Saturday, November 15, 2014

مطير الحمام: فيلم إسرائيلي عن يهود العراق والحنين إلى أرض الرافدين

محمد عبد الدايم

"مُطير الحمام" فيلم سينمائي إسرائيلي جديد ظهر في دور العرض في إبريل 2014،  يعتمد على رواية بالاسم نفسه للأديب والكاتب الإسرائيلي العراقي الأصل "إيلي عمير" (1937م - ) الذي هاجر من بغداد إلى فلسطين مع أسرته عام 1950، وله الكثير من الكتابات التي تنضح بالحنين إلى موطنه الأصلي، وازدادت شهرته في مصر تحديدا مع صدور ترجمة لروايته "ياسمين" عام 2007 التي قام بها الكاتب حسين سراج، وتقوم على قصة حب بين "نوري" اليهودي الإسرائيلي من أصل عراقي و"ياسمين" الفلسطينية المسيحية.

أفيش الفيلم
شرع "عمير" في كتابة روايته "مطير الحمام" على مدى 13 عاما، لتخرج في صورة رواية تاريخية تجمع بين الحقائق والرؤى والانطباعات، وبغض النظر عن صحة الوقائع التاريخية أو عدم صحتها في الرواية، فإنها بمثابة تعبير آخر عن مشاعر حنين قطاع كبير من اليهود الشرقيين لأوطانهم الأصلية، خاصة يهود العراق، ويتبدى هذا واضحا في كتابات لأدباء وشعراء إسرائيليين من أصل عراقي مثل "إيلي عمير"  والشاعر "روني سومك" والأديب والشاعر الشاب "ألموج بيهار".

إيلي عمير وغلاف روايته التي صدرت عام 1992 عن دار نشر عم عوفيد
تدور أحداث الفيلم في العراق عشية قيام إسرائيل، واستنفد المخرج الإسرائيلي "نيسيم ديان" قدراته ليخرج الفيلم مواكبا للفترة الزمنية والمنطقة الجغرافية التي تدور فيها الأحداث، وجدير بالذكر أنه أول فيلم يخرجه "ديان" منذ آخر أعماله "جسر ضيق للغاية" (1985)، وكتب بنفسه سيناريو "مطير الحمام" وتم اختيار مواقع التصوير بعناية في عكا والناصرة ويافا إضافة للقدس وتل أبيب، كما اهتم بالتفاصيل البصرية والأدوات، كالملابس وتسريحات الشعر والطراز المعماري والموسيقى،لتكتمل صورة موقع الأحداث بالعراق في فترة الأربعينيات وبداية والخمسينيات.

أما لغة الحوار في الفيلم فهي العربية، وتحديدا اللهجة العامية العراقية، واللهجة اليهودية البغدادية، وهي لهجة اليهود في العراق قبل الهجرة إلى فلسطين، ومازالت على ألسنة الإسرائيليين ذوي الأصول العراقية إلى الآن، وقد بذل المخرج مجهودا كي يجد ممثلين إسرائيليين من أصل عراقي يتقنون اللهجتين.
قصة الفيلم:-
بطل الفيلم"كابي" ("الذي يجسد دوره" الممثل الإسرائيلي الشاب دنيئيل جاد) شاب في السادسة عشرة من عمره، يعيش في كنف عائلته البغدادية، الأب "سلمان الخياط" (قام بدوره الممثل الإسرائيلي يجآل ناءور الذي اشتهر بأداء دور صدام حسين في مسلسل من إنتاج بي بي سي) متحمس للصهيونية ونشاطها في العراق وخارجه، ويرغب في الهجرة إلى فلسطين، في حين أن الأم "نعيمة" كانت في بداية الفيلم متمسكة بالبقاء في العراق، موطنها وموطن آبائها وأجدادها، لكنها غيرت رأيها ورغبت في الهجرة بعد أن تعرض أخو زوجها الصحفي الشيوعي "حزقيل" للاعتقال على أيدي قوات السلطة العراقية التي اتهمته بمحاولة الانقلاب على السلطة الملكية،  والضلوع في الأنشطة العنيفة للحركات الصهيونية بالعراق، حيث كتب مقالا يهاجم فيه السلطات بعد إعدام تاجر يهودي في البصرة.

يأخذ الفتى "كابي" على عاتقيه،بمشاركة "راشيل" زوجة عمه، مهمة البحث عن عمه المعتقل في مكان غير معلوم للعائلة، وفي سعيه لإيجاده ينضم "كابي" لمجموعة صهيونية سرية، حيث يقابل الفتاة "أميرة" التي تصغره بعام، والتي انضمت للتنظيم السري دون علم والدها، أحد كُبراء الطائفة اليهودية، وما لبثت قصة الحب بين "كابي" و"أميرة" أن انتهت فجأة بهروب الفتاة المباغت إلى فلسطين، لتترك "كابي" يعاني من فقدانها، ويكابد في سبيل البحث عن عمه، فيما يتعرض لتضييق السلطات العراقية.

