Sunday, January 29, 2012

انتحار الليبراليين




   كان من المفترض ـــ في هذا التوقيت تحديدا ـــ أن أتحدث عن واحد من الأحداث الجارية الآن في مصر، مثل الذكرى الأولى للثورة، الخطاب الأخير للمشير، بدء جلسات البرلمان وما شاهدناه من سيرك سياسي يدعو للقلق ويبعث على الأمل في نفس الوقت، كان من المفترض أن أتحدث عن نشوز الإخوان، عن جرائم المجلس الحاكم، عن الملاحقات الموتورة للثوار والناشطين، أو الكوميديا السوداء في المحاكمات، عن البرادعي الذي يسبق الكثيرين بفكره سنوات ضوئية، عن قانون الأزهر المطبوخ، عن قانون الطوارئ المرفوع قولا لا حقيقة، لكني آثرت أن أترك كل هذه القضايا والمسائل وأتطرق إلى موضوع آخر يتعلق بحال ومستقبل التيار الليبرالي السياسي في مصر خاصة بعد انتخابات مجلس الشعب.
لم أُعنوِن المقال بـ "الليبرالية المُفترَى عليها" لعدة أسباب، أولها أن هذا العنوان تكرر كثيرا، ثانيها أنني لن أتناول تشويه الليبرالية وأنصارها من المعارضين لها، وثالثا لأن الأمر لم يعد مجرد افتراء أو تشويه، بل تعداه إلى انتحار الليبراليين أنفسهم، فأُعبِّر في المقال عن نوع من النقد الذاتي لأنصار الليبرالية ــ وأنا منهم ــ وأتساءل: لماذا يصرع الليبراليون أنفسهم، لماذا يقفون في مرمى النيران بيدهم لا بيد غيرهم؟!.
ولذلك لن أتحدث في المقال عن تعريف الليبرالية، أو عن دور أنصارها في الثورة المصرية، لن أتحدث عن الحملات المسعورة ضدها، أو عن تعريفها من قبل المنتسبين لتيارات دينية، ليظهر أنصارها أمام المجتمع عبارة عن مجموعة مارقة لديها شبق جنسي شاذ، وتستحب التظاهرات العارية على الدراجات، تكره الحجاب، وتعيش على أموال أجنبية، ناهيك عن التوأمة السرية مع اللهو الخفي المُسمَى تجاريا بـ "الماسونية"، فلست ممن يجيدون الكتابات الساخرة.
يرى الكثيرون أن نتائج انتخابات مجلس الشعب جاءت بنتائج مخيبة للآمال بالنسبة للتيار الليبرالي، ولست من بين هؤلاء، فأنا أرى أن الليبرالية حققت إنجازا كبيرا في المعركة الانتخابية بالنظر إلى حملات الافتراء والتشكيك والتكفير، وعدم التوعية، وسوء إدارة العملية الانتخابية، وغياب تكافؤ الفرص بين التكتلات السياسية المتنافسة، وقبل كل هذا الأخطاء الكارثية لليبراليين أنفسهم.
لم تتعد نسبة الليبراليين في مجلس الشعب نسبة الـ 20% بالمائة، موزعة على أربعة تكتلات هي الوفد والكتلة المصرية وتحالف الثورة مستمرة، والعدل، إضافة إلى مستقلين، وهذا ما لا يقارن بما حققه التيار المحافظ (المُعروف إعلاميا بالإسلامي) الذي سيطر على ما يقرب من 70% من المقاعد.
طالما بدأتُ بالحديث عن مجلس الشعب والنتائج، فأتطرق أولا إلى جرائم الأحزاب والكيانات الليبرالية، والبداية مع حزب الوفد الذي صار تاريخا ليس له مستقبل، بخلاف ما روجه في دعايته الانتخابية، هذا الحزب الذي كان عريقا ربما هو أول كيان سياسي رفع لواء الليبرالية في مصر، لكنه وصل الآن على يد زعيمه البدوي وزمرته إلى مرتبة الحزب الكارتوني الأول في مصر، فلم يعد خافيا على أحد أن الوفد تحت رئاسة السيد البدوي كان ذراعا للحزب غير الوطني المنحل، وبعد الثورة ظن الوفديون الجدد أن حزبهم عاد ليتقلد الزعامة من جديد، وذلك قبل أن يخرج الوحش الديني من كهفه، فتأسس حزب الحرية والعدالة ممثلا عن جماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور ممثلا عن من يكنون أنفسهم بالسلفيين، ومن ثم توارى الوفد فورا ومجددا خلفهما، وعاد ظلا كما كان قبل الثورة، وعندما وجد الوفديون أن التوازنات السياسية ليست في صالحهم؛ حاولوا تصحيح الأمور، لكنهم بدلا من "تكحيلها" "عموها"، فكان الحل الأولي السهل المتمثل في كسب ود المجلس العسكري في مناسبات عديدة، وعندما اقتربت الانتخابات ولم يجد الوفد في صفوفه من يمثله اتجه لجمع شتات أعضاء الحزب المنحل، وهو ما زاد الطين بلا، لكن كل هذا لا يقارن بالحركة الانتحارية الأخيرة، بعد مغازلة الوفد لجماعة الإخوان المسلمين وسعيه للتحالف مع الحرية والعدالة ثم تملصهم من التحالف سريعا، شخصيا لا أعترض على تحالف حزب ليبرالي مع الإخوان أو غيرهم من الجماعات الدينية، خاصة في هذه الظروف التي تمر بها مصر، والتي تحتاج إلى تضافر القوى والاتحاد، ولكني أعترض على إنكار الوفد أيديولوجيته الليبرالية، والتهرب منها كأنها جريمة مخلة بالشرف، وذلك ابتغاء لبضعة مقاعد برلمانية وشرف مصطنع، وتمسح بالقوى السياسية المسيطرة على الشارع.
نفس جرائم الوفد تقريبا ارتكبتها الكتلة المصرية، على رأسها احتضان الفلول، إضافة إلى التحالف مع حزب التجمع الذي لا يختلف كثيرا عن الوفد في تصنعه المعارضة قبل الثورة، وارتضاء قادته بفتات الحزب المُنحل، لكن أخطاء الكتلة المصرية أفظع من الوفد، لأن اثنين من أحزابها الثلاثة تأسسا بعد الثورة، وكان مأمولا منهما أن يكونا أكثر مسئولية وتنظيما، بل كان منتظرا منهما من البداية أن يكونا حزبا واحدا، بدلا من التشتت والانقسام، لكن يبدو أن مؤسسي الحزبين آثروا أن يكون كل منهم زعيما أو قائدا بدلا من وقوفهم في صف واحد، وهذا ما يجعلني أُعمم الخطأ على باقي الأحزاب والتكتلات الليبرالية، لماذا لم تستغل هذه الكيانات حالة التوحد بعد الثورة لتأسيس حزب واحد يستطيع المنافسة بقوة في الانتخابات البرلمانية؟ لماذا تشتت الليبراليون، وتنازعوا ففشلوا وذهبت ريحهم في أحزاب صغيرة لا تستطيع الصمود، لماذا لم ينضوِ أعضاء الجبهة الديمقراطية مع المصريين الأحرار مع المصري الديمقراطي الاجتماعي مع مصر الحرية مع العدل مع الوعي مع غد الثورة مع التيار المصري، وغيرهم من المستقلين تحت راية واحدة؟ وما يبعث على المرارة أكثر أن أعضاء هذه الأحزاب يقولون ما لا يفعلون، ويظهرون الجانب السيئ فيهم، بل ويدهسون كثيرا من مبادئ الليبرالية تحت أرجلهم، والاتهام هنا أوجهه إلى المصري الديمقراطي الاجتماعي وحليفه المصريين الأحرار، فالأول دخل الحلبة السياسية بقوة إيجابية معتمدا على كوادر أكاديمية مؤيدة بقوة للثورة، لكن هذه الكوادر نفسها في رأيي تجذب الحزب بقوة للوراء، على الجانب الشخصي أحترم بشدة د. محمد أبو الغار، ود. عماد جاد، لكن هذا الثنائي يرتكب أخطاء جمّة، على رأسها تصدرهما وحدهما تقريبا للمشهد في الحزب، فعندما أتوجه بناظري إلى حزب ليبرالي تأسس بعد ثورة قادها شباب أنتظر أن يقوده شباب، وأن يتوارى الثنائي الأكاديمي المخضرم خلف الستار، لينحصر دورهما في التخطيط والتوجيه والنصح، بدلا من انتشارهما المبالغ فيه أمام الكاميرات التلفزيونية وفي الأخبار الصحفية، إضافة إلى أن التدرج الهرمي في الحزب يحمل في نظري قدرا من الطبقية المرفوضة، حيث يقف في صدارة الحزب مجموعة من الأكاديميين والجامعيين، في حين لا نكاد نرى دورا لبقية أعضاء الحزب، ومن المؤكد أن الأكاديمي المتميز لا يمكن بالضرورة أن يكون سياسيا ماهرا.
