Wednesday, October 25, 2017

العبرية في مواجهة العربية .. نحو "أسرلة" المجتمع الفلسطيني

منشور على موقع شبكة رؤية الإخبارية، اضغط هنا للانتقال

في الثاني من نوفمبر القادم تحل الذكرى المئوية لوعد بلفور الذي اتخذته الحركة الصهيونية ذريعة رسمية وصكا مختوما بالمؤامرة لاستلاب أرض فلسطين وغرس دولة إسرائيل.

نجحت الحركة الصهيونية في مسعاها نحو تأسيس كيان إسرائيل في عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين (1948م)، وهو المسعى الذي بدأ قبل ذلك بعقود طويلة بهدف سرقة فلسطين والتخلص من أهلها، وعمدت الدولة الناشئة إلى نفي كل ما هو قومي وعربي فلسطيني، فعملت على مصادرة الأراضي والبيوت، ونفي الفلسطينيين وترحيلهم قسرا.

لم تكتف السلطات الإسرائيلية بذلك، بل شددت الخناق على الفلسطينيين الذين بقوا في الأرض المحتلة، فخضعوا لسلطات الجيش الإسرائيلي، وتم منعهم من تركها أو السفر منها إلا بتصريح خاص، إضافة إلى سلسلة من التدابير لمصادرة أراضي وممتلكات الفلسطينيين في الداخل، ناهيك عن اعتبارهم عملاء للدول العربية.

قانون القومية وتهويد فلسطين:-

الجدل الدائر حتى الآن في إسرائيل، خصوصا مع تصدر اليمين المشهد السياسي يتعلق بقوانين يهودية الدولة، وهو الجدل الذي تجدد مرة أخرى مع المحاولات الحثيثة لجكومة بنيامين نتنياهو لتشريع ما يسمى بقانون القومية، الذي أشارت له شبكة رؤية الإخبارية في تقرير سابق حمل عنوان: "قانون القومية في إسرائيل: يهودية الدولة ونفي الآخر". 

في طيات المقترح اليميني للقانون ورد التشديد على المحكمة العليا في إسرائيل أن تُغلب الهوية اليهودية على الطابع الديمقراطي للدولة الإسرائيلية إذا ما تعارض التوجهان (اليهودي والديمقراطي)، وهو الأمر الذي يفسر تراجع البند الذي يصف إسرائيل كدولة ديمقراطية ليأتي بعد بنود الصدارة التي ترسخ ليهودية الدولة، وهذه البنود مفادها أن "دولة إسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي، وفيه يتبلور طموحه لتقرير المصير بناء على إرثه الثقافي والتاريخي على أرض إسرائيل الوطن التاريخي للشعب اليهودي، ويهدف هذا القانون الأساس لتحديد هوية دولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي"، وفيما يخص اللغة العربية فالقانون ينص على أن تكون لغة ذات وضع خاص، وليست اللغة الرسمية الثانية كما هو منصوص عليه حاليا، وهذا يعني أن مواد القانون تختص فلسطيني الداخل بالإقصاء، وتسعى لتهويد أرض فلسطين.

ومن المعروف أن الحركة الصهيونية وإسرائيل تسعيان من بداية الاستيطان لنفي كل ما هو عربي وفلسطيني، وبعد سرقة الأرض جاء الدور على أهلها، بسن قانون يلزم الفلسطينيين في الداخل الإسرائيلي بيهودية الدولة، في محاولة لتغييب القومية الفلسطينية واللغة العربية. 

ورد التأكيد على مبدأ يهودية الدولة ضمن وثيقة إعلان قيام إسرائيل، التي صدرت في عام 1948م، وفيها:

"فقد اجتمعنا، نحن أعضاء مجلس الشعب، ممثلو السكان اليهود في البلاد، وممثلو الحركة الصهيونية في يوم انتهاء الانتداب البريطاني على أرض إسرائيل، وبحكم حقنا الطبيعي والتاريخي بمقتضى قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة، نعلن عن إقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل هي دولة إسرائيل".

