Monday, January 26, 2015

الترجمة وإشكالياتها في اللغات الشرقية

الترجمة وإشكالياتها في اللغات الشرقية



المؤتمر الحادي عشر للدراسات الشرقية
"الترجمة وإشكالياتها في اللغات الشرقية"
الثلاثاء 28/ 04/ 2015
كلية الآداب - جامعة المنصورة




محاور المؤتمر:
- إشكالية ترجمة معاني القرآن الكريم.
- إشكالية ترجمة النصوص الدينية.
- ترجمة الآداب الشرقية وإشكالياتها.
- الترجمة عن المستشرقين وإشكالياتها.
 

Thursday, January 15, 2015

ليئة جولدبرج ליאה גולדברג: أنا من هناك




إعداد وترجمة:محمد عبد الدايم

أنا من هناك
أنا خضراء وندية مثل قصيدة مرت بالعشب
أنا عميقة ورقيقة مثل عُشِ عصفور.
أنا من الأمس القريب،
من غابة علمتني كيف أستنشق
كمال الحب المضموم النائم في العشب.

أنا من هناك-
من قرية الأرواح الصغيرة،
هناك على هضبة أخيرة انتصبت طاحونة الهواء
وعلّقت السماء على جناحها سحبًا ممزوجة بالدخان
وذهبت الريح وجاءت الريح
أنا من قرية تطرق على كفوف الشجرة
أنا من هناك. 

 ***
أشعار نهاية الطريق

قال الفتى الطريق أجمل ما يكون
قال الشاب الطريق أصعب ما يكون
قال الرجل الطريق أطول ما يكون
جلس الشيخ يستريح بجانب الطريق
صبغة أغرقت شيبته ذهبا وحُمرة
والعشبُ يسطع عند قدميه بندى المساء

عصفور آخرِ النهار يغني من فوقه
أتذكرُ ما أجمل، ما أصعب، ما أطال الطريق
قلت: يومٌ تلو يوم وليلةٌ - ليلة
قلتْ هاهي الأيامُ تأتي بقلبكِ
وترى الأمسيات والأصباح تهجرُ شباكك
وتقول: ألا جديد تحت الشمس

وها أنت تأتي مع الأيام، هرمت وشِبت
وأيامكَ معدودةٌ وغالٍ عددها سبعةَ أضعاف
وستعلم أن كل يومٍ أخيرٍ تحت الشمس
وستعلم جديدا كلُّ يومٍ تحت الشمس 

***
وحدي بالبيت

وقفت سيارة أمام البيت
عبر كلب الطريق
أنا وحدي بالبيت
لا أحد في البيت
أنا وحدي بالبيت
أتطلع من النافذة إلى الطريق.
أمي ذهبت لجدتي
أبي سافر إلى الجليل
قالت أمي "لقد مكثت أسبوعا"
يجب أن ترتدي معطفا
لن تذهب للجدة
إن لم ترتدي معطفا.

عاندتُ وذهبت هي لها
قرأت ثلاث صفحات
في شقة الجيران بالأعلى
يعزف الجرامافون ويرقصون
من الجميل أن أمي – ذهبت
وأنا وحدي بالبيت.

وحدي بالبيت
ولست حزينا على الإطلاق...
هاهي سيارة تقف أمام البيت
على الشباك تتنزه ذبابة
فقط هي وأنا بالبيت
متى ستعود أمي؟!




يوافق اليوم 15 يناير ذكرى وفاة الشاعرة العبرية الإسرائيلية ليئة جولدبرج .
جولدبرج وُلدت في بروسيا الشرقية عام 1911 في بروسيا الشرقية، وهاجرت إلى فلسطين عام 1935، وقبل ذلك كانت قد حصلت على درجة الدكتوراه في الفلسفة واللغات السامية، من جامعة بون، وتعتبر واحدة من أهم الشاعرات في تاريخ الأدب العبري الحديث في مرحلتيه الفلسطينية والإسرائيلية.
تركت جولدبرج ميراثا أدبيا كبيرا من الشعر وأدب الأطفال، وتكريما لذكراها سُميت باسمها جائزة تُمنح لأحد الشعراء البارزين في إسرائيل.
من أعمالها:
-       قصيدة في القرى. 1942.
-       حب شمشون. 1952.
-       مبكر ومتأخر. 1959.
-       مع هذه الليلة. 1964.

Friday, January 02, 2015

يزهار سميلانسكي: حياته، أعماله، سمات أدبه، مصادر التأثير في نتاجه


      ينصب الحديث في هذا المقال البحثي على الأديب الإسرائيلي الراحل "يزهار سميلانسكي- יזהר סמילַנסקי" المعروف باسم "سامِخ يزهار- ס. יזהר"، والقصد من عرض هذا المقال تعريف القارئ العربي، والمتخصص في الأدب العبري الحديث تحديدا، بأحد أشهر الأدباء العبريين.