 وربما تبدو الصورة أفضل قليلا بالنسبة للمصريين الأحرار، لكن الحزبين معا يرتكبان الحماقة الكبرى، والتي ربما ورثاها عن حليفهما د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع الآيل للسقوط، وهي مهاجمتهما للتيار الديني بداعٍ أو بدون داع، دون أن يأخذا على عاتقيهما محاولة إيجاد حلول عملية للمنافسة وأخذ زمام المبادرة من التيارات المتحدثة باسم الدين، والتي أختلف معها تماما، بل وأعتبرها من معوقات نجاح الثورة في مصر، ولكن ماذا قدمت الأحزاب والكيانات الليبرالية للشارع؟ لماذا تدخل في صراع سفسطي وجعجعة سياسية مع القوى المنتصرة اعتمادا على مبدأ :" شيلوه من فوقي وأنا أضربه"؟!.
الإنصاف يقتضي منا أن نقول أن التيارات الدينية قدمت للمواطن المصري كثيرا مما يحتاجه في ظل غياب دور الحكومات المتعاقبة، في حين لم تقدم الأحزاب الليبرالية شيئا، لم تحسن من صورتها بطريقة عملية، لم تتقرب من المواطن العادي، بل فضل مؤيدوها الظهور في الفضائيات والصحف من أجل التنظير والتثقيف وتعليم المصري ما لا يستطيع إدراكه بمفرده، مكتفين بدور النخبة والصفوة التي ترتدي البذات الفاخرة، وتتحدث بلغة متعالية على الجميع، رغم معرفتي الأكيدة أن كوكب المريخ ليس موطنا لهؤلاء، بل دولة مصر الكائنة في منتصف الكرة الأرضية، والتي ترزح تحت الفقر والجهل، لكنها في ذات الوقت لا تستسيغ من يتعاملون مع أهلها البسطاء بدونية في الملبس والحديث والتعامل.
 لذلك أشعر بضيق شديد حينما يتحدث أبو الغار، أو عماد جاد، أو محمد أبو حامد بلهجة الشاكي المتباكي، مُصرّين على أنهم ملائكة يعانون من منافسة غير شريفة تخوضها التيارات الدينية، في حين تؤكد جميع الشواهد أن الكتلة المصرية والوفد الآيل للسقوط ارتكبا نفس التجاوزات التي ارتكبتها الأحزاب الدينية في معركة الانتخابات، ولكن ربما بصورة أقل، هذا لا يجعلني متفقا مع هذه التيارات التي تتخذ من الإسلام مطية لتحقيق مطامعها السياسية، ولكن يجب أن ننظر للواقع الذي يؤكد سيطرة الحرية والعدالة والنور على الأغلبية في مجلس الشعب، وبالتالي لهم الحق في قيادة المسيرة السياسية.
من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها الليبراليون ـــ أحزابا ومستقلين ــ أنهم تركوا الحبل على الغارب لكل من يتحدث نيابة عنهم، فلا أدري من منح نجيب ساويرس لقب راعي الليبرالية في مصر، وهو لا يتعدى كونه رجل أعمال داهن نظام مبارك كثيرا، والآن يحاول جاهدا تقلد منصب الثائر، لا أدري هل إنفاقه على الكتلة المصرية يعطيه صلاحية الكلام، ليهدم كل ما ينجح الليبراليون في بنائه؟ ونتائج المراحل الانتخابية الثلاثة أبرز شاهد على هذا، حيث تقهقرت الكتلة المصرية بشدة في المرحلتين الثانية والثالثة بعد التصريحات الهوجاء لنجيب ساويرس، ونجم الإعلام عماد جاد.
الأمر ليس مقتصرا على أعضاء الأحزاب الليبرالية فحسب، بل يتهور كثيرا من المستقلين في أفعال وأقوال تحط من شأن التيار الليبرالي بكامله، وممدوح حمزة من أبرز الأمثلة على هذا، إضافة لبعض سقطات الليبراليين من الثوار، وتقوقعهم في خندق العالم الافتراضي، دون مواجهة العالم الحقيقي الذي يتفاعل إيجابيا مع المتعاملين معه برفق، ببساطة، بتواضع، ويحتقر من يرفعون شعارات الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير؛ في حين أنهم اعتبروا اختيار الأكثرية من المصريين نوعا من السذاجة الشعبية الناتجة عن جهل وتغييب .
أيها الليبراليون كفاكم عبثا وتسفيها لمبادئ التيار، انظروا للواقع بإنصاف وتعقل، لا تقفوا في مواجهة الآخر المستعد المسيطر دون سلاح، دون التمسك بالقيم الإيجابية لليبرالية، دون الاتحاد، دون احترام المواطن المصري، لا تُضيقوا الخناق أكثر على رقبة الليبرالية المصرية، وإلا ستعود مصر قرونا إلى الوراء، أرجوكم لا تنتحروا سياسيا، فالأمل يلوح في الأفق.
معا سنغير