 فإسرائيل تعتبر ـــــ تقريبا ـــــ الحالة الوحيدة التي يتم فيها الانتماء إلى القومية ثم المواطنة في الدولة عبر الدين، ويتم اتباع معايير وأدوات دينية لفحص الانتماء إلى هذه القومية، كما أنها اعتمدت الصهيونية حجة دينية تاريخية وهي وجود بني إسرائيل منذ آلاف السنين على الأرض، كحجة وحيدة لتبرير السيادة والاحتلال، رغم أن الثابت تاريخيا وجود الفلسطينيين على هذه الأرض قبل وصول بني إسرائيل.

عزل فلسطيني الداخل:-

كان العزل ـــــ وما زال ـــــ عنصرا ثابتا في سياسات إسرائيل بحق الفلسطينيين في الداخل، وتمثل في النظام الإداري، وعلى الأصعدة الاجتماعية والثقافية، وهو ما عززته النظرة للفلسطينيين في الداخل باعتبارهم "طابورا خامسا".

لا يحظى المواطنون الفلسطينيون في الداخل بحقوق متساوية مع الإسرائيلي، ولا يُعترف بهم كجماعة قومية لها صفة قانونية اعتبارية جماعية، أو حقوق ثقافية واجتماعية، وينعكس ذلك في برامج التربية والتعليم، وفي الثقافة والإعلام الإسرائيلي، وفي عدم الاعتراف بذاكرتهم التاريخية كجزء من الشعب الفلسطيني، ولا بحقهم في الحفاظ على تاريخهم وهويتهم.

لم تقتصر ممارسات إسرائيل على مصادرة الأراضي والنفي، وفرض القيود على الفلسطينيين في الداخل، وإنما امتدت لتشمل العمل على تغييب اللغة العربية، فسعت إسرائيل ـــــ شأنها شأن أي مستعمر ـــــ لمحاربة لغة أهل الأرض، حيث سنّ "الكنيست" الإسرائيلي عام 1955 قانونا نصّ على وجوب وضع أي إعلان أو لافتة في الشارع باللغة العبرية، وإن كان الأمر في إحدى المناطق ذات الأغلبية الفلسطينية التي تتحدث العربية فيشغل النص العبري ثلثي المساحة، ويُوضع على رأس الإعلان أو اللافتة، وقد شكلت إسرائيل لجان لتستبدل الأسماء العربية الفلسطينية للمدن والقرى والشوارع والمتنزهات وغيرها بمسميات عبرية بدلا من المسميات الأصلية.

تغييب اللغة العربية وأسرلة فلسطين:-

يُعد تغييب اللغة العربية وبسط العبرية أحد المساعي نحو "أسرلة" المجتمع الفلسطيني في الداخل، حيث فرضت إسرائيل سياسة احتلال تقتضي تغليب اللغة العبرية على العربية في أنحاء الأرض المحتلة، ومن ثم أصبح مفروضا على الفلسطيني العربي في إسرائيل معرفة العبرية لغة وثقافة، وذلك لموافاة ضروراته الحياتية، وليس ذلك عن رضى منه أو لرفاهية التعلم والتحدث بلغة ثانية، وإنما لأنه اضطر لأن يتحدث باللغة التي فرضها عليه الواقع الجديد على أرضه المحتلة.

لهذا فإن محاولات إسرائيل المستميتة نحو عزل الفلسطينيين في الداخل، وعدم الاعتراف بحقوقهم كأقليات على الأقل، بالتوازي مع توجهات تحديد المواطنة بناء على الدين،  وإجبار غير اليهود على الاعتراف بيهودية الدولة، والفلسطينيين على لفظ العربية لغة وثقافة وتاريخا، إنما تشير إلى تناقضا في تعريف إسرائيل كدولة لمواطنيها، فالفلسطينيون داخل إسرائيل مواطنون بلا مواطنة، فهم نظريا مواطنو دولة تعلن عن نفسها أنها ليست دولتهم، وفي نفس الوقت تجبرهم على العيش بمقاييس ومعايير من تعتبرهم مواطني الدولة.

ومن نافلة القول في مسألة الأسرلة، أن إسرائيل، بجانب التضييق والعزل والتمييز ومحاولات طمس الهوية العربية والقومية الفلسطينية، فرضت على فلسطيني الداخل سياسة تعليمية تقتضي دراسة العبرية، وتعلمها لغة وأدبا وثقافة، من خلال المصادر الدينية اليهودية، والأدب العبري.

