Monday, June 09, 2014

الإعلام الإسرائيلي الموجه وخرافة الريادة العربية


محمد عبد الدايم
أكاديمي وباحث بجامعة المنصورة

النسخة الكاملة للمقال المنشور على موقع العربي الجديد بعنوان: العبرية على مرمى حجر:

الحديث في هذا المقال ليس عن القنوات الفضائية المصرية التي انتشرت كالسرطان، تضر ولا تنفع، تثير الغثيان ولا تفيد، الحديث ليس عن منظومة الإعلام الحكومية التي وصلت للدرك الأسفل من الفشل، والحقيقة أنها كانت منذ نشأتها فاشلة كونها صنعة أنظمة شمولية تستخدم الإعلام كأداة من أدوات الكذب والتضليل. الحديثي هنا ليس عن الصراع الخفي بين "الجزيرة" القطرية و"العربية" السعودية و"سكاي نيوز" الإماراتية، وإنما ينصب الحديث على نقطة أخرى: الإعلام العربي الموجه لإسرائيل، وخرافة الريادة المصرية التي أصبحت مجرد ريادة في الردح السياسي اليومي.على الصعيد الإعلامي؛ تعمل إسرائيل بكل جدية وصمت على اختراق البيت المصري والعربي بوسائل إعلامها المقروءة والمسموعة والمرئية، والحقيقة أنها ناجحة بشكل كبير، إذا تم عمل استطلاعات رأي أو حساب لعدد المتابعين المصريين والعرب لإذاعة "صوت إسرائيل بالعربية" التي تذيع على مدار الساعة أغاني كبار المطربين المصريين، أو القناة "33" الإسرائيلية التي تعرض معظم برامجها باللغة العربية، إضافة إلى فيلم من روائع السينما المصرية كل أسبوع، ستجد آلافا من المصريين والعرب يستمعون ويشاهدون ويستمتعون، إذا قرأت أن القناة الأولى الإسرائيلية ستذيع معظم مباريات كأس العالم 2014 بالبرازيل مجانا للجمهور الإسرائيلي؛ ستجد أن آلافا من المشاهدين سيسعون لتركيب القمر الإسرائيلي "عاموس" ليستمتعوا بمشاهدة البطولة العالمية الأولى، مع الاستعانة بتعليق بالعربية على راديو، بعيدا عن الاحتكار التعجيزي لشبكة قنوات "الجزيرة" التي أصبحت "بيين سبورت".تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت، لتفاجأ بكمية الصفحات الإخبارية السياسية والثقافية والاجتماعية الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية، والتي تأسست لتوجه نحو المواطن الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي، والمواطن العربي في الأمصار الناطقة بالعربية، على شبكات التواصل الاجتماعي ستجد صفحات بالعربية لرئيس إسرائيل، ورئيس الوزراء، ومعظم الوزارات الإسرائيلية، وصفحة للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، وصفحات فنية واجتماعية كثيرة، وكلها يشترك في متابعتها آلاف من المصريين والعرب، بدراية أو بدون وعي، انظر من فضلك لصفحة "إسرائيل بدون رقابة" أو "إسرائيل بالعربية" كي تعرف كمية المتابعين العرب، انظر لمدى انتشار موقع "المصدر" الإسرائيلي الناطق بالعربية، وكم يتابعه من المنتمين للوطن العربي.
المشكلة ليست في المتابعة بحد ذاتها، وإنما لأن كثيرا من المتابعين معجبون بالفعل بمحتوى وسائل الإعلام الإسرائيلية الناطقة بالعربية، والموجهة خصيصا لهم، والتي تهدف لاستقطابهم فكريا، وليس مخابراتيا، ونيل استحسانهم ومتابعتهم الدائمة، لا أتحدث عن المعالجة السطحية لهذه الإشكالية، والتي يعزوها كثير من السطحيين إلى تغلغل إسرائيل وتجسسها علينا عبر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وسقوط الكثير من شبابنا ضحية الفخ الإسرائيلي "الموسادي"، فالتجسس المخابراتي لم يعد بحاجة لهذه الوسائل الساذجة التي مازال إعلامنا يروج لها، (لعلك تتذكر الإعلان المصري الكارثي الذي تمت إذاعته بعيد ثورة 25 يناير عن الجواسيس الذين يتجولون في شوارعنا وكيف نقبض عليهم) القضية هنا تتمثل في أن دولة صغيرة انزرعت في قلب الوطن العربي، استطاعت منظومتها الإعلامية أن تتوغل وتنتشر وتنجح في توصيل رسالة ورؤية إلى المواطن المصري والعربي، وفي المقابل نجحنا نحن في كسر الرقم القياسي في الفشل الإعلامي الذريع، كل هذه القنوات والإذاعات والمواقع والصفحات والجرائد والمجلات والتطبيقات، وليس من بينها وسيلة واحدة ناجحة يمكن التعويل عليها كي تصبح وسيلة إعلام موجهة للجمهور الإسرائيلي.عشرات الآلاف من الشباب يتخرجون سنويا من الجامعات المصرية، يحملون شهادة الليسانس في اللغة العبرية وآدابها، وآلاف يحملون درجات الماجستير والدكتوراه في نفس التخصص، ولا تجد من بينهم من يتحدث العبرية بطلاقة سوى نذر يسير لا يُعد على أصابع اليدين سنويا، وحتى هؤلاء لا نستفيد منهم في بناء منظومة إعلامية موجهة، فيتجه هؤلاء المقهورون للعمل في أي مكان بعيدا عن تخصصهم، ومن يعمل في مجال تخصصه يتجه لمهنة الدروس الخصوصية للطلبة المستجدين في أقسام العبرية، أو يترجم من الصحف الإسرائيلية دون تعمق أو فهم واع لصالح جريدة أو موقع إخباري.
حتى الآن مازالت كثير من الجوانب في المجتمع الإسرائيلي غامضة بالنسبة لنا، وفي المقابل تدرك وسائل الإعلام الإسرائيلية اهتماماتنا واحتياجاتنا، فتذيع على قنواتها وإذاعاتها وتنشر على صفحاتها ومواقعها ما يجذب المواطن العربي من فنون وثقافة وأدب وأخبار، ونحن مازلنا نتحدث فقط عن العدو الإسرائيلي، الكيان الصهيوني، الاحتلال، دون تجديد خطاب، ودون التعمق في الشأن الإسرائيلي والواقع المعيش، ودون التوجه للجانب الإسرائيلي بإعلام بلغته.تتمثل خرافة الريادة الإعلامية المصرية في سياسات صفوت الشريف، وزير الإعلام المصري الأسبق، الذي جعل – وكل من جاء بعده -  من الإعلام المصري أضحوكة ومسخا، وفي فترة غابرة من الزمان كانت قناة النيل الدولية أحد المنابر الإعلامية الموجهة، والتي تتحدث بالإنجليزية، إضافة إلى جزء من إرسالها ناطق بالعبرية، فكان يظهر على الشاشة مقدمو نشرة إخبارية بالعبرية، طبعا لم تحقق التجربة نجاحا لأنها جاءت بشكل سطحي وضحل، رغم أن العاملين في هذا القسم معروف عنهم الكفاءة والطلاقة اللغوية العبرية، ومنهم من يعمل مترجما فوريا، ولأن التجربة فشلت تم إلغاء فقرة النشرة الإخبارية بالعبرية من قناة النيل واستبدالها بموقع إلكتروني إخباري مصري بالعبرية، وأزعم أنه لا يتابعه أحد من الجانب الإسرائيلي، ولا العاملين في مجال العبرية بمصر، ولم يتم تدشين هذا المشروع إلا لأنهم لم يجدوا مجالا مناسبا لهؤلاء العاملين المتميزين المتحدثين بالعبرية، باعتبارهم أولا وأخيرا "موظفين" حكوميين لا يمكن الاستغناء عنهم.وأؤكد مرة أخرى على مقدرة وتميز المتحدثين بالعبرية في ماسبيرو، فأنا أعرف بعضهم، إضافة لكثير من الشباب الخريجين من أقسام اللغات الشرقية واللغة العبرية بجامعات مصر، وأرى أنه يمكن الاستفادة من إمكانياتهم بمنهجية إعلامية محترفة، بدلا من توجههم للآخر ليتحدثون معه بلغته، وبدلا من ترك المجال مفتوحا للإعلام الإسرائيلي الموجه ليسيطر على عقولنا بلسان عربي مبين. 

No comments:

Post a Comment