     جمع مادة علمية وإعداد: رغدة عماد الدين، ومحمد عبد الدايم.

        ينتمي سامخ يزهار لأدباء الجيل الأول الذين ولدوا في أواخر العقد الأول وخلال العقد الثاني من القرن الماضي . وينحدر أبناء هذا الجيل من آباء هاجروا إلى فلسطين في إطار موجتي الهجرة اليهودية الأولى والثانية. وقد تأثر أدباء هذا الجيل بالآداب الأوروبية المترجمة، والأدب العبري الأصيل، وتميل كتاباتهم في معظمها نحو المذهب الواقعي. وتعتبر الأحداث الاجتماعية في عصرهم أهم ما أثر في إبداع هؤلاء الأدباء، من هجرة الآباء إلى فلسطين، والحرب العالمية الثانية  والمحرقة النازية، وحرب 48 ضد العرب.
       ويعتبر يزهار سميلانسكي أو "سامخ يزهار" كما اشتهر ، من أهم الكتاب الذين أثروا في الأدب العبري الحديث . واشتهر باسم (ס, יזהר) الذي أطلقه عليه الشاعر ومحرر مجلة "جليونوت" يتسحاق لمدان ، عندما اشتهرت قصته الأولى "אפרים חוזר לאספסת" (إفرايم يعود إلى الصفصفة) والتي صدرت عن هذه المجلة عام 1938 . وقد أعتيد وصفه كجزء من كتاب جيل الاستقلال رغم معارضته لهذا الوصف.
      ولد يزهار عام 1916 في مدينة "رحوفوت" لعائلة من الكتاب ، وكان والده زئيف سميلانسكي من مؤسسي حزب "הפועל הצעיר" (العامل الفتى) ، كما كان كل من الأديب (موشيه سميلانسكي ، مائير سميلانسكي ) أعمام والده من أهم الكتاب الذين لعبوا دوراً هاماً في الحياة الثقافية العبرية . درس يزهار في مدرسة المعلمين في القدس ، وبعدها عمل معلماً ، ثم أكمل دراسته في الجامعة العبرية وجامعة هارفارد ، وعمل في حرب الاستقلال كضابط مخابرات في لواء "جفعاتى" ، وعمل محاضراً ثم أستاذاً للتربية في جامعة تل أبيب بعدما حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة. وكان عضواً في الكنيست عن (حزب عمال أرض إسرائيل)، حيث خدم مابين عام 1949-1967      
     كان عضواً في لجنة التعليم والثقافة والرياضة ولجنة الشئون الخارجية والدفاع ولجنة الدستور والعدل والقانون. وعلى الرغم من انتمائه إلى الحزب الحاكم إلا أنه لم يتردد في انتقاد بعض سلطات الدولة في معالجة شئون التعليم والاهتمام بقضايا الثقافة والرياضة بالإضافة إلى نشاطات حول قوانين الحفاظ على الطبيعة وغيرها
     في عام 1959 حاز على جائزة إسرائيل عن عمر يناهز الثالثة والأربعين ، حيث كان من صغار الحائزين على الجائزة ، كما حاز على جائزة برينر وجائزة بياليك في الأدب. وبالإضافة إلى كتاباته الأدبية كتب إنتاجاً صحفياً ثرياً، واشتهر منه كتاباته خلال حرب لبنان وما بعدها. وتوفى الكاتب في أغسطس 2006