وقد أسس التأكيد على يهودية الدولة لمعظم القوانين والسياسات الإسرائيلية، ومن بينها السياسة التعليمية، التي حرصت على تنفيذ ما ورد في وثيقة قيام الدولة على هيئة مناهج تعليمية، ومن ثم  حينما صدر قانون التعليم الرسمي في إسرائيل عام 1953، والتعديلات التي أضيفت عليه في عام 2000، جعل يهودية الدولة، وأسرلة فلسطين كجوهر العملية التعليمية، حيث أكد القانون على أهداف رئيسة للتعليم، هي:

 "تعليم الإنسان أن يكون مواطنًا مخلصًا لدولة إسرائيل،... يحترم هويته الثقافية ولغته، وغرس المبادئ الواردة في إعلان قيام إسرائيل، كدولة يهودية وديمقراطية،... وتدريس تاريخ أرض إسرائيل ودولة إسرائيل، وتعليم شريعة إسرائيل، وتاريخ الشعب اليهودي، وتراث إسرائيل والتقاليد اليهودية، وغرس الوعي بالمحرقة...".

الآن على بعد أيام من المائة عام الأولى على وعد بلفور لم تعد نتيجة المساعي الصهيونية خافية، فالأرض الفلسطينية تتآكل، وتتسارع عمليات تهويد المقدسات والمعالم،  وتغييب اللغة العربية في مقابل تصدير اللغة العبرية كلغة أم في أوساط الفلسطينيين بالداخل، ونفي كل من هو عربي وفلسطيني، وفي المقابل ما يزال المواطن الفلسطيني يتشبث بتلابيب الأمل ليعود يوما ما إلى بيته الذي يحتفظ بمفتاحه.  

Friday, October 20, 2017


لست مسئولا عن الحلم الذي يغامر بالسير فوق النصل
لم أحتضنه صغيرا
وحين كبر لم يأخذ بنصحي،
والجميع يجزمون بأن عهد المراهقة هو الأصعب.
حين تدمي قدماه من الخطوة الأولى ربما يعود إلى رشده،
وإن لم يرتجع فسيغامر بحياته ربما
ليصل إلى الجانب الآخر طمعا في الارتواء.
من المتوقع قطعا أن تكون القيعة سرابا
كما هذا الشحاذ الذي يختبر السيارات عند إشارة المرور المزدحمة
ليتخير هذه السيدة المتصابية 
يحاول أن يستغل انشغالها بتعديل التبرج في المرآة
كي يحك خرقته بجسد سيارتها عساها تستل فكة مع إصبع أحمر الشفاه
لكنها أكثر لؤما مما اعتقد بخبرته
فزجرته بعيدا، بعدما انتفضت عروق جيدها التي دفعت كثيرا لإخفائها.
لم تنتصب على أطراف قريتنا يوما خيمة السيرك
ولم أشغل تفكيري بإمكانيات السائرين فوق الحبل
محض ألعاب من أجل لقمة عيش مغامِرة
وحين يختل التوازن تتلقفهم الشبكة
لكنك أيها الحلم الأحمق لم تفكر مليا فيما يتلقفك حين تسقط 
أو يضمد رجليك حين تدمي
فتلون أوراق العمر المتساقطة
بدوائر حمراء فوق صفرة الخريف المقيم.

#أبو_إياس

Saturday, October 14, 2017

البحث في تاريخ قبة الصخرة .. محاولة جديدة لتهويد القدس

تقرير منشور على موقع شبكة رؤية الإخبارية، اضغط هنا للانتقال
أرنون سيجال:
- هل اليهود هم بناة قبة الصخرة كهيكل ثالث؟
-     ربما قد حان الوقت لإعادة النظر من جديد في التسليم بأن الخليفة الأموي هو من أمر ببناء الأقصى.
-     حين أصبح اليهود أصحاب السيطرة على القدس ألم تراودهم فكرة بناء الهيكل الثالث؟!