منشور في موقع قناة نريد:

Saturday, January 21, 2012

لماذا الثورة مستمرة...في الدقهلية

ربما يعتبر البعض أن ما حصل عليه التحالف المكون من شباب غير منتمين إلى أحزاب عتيقة -قدما أو ثقلا سياسيا - قليل أو لا يتناسب مع طموح الثوار ونظرتهم الحالمة إلى هذاالتحالف، غير أنني أعتقد أن تحالف الثورة مستمرة هو الذي منح الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الثورة بريقا ووهجا لامعا، فحين ننظر بتأمل إلى هذا التحالف وما حققه من نتائج إيجابية مقارنة بغيره من الجماعات والأحزاب نتأكد على الفور أن الثورة مستمرة فعلا لا قولا.

تحالف الثورة مستمرة الذي باركه وسانده د. محمد غنيم الغني عن التعريف؛ واجه ظروفا قاسية، وتحديات كبيرة، تمثلت في تدهور شعبية الثورة لدى قطاع من الشعب بفضل السياسة الإعلامية المباركية التي لا تزال فاعلة، إضافة إلى النقص الرهيب في التمويل، مما حد كثيرا من الحملات الدعائية للتحالف، ناهيك عن المنافسة الشرسة من التكتلات السياسية الديناصورية متمثلة في حزب الحرية والعدالة وحزب النور، والكتلة المصرية، وعشرات الأحزاب الأخرى هذا غير حشود الفلول والمستقلين.

تدرجت نتائج تحالف الثورة مستمرة تصاعديا في المراحل الانتخابية، إلى أن وصلت إلى أعلاها في المرحلة الثالثة، وحصل التحالف على نصيب الأسد من الأصوات في محافظة الدقهلية، ففيالدائرة الأولى (المنصورة ومركز المنصورة وطلخا وبلقاس وجمصة ونبروه) جاءت قائمة الثورة مستمرة في المرتبة الثالثة بعد قائمة الحرية والعدالة وقائمة النور، متفوقةعلى الوفد بتاريخه والكتلة بدعايتها والفلول بأحزابهم الجديدة المستنسخة من الحزب الوطني المنحل، وفي الدائرة الثانية (دكرنس ومنية النصر والمنزلة ومنية النصر وميتسلسيل والمطرية والجمالية) حصلت الثورة مستمرة على  المركز الرابع بعد الحرية والعدالة والنور والوفد، أما بقية الدوائر في المحافظة فلم يتحصل فيها تحالف الثورة مستمرة علىنتائج أفضل من الدائرتين السابقتين، ولكن لا يجب إنكار الإنجاز الذي تحقق، والذي كانت له مؤشرات تابعتها أثناء الدعاية في الدائرتين سالفتي الذكر، كوني مقيما في المنصورة (الدائرة الأولى)، غير أنني أعطيت صوتي في الدائرة الثانية (قرية العصافرة التابعة لمدينة المطرية دقهلية) لأنها محل ميلادي الذي آثرت ألا أغيره آملا أن أضع صوتي في مسقط رأسي خلال انتخابات نزيهة وهو ما تحقق الآن بعد الثورة ولله الحمد.