إنتاجه الأدبي :
        يرى بعض النقاد أنه من الممكن تمييز مرحلتين في أعمال يزهار الأدبية :
الأولى: منذ بداية إنتاجه الأدبي عام 1938 حتى عام 1948، والثانية: منذ عام 1948 حتى وفاته.
        بدأ يزهار في نشر أعماله في نهاية الثلاثينيات، حيث نشر مجموعة من الروايات القصيرة ، وكان أول ما نشر له قصته " אפרים חוזר לאספסת" (إفرايم يعود إلى الصفصفة) في مجلة "جليونوت" عام 1938 . وخلال السنوات التالية من 1938 إلى 1941 نشرت له مجموعة من القصص منها "מסע אל גדות הערב" (رحلة إلى ضفاف المساء) "משעולים בשדות" (ممرات ضيقة في الحقول) ، "לילה בלי יריות" ( ليلة بلا طلقات) . عام 1945 ظهرت قصته "בפאתי הנגב" (على مشارف النقب). وفى عام 1947 ظهر كتابه الثاني الذي يضم القصص السابقة ماعدا قصة (ممرات ضيقة في الحقول(
       بعد حرب 48 صدرت له قصة "בטרם יציאה" (قبل الخروج) ، وفى 1949 صدرت قصة "חרבת ח'זעה" (خربة خزعة) ، وقصة "השבוי" (الأسير) ، ثم قصة "שיירה של חצות" (قافلة منتصف الليل) والتي حصلت على جائزة برينر للأدب . وقد أثارت هذه المجموعة من قصص الحرب جدلاً كبيراً، حيث اتهمه البعض بتشويه صورة المحارب الإسرائيلي وضميره، إلا أن هذه المجموعة القصصية كانت تمثل صرخة ضد الجمود والخرس الأخلاقي لدى الجيش والشعب . وفى عام 1950 صدرت له مجموعة قصصية للأطفال تحت عنوان "ששה סיפורי קיץ" (ست قصص صيفية.
      ولعل من أهم ما سلط ضوءاً كبيراً على حياة يزهار وإنتاجه الأدبي ، وفاة اثنين من المقربين إليه: شقيقه "يسرائيل" وصديقه المقرب"يحيعام فايتز" . توفى يسرائيل سميلانسكي في حادث اصطدام دراجته النارية بالقطار عام 1942 ، وفقط في وقت متأخر وبعد 20 عاما في 1963 ، كانت محاولة المواجهة العقلية لدى يزهار وتقبل الواقع ليخرج من صدمة موت شقيقه في روايته "סיפור שלא התחיל" (قصة لم تبدأ) ، والتي أدرجت في مجموعته القصصية  التي طبعت قبل صمته الطويل "סיפורי המישור" (قصص السهل) . وكانت قد  ظهرت شخصية الأخ قبل ذلك في قصته "ערימת הדשן" (كومة العشب) المطبوعة أيضاً في نفس المجموعة القصصية . وعادت لتظهر مرة أخرى في قصصه اللاحقة "מקדמות" (دفعات على الحساب) 1992، "צלהובים" (توهجات) 1993، وفى قصص أخرى مثل "סעודה בפלוגה" (عشاء في الفلوجة) في المجموعة القصصية "צדדים" (هامشيون) 1997 ، وهى القصص التي تظهر بها السيرة الذاتية بشكل واضح(1). كذلك شكل موت يحيعام فايتز ابن خال يزهار وصديقه المقرب منذ الطفولة حدثاً هاما في حياة يزهار وإنتاجه الأدبي ، والذي قتل في عملية البالماح عام 1946 . كتب عنه يزهار قبل وفاته قصة على سبيل روح الدعابة تحت عنوان "הדוד יחיאיל צד גנבים" (العم يحيئيل إلى جانب اللصوص) ، والتي أدرجت في المجموعة القصصية (ست قصص صيفية) ، والتي نشرت تقريباً على الفور بعد موت يحيعام. وفى عام 1948 ظهرت له مجموعة قصصية باسم "מכתבי יחיעם ויץ" (رسائل يحيعام فايتس.
      في عام 1958 نشرت روايته الكبرى "ימי צקלג" (أيام صقلاج) في جزأين ، وهى أكبر عمل أدبي عن حرب 48 ، حيث كرست هذه الرواية سميلانسكي أكبر روائي إسرائيلي في جيله، حيث اعتبرها البعض ذروة إنجازاته الأدبية ، وحصلت هذه الرواية على جائزة برينر للأدب عام 1959 .
      في عام 1959 صدرت له المجموعة القصصية "ארבעה סיפורים" (أربع قصص) ، والتي ضمت كل من قصة "בטרם יציאה" (قبل الخروج) ، "חרבת ח'זעה" (خربة خزعة) ، "השבוי" (الأسير) ، وقصة "שיירה של חצות" (قافلة منتصف الليل) ، ثم المجموعة القصصية "ברגליים יחיפות" (بأقدام عارية) ، وتضم مجموعة قصص للأطفال والشباب . وفى عام 1963 ظهر كتاب " סיפורי המישור" (قصص السهل) وضم كل من ، "סיפור שלא התחיל" (قصة لم تبدأ) ، "הנמלט" (الهارب) ، "חבקוק" (حبقوق) ، "ערימת הדשן" (كومة العشب) . كما كتب العديد من قصص الأطفال مثل "תפו ופוזה" 1960 عن مزارع فلسطين ، "הכרכרה של הדוד משה" 1971 عن ذكريات طفولته مجسده في شخصية عم والده الأديب المشهور "موشيه سميلانسكي- משה סמילנסקי".
 