 وبمساعدة صديق العائلة المحامي المسلم "كريم" يتمكن "كابي" من معرفة مكان اعتقال عمه، وفيما كان العم يكابد في المعتقل تقع زوجته في حب جديد، الأمر الذي يصدم "كابي"، لأنه كان يعشقها في سره.

وينتهي الفيلم برحيل الفتى مع أمه وأبيه وأخيه الأصغر إلى إسرائيل، بينما بقيت راشيل خلفهم في العراق.
وكان دور الممثل والمغنية "ميرا عوض"، من فلسطيني الداخل، لافتا. حيث أدت دور المطربة اليهودية العراقية الشهيرة "سليمة مراد" المعروفة بـ"سليمة باشا" (1905- 1974) ، حيث منحها رئيس وزراء العهد الملكي "نوري السعيد" لقب "باشا"، وظلت طوال عمرها في بغداد، ولم تتركه إلى فلسطين ضمن الهجرات اليهودية. 
ميرا عوض في دور سليمة باشا
الرواية العراقية والرواية الصهيونية لتاريخ يهود العراق:-
يصور الفيلم الأجواء السياسية والاجتماعية المتقلبة في العراق التي تركت بصماتها على اليهود في بغداد غداة أعمال العنف المعروفة بـ"الفرهود"، وقد استهدفت يهود بغداد في مايو/ حزيران 1941، أثناء احتفالهم بعيد الأسابيع اليهودي (شفوعوت)، ووقعت هذه الأحداث بعد الفوضى التي عمت العراق على إثر سقوط حكومة "رشيد علي الكيلاني"، وانتهت الأحداث في اليوم التالي، بعد أن خلفت خسائر مادية وبشرية في صفوف اليهود، واستحثتهم على سرعة الهجرة إلى فلسطين، خاصة وقد تبع هذه الأحداث قيام دولة إسرائيل.

ويتعرض الفيلم للجدل الدائر بين اليهود من أصل عراقي وبين الرواية العراقية الرسمية للأحداث، والتي أدت في عام 1951 إلى هجرة نحو 80% من اليهود العراقيين إلى فلسطين. فالرواية الإسرائيلية تدعي أن السلطة العراقية آنذاك قد اتخذت موقفا عدائيا من اليهود قبيل وبعد قيام إسرائيل فقررت طردهم من العراق وتجريدهم من جنسيتهم، بينما تقول العراق إن الحركة الصهيونية هي التي دفعت يهود العراق إلى الهجرة، حيث خططت ونفذت لعمليات التخريب والقتل في صفوف اليهود لتخويفهم وتصوير الأمر وكأن السلطة العراقية تسعى لإبادتهم والحصول على أموالهم.

وكانت السلطات العراقية قد حظرت نشاط الحركة الصهيونية على أرضها عام 1935، واعتُبر من ينضم لها خائنا ومُخربا، وفي مارس عام 1950 صدّق البرلمان العراقي على قانون يقضي بالسماح ليهود العراق بالهجرة ، إن أرادو، شريطة التنازل عن متلكاتهم وجنسيتهم العراقية.

وتستند الرواية والفيلم على هذه الأحداث التاريخية لتدور الأحداث في نهاية الأربعينيات ومطلع الخمسينيات من القرن العشرين، حيث انقسم اليهود في العراق إلى فئتين، الأولى ناصرت للشيوعية وتتمسك بالبقاء في العراق، الوطن الأم، أرض المولد والحياة، والفئة الأخرى تحمست للفكرة الصهيونية التي روجت للهجرة إلى فلسطين باعتبارها الأرض الموعودة، ووطن الآباء والأجداد الأوائل.

ويصور الفيلم كثير من عادات اليهود وتقاليدهم المتأثرة بالمجتمع العربي العراقي، وظهر ذلك في التفاصيل الدقيقة التي أكّد عليها المؤلف ومعه المخرج، فالعائلة اليهودية كانت تعيش في وئام مع أصدقاء مسلمين، وأم "كابي" كانت تعد للسجين "حزقيل"، بمساعدة زوجته، أطعمة متأصلة في التراث العراقي، فالفلكلور العراقي يظهر بشكل طاغ في أعمال "إيلي عمير"، كما يؤرخ للشخصيات التاريخية الشعبية في العراق.
    على مستوى الصورة والسيناريو والإخراج لاقى الفيلم استحسان النقاد الإسرائيليين، فقد ظهر بوضوح مدى الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة في تطويع مواقع التصوير والأدوات لتلائم عمر الأحداث، واستطاع "نيسيم ديان" أن يصوغ من قصة "إيلي عمير" سياقا دراميا يجذب المشاهد، فظهرت شخصية الفتى مطير الحمام هادئة متماسكة رغم صغر سنه وحداثته كممثل، واستطاع أن يلفت الأنظار بتأدية دور الفتى الوديع، الذي يتحدث برقة مع حمامه، ويعيش قصة حب ساذجة وسط صراع نفسي وحياتي، تتشتت فيه روحه بين الحب والهجرة والبقاء. 


استعان كاتب التقرير بمقالات بالعربية كتبتها الكاتبة والباحثة الإسرائيلية ليندا منوحين