ربما السبب الأول في تحقيق تحالف الثورة مستمرة نتائج إيجابية في الدقهلية على وجه الخصوص هوتدعيم رائد زراعات الكلى د. محمد غنيم "الدقهلاوي" الأصيل الذي فضّل الوقوف بجانب مجموعات من الشباب النضر عن الارتباط بالكتلة المصرية، وكان لوجود د.غنيم مفعول السحر، نظرا لسمعته الطيبة، وقناعة الكثيرين بفكره واحترامهم لتاريخه المهني والنضالي.
ولم يحظتحالف الثورة مستمرة بدعم د. غنيم فحسب، بل وقف بجانبهم أيضا عبد الحكيم عبدالناصر، ابن الزعيم الراحل الآثر للقلوب، يكفي أن أشير إلى زيارته لقريتنا أثناء حملات الدعاية ومشهد أهل القرية وهم يتدافعون حشودا حشودا للترحيب بالرجل والترحم على والده الذي ظهر جليا الآن كم كان زعيما محبوبا من الشعب المصري أكثر من خلفيه السادات والمخلوع، فكان وجود اسم عبد الحكيم عبد الناصر بين المؤيدين لتحالف الثورة مستمرة دافعا قويا للجماهير كي تعطي أصواتها بثقة وأريحية لهؤلاء الشباب.
ما زاد من شعبية التحالف هو مؤتمر الدعم الأخير في مدينة المنصورة والذي حضره د. غنيم والناشط المناضل جورج اسحق بابتسامته التي لا تفارقه، ومخزون الثقافة والفكر د.محمد المخزنجي الذي يتميز بصنف من الكتابات قلما تجد لها مثيلا، ناهيك عن تاريخه السياسي النضالي، إضافة إلى وجود فرقة اسكندريلا الغنائية الثورية.
كل ما سبق لايجب أن يُنسينا أن تحالف الثورة مستمرة لم يكن ليحقق هذه النتائج الجيدة لولا وجود أسماء محترمة ولامعة على قوائمه، معظمهم من الشباب المكافح المثقف المناضل الذيحمل على عاتقه الدفاع عن الثورة المصرية المجيدة دون التكالب على الحصانة والكرسيالبرلماني، فبدت المنافسة بين الثورة مستمرة وبقية القوائم كالصراع بين ظبي رشيق ومجموعة من الوحوش، خاصة وأن شباب التحالف صمموا على خوض المعركة الانتخابية بمثالية شديدة، ونبل أميري في مقابل تعديات وتجاوزات وأموال طائلة تُنفق بلا رقيب.
ربما تندهش أيها القارئ من كلامي وتتعجب لأنني أشيد بنتائج الثورة مستمرة في الدقهلية رغم عدم حصوله إلا على أربعة مقاعد، ولكني أعتبر هذه المقاعد الأربعة لقمة انتُزِعت من فم الأسد، وأظنها إشارة مطمئنة على أن الثورة ...مستمرة.