قائمة بأعمال يزهار:
·                  בפאתי נגב (على مشارف النقب) , עם עובד, 1945, הקיבוץ המאוחד, 1978.
·                  החורשה בגבעה ועוד שלושה סיפורים (الدغل الذي في التلة , وثلاث قصص أخرى), ספריית פועלים, 1947, הקיבוץ המאוחד, 1979, זמורה-ביתן, 1990.
·                  סיפור חרבת חזעה, השבוי (قصة خربة خزعة ، الأسير) , ספריית פועלים, 1949.
·                  שיירה של חצות (قافلة منتصف الليل) , הקיבוץ המאוחד, 1950.
·                  שישה סיפורי קיץ (ست قصص صيفية) , ספריית פועלים, 1950, זמורה-ביתן, 1990.
·                  ימי צקלג (أيام صقلاج) , עם עובד, 1958, זמורה-ביתן, 1989.
·                  ארבעה סיפורים (أربع قصص) , הקיבוץ המאוחד, 1959.
·                  ברגליים יחפות – שישה סיפורים לבני הנעורים (بأقدام عارية ـ ست قصص للشباب) , תרשיש, 1959.
·                  תפו ופוזה (לילדים), ספריית פועלים, 1960.
·                  הרפתקה באגם – מעשה שהיה בים החולה (مغامرة في بحيرة ـ قصة حدثت في بحيرة هاحوليه) , הקיבוץ המאוחד, 1963.
·                  סיפורי מישור (قصص السهل) , הקיבוץ המאוחד, 1964, זמורה-ביתן, 1990.
·                  7 סיפורים (سبع قصص) , הקיבוץ המאוחד, 1971.
·                  הכרכרה של הדוד משה (عربة العم موشيه) , (לילדים), הקיבוץ המאוחד, 1973.
·                  על חינוך ועל ערכים (عن التعليم والقيم ) , עם עובד – תרבות וחינוך, 1974.
·                   
·                   
·                  אפרים חוזר לאספסת (إفرايم يعود إلى الصفصفة) , הקיבוץ המאוחד 1978, זמורה-ביתן, 1991.
·                  לקרוא סיפור (لتقرأ قصة) , עם עובד, 1982.
·                  קריאה לחינוך (قراءة للتعليم) , ספריית פועלים, 1984.
·                  דפי ריב (أوراق نزاع) , זמורה-ביתן, 1988.
·                  פרידה מן החינוך ועוד שתי מסות (ابتعاد عن التعليم ، ومقالتان أخريان), זמורה-ביתן, 1989.
·                  סיפור חרבת חיזעה ועוד שלושה סיפורי מלחמה (قصة خربة خزعة وثلاث قصص أخرى عن الحرب) , זמורה-ביתן, 1989.
·                  שני פולמוסים – פולמוס החינוך ופולמוס הספרות (جدلان ـ جدل التعليم وجدل الأدب ), זמורה-ביתן, 1990.
·                  בטרם יציאה, חבקוק, השבוי (قبل الخروج , حبقوق , الأسير) , זמורה-ביתן, 1991.
·                  מקדמות (دفعات على الحساب) , זמורה-ביתן, 1992.
·                  עלילות חומית (مؤامرات ملتهبة) , זמורה-ביתן, 1992.
·                  צלהבים (توهجات) , זמורה-ביתן, 1993.
·                  צדדיים (هامشيون) , זמורה-ביתן, 1996.
·                  אצל הים – שלושה סיפורים (لدى البحر ـ ثلاث قصص) , זמורה-ביתן, 1996.
·                  מלקומיה יפהפיה (ملكوميا حسناء) , זמורה-ביתן, 1998.
·                  גילוי אליהו (ظهور إيليا) , זמורה-ביתן, 1999 .
 