ربما ليس خافيا على أحد تاريخ تدشين وبناء قبة الصخرة - إحدى أهم معالم المسجد الأقصى-  في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان عام 68 هـ \ 688م، حول الصخرة المشرفة الواقعة على صحن مرتفع في وسط ساحة الحرم القدسي الشريف، واستمرت عملية البناء حتى اكتملت عام 72هـ/ 691 م.
وبالبحث في المصادر التاريخية والأثرية المتاحة؛ لم يشكك أحد في أن قبة الصخرة بكاملها هي من إنشاء عبد الملك بن مروان خامس الخلفاء الأمويين، ولم تقم فوق أنقاض أي بناء قديم.
أما المسجد الأقصى فقد اكتمل تدشينه عام 705م، ولا توجد حتى الآن أبحاث موثقة قد أثبتت عكس ذلك، أو دلائل أشارت إلى أحد آخر قد نافس عبد الملك بن مروان على شرف بناء قبة الصخرة.
لكن على الجانب الآخر؛ ما تزال أطراف من الجانب الإسرائيلي تسعى جاهدة لغرس جذور لليهود في محيط القدس، بادعاءات وجود آثار مادية لهيكل يهودي أسفل الحرم القدسي الشريف، وساق الادعاءات الجديدة الكاتب المتطرف أرنون سيجال في تقرير له نشره موقع 360 الإسرائيلي.
أرنون سيجال ومساعي ليْ زراع التاريخ:-
أرنون سيجال كاتب إسرائيلي متشدد ينتمي إلى ما يسمى "مجلس منظمات الهيكل المقدس" وقد أعلن مؤخرا في تسجيل فيديو عن دعمه لاقتحام مستوطنين يهود لباحات المسجد الأقصى، كما دعا لزيادة أعداد المقتحمين.
هذا التوجه اليميني المتطرف من قبل الكاتب اليهودي من الطبيعي أن يخرج عنه تقرير منشور يحاول من خلاله زعزعة الثوابت التاريخية والأثرية حول قبة الصخرة والمسجد الأقصى.
يقول أرنون في تقريره:
"ربما قد حان الوقت لإعادة النظر في الأمر المسلم به بأن الخليفة الأموي الخامس هو من أمر ببناء قبة الصخرة، فربما التاريخ المنقول مُضلل ويخالف الحقائق، وإلا ما الذي يمنع اليهود في ذلك الوقت من التفكير في بناء الهيكل المقدس الثالث؟!"
يستطرد أرنون :"ما أسوقه هنا من آراء هي بمثابة محاولة لملء الفراغات التاريخية التي تثير الغموض حول فترة من تاريخ اليهود في فلسطين، وهي المعاصرة لعصر الاحتلال الفارسي لفلسطين خلال القرن السابع الميلادي. فالمعروف تاريخيا بلا شك أنه في عام 614 م احتل الفرس مدينة القدس بمساعدة اليهود، بعد حرب ضد الروم البيزنطيين، وكانت جائزة اليهود لأنهم ساعدوا الفرس أن تمتعوا بالسيطرة على القدس، لكن لم يدم تلك السيطرة طويلا، إذ عاد الروم مجددا وهزموا الفرس، واستعادوا القدس، وأذاق البيزنطيون اليهود مرارات التنكيل جزاء على دعمهم السابق للفرس، وظل وجود الروم بالقدس حتى فتحها الخليفة الإسلامي عمر بن الخطاب عام 638 م بلا حرب، وظلت السيطرة الإسلامية على المدينة لمدة 450 عاما متصلة"
لا يحاجج سيجال في تلك الحوادث التاريخية، ولكنه يتطرق في تقريره إلى جانب آخر، يرتبط بالوجود اليهودي بالقدس إبان سيطرة الفرس عليها، فيزعم أن المصادر التاريخية القليلة المتعلقة بفترة الاحتلال الفارسي تشير ربما لتدشين اليهود لبناء في محيط الحرم القدسي الشريف، وتشير المصادر – كما يزعم – أن ذلك المبنى كان أشبه بمظلة مؤقتة في موضع الحرم المقدس، وهو ما أشارت إليه بعض الأشعار الدينية اليهودية التي وردت في الجنيزا القاهرية (مجموعة من الوثائق المخطوطة بالعبرية والآرامية والعربية التي وُجدت في مدينة الفسطاط المصرية في أواخر القرن 19).