Sunday, January 08, 2012

الكاريزما والليبرالية في الانتخابات البرلمانية





بانتهاء المراحل الثلاثة للانتخابات البرلمانية الأولى بعد الثورة بدت الصورة قاتمة إلى حد ما بالنسبة لأنصار التيار الليبرالي، ففي أول انتخابات تبدو نزيهة في مصر سيطر التيار المحافظ - بشقيه الإخواني والسلفي- على ما يزيد عن نصف مقاعد مجلس الشعب، وهي النتيجة التي أظهرت سيطرة التيار المتحدث باسم الدين، والعكس بالنسبة للتيارات الأخرى.
ما أود الحديث عنه هو كيف نجح بعض الليبراليين في الوصول إلى البرلمان رغم أخطائهم وضعف إمكانياتهم وتشويه سمعتهم،وربما يمكنني أن أسلط الضوء على مجموعة بعينها من الفائزين بمقاعد في البرلمان، والتي يمكننا أن نستشف من نجاحهم دلالات إيجابية عمرو حمزاوي، مصطفى النجار، عمرو الشوبكي، والفائزين من تحالف الثورة مستمرة.
خاض د. عمرو حمزاوي المعركة الانتخابية في المرحلة الأولى بالدائرة الرابعة بمحافظة القاهرة، والحقيقة أنه رغم فوزه باكتساح فإن المنافسة لم تكن هينة أبدا، فشخصية د. عمرو حمزاوي أثارت جدلا واسعا في جميع الأوساط السياسية منذ يناير 2011 وحتى الآن، بآرائه، وأيديولوجياته، وتصريحاته السياسية والاجتماعية، حتى أنه أثار جدلا بسبب مظهره وحياته الخاصة، كل هذا سلط عليه الأضواء فنال استحسان وإعجاب الكثيرين، كما نال هجوم البعض، ولم يكن هجوما طبيعيا بل كان ضاريا، حيث تعرض لحرب شعواء وصلت لحد التشكيك في ديانته والخوض في مسائل شخصية تخص عائلته وحياته العاطفية.
وفي هذه الأجواء الرهيبة من التخوين والتشكيك، بل والتكفير ينجح حمزاوي باكتساح، وربما يمكننا أن نربط بين فوز حمزاوي وخسارة القطب السلفي عبد المنعم الشحات، فقد آثرت دائرة حمزاوي عدم الالتفات إلى حملة الإشاعات البربرية، وفضلت رجلا يؤمن بقيم الحضارة والعلم والثقافة بعيدا عن حياته الخاصة التي لا تهم غيره، أما عبد المنعم الشحات فقد أجمعت كل القوى على ضرورة إسقاطه ــ وإجماعهم يبعث على الأمل ــ كونه رجلا يضر أكثر مما ينفع،عارض الثورة، حرَّم الديمقراطية، عادى الثقافة والأدب، الإسلام لا يدعو لتكفير الجميع وتحريم كل شيء، بل إنسقوط هذا الشحات قد يُحَسِّن الصورة العامة لمن يلقبون أنفسهم بالسلفيين، فلم ينتصر الإسلام بفوز السلفيين في الانتخابات كما صرح هذا الشحات، ولم ينهزم بهزيمته.
ولفوز حمزاوي دلالات ذات أهمية كبيرة، على رأسها فوزه في دائرة حضرية، وهو ما يعطي مؤشرا هاما على تأثير المدنية ومستوى التعليم على الفكر العام للناخبين، كما يجب أن نشير إلى أن حمزاوي أدار حملته الانتخابية بقدر عال من الحرفية والاقتدار مستعينا بالعلوم السياسية والأساليب الدعائية الحديثة، ومدعوما بحشود من الشباب المؤمنين بالعلم والحضارة والثورة.
الفائز الثاني هو د. مصطفى النجار أحد مؤسسي حزب العدل، والناشط السياسي الذي ذاق مرارة سجون مبارك المخلوع، فاز النجار في جولة الإعادة على مرشح التيار المحافظ محمد يسري عن دائرة مدينة نصر، وقد أصابه بعضا مما أصاب عمرو حمزاوي من التخوين والتشكيك والتكفير، غير أنه نجح في إدارة حملة انتخابية بأسلوب حضاري راق، ومما يميز مصطفى النجار الهدوء والاتزان العقلي، غير أن أكثر ما أسعدني شخصيا في فوزه هو أنه لم يتعد الثانية والثلاثين من عمره، تخيل أنه في مصر شاب ثائر يؤسس حزبا معظم المنتسبين له شباب ويحصل على مقعد بمجلس الشعب، حالة كنا نتمنى تكرارها بعد الثورة لنتخلص من "دولة العواجيز"، ولكنها لم تتكرركثيرا بسبب ضيق ذات يد الشباب، وعدم قدرتهم على تحمل أعباء الدعاية الانتخابية،  وضراوة حملات التشويه التي تعرضوا لها، زِد على ذلك عدم إيمان قطاع كبير من الشعب بقدرة الشباب على تولي القيادة في مصر.  