          الملامح الأساسية لإنتاجه الأدبي :
         يعتبر سامخ يزهار أحد أهم من ساهموا في بلورة الثقافة العبرية الإسرائيلية . ويمثل أبناء جيله في صور معينة ويختلف عنهم في أخرى . غير أنه على عكس أبناء جيله ، ففي حين كتب زملاؤه عن سنوات الأمل التي سبقت عام 48 ، وعن عام الصراع 48 ، ثم عن سنوات خيبة الأمل التي تلتها ، فإن زمن كتابة القصة في معظم إنتاج يزهار الأدبي ، في سنوات الثلاثينيات والأربعينيات مثل ( إفرايم يعود للصفصفة، رحلة إلى ضفاف المساء، ليلة بلا طلقات، قبل الخروج، الدغل الذي في التلة ) . وجزء آخر يعنى بسنوات حرب الإستقلال (حرب 48) مثل (قافلة منتصف الليل، خربة خزعة، الأسير، أيام صقلاج )، وقصص عن الحنين إلى الذكريات تعود للعشرينات ( كومة العشب ، حبقوق ، الهارب ..... وغيرها ). وقام بتجسيد الأسطورة الروائية لحركة الشبيبة تجسيداً أدبياً، وتحولت حرب قيام اليشوف اليهودي في الثلاثينيات والأربعينيات إلى أسطورة في حد ذاتها. وبذلك توجه الكاتب في كتاباته إلى القراء الذين يعترفون بكيان الدولة. ولا تخلق هذه الكتابات حبكة ترتكز على قوتها الذاتية، والتي تقوم تعقداتها وحلها على منظومة علاقات بين الشخصيات ، وإنما على أحداث متتالية تعتمد على تدوين تاريخ اليشوف.
       ويتضح أن مذهب يزهار الأدبي معقد بعض الشيء: فهو قريب قبل كل شيء من " تيار الوعي"، لكنه عمل به وكأنه نابع من داخله . ونشأ هذا المذهب من تيارين مختلفين ـ الرمزية ، والواقعية : وهو محاولة لخلق تأثير لإيجاد الواقع بواسطة رموز، ومحاولة أخرى لخلق تأثير للإدراك المستفيض للواقع (من الداخل والخارج) . وغالبا ما يكون الكاتب أكثر ميولاً للتأثيرات الواقعية عن الرمزية، لأن عين أبطاله أكثر تعلقاً بالخارج عن المظهر.
   وفيما يخص لغته الأدبية ، فقد لاقت رؤيته اللغوية استحساناً من قبل معظم كتاب الجيل، بالرغم من أن معظمهم لم ينجحوا أو لم يحاولوا تجسيدها بهذا البعد من المنطقية.
        تسبب يزهار في رفع مستوى اللغة باستخدامه للمفردات الثرية، واللغة التصويرية المركبة والتراكيب المترادفة والمعقدة بعض الشيء، كما أنه الكاتب الوحيد في هذا الجيل الذي نجح في المزج بين لغة الحوار القريبة في بعض الأحيان إلى اللغة الدارجة وبين مستوى اللغة القياسية في لغة الوصف ولغة تيارات الوعي. حيث أنبأت كتاباته الأولى أنه أديب متميز وذو توجه مستقل، ولو أن أسلوبه المقعر وجمله الطويلة لا تعين القارئ على قراءة مؤلفاته، فتتميز جمله بنحو معقد، كما أنها طويلة للغاية، ويكثر بها الروابط البلاغية والصور الرمزية، والصفة المميزة لهذا الأسلوب هي الترادف. وعلى الرغم من الثراء والتنوع في أسلوبه، فإن ثمة قدراً من الرتابة في السرد، حتى وإن كان مطعماً بالتعبيرات الشاعرية ويسمو في بعض الأحيان إلى مستوى شعري في صورة نثر. لذلك يعتبر يزهار كاتب للأقلية من ذوى الذوق الرفيع وليس لجمهور عريض من القراء، وكما أن لغته مستمده من طبقة راقية فإنها موجهة أيضاً إلى طبقة راقية، لذا فإنه يحظى بتقدير النقاد المهنيين.
     أما عن الحبكة القصصية داخل كتاباته، فيرى النقاد أنه طغى عليها التأمل والوصف ، حيث يقول الناقد شلومو تسيمح: "إنها مبالغة لا حدود لها في وصف الأشياء والأشخاص ..... ومن المستحيل خلال ذلك أن تقع الأحداث". وقد أشار الناقد أفراهام كريب إلى خاصية ضعف الحبكة القصصية لدى يزهار، ووصف قصصه بأنها بمثابة "رحلة على امتداد خيط أفكار ومشاعر شخص معين تحيط بالحدث الخارجي عبر أنبوب سميك".
     وتنقلب الأمور داخل الإنتاج الأدبي ليزهار: وهو ما يتيح وصف حبكة خارجية تعرض بشكل عام كحالة أو كمجموعة أحداث واقعية ذات علامة خارجية بشكل مؤكد أو شبه مؤكد . والحبكة الداخلية " تيارات الوعي" تتبع بإسهاب العالم الخارجي أو تحاول الانغماس داخل حيز الوجود، حتى تهرب من مشاكل الزمن التي تقع على عاتق البطل الرئيسي.
     لذلك انعدمت القدرة في هذه القصص على الدمج أو التكامل ، أو ربط العناصر النفسية وتفاصيل الأشياء في وحدة ذات مغزى . وكما يقول الناقد باروخ كورتسفيل " إنه يحترس من خوض مغامرات مع الزمن ، لقد كانت قصصه كلها خلاصة لحدث يستغرق ساعات ....... ومن الممكن كذلك القول بأن الحبكة الخارجية بقدر ما تحدث وبخاصة بقدر ما توضحها لغة يزهار، هي حبكة ثانوية بالنسبة للحبكة الداخلية ، النفسية والوجدانية ".
      وفيما يخص قدرته على الوصف والارتباط بالطبيعة في أدبه، فقد تميزت كتاباته في الأساس بأسلوبها: وهذا الأسلوب أكثر ما يميز إنتاجه، حيث كان مرتبطاً بتصوير المنظر، فيجد المتأمل في السرد لديه قدراً لا بأس به من الشاعرية الرقيقة وخاصة في وصف الطبيعة. ويزيد يزهار في استخدام استعارات غزلية في وصف المنظر: حيث نجد أن الأكثر تجسيداً في إنتاجه الأدبي هو العالم الذي يفتقر للذاتية الشاملة والخرساء للغاية ، فالصلة مع هذا العالم أحادية الجانب ولا تستوجب حواراً. ويعلق الناقد يوسف شاه لابان على خاصية ارتباطه بالطبيعة والوصف المسهب لها قائلاً " إن أوصاف الطبيعة في مقدمة القصص وخاتمتها، هي أوصاف واقعية لدرجة تدعو إلى الدهشة. ومستوحاة من عوالم الجماد، والنبات والكائنات الحية، وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه الأوصاف تحفل بالرموز إلى المناخ النفسي للأشخاص، ولا يتعب الأديب من أن يذكر بالتفصيل، من خلال معرفة أساسية وبأسلوب شاعري، كل عناصر الطبيعة  مستخدماً ذلك لكي يعكس بقدر معين ما يحدث في نفوس الأبطال".