تأثير وتأثر في فن العمارة:-
عن هذا المبنى المؤقت يقول آساف أفراهام باحث الآثار بجامعة بر إيلان:"لا نعرف أي شيء عن طبيعة هذا المبنى" ليزيد الغموض حول المبنى، ولا يؤكد من جانبه إن كانت هذه المظلة المؤقتة قد تحولت بمرور الوقت إلى مبنى دائم، فالدلائل التاريخية لا تشير إلى ذلك، لكن هذا لا يمنع من تسرب الشك إلى بعض الباحثين، خصوصا مع واقع أن قبة الصخرة عبارة عن بناء ثماني الأضلاع.
يواصل أرنون في تقريره مدعيا أن المعضلة التاريخية هنا في كون البناء ثماني الأضلاع، وهو الشكل الهندسي الذي لم يكن يوما مميزا للعمارة الإسلامية في ذلك الوقت، ومن جانبه يقول الباحث آساف في هذه النقطة :"كان الشكل المعماري ثماني الأضلاع معروفا في فلسطين آنذاك، حيث ظهر في القرنين الخامس والسادس الميلاديين كجزء من أسلوب العمارة الجديد بالكنائس، فقد كانت واجهة كنسية القيامة في بيت لحم ثمانية الأضلاع، وكذلك كنسية المهد كانت ثمانية الأضلاع وفي مركزها صخرة، وتقول المرويات المسيحية إن مريم قد ارتاحت عليها وهي في طريقها إلى بيت لحم، كما توجد كنيسة بيزنطية ثمانية الأضلاع في قرية كفر ناحوم، وكذلك في منطقة جبل جريزيم.
"بالنسبة لكنيسة المهد؛ فمثلها مثل قبة الصخرة تحولت في عهد المسلمين إلى مبنى للصلاة" يستطرد أساف ويضيف: "وبشكل عام، لم يقدم المسلمون على هدم المباني التاريخية القديمة، ولم يمنعوا الشعائر القديمة التي كانت تُقام هنا، وإنما اعتبروا أنفسهم مستكملين للمسيرة، فحاولوا صياغة التقاليد المسيحية واليهودية في قوالب إسلامية، على سبيل المثال فإن مسمى بيت المقدس الذي استخدم في البداية للإشارة إلى قبة الصخرة فقط، وبمرور الوقت أصبح يطلق على المنطقة بكاملها حتى اليوم، والآن صار يطلق على مدينة القدس كلها؛ هو في الأساس مسمى مأخوذ بلا شك من بيت المقدس اليهودي"
"ومن هنا فإن إقامة بناء ثماني الأضلاع في قبة الصخرة يبدو أنه جاء تأثرا بعمارة الكنائس المسيحية التي كانت معاصرة له في تلك الفترة، والتي تعكس طرازا معماريا يهدف لتوجيه الداخلين إلى المبنى نحو شيء مركزي مقدس بالداخل، وهذه الفكرة تلائم إذا إقامة بناء فوق حجر الأساس (يقصد الصخرة المشرفة بمسجد قبة الصخرة) التي ارتبطت بها حكايات ومرويات مقدسة وشعبية كثيرة".
أما بيرتس رؤوفين الباحث المعماري بالجامعة العبرية؛ فيشير في بحث له أن كل التفاصيل المعمارية في قبة الصخرة كلها بيزنطية، حتى أن بعضا منها ينتمي إلى مبان من الحقبة الرومانية المتأخرة، أي أنها تفاصيل قديمة جرى إعادة استخدامها في بناء قبة الصخرة، ومن هنا فإن الافتراض المقبول في هذا السياق أن المسلمين قد اقتبسوا تفاصيل معمارية من مبان قديمة واعتمدوا عليها في بناء قبة الصخرة، لأن النتائج في الواقع تشير إلى دمج أنماط بناء معمارية من مصادر متنوعة وليس مصدر واحد، ومع ذلك يمكن الافتراض بأن هذا البناء قد تم تدشينه في فترة سابقة على العصر الإسلامي.
