يبدو مفضوحا للغاية، حين تتسابق الفضائيات المهللة لتحركات الجيش بالاحتفال بذكرى الحرب، ودعم إرسالها بأغنيات وطنية سفيهة، ولقاءات مع من يُسمون أنفسهم "خبراء عسكريين"، وبيان للرئيس المُعين، وبيان للجيش، ومباركات وتهاني من جماعات وحركات وأحزاب مؤيدة لما حدث في 30 يونيو، ليرسم الجميع صورة هزلية للتجارة بذكرى الحرب.

   إذا كنتم يا سادة تسعون لتأكيد توجهكم بأن ما حدث في 30 يونيو ثورة أيدها الجيش وليس انقلابا، فلا تمتطوا ذكرى حرب السادس من أكتوبر / العاشر من رمضان بهذا الشكل الفج السمج الذي يتجلى منه النفاق و"الاستهبال". ربما تستطيعون الدفاع عن رؤيتكم لما حدث بطرق أخرى أكثر موضوعية تتجسد في العمل لإنهاء المرحلة الانتقالية بأسرع ما يمكن.

  يستحق الإخوان ونظامهم العزل والإقصاء لا شك، جراء ما ارتكبوه ويرتكبوه في حق لوطن الذي يبدو أنهم لا يؤمنون بمعانيه قدر إيمانهم بتنظيمهم، ولكن لا يستحق الوطن أن نتاجر بذكرى غالية عليه، فنهلل ونقيم أفراحا تفوح منها رائحة أوامر عسكرية، تبدت في وسائل الإعلام الحكومية والخاصة. وفي السماء حيث الطائرات والهدايا، وفي الأرض حيث التظاهرات والأعلام، وفي الأفواه حيث التهاني والبيانات.