مصادر التأثير في أدب سامخ يزهار
     يعتبر الأديب العبري "أوري نيسان جنسين- אורי ניסן גנסין" (1879- 1913) أحد أهم مصادر التأثير في أدب سامخ يزهار، حيث كان أول من ابتعد عن الحبكة القصصية الخارجية في القصة، وركز على التناول المنطقي للوعي واللاوعي عند أبطاله. وبذلك كان تأثيره على يزهار تأثيراً فنياً بالدرجة الأولى، حيث تكمن عظمة جنسين في اعتصار نفسية الإنسان لدرجة التعرية، وكيفية نقل حديثه بكل تعقده وبكل ما هو ظاهر وخفي وبوصفه للطبيعة بريشة فنان قدير. وقد أخذ عليه وأبناء جيله من القصاصين العبريين الأوائل عدم الاهتمام بالحبكة الخارجية، والانتقالات المفاجئة في الأحداث، والتركيز على شخصية وحيدة والغوص في دخائل نفسيتها. ويقول أفراهام كريب بهذا الصدد في كتابه (تأملات) "עיונים" 1941 " إن كل الخصائص الواضحة عند جنسين موجودة بوضوح في قصص س. يزهار: الإصغاء الكامل لمكنونات النفسية الدقيقة، والضعيفة، ولأنصاف الألوان الآخذة في التبدل، والإحساس المتوقد بحياة الطبيعة ودمجها في الحياة النفسية للبطل ... ".
      ويشترك كل منهما في خط الشاعرية الانطباعية المميزة لتيار الوعي لدى الاثنين. وعلاقته بجنسين معروفة سواء في البنية التركيبية للغة أو المحاولة الواعية للربط بين إفرايم البطل الأول لدى يزهار في روايته الأولى " إفرايم يعود إلى الصفصفة " 1938، وبين إفرايم بطل جنسين في روايته الأخيرة " אצל " رغم الفاصل بين كلا المبدعين الذي يصل إلى خمس وعشرين عاماً فقط، ومصادر التأثير المختلفة، والخلفية الاجتماعية المختلفة، بل وأيضاً الحصيلة اللغوية مختلفة، واستخدام على النقيض تقريباً للتقاليد الفنية. غير أنه يجب التأكيد على أن الاختلاف أكثر من التشابه، ففي إنتاج جنسين الأدبي، الحبكة الداخلية مغايرة للحبكة الخارجية: فالحبكة الخارجية لا ترتبط بشكل عام بعنصر خارج الأدب، ولا تتحدث عن حدث تاريخي يمكن تدوينه أو شبه تدوينه، وإنما عن اشتباك وجودي للأبطال الرئيسيين: من حيث العودة المتأخرة، والتقلقل بين أهواء مختلفة. وأحياناً ما يحدث بالحبكة الخارجية تشابك مثير بعض الشيء، على العكس من الحبكة الداخلية التي يسيطر عليها رغبة البطل الرئيسي في الموت. وكل منهما يسير في اتجاه مخالف للآخر، بين ما يجرى بينهما من علاقة درامية وبين سير كل منهما على حدة. وإذا كانتا تتضاربان فإن هذا التضارب يحدث بشكل عام على النقيض في عدد من بؤر الحبكة.
     وتيارات الوعي لدى غالبية أبطال يزهار متراجعة قليلاً في الوقت، وتتركز بشكل كبير داخل حيز الأحداث، والوصف الدقيق لها يعمل بقدر كبير على تجميد الزمن، فما يهم يزهار ليست الذاكرة الشخصية والعالم الداخلي للإنسان: فالإنسان بتكوينه بكل صدق وإخلاص هو نموذج لصورة وطنه، وهو ليس إلا ما يراه ويشعر به هنا والآن، ليس ما كان في ذاكرته، وهو الأمر الذي يبتعد فيه كثيراً عن جنسين. بينما يقترب يزهار منه في الشكل الأسلوبي الذي يخلق سلاسل طويلة وفرعية، بانعكاسات روح الإنسان على المشهد، وتكوين الشخصيات الحساسة والانطوائية التي تقلق من التواصل مع العالم - التواصل الذي فرض عليها رغماً عنها -، لكن يزهار يختلف عنه في عناصر كثيرة، حيث يخلق تكويناً جديداً تماماً من العناصر، عندما يكون العنصر الجنسينى أحد أهمها.
أما عن أبطال كل منهما، فأبطال جنسين ليس لديهم أرضية ثابتة، فهم غير مندمجين ليس فقط كباقي أبناء الجيل بل أكثر من هؤلاء الذين يعيشون في الحاضر المباشر السائد داخل إنتاج يزهار الأدبي ، والذي أبطاله أيضاً جزء من النوع الإسرائيلي " الجديد" ومتعلقاته. ومعظم أبطال جنسين متدنيين في مقابل أبطال يزهار المتعطشين للحياة ، صحيح أن بطل يزهار يلتقي مع بطل جنسين في الكثير من الصفات، إلا أنه ليس عدمياً، بل متردداً، وإن كان لا يقبل أيديولوجية البيئة التي يعيش فيها، إلا أنه يستسلم للحركة وسط الجماعة ويسلم بحتمية العمل الحقيقي وتحمل عبئه ، فقد يبدون متخبطين كأقرانهم من أبطال جنسين إلا أن نفوسهم مليئة بالشوق إلى الحياة، إنما الآخرون متشككون ضائعون رافضون للحياة ومنعزلين عن الواقع
سمات شخصية البطل لدى يزهار:
       لم يقم يزهار بوصف شخصيات نادرة أو أحداث عجيبة: فعناصره مستمدة من التأريخ الاجتماعي لسنوات الثلاثينيات والأربعينيات. وربما الأسلوب المتميز لديه هو الذي أضفى على الأحداث والأبطال هالة من الجمال، ومدلولات مبتكرة من الخيال كان لها بالتأكيد انعكاسات أيضاً على الواقع ، حيث تحول أبطال الواقع إلى شخصيات رائعة في الخيال. ومعظم شخصيات يزهار مقيدة بلجام الواقع وتحلم بالتحرر منها ، وتتصارع مع نفسها تجاه ما هو مطلوب منها تجاه المجتمع. حيث أكد البعض على انطوائية هذه الشخصيات وقيودها الفكرية ، ويؤكد الآخرون أن شخصياته لم تنضج لدى ابتكارها، فهي مصابة بانحطاط شخصي نابع من إهانةة شخصية الإنسان الذي "لا فائدة منه". ويزعم البعض أن أبطاله تقليديون وآخرون بأنهم إستثنائيون، والجميع يقف على حقيقة أن تنوع شخصياته مقيد بما فيه الكفاية. ويرى جرشون شاكيد أنه بلا شك يوجد شيء مجهول في كل كتاباته، وتيار الوعي الرئيسي تقريباً غير معروف، حيث لا يوجد تطور في العلاقات بين الشخصيات. فمعظم شخصياته مجهولة، وتؤكد الشخصية الرئيسية حقاً في تأملاتها أنها شاذة في ذاتها، وأنها لا تقدم في الأساس ما هو جدير أن تقدمه، وأن تفردها ليس في أفعالها وإنما في الأساس بما تقوله عن نفسها.

     ومن ناحية شخصياته وطرق صياغتها، لم يسبق يزهار إذن أبناء جيله ولا يمثلهم في ذلك. فهو يرفع من نموذج شخصية الفتى الطاهر الذي يكرس حياته الطاهرة لمجتمع من الأبناء الذين تخلوا عن تحقيق نزواتهم وتلبية رغباتهم، من أجل تكريسها للأرض. ومعظم أبطاله مغرمين بتراب الوطن أكثر من غرامهم  للنساء. وبصورة غريبة للغاية يمكن القول أن يزهار ربما يكون الكاتب الأكثر وطنية بين كل كتاب إسرائيل في كل المراحل، والذي يطيب له مشهد النقب عن حب النساء.
   وتبدو شخصيات أبطاله في قصص الحرب متخبطة، وفى صراع بين القيم الأخلاقية في داخلهم وبين الواقع اللاأخلاقي المفروض، والذي يجدونه حتميا لا مفر منه من أجل البقاء. لذلك يظهرهم الكاتب في حالة من الشعور بالذنب، تتحول بعد ذلك إلى تبريرات واهية من قبل "اللاخيار" و"الحتمية". ويجسد الأديب الإسرائيلي حانوخ برطوف ذلك بقوله" إن التعبير هو أننا نعرف كيف نقتل. والمشكلة هي مشكلة وجود يهودي. فإذا حاربت من أجل حياتك، ونجحت في التغلب على القاتل وقتله، فانك تذهب إلى المنزل وتبكى لأنك قتلت إنسانا، ولكنك تفعل ما تفعل لأنه لا خيار، ولكي تستطيع الوجود فنحن مرغمون على القتال". ومعنى هذا على حد قول الأديب الإسرائيلي "بوعز عفرون" "لقد اختبأ الإحساس بالذنب وراء الإحساس بالوجود " وبذلك يكون بطل سامخ يزهار من أولئك الذين يملكون "شعوراً زائفاً بالذنب "، وهو شعور مصطنع لا يعني أي معنى إنساني، وإنما يشكل نوعاً من تفريغ الضمير.