لم يختلف الحال كثيرا في حالة د. عمرو الشوبكي (المستقل عضو اللجنة الاستشارية لحزب العدل) الذي فاز في دائرة الدقي والعجوزة وإمبابة على مرشح الإخوان عمرو دراج في منافسة شرسة محترمة، تجلت فيها القدرات السياسية للمتنافسيْن، ولكن يختلف وضع د. عمرو الشوبكي عن سابقيه حمزاوي والنجار في أنه لم يواجَه بحملات تخوين وتشكيك كالتي واجهها الأخيرين، إضافة إلى أنه لا ينتمي إلى حزب سياسي (حمزاوي مستقل لكنه يؤسس حزب مصر الحرية)، ولقى نجاح الشوبكي استحسانا وفرحا شديدين في الأوساط السياسية نظرا لما يتمتع به من خبرة سياسية، واحترام الكثيرين له.
يعتبر تحالف الثورة مستمرة النموذج الأكثر إيجابية الممثل للتيارالليبرالي المنفتح الذي يخوض الانتخابات، مجموعات من الشباب وقف بجانبهم د. محمد غنيم رائد زراعات الكلى في مصر والمناضل السياسي الذي آمن بالشباب ورفض أن يخوض معركة الانتخابات مفضلا تقديم الشباب ومساندتهم، ومعترفا بأحقيتهم في الوصول للبرلمان الأول بعد الثورة.
رفض د. غنيم الارتباط بالكتلة المصرية بعدما وضعت على قوائمها بعضا من فلول الحزب الوطني المنحل وفضّل مؤازرة الشباب المغمورين الحالمين المؤمنين بالثورة، وربما يعتقد البعض أن ما حققه تحالف الثورة مستمرة لا يمكن مقارنته بالكيانات الدينية، غير أنني أعتقد أن حصول التحالف على ثمانية مقاعد برلمانية في هذه الظروف الصعبة هو إنجاز يستحق الإشادة، فقد عانى التحالف من نقص التمويل، والاصطدام بمرشحي الإخوان والسلفيين والكتلة والوفد والفلول والمستقلين، ناهيك عن حملة التشويه البائسة التي تعرض لها د. غنيم شخصيا.
لم يكن د. غنيم هو الداعم الوحيد لتحالف الثورة مستمرة، بل سانده أيضا الكثير من الشخصيات السياسية والعامة، وربما كان تأييد عبد الحكيم عبد الناصر عاملا شديد الأهمية، فوجود ابن الزعيم الراحل عبد الناصر في صفوف المؤيدين أعطى للتحالف دفعة قوية للأمام، وإن دل هذا على شيء إنما يدل على شعبية ناصر الطاغية الباقية لدى قطاع عريض من المواطنين في مصر، وهو ما لمسته بنفسي حينما ذهب عبد الحكيم عبد الناصر إلى مسقط رأسي في جولة تأييد لتحالف الثورة مستمرة وبصحبته د. غنيم.
كان النجاح البسيط الذي حققه تحالف الثورة مستمرة في الانتخابات البرلمانية راجعا بشكل واضح إلى الكاريزما الجاذبة التي يتمتع بها الثنائي غنيم وعبد الحكيم، كما أنها سبب رئيسي في نجاح الثلاثي حمزاوي و النجار والشوبكي.
نجح حمزاوي والنجار والشوبكي وتحالف الثورة في الحصول على بعض مقاعد البرلمان رغم وقوعهم في مطحنة انتخابية لا ترحم بفضل الوعي (في المناطق الحضرية خاصة) بفضل الفكر المستنير، بفضل تغليب المصلحة العامة، بفضل الإدارة الشريفة للمعركة الانتخابية، وهو ما يعطي أملا (لي على الأقل) في نجاح التيار الليبرالي المستنير آجلا، إذا ما توفرت له الظروف المواتية المتمثلة أولا وقبل كل شيء في الثقافة والوعي الجماهيري. الثورة في التنوير... وكل عام وأنتم بخير.
يتبقى لي أن أتطرق بالحديث إلى حزب الوفد الكتلة المصرية بصفتهما الممثليْن الرئيسيْن الليبرالية في الانتخابات، غير أن نتائجهما جاءت مخيبة للآمال بيدهم لا بيد غيرهم من المنافسين، فحزب الوفد (حصل على 42مقعدا) طُمِست أيديولوجيته الليبرالية، و فقد زعامته التاريخية على يد قيادته الحالية التي جعلت منه مجرد حزب كارتوني في عهد نظام مبارك، وحزب بلا هوية أو مواقف ثابتة بعد الثورة، أما الكتلة المصرية (حصلت على 29 مقعدا) فقد صرعت نفسها في الانتخابات بعدما جعل قادتها جُل همهم في مهاجمة التيار الديني، وأفسحوا مكانا للفلول على قوائمهم، وتركوا الحبل على الغارب لنجيب ساويرس ليهدم بتصريحاته كل نجاح تحققه الكتلة، فصار شوكة في الظهر، بالإضافة لاتحادهم مع حزب التجمع الميت إكلينيكيا منذ سنوات.
في النهاية أعتقد أن مستقبل التيار الليبرالي في مصر سيكون أفضل حالا إذا ما اتحد أنصاره، وكفوا عن البكاء على اللبن المسكوب، إذا ما زاد الوعي والثقافة في المجتمع المصري الذي عانى كثيرا في عهد مبارك ووجد كثير من أفرادهم ملاذهم الوحيد في الارتماء في أحضان التيار الديني.

منشور في موقع قناة نريد: