منشور في الحوار المتمدن
منشور في موقع صحيفة المشهد
عندما نتكلم عن مكانة المرأة في الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام؛ سيطول بنا الحديث كثيراً ، وهذا ما لا يتسع له المقام هنا، ومن المؤكد أن الديانات السماوية تتشابه فيها بعض التشريعات الخاصة بالمرأة، وهناك كذلك مجموعة أخرى من التشريعات التي تختلف من ديانة إلى أخرى، وتتفاوت في بعض الحدود والأنماط.
إذا كان الإسلام هو الدين الوحيد الذي تنتشر فيه ظاهرة حجاب المرأة على نطاق واسع؛ فذلك لا يعنى أنه الدين الوحيد الذي فُرض فيه على النساء ارتداء الحجاب، فاليهودية – قبل المسيحية والإسلام- قد وضعت تشريعات دينية تفرض على المرأة ارتداء غطاء رأس يستر شعرها ، وهو – وفقًا للشريعة اليهودية- من المفاتن أو العورات التي من شأنها أن تثير الرجال من وجهة النظر اليهودية ، ومن ثم تقع الغواية والفتنة.
في السطور القادمة أستعرض بإيجاز تشريعات غطاء رأس المرأة في اليهودية، ومدى تطبيق هذه التشريعات الدينية في الواقع العملي الراهن، وهل تتسم هذه التشريعات – أو بعضها- بالغُلو أو التساهل، أم أنها معتدلة في مجملها، وهذا البحث ليس المقصود منه استقصاء تأثير اليهودية على غيرها من الديانات، أو تأثرها بما شرعته هذه الديانات فيما يتعلق بمسألة غطاء رأس المرأة اليهودية ، فالقضية ليست قضية مقارنة بين اليهودية وغيرها بالنسبة للحجاب، فمن المؤكد أن الديانات السماوية الثلاث قد أمرت المرأة بالعفة والاحتشام، وهو أمر ثابت قولاً، لكنه يتفاوت تطبيقاً من ديانة لأخرى، ومن طائفة لطائفة أخرى تدين بنفس الدين.
من خلال البحث في بعض المصادر الدينية كالعهد القديم والتلمود، وكذلك عرض للفتاوى المختلفة للحاخامات؛ أتناول بدراسة موجزة ثلاثة تشريعات:
أولاً: تشريع غطاء رأس المرأة.
ثانياً: تشريع الشعر المستعار ( الباروكة).
ثالثاً: تشريع حلق رأس المرأة.
ثم أستعرض و بعض الآراء الدينية المتعلقة بكامل ملبس المرأة اليهودية، بالإضافة لمدى تطبيق هذه التشريعات في الواقع الراهن في أوساط نساء اليهود .
أولاً: غطاء رأس المرأة :
كانت المرأة اليهودية حتى القرن التاسع عشر ترتدي غطاءً للرأس تعبيراً عن احترامها، ورقى مكانتها الاجتماعية، وهو ما دعا بعض النساء من الطبقات المتوسطة أو الأقل شأناً في المجتمع إلى ارتداء حجاب فوق الرأس ليظهرن في مستوى أرقى مما هن عليه، ولذلك فقد كان ارتداء غطاء الرأس ممنوعاً على العاهرات من نساء اليهود (1).
هذا لا يعنى أن غطاء الرأس كان مجرد عادة، أو من أجل التزين أو التفريق بين طبقات المجتمع، لكنه في الأساس فرض واجب الأداء في الديانة اليهودية، طبقاً لما شدد عليه أغلب حاخامات اليهود، وإذا قلنا أنه فرض ديني؛ فبالتالي سيكون الحديث مُنصباً على أحكام الحجاب لدى اليهود المتدينين الأصوليين، أو بالتحديد اليهود الحريديم (2)، فهذه الطائفة من اليهود تؤمن إيماناً شديداً بالتوراة، وتعتبر أنها كلام الله، وكذلك تؤمن بالأقوال الشفوية لكبار الحاخامات اليهود، وتعتبر أن كل الشرائع اليهودية ملزمة ويجب العمل بها، دون التفريق بين العقائد والطقوس.
لقد جاء في العهد القديم ما يفيد بأن شعر المرأة زينتها، وأحد منابع الفتنة في جسدها، فنقرأ ما جاء في سفر نشيد الأناشيد حيث يغازل العريس عروسه بقوله:
" رأسكِ عليكِ مثل الكرمل وشعر رأسك كأرجوان" ( نشيد الأناشيد 7/ 5) .
وإذا كانت الشريعة اليهودية قد أمرت المرأة بتغطية شعرها؛ فذلك لأنه اعتُبر وسيلة تجلب الشرور إلى العالم ، وتغطية الشعر واجب تنفيذاً لشريعة أكد عليها الحاخامات وهى شريعة الاحتشام أو العفة.
ويمكننا أن نجد إشارات لغطاء رأس المرأة في العهد القديم ، لكونه مقياساً لشرفها ،فيطالعنا سفر التكوين في موضعين مختلفين على نمط غطاء الرأس الكامل الذي يجب أن ترتديه المرأة، وليس مجرد غطاء لرأسها، بل حجاب شامل يستر شعرها ووجهها تماماً، وهو ما يتطابق مع النقاب الذي ترتديه الكثير من النساء المسلمات ، فجاء في سفر التكوين عن رفقة التي ستصير زوجة إسحاق بعد ذلك:
" ورفعت رفقة عينيها فرأت إسحاق فنزلت عن الجمل، وقالت للعبد: من هذا الرجل الذي يمشى في الحقل للقائنا؟ فقال العبد: هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت" ( تكوين 24/ 64-65) .
فقد ورد في النص العبري للعهد القديم كلمة " צעיף " أي برقع أو حجاب، ونفس المعنى عبرت عنه فقرة أخرى في نفس السفر، حيث جاء فيها:
" فأُخبرت تامار وقيل لها هوذا حموك صاعد إلى تمنة ليجز غنمه، فخلعت عنها ثياب ترملها، وتغطت ببرقع وتلففت" (تكوين 38/ 13-14).
فالمقصود بالبرقع في الفقرتين السابقتين –وفقاً لمعنى الكلمة في العبرية- هو حجاب كامل يغطى الرأس والوجه، فلا يُرى من المرأة شيء ، كما ورد كذلك أن المرأة لا تخلع غطاء رأسها إلا إذا كانت خائنة لزوجها أو مُتَهمة بالخيانة ، وفى هذه الحالة يكشف كاهن المعبد عن شعرها ووجهها كما جاء في سفر العدد:
" ويوقف الكاهن المرأة أمام الرب، ويكشف رأس المرأة"( 5/18)
وهذه الفقرة تحديدا اختلفت المصادر الدينية اليهودية بعد العهد القديم حول تفسيرها، فقد رأى بعض الحاخامات أن فعل: פָרַע جاء في الفقرة بمعنى كشف، أي كشف رأسها تمامًا، وأفتى آخرون أنه جاء بمعنى: أرخى الغطاء عن رأسها .(3)
مما سبق نلمس إشارات لارتداء المرأة اليهودية الحجاب، لكن دون الأمر بذلك صراحة، غير أن حاخامات المشنا أمروا بذلك بشكل قاطع، واعتبروا أن تغطية المرأة اليهودية لشعرها فريضة واجبة التنفيذ، والمرأة التي لا تؤدي هذه الفريضة قد وجد زوجها مبرراً قوياً ومقبولاً يجعله يطلقه دون أن يضطر لتعويضها مادياً .(4)
ولذلك فقد أفتى حاخامات اليهود الربانيين في التلمود أن تغطى المرأة رأسها ووجهها تماماً، ولا يترك منهما إلا عين واحدة فقط، وشدد على ذلك الحبر اليهودي المعروف "موسى بن ميمون" (5) بتأكيده على أنه لا يجوز للمرأة أن تمشى في الشارع أو حتى في فناء منزلها وهى حاسرة الرأس تماماً، بل يجب عليها أن تغطى رأسها بمنديل على الأقل، بل وقال "ابن ميمون" أيضاً أن الرجل الذي يترك امرأته حاسرة الرأس هو ملعون، وأن المرأة التي تكشف عن شعرها عند خروجها من منزلها تكون بذلك قد خرجت عن ديانتها اليهودية، بل أنها كذلك تجلب الفاقة لأهلها، ليس هذا فحسب بل كان مُحرماً إلقاء الأدعية وصلاة "قراءة اسمع" (6) في وجود امرأة متزوجة حاسرة الرأس، أو في حالة سماع صوتها، وذلك لاعتبار شعر المرأة وصوتها عورتين يجب تغطيتهما ً(7).
والمغزى من ذلك أن تكون المرأة محتشمة، ويقصد بالاحتشام هنا أن تستر جسدها كي لا يغرى من ينظر إليها من الرجال، كذلك ترتدي ملابس غير لافتة للنظر ، فالمرأة في نظر الشريعة اليهودية قد خُلقت لتساعد الرجل لا أن تكون عائقاً أمامه، ولذلك يعتبر الحاخامات أن المرأة غير المحتشمة بمثابة خطر على المجتمع اليهودي بأسره(8).
لا يعنى ما سبق أن أحكام غطاء رأس المرأة قد ظلت بهذا القدر من الغُلو والتشدد، فرويداً رويداً انحسر التشدد في أمر الحجاب، ليقتصر أخيراً على المرأة المتزوجة، أما الفتاة التي لم تتزوج بعد فلا إثم عليها إذا خرجت من بيتها حاسرة الرأس(9) ، وقد كان من المألوف أن ترتدي الفتاة من يهود الشرق غطاءً للرأس، وهو أمر كان شائعاً في أوساط يهود شمال أفريقيا واليمن، وكذلك يهود الفلاشا (10) ، أما الآن فالفتاة المتدينة التي لم تتزوج بعد لها رخصة الخروج إلى الشارع برأس مكشوفة، ربما من باب الترغيب فيها، والتوضيح أنها لم تتزوج بعد.
وقد تفاوتت آراء الحاخامات حول غطاء الرأس للمرأة اليهودية، سواء بالنسبة للونه أو نوع القماش المصنوع منه أو طوله ومقدار الشعر الذي يسمح أن يظهر منه، فبعد أن تسلل التحرر رويداً رويداً إلى أوساط اليهود المتدينين، استبدلت معظم النساء غطاء الرأس الكامل بمنديل يغطى جزءاً من الرأس، وكان محرماً على المرأة أن ترتدي منديلاً أسود اللون على رأسها، فذلك من شأنه أن يوحى للناظر إليها من بعيد أن شعرها أسود مكشوف، وكان ارتداء المنديل مقصوراً على المتزوجات من النساء المتدينات، ولكن بعض الفتيات اللاتي لم يتزوجن بعد قد اتخذنه رداء لرؤؤسهن لدواعي الموضة، مع ارتداء باروكة أو بدونها، بل واستخدمن في تطريز المنديل خيوطاً ذهبية لامعة (11).
ولكن الأصوليين من اليهود قد وجهوا حملات شديدة ضد هذا النوع من التحرر في حجاب المرأة، وصل الأمر بهم إلى تحريف كلمة "موضة" بحروفها العبرية " מודה"إلى كلمة "מאד ע" وهى اختصار لأربع كلمات عبرية تعني : مساكين، مُعدمين، مُعوزين، فقراء ، وهى صفات أربعة أطلقت على الرجال الذين يسمحون لنسائهم بالخروج دون حجاب الرأس الكامل الذي تشرعه اليهودية (12).
ثانياً: الشعر المستعار( الباروكة):
اعتادت نساء اليهود المتدينات على ارتداء شعر مستعار بعد زواجهن من قبيل العفة، وذلك لعدم كشف شعر رأسهن، فقد اعتبر الشعر المستعار على رأس المرأة بمثابة حجاب يستر شعرها الحقيقي أمام أعين الغرباء، ولكن مسألة الشعر المستعار شهدت الكثير من الاختلافات عليها بين الحاخامات، ربما أكثر من قضية غطاء الرأس نفسها، وظلت هذه الخلافات لقرون طويلة، تعددت فيها فتاوى الحاخامات واختلفت آراؤهم حول إباحة أو تحريم ارتداء الشعر المستعار، فقد رأى البعض أنه مكروه، وأفتى البعض بعدم جواز ارتدائه بأي حال من الأحوال، وفى عام 1987 اشتدت حملات الحريديم المتشددين ضد ارتداء الشعر المستعار، ووصل الأمر إلى تكوين لجنة خاصة تعُنى بأمور العفة والاحتشام سميت لجنة العفة، وكان الدور الأساسي لتلك اللجنة تحديد الصالح من أغطية الرأس للنساء، ومحاربة ارتداء أي نوع من الشعر المستعار، وقد أثارت قرارات هذه اللجنة المنبثقة من فتاوى الحاخامات ضجةً كبيرةً في أوساط الحريديم، كما أثارت بلبلة بين النساء المتدينات اللائي اعتدن على ارتداء شعر مستعار يخفى شعرهن الحقيقي من قبيل العفة، أو حتى من قبيل التزين (13).
ولم تستقر الأمور على هذا الوضع المُفرط في التشديد، فبدأت أصوات بعض الحاخامات تعلو بجواز ارتداء المرأة المتزوجة للشعر المستعار أو الباروكة، ولكن تحددت خمسة شروط أساسية يجب أن يكون عليها الشعر المستعار ليصبحَ جائزاً للمرأة أن ترتديه:
1- ألا يتعدى طول الشعر المستعار مؤخرة رقبة المرأة.
2- عدم تنوع الشعر المستعار في الباروكة الواحدة.
3- عدم جواز التفريق بين جانبي شعر الباروكة فوق رأس المرأة.
4- لا يجب أن يغطى الشعر المستعار على الأذن.
5- ألا يكون الشعر المستعار شديد القصر بحيث يتشابه مع شعر الرجل (14)
ولم يقتصر الأمر على وضع الشروط السابقة، بل تعداه إلى إنشاء هيئة خاصة على غرار هيئة مراقبة صلاحية الطعام ، سُميت هيئة صلاحية الشعر المستعار، وهى تابعة للجنة الاحتشام أو العفة، وتعمل على التأكد من أن جميع أنماط الشعر المستعار التي تعرض للبيع تصلح للارتداء بما يتوافق مع فتاوى الحاخامات في هذا الشأن (15).
ولكن مسألة ارتداء المرأة اليهودية المتدينة للشعر المستعار لتخفى شعرها الحقيقي ظلت محل خلافات بين الحاخامات، فتفاوتت الآراء مجدداً حول جواز أداء صلاة " قراءة اسمع" في حضرة امرأة ترتدي شعراً مستعاراً، فالبعض أجاز ذلك الأمر بحجة أن الشعر المستعار يغطى شعرها الحقيقي ، والبعض الآخر أفتى بعدم جواز ذلك لكونها تبدو حاسرة الرأس، باعتبار أن الشعر المستعار لا يمثل حجاباً شرعياً وفقاً للشريعة اليهودية (16).
ثالثًا: حلاقة رأس المرأة:
لم يكتف اليهود المتشددون بتشريعات حجاب المرأة الكامل، بل وصل الأمر إلى الفتوى بوجوب حلاقة المرأة المتزوجة لشعرها بالكامل، باعتبار أن شعر المرأة عورة، وأفضل طريقة لإخفاء هذه العورة هي إزالتها، كما أن شعر المرأة يمكن أن يحجب الماء عن جسدها، وهو ما يتعارض مع أحكام الطهارة بالنسبة للمرأة اليهودية، وجاءت أول إشارة لحلاقة شعر المرأة في اليهودية بسفر التثنية في العهد القديم، حيث يجب على الرجل أن يحلق رأس المرأة التي سيتزوجها:
" فحين تدخلها إلى بيتك تحلق رأسها وتقلم أظافرها" (تثنية 21/12).
ورغم أن الفقرة السابقة قد جاءت في المرأة المسبية، التي أسرها الرجل بعد انتصاره على أعدائه غير اليهود، إلا أن الحاخامات اليهود قد اعتبروها فرضًا مكملاً لشريعة الاحتشام.
وتقتصر حلاقة الشعر على المرأة المتزوجة، فقبل الزفاف بعدة أيام تقوم الأم والحماة بمهمة حلاقة شعر رأس الفتاة بالكامل، قبل يدخل عليها زوجها، وترتدي المرأة حليقة الرأس شعراً مستعاراً فقط، أو شعراً مستعاراً وفوقه منديل، أو قبعة (17).
وبالنسبة لملابس المرأة اليهودية المتدينة؛ فيحرم تماماً ارتداء الملابس الضيقة والقصيرة، فيجب أن يكون رداء المرأة فضفاضاً واسعاً يغطى كافة أجزاء جسدها بدءاً من الرأس والرقبة مروراً باليدين وحتى القدمين، ولابد أن يصل طول الرداء إلى ما بعد الركبة، وبالنسبة لنوع القماش المستخدم فيجب أن يكون ثقيلاً غير شفاف، ويجب أن يكون لونه غير ملفت أو صارخ على الإطلاق، فيفضل ارتداء ملابس سوداء أو زرقاء أو رمادية أو خضراء، ويحرم اللون الأحمر تحريماً تاماً لكونه ملفتاً ومثيراً، كذلك ممنوع تماماً على المرأة المتدينة أن ترتدي البنطلون، لأن في ذلك تشبهاً بالرجل وإبرازاً لتفاصيل جسد المرأة، ويجب علها ارتداء جوارب ثقيلة قاتمة اللون غير شفافة (18).
ولأنه ليس ما يُشرع في الديانة يتم تطبيقه، وليس كل ما يُطبق كان مُشرعًا؛ فقد اقتصر تطبيق تشريعات غطاء الرأس والشعر المستعار وحلاقة الرأس على المتدينات من نساء اليهود فقط، بل لقد اقتصر على قطاع منهن فقط، ولكن لوحظ في الآونة الأخيرة بإسرائيل أن ارتداء غطاء الرأس أو الحجاب لم يعد قاصراً على النساء من أصل إثيوبي أو يمنى، أو النساء كبيرات السن، فقد انتشر بشكل ملفت في تجمعات يهودية كثيرة سواء في الشوارع و الأسواق أو بعض المؤسسات والهيئات ، كما استخدم غطاء الرأس لأغراض انتخابية، مثل ما قامت به الرئيسة السابقة لحزب "كاديما" الإسرائيلي "تسيبى ليفنى" أثناء حملتها الانتخابية عام 2009، حيث وضعت على رأسها غطاء رأس حينما التقت مع الحاخام عوفاديا يوسف -الزعيم الروحي لحزب شاس- لتحاول الحصول على تأييده (19)
ولكن أغرب واقعة تتعلق بالحجاب تلك التي نقلتها صحيفة "هآرتس " لمشهد امرأة متجهة إلى إحدى المحاكم في مدينة صغيرة بالقرب من القدس، تغطى كافة أجزاء جسدها، من أعلى رأسها إلى أخمص القدمين، ولا يظهر منها إلا عين واحدة، وهو ما شبهته الصحيفة بصورة امرأة أفغانية تسير في شوارع كابول مرتدية خيمة كاملة، وقالت أن هذا التصرف من تلك المرأة ليس مجرد ظاهرة فردية، وإنما صار نهجاً متبعاً لدى طوائف من النساء الإسرائيليات في مناطق عدة ، وعند محاورتها في هذا الأمر؛ قالت تلك المرأة أنها تحب أن تكون محتشمة، ولا ترغب في الخروج إلى الشارع كاشفة عن أي تفاصيل من جسدها، كما أنها ترفض ارتداء الشعر المستعار، لذا ارتدت حجاباً كاملاً يغطى رأسها ووجهها، وباقي جسدها (20).
كما رصدت الصحيفة لانتشار ظاهرة الحجاب الكامل في أوساط النساء الإسرائيليات صغيرات السن، فلم يعد الأمر قاصراً على المرأة العجوز، أو المتزوجة، بل شاع بين الفتيات الصغيرات اللاتي لم يبلغن سن الثلاثين بعد، وهو ما تحدثت عنه بعض هؤلاء الفتيات باعتباره خطوة من خطوات التوبة ، والعودة إلى طريق الرب (21).
الهوامش:
(1) Dr. Leila Leah Bronne(1993)r, "From veil to wig: Jewish women s hair covering", From: Judaism: A Quarterly Journal of Jewish Life and Thought.22/9/1993
(2) كلمة الحريديم ( החרדים) تعنى بالعربية : الأتقياء، أو المتقين، وهى تطلق على طائفة من المتدينين اليهود، التي تؤمن بأن التوراة كلام الله، وتؤمن بها إيماناً كاملاً كما أسلفنا الحديث، إضافة إلى التلمود وسائر الكتب الدينية الأخرى، ووصل ببعضهم التزمت إلى حد أنهم طالبوا بعدم تغيير الطريقة التي يرتدى بها اليهود ملابسهم، أو يقصوا بها شعرهم، ويدافع "الحريديم" عن كل المقولات اليهودية التقليدية والأساطير القديمة، فيؤمنون بعودة المسيح المخلص بشخصه، وكذلك بالعودة إلى فلسطين بمشيئة الرب وليس بحسب إرادة إنسانية، ومن هنا كان اختلافهم مع الصهيونية - باستثناء فريق منهم بات يُعرف بالصهيونية الدينية- وعدم انخراطهم في مؤسسات الدولة بعد قيام إسرائيل، إيماناً منهم بأنها تخالف مفهوم العودة الدينية إلى فلسطين في نظرهم، وهذه الطائفة يسميها البعض :" اليهود الأرثوذكس"، ولكن التعبير العربي الأدق لها هو الأصوليون اليهود.
(3) Dr. Leila Leah Bronner,(1993) "From veil to wig: Jewish women s hair covering"
(4) ibid
(5) موسى بن ميمون (رمبم) " רמב ם" ( 1135- 1254م) : علامة اليهود في العصر الوسيط، وطبيب الدولة الأيوبية في مصر، من أبرز مفكري اليهود في القرن الثاني عشر الميلادي ، عاش في الأندلس والمغرب ثم في القاهرة، وألَّف كتاباً لعله من أهم ما ظهر في تاريخ اليهود، وسماه :"مشنه توراه - משנה תורה" أي إعادة الشريعة أو تثنية الشريعة، وأصبح هذا الكتاب مرجعاً أساسياً لكل المشتغلين بأحكام الشريعة اليهودية، وقد خلَّد هذا الكتاب اسم مؤلفه، ولذلك يذكر بالتعظيم، حتى قيل عنه:" من موسى إلى موسى لم يقم مثل موسى".
(6) صلاة "قراءة اسمع" أو " قراءة الشماع" ( קריאת שמע): أهم قِسم من أقسام الصلاة في الشريعة اليهودية، وكلمة اسمع " שמע" هي أول كلمة من فقرة التوحيد عند اليهود:" اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا الرب واحد" ( تثنية 6/4).
(7) Menachem M. Brayer, The Jewish Woman in Rabbinic Literature: A Psychosocial Perspective (Hoboken, N.J: Ktav Publishing House, 1986), pp. 316-317
(8) אמנון לוי : החרדים, בית הוצאת כתר, ירושלים, עמ 72.
(9) הרב יוסף משאש, כיסוי ראש לאישה - חובה הלכתית? / http://kova.away.co.il
(10) يهود الفلاشا: أو بيتا إسرائيل (بالعبرية: ביתא ישראל، "بيت إسرائيل") هو اسم يطلق على اليهود من أصل إثيوبي.
(11) אמנון לוי : עמ 76.
(12) שם, עמ 73.
(13) שם, עמ 74.
(14) שם, עמ 74- 75.
(15) שם, עמ 75.
(16) שם, עמ 75.
(17) שם, עמ 78- 79.
(18) שם, עמ 80- 81.
(19) תמר רותם: זה לא קאבול. זה בית שמש, הארץ, 2007/11/22 .
(20) שם.
(21) שם.
منشور في موقع صحيفة المشهد
عندما نتكلم عن مكانة المرأة في الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام؛ سيطول بنا الحديث كثيراً ، وهذا ما لا يتسع له المقام هنا، ومن المؤكد أن الديانات السماوية تتشابه فيها بعض التشريعات الخاصة بالمرأة، وهناك كذلك مجموعة أخرى من التشريعات التي تختلف من ديانة إلى أخرى، وتتفاوت في بعض الحدود والأنماط.
إذا كان الإسلام هو الدين الوحيد الذي تنتشر فيه ظاهرة حجاب المرأة على نطاق واسع؛ فذلك لا يعنى أنه الدين الوحيد الذي فُرض فيه على النساء ارتداء الحجاب، فاليهودية – قبل المسيحية والإسلام- قد وضعت تشريعات دينية تفرض على المرأة ارتداء غطاء رأس يستر شعرها ، وهو – وفقًا للشريعة اليهودية- من المفاتن أو العورات التي من شأنها أن تثير الرجال من وجهة النظر اليهودية ، ومن ثم تقع الغواية والفتنة.
في السطور القادمة أستعرض بإيجاز تشريعات غطاء رأس المرأة في اليهودية، ومدى تطبيق هذه التشريعات الدينية في الواقع العملي الراهن، وهل تتسم هذه التشريعات – أو بعضها- بالغُلو أو التساهل، أم أنها معتدلة في مجملها، وهذا البحث ليس المقصود منه استقصاء تأثير اليهودية على غيرها من الديانات، أو تأثرها بما شرعته هذه الديانات فيما يتعلق بمسألة غطاء رأس المرأة اليهودية ، فالقضية ليست قضية مقارنة بين اليهودية وغيرها بالنسبة للحجاب، فمن المؤكد أن الديانات السماوية الثلاث قد أمرت المرأة بالعفة والاحتشام، وهو أمر ثابت قولاً، لكنه يتفاوت تطبيقاً من ديانة لأخرى، ومن طائفة لطائفة أخرى تدين بنفس الدين.
من خلال البحث في بعض المصادر الدينية كالعهد القديم والتلمود، وكذلك عرض للفتاوى المختلفة للحاخامات؛ أتناول بدراسة موجزة ثلاثة تشريعات:
أولاً: تشريع غطاء رأس المرأة.
ثانياً: تشريع الشعر المستعار ( الباروكة).
ثالثاً: تشريع حلق رأس المرأة.
ثم أستعرض و بعض الآراء الدينية المتعلقة بكامل ملبس المرأة اليهودية، بالإضافة لمدى تطبيق هذه التشريعات في الواقع الراهن في أوساط نساء اليهود .
أولاً: غطاء رأس المرأة :
كانت المرأة اليهودية حتى القرن التاسع عشر ترتدي غطاءً للرأس تعبيراً عن احترامها، ورقى مكانتها الاجتماعية، وهو ما دعا بعض النساء من الطبقات المتوسطة أو الأقل شأناً في المجتمع إلى ارتداء حجاب فوق الرأس ليظهرن في مستوى أرقى مما هن عليه، ولذلك فقد كان ارتداء غطاء الرأس ممنوعاً على العاهرات من نساء اليهود (1).
هذا لا يعنى أن غطاء الرأس كان مجرد عادة، أو من أجل التزين أو التفريق بين طبقات المجتمع، لكنه في الأساس فرض واجب الأداء في الديانة اليهودية، طبقاً لما شدد عليه أغلب حاخامات اليهود، وإذا قلنا أنه فرض ديني؛ فبالتالي سيكون الحديث مُنصباً على أحكام الحجاب لدى اليهود المتدينين الأصوليين، أو بالتحديد اليهود الحريديم (2)، فهذه الطائفة من اليهود تؤمن إيماناً شديداً بالتوراة، وتعتبر أنها كلام الله، وكذلك تؤمن بالأقوال الشفوية لكبار الحاخامات اليهود، وتعتبر أن كل الشرائع اليهودية ملزمة ويجب العمل بها، دون التفريق بين العقائد والطقوس.
لقد جاء في العهد القديم ما يفيد بأن شعر المرأة زينتها، وأحد منابع الفتنة في جسدها، فنقرأ ما جاء في سفر نشيد الأناشيد حيث يغازل العريس عروسه بقوله:
" رأسكِ عليكِ مثل الكرمل وشعر رأسك كأرجوان" ( نشيد الأناشيد 7/ 5) .
وإذا كانت الشريعة اليهودية قد أمرت المرأة بتغطية شعرها؛ فذلك لأنه اعتُبر وسيلة تجلب الشرور إلى العالم ، وتغطية الشعر واجب تنفيذاً لشريعة أكد عليها الحاخامات وهى شريعة الاحتشام أو العفة.
ويمكننا أن نجد إشارات لغطاء رأس المرأة في العهد القديم ، لكونه مقياساً لشرفها ،فيطالعنا سفر التكوين في موضعين مختلفين على نمط غطاء الرأس الكامل الذي يجب أن ترتديه المرأة، وليس مجرد غطاء لرأسها، بل حجاب شامل يستر شعرها ووجهها تماماً، وهو ما يتطابق مع النقاب الذي ترتديه الكثير من النساء المسلمات ، فجاء في سفر التكوين عن رفقة التي ستصير زوجة إسحاق بعد ذلك:
" ورفعت رفقة عينيها فرأت إسحاق فنزلت عن الجمل، وقالت للعبد: من هذا الرجل الذي يمشى في الحقل للقائنا؟ فقال العبد: هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت" ( تكوين 24/ 64-65) .
فقد ورد في النص العبري للعهد القديم كلمة " צעיף " أي برقع أو حجاب، ونفس المعنى عبرت عنه فقرة أخرى في نفس السفر، حيث جاء فيها:
" فأُخبرت تامار وقيل لها هوذا حموك صاعد إلى تمنة ليجز غنمه، فخلعت عنها ثياب ترملها، وتغطت ببرقع وتلففت" (تكوين 38/ 13-14).
فالمقصود بالبرقع في الفقرتين السابقتين –وفقاً لمعنى الكلمة في العبرية- هو حجاب كامل يغطى الرأس والوجه، فلا يُرى من المرأة شيء ، كما ورد كذلك أن المرأة لا تخلع غطاء رأسها إلا إذا كانت خائنة لزوجها أو مُتَهمة بالخيانة ، وفى هذه الحالة يكشف كاهن المعبد عن شعرها ووجهها كما جاء في سفر العدد:
" ويوقف الكاهن المرأة أمام الرب، ويكشف رأس المرأة"( 5/18)
وهذه الفقرة تحديدا اختلفت المصادر الدينية اليهودية بعد العهد القديم حول تفسيرها، فقد رأى بعض الحاخامات أن فعل: פָרַע جاء في الفقرة بمعنى كشف، أي كشف رأسها تمامًا، وأفتى آخرون أنه جاء بمعنى: أرخى الغطاء عن رأسها .(3)
مما سبق نلمس إشارات لارتداء المرأة اليهودية الحجاب، لكن دون الأمر بذلك صراحة، غير أن حاخامات المشنا أمروا بذلك بشكل قاطع، واعتبروا أن تغطية المرأة اليهودية لشعرها فريضة واجبة التنفيذ، والمرأة التي لا تؤدي هذه الفريضة قد وجد زوجها مبرراً قوياً ومقبولاً يجعله يطلقه دون أن يضطر لتعويضها مادياً .(4)
ولذلك فقد أفتى حاخامات اليهود الربانيين في التلمود أن تغطى المرأة رأسها ووجهها تماماً، ولا يترك منهما إلا عين واحدة فقط، وشدد على ذلك الحبر اليهودي المعروف "موسى بن ميمون" (5) بتأكيده على أنه لا يجوز للمرأة أن تمشى في الشارع أو حتى في فناء منزلها وهى حاسرة الرأس تماماً، بل يجب عليها أن تغطى رأسها بمنديل على الأقل، بل وقال "ابن ميمون" أيضاً أن الرجل الذي يترك امرأته حاسرة الرأس هو ملعون، وأن المرأة التي تكشف عن شعرها عند خروجها من منزلها تكون بذلك قد خرجت عن ديانتها اليهودية، بل أنها كذلك تجلب الفاقة لأهلها، ليس هذا فحسب بل كان مُحرماً إلقاء الأدعية وصلاة "قراءة اسمع" (6) في وجود امرأة متزوجة حاسرة الرأس، أو في حالة سماع صوتها، وذلك لاعتبار شعر المرأة وصوتها عورتين يجب تغطيتهما ً(7).
والمغزى من ذلك أن تكون المرأة محتشمة، ويقصد بالاحتشام هنا أن تستر جسدها كي لا يغرى من ينظر إليها من الرجال، كذلك ترتدي ملابس غير لافتة للنظر ، فالمرأة في نظر الشريعة اليهودية قد خُلقت لتساعد الرجل لا أن تكون عائقاً أمامه، ولذلك يعتبر الحاخامات أن المرأة غير المحتشمة بمثابة خطر على المجتمع اليهودي بأسره(8).
لا يعنى ما سبق أن أحكام غطاء رأس المرأة قد ظلت بهذا القدر من الغُلو والتشدد، فرويداً رويداً انحسر التشدد في أمر الحجاب، ليقتصر أخيراً على المرأة المتزوجة، أما الفتاة التي لم تتزوج بعد فلا إثم عليها إذا خرجت من بيتها حاسرة الرأس(9) ، وقد كان من المألوف أن ترتدي الفتاة من يهود الشرق غطاءً للرأس، وهو أمر كان شائعاً في أوساط يهود شمال أفريقيا واليمن، وكذلك يهود الفلاشا (10) ، أما الآن فالفتاة المتدينة التي لم تتزوج بعد لها رخصة الخروج إلى الشارع برأس مكشوفة، ربما من باب الترغيب فيها، والتوضيح أنها لم تتزوج بعد.
وقد تفاوتت آراء الحاخامات حول غطاء الرأس للمرأة اليهودية، سواء بالنسبة للونه أو نوع القماش المصنوع منه أو طوله ومقدار الشعر الذي يسمح أن يظهر منه، فبعد أن تسلل التحرر رويداً رويداً إلى أوساط اليهود المتدينين، استبدلت معظم النساء غطاء الرأس الكامل بمنديل يغطى جزءاً من الرأس، وكان محرماً على المرأة أن ترتدي منديلاً أسود اللون على رأسها، فذلك من شأنه أن يوحى للناظر إليها من بعيد أن شعرها أسود مكشوف، وكان ارتداء المنديل مقصوراً على المتزوجات من النساء المتدينات، ولكن بعض الفتيات اللاتي لم يتزوجن بعد قد اتخذنه رداء لرؤؤسهن لدواعي الموضة، مع ارتداء باروكة أو بدونها، بل واستخدمن في تطريز المنديل خيوطاً ذهبية لامعة (11).
ولكن الأصوليين من اليهود قد وجهوا حملات شديدة ضد هذا النوع من التحرر في حجاب المرأة، وصل الأمر بهم إلى تحريف كلمة "موضة" بحروفها العبرية " מודה"إلى كلمة "מאד ע" وهى اختصار لأربع كلمات عبرية تعني : مساكين، مُعدمين، مُعوزين، فقراء ، وهى صفات أربعة أطلقت على الرجال الذين يسمحون لنسائهم بالخروج دون حجاب الرأس الكامل الذي تشرعه اليهودية (12).
ثانياً: الشعر المستعار( الباروكة):
اعتادت نساء اليهود المتدينات على ارتداء شعر مستعار بعد زواجهن من قبيل العفة، وذلك لعدم كشف شعر رأسهن، فقد اعتبر الشعر المستعار على رأس المرأة بمثابة حجاب يستر شعرها الحقيقي أمام أعين الغرباء، ولكن مسألة الشعر المستعار شهدت الكثير من الاختلافات عليها بين الحاخامات، ربما أكثر من قضية غطاء الرأس نفسها، وظلت هذه الخلافات لقرون طويلة، تعددت فيها فتاوى الحاخامات واختلفت آراؤهم حول إباحة أو تحريم ارتداء الشعر المستعار، فقد رأى البعض أنه مكروه، وأفتى البعض بعدم جواز ارتدائه بأي حال من الأحوال، وفى عام 1987 اشتدت حملات الحريديم المتشددين ضد ارتداء الشعر المستعار، ووصل الأمر إلى تكوين لجنة خاصة تعُنى بأمور العفة والاحتشام سميت لجنة العفة، وكان الدور الأساسي لتلك اللجنة تحديد الصالح من أغطية الرأس للنساء، ومحاربة ارتداء أي نوع من الشعر المستعار، وقد أثارت قرارات هذه اللجنة المنبثقة من فتاوى الحاخامات ضجةً كبيرةً في أوساط الحريديم، كما أثارت بلبلة بين النساء المتدينات اللائي اعتدن على ارتداء شعر مستعار يخفى شعرهن الحقيقي من قبيل العفة، أو حتى من قبيل التزين (13).
ولم تستقر الأمور على هذا الوضع المُفرط في التشديد، فبدأت أصوات بعض الحاخامات تعلو بجواز ارتداء المرأة المتزوجة للشعر المستعار أو الباروكة، ولكن تحددت خمسة شروط أساسية يجب أن يكون عليها الشعر المستعار ليصبحَ جائزاً للمرأة أن ترتديه:
1- ألا يتعدى طول الشعر المستعار مؤخرة رقبة المرأة.
2- عدم تنوع الشعر المستعار في الباروكة الواحدة.
3- عدم جواز التفريق بين جانبي شعر الباروكة فوق رأس المرأة.
4- لا يجب أن يغطى الشعر المستعار على الأذن.
5- ألا يكون الشعر المستعار شديد القصر بحيث يتشابه مع شعر الرجل (14)
ولم يقتصر الأمر على وضع الشروط السابقة، بل تعداه إلى إنشاء هيئة خاصة على غرار هيئة مراقبة صلاحية الطعام ، سُميت هيئة صلاحية الشعر المستعار، وهى تابعة للجنة الاحتشام أو العفة، وتعمل على التأكد من أن جميع أنماط الشعر المستعار التي تعرض للبيع تصلح للارتداء بما يتوافق مع فتاوى الحاخامات في هذا الشأن (15).
ولكن مسألة ارتداء المرأة اليهودية المتدينة للشعر المستعار لتخفى شعرها الحقيقي ظلت محل خلافات بين الحاخامات، فتفاوتت الآراء مجدداً حول جواز أداء صلاة " قراءة اسمع" في حضرة امرأة ترتدي شعراً مستعاراً، فالبعض أجاز ذلك الأمر بحجة أن الشعر المستعار يغطى شعرها الحقيقي ، والبعض الآخر أفتى بعدم جواز ذلك لكونها تبدو حاسرة الرأس، باعتبار أن الشعر المستعار لا يمثل حجاباً شرعياً وفقاً للشريعة اليهودية (16).
ثالثًا: حلاقة رأس المرأة:
لم يكتف اليهود المتشددون بتشريعات حجاب المرأة الكامل، بل وصل الأمر إلى الفتوى بوجوب حلاقة المرأة المتزوجة لشعرها بالكامل، باعتبار أن شعر المرأة عورة، وأفضل طريقة لإخفاء هذه العورة هي إزالتها، كما أن شعر المرأة يمكن أن يحجب الماء عن جسدها، وهو ما يتعارض مع أحكام الطهارة بالنسبة للمرأة اليهودية، وجاءت أول إشارة لحلاقة شعر المرأة في اليهودية بسفر التثنية في العهد القديم، حيث يجب على الرجل أن يحلق رأس المرأة التي سيتزوجها:
" فحين تدخلها إلى بيتك تحلق رأسها وتقلم أظافرها" (تثنية 21/12).
ورغم أن الفقرة السابقة قد جاءت في المرأة المسبية، التي أسرها الرجل بعد انتصاره على أعدائه غير اليهود، إلا أن الحاخامات اليهود قد اعتبروها فرضًا مكملاً لشريعة الاحتشام.
وتقتصر حلاقة الشعر على المرأة المتزوجة، فقبل الزفاف بعدة أيام تقوم الأم والحماة بمهمة حلاقة شعر رأس الفتاة بالكامل، قبل يدخل عليها زوجها، وترتدي المرأة حليقة الرأس شعراً مستعاراً فقط، أو شعراً مستعاراً وفوقه منديل، أو قبعة (17).
وبالنسبة لملابس المرأة اليهودية المتدينة؛ فيحرم تماماً ارتداء الملابس الضيقة والقصيرة، فيجب أن يكون رداء المرأة فضفاضاً واسعاً يغطى كافة أجزاء جسدها بدءاً من الرأس والرقبة مروراً باليدين وحتى القدمين، ولابد أن يصل طول الرداء إلى ما بعد الركبة، وبالنسبة لنوع القماش المستخدم فيجب أن يكون ثقيلاً غير شفاف، ويجب أن يكون لونه غير ملفت أو صارخ على الإطلاق، فيفضل ارتداء ملابس سوداء أو زرقاء أو رمادية أو خضراء، ويحرم اللون الأحمر تحريماً تاماً لكونه ملفتاً ومثيراً، كذلك ممنوع تماماً على المرأة المتدينة أن ترتدي البنطلون، لأن في ذلك تشبهاً بالرجل وإبرازاً لتفاصيل جسد المرأة، ويجب علها ارتداء جوارب ثقيلة قاتمة اللون غير شفافة (18).
ولأنه ليس ما يُشرع في الديانة يتم تطبيقه، وليس كل ما يُطبق كان مُشرعًا؛ فقد اقتصر تطبيق تشريعات غطاء الرأس والشعر المستعار وحلاقة الرأس على المتدينات من نساء اليهود فقط، بل لقد اقتصر على قطاع منهن فقط، ولكن لوحظ في الآونة الأخيرة بإسرائيل أن ارتداء غطاء الرأس أو الحجاب لم يعد قاصراً على النساء من أصل إثيوبي أو يمنى، أو النساء كبيرات السن، فقد انتشر بشكل ملفت في تجمعات يهودية كثيرة سواء في الشوارع و الأسواق أو بعض المؤسسات والهيئات ، كما استخدم غطاء الرأس لأغراض انتخابية، مثل ما قامت به الرئيسة السابقة لحزب "كاديما" الإسرائيلي "تسيبى ليفنى" أثناء حملتها الانتخابية عام 2009، حيث وضعت على رأسها غطاء رأس حينما التقت مع الحاخام عوفاديا يوسف -الزعيم الروحي لحزب شاس- لتحاول الحصول على تأييده (19)
ولكن أغرب واقعة تتعلق بالحجاب تلك التي نقلتها صحيفة "هآرتس " لمشهد امرأة متجهة إلى إحدى المحاكم في مدينة صغيرة بالقرب من القدس، تغطى كافة أجزاء جسدها، من أعلى رأسها إلى أخمص القدمين، ولا يظهر منها إلا عين واحدة، وهو ما شبهته الصحيفة بصورة امرأة أفغانية تسير في شوارع كابول مرتدية خيمة كاملة، وقالت أن هذا التصرف من تلك المرأة ليس مجرد ظاهرة فردية، وإنما صار نهجاً متبعاً لدى طوائف من النساء الإسرائيليات في مناطق عدة ، وعند محاورتها في هذا الأمر؛ قالت تلك المرأة أنها تحب أن تكون محتشمة، ولا ترغب في الخروج إلى الشارع كاشفة عن أي تفاصيل من جسدها، كما أنها ترفض ارتداء الشعر المستعار، لذا ارتدت حجاباً كاملاً يغطى رأسها ووجهها، وباقي جسدها (20).
كما رصدت الصحيفة لانتشار ظاهرة الحجاب الكامل في أوساط النساء الإسرائيليات صغيرات السن، فلم يعد الأمر قاصراً على المرأة العجوز، أو المتزوجة، بل شاع بين الفتيات الصغيرات اللاتي لم يبلغن سن الثلاثين بعد، وهو ما تحدثت عنه بعض هؤلاء الفتيات باعتباره خطوة من خطوات التوبة ، والعودة إلى طريق الرب (21).
-
· ملحق صور:
- صورة رقم (1):
- امرأة من الحريديم
المتشددين ترتدي ملابس ثقيلة باللونين الأسود والرمادي، وتضع على رأسها منديلاً
أسوداً ملتصق برأسها الحليقة تماما.( אמנון לוי : החרדים, בית הוצאת כתר, ירושלים).
- صورة رقم (2):
- نمط آخر من أنماط
رداء المرأة المتدينة، بونيه يغطى الشعر تماماً، ورداء ثقيل قاتم اللون يصل إلى ما
بعد الرُكبة.( אמנון לוי : החרדים,
בית הוצאת כתר, ירושלים).
- صورة رقم (3):
- قبعة صغيرة فوق
شعر مُستعار، أما الشعر الحقيقي فقد تمت حلاقته بالكامل، ويلاحظ الرداء الثقيل
قاتم اللون، وكذلك الجوربان ثقيلان وطويلان.( אמנון לוי : החרדים, בית הוצאת כתר, ירושלים).
- صورة رقم(4):
- فتاة يهودية من
المتدينين الأقل تشدداً، ترتدي فستاناً فضفاضاً وطويلاً يخفى تفاصيل جسدها، ومنديل
على رأسها يغطى معظم شعر رأسها الذي تم ربطه.( אמנון לוי : החרדים, בית הוצאת כתר, ירושלים).
- صورة رقم(5):
- المرأة اليهودية التي
شوهدت عام 2005، ترتدي حجاباً كاملاً يخفى كل جسدها، فلا يظهر منها إلا عينها
اليسرى، وهو نمط الحجاب اليهودي الذي شرعه اليهود الربانيون وشددوا على ارتدائه.( תמר רותם: זה לא קאבול. זה בית שמש, הארץ, 22/11/2007)
الهوامش:
(1) Dr. Leila Leah Bronne(1993)r, "From veil to wig: Jewish women s hair covering", From: Judaism: A Quarterly Journal of Jewish Life and Thought.22/9/1993
(2) كلمة الحريديم ( החרדים) تعنى بالعربية : الأتقياء، أو المتقين، وهى تطلق على طائفة من المتدينين اليهود، التي تؤمن بأن التوراة كلام الله، وتؤمن بها إيماناً كاملاً كما أسلفنا الحديث، إضافة إلى التلمود وسائر الكتب الدينية الأخرى، ووصل ببعضهم التزمت إلى حد أنهم طالبوا بعدم تغيير الطريقة التي يرتدى بها اليهود ملابسهم، أو يقصوا بها شعرهم، ويدافع "الحريديم" عن كل المقولات اليهودية التقليدية والأساطير القديمة، فيؤمنون بعودة المسيح المخلص بشخصه، وكذلك بالعودة إلى فلسطين بمشيئة الرب وليس بحسب إرادة إنسانية، ومن هنا كان اختلافهم مع الصهيونية - باستثناء فريق منهم بات يُعرف بالصهيونية الدينية- وعدم انخراطهم في مؤسسات الدولة بعد قيام إسرائيل، إيماناً منهم بأنها تخالف مفهوم العودة الدينية إلى فلسطين في نظرهم، وهذه الطائفة يسميها البعض :" اليهود الأرثوذكس"، ولكن التعبير العربي الأدق لها هو الأصوليون اليهود.
(3) Dr. Leila Leah Bronner,(1993) "From veil to wig: Jewish women s hair covering"
(4) ibid
(5) موسى بن ميمون (رمبم) " רמב ם" ( 1135- 1254م) : علامة اليهود في العصر الوسيط، وطبيب الدولة الأيوبية في مصر، من أبرز مفكري اليهود في القرن الثاني عشر الميلادي ، عاش في الأندلس والمغرب ثم في القاهرة، وألَّف كتاباً لعله من أهم ما ظهر في تاريخ اليهود، وسماه :"مشنه توراه - משנה תורה" أي إعادة الشريعة أو تثنية الشريعة، وأصبح هذا الكتاب مرجعاً أساسياً لكل المشتغلين بأحكام الشريعة اليهودية، وقد خلَّد هذا الكتاب اسم مؤلفه، ولذلك يذكر بالتعظيم، حتى قيل عنه:" من موسى إلى موسى لم يقم مثل موسى".
(6) صلاة "قراءة اسمع" أو " قراءة الشماع" ( קריאת שמע): أهم قِسم من أقسام الصلاة في الشريعة اليهودية، وكلمة اسمع " שמע" هي أول كلمة من فقرة التوحيد عند اليهود:" اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا الرب واحد" ( تثنية 6/4).
(7) Menachem M. Brayer, The Jewish Woman in Rabbinic Literature: A Psychosocial Perspective (Hoboken, N.J: Ktav Publishing House, 1986), pp. 316-317
(8) אמנון לוי : החרדים, בית הוצאת כתר, ירושלים, עמ 72.
(9) הרב יוסף משאש, כיסוי ראש לאישה - חובה הלכתית? / http://kova.away.co.il
(10) يهود الفلاشا: أو بيتا إسرائيل (بالعبرية: ביתא ישראל، "بيت إسرائيل") هو اسم يطلق على اليهود من أصل إثيوبي.
(11) אמנון לוי : עמ 76.
(12) שם, עמ 73.
(13) שם, עמ 74.
(14) שם, עמ 74- 75.
(15) שם, עמ 75.
(16) שם, עמ 75.
(17) שם, עמ 78- 79.
(18) שם, עמ 80- 81.
(19) תמר רותם: זה לא קאבול. זה בית שמש, הארץ, 2007/11/22 .
(20) שם.
(21) שם.