محاولات غرس تاريخ يهودي:-
من جانبه يضيف أرنون سيجال إنه "بما أن هذا الطراز المعماري لقبة الصخرة يلائم فترة العصر البيزنطي؛ فربما إذا لا يمكن دحض الافتراض أنه تم تدشينه في الأساس على أيدي اليهود في عهد الوجود الفارسي حيث تمتعوا ببعض الحرية آنذاك، فمن المنطقي وفقا لهذا التصور افتراض أن اليهود خلال سيطرة الفرس على بيت المقدس قد سعوا لتدشين مبان مقدسة، ربما قد تحولت فيما بعد لديانات أخرى مع انتقال السيطرة على المدينة للبيزنطيين، فماذا فعل اليهود خلال الفترة التي استمتعوا فيها بالحرية في فلسطين إبان سيطرة الفرس والتي تبلغ 11 عاما؟ ألم يحاولوا تحقيق رغبتهم في تدشين الهيكل مرة ثالثة، وإذا حدث ذلك بالفعل فهل أقدم البيزنطيون على هدمه بعد انتصارهم وسيطرتهم مجددا على المنطقة، أم حافظوا عليه وتحول فيما بعد لديانة أخرى؟" لكن أساف أفراهام يقر بعدم وجود مصادر تاريخية تؤكد أيا من هذه الأفكار.
  يعود الباحث أساف أفراهام ويجيب على استفسار أرنون سيجال عن احتمالية وجود دليل على أن اليهود قد دشنوا بناء مقدس في فترة وجود الفرس، فيقول:" من المعقول جدا الافتراض بأن اليهود في عهد الفرس قد دشنوا بناء مقدسا، ولكن لا يمكن الوصول في الوقت الحالي لنتيجة قاطعة حول تاريخ إنشائه".
أضاف أفراهام إن "الباحث المعماري تساحي دفيرا أشار بأن الفسيفساء التي عثر عليها البريطانيون بعد الهزة الأرضية عام 1927 تبدو وكأنها قطع فنية بيزنطية، وهذا الرأي من شأنه أن يعضد الفكرة التي تقول إن المسجد الأقصى بصورته الحالية قد أقيم على أنقاض مرحلة أقدم من العصر البيزنطي،  رغم عدم العثور على مصادر تاريخية مكتوبة تشير لوجود مبان بيزنطية في منطقة الحرم القدسي تحديدا خلال فترات سيطرة الرومان على المنطقة،  فالكتابات التي دونها الحجاج المسيحيون حين وصلوا لفلسطين لم تشر إلى وجود أدلة معمارية بيزنطية كبيرة في المنطقة آنذاك، كما لم تشر خارطة مادبا ( جزء من أرضية فسيفسائية لكنيسة قديمة في مدينة مادبا في الأردن، تعود إلى العصر البيزنطي، وهي أقدم خريطة أصلية للأراضي المقدسة، ويعود إنشاؤها إلى سنة 560، وتوجد اليوم داخل كنيسة القديس جوارجيوس في مدينة مادبا) إلى وجود الحرم القدسي، لذا فمن الصعب التأكيد على وجود معمار بيزنطي ذي قيمة في تلك الفترة".
رغم ما سبق؛ يصر أرنون سيجال على محاولة غرس تاريخ يهودي أسفل قبة الصخرة، فيفترض إمكانية أن الفسيفساء التي عثر البريطانيون عليها بعد زلزال عام 1927 هي في الأساس بقايا من مبان أسسها اليهود في العصر الفارسي، بل ويفترض احتمالا أن المسجد الأقصى في صورته القديمة إنما قد دشنه اليهود أيضا في العصر نفسه، فربما كان المسجد كنيسا يهوديا في الأساس، بما أن الفرس لم يمكثوا في القدس ردحا طويلا من الزمن قبل أن يهزمهم البيزنطيون مجددا؛ وفي خلال الفترة القصيرة التي سيطروا فيها على المنطقة ومنحوا اليهود حرية العيش كمكافأة على مساعدتهم في احتلال المكان، ومن الراجح أن تلك الفترة القصيرة التي سيطر فيها الفرس لم تشهد تدشين مبان فارسية في القدس، لكن بما أن اليهود كانوا يمسكون بزمام أمورهم إبان