         كذلك من السمات الأساسية التي تميز بطل يزهار بصفة خاصة، العجز على الحسم الأخلاقي، فيعيش حالة من التخبط والبلبلة، وإن وصل إلى درجة التمرد فهو لا يعدو كونه تمرداً داخلياً، لا يستطيع أن يصرح به وسرعان ما ينساق وراء الجماعة مرة أخرى ومشاركتها ما تفعل. وصحيح أنه لا يستكين إلى الجماعة إلى حد الابتلاع لكنه لا يتمرد عليها إلى حد الرفض ، لذلك ثورته لا تتعدى حدود الاحتجاج الداخلي، وهو ما يجعل بطل يزهار مخلوقاً عاجزاً سلبياً ليس لديه القدرة على تحمل المسئولية واتخاذ القرار. ورغم ذلك فإن هذا البطل مفرط في حساسيته وشاعريته، وهو الأمر الذي يؤرقه على الدوام .
       ويقول الإسرائيلي "يوسف لابان" في وصفه لبطل يزهار من هذه الناحية "إن الشخصية الرئيسية في قصص يزهار هي شخصية فردية متطرفة. إنها نموذج منغلق، حالم، مدقق، يتخبط على الدوام، ولا يسير حسب الأصول، ولديه أشواق جارفة غير واضحة حتى لنفسه، نحو عوالم الجمال والطهارة الأخلاقية غير الموجودة". ويقول باروخ نفس المعنى بقوله: "الإنسان عند يزهار، هو دائما ً إنسان فردى، منعزل، حساس، خجول، وملئ بالمخاوف".
 
      كان تناول يزهار للقضايا المختلفة داخل مجتمعه تناولاً جديداً ومغايراً لتناول أبناء جيله من الكتاب ، حتى في علاقة أبطاله ببعضهم البعض ، خاصة في قصص الحرب التي سلك فيها مسلكاً جديداً مبتعداً عن التناول الجسدي والروحاني الذي خالف فيه أبناء جيله ، حيث تناول القضية من زاوية مختلفة تعتبر من أقسى مشاكل الحرب ، وهى الناحية الأخلاقية. وهكذا بصورة بسيطة ، ولكنها رائعة من الناحية الأدبية مسّ يزهار علاقة شخصياته ببعضها البعض ليس بمفردات السياسة ، وإنما من ناحية إنسانية . وبذلك لم يكن اهتمام الكاتب بالحدث الخارجي ـ الذي يستخدم كمجرد إطار بل كان اهتمامه بالإنسان ومكنونات نفسه ، ويستقى في ذلك منابعه الأساسية من الأسس الإنسانية .

المصادر والمراجع الأساسية:
·   ציונית, דינה: נשות ואנשי ספרות ושירה: ס,יזהר, המרכז לטכנולוגיה חינוכית, 2003.
·    שקד, גרשון: ד. בחבלי הזמן ( הריאליזם הישראלי 1938-1980) , הסיפורת העברית 1880 -  1980 , הקיבוץ המאוחד , כתר .
·   الشامي، رشاد عبد الله: الفلسطينيون والإحساس الزائف بالذنب في الأدب الإسرائيلي، دار المستقبل العربي القاهرة، 1988.
 
·       http://www.ynet.co.il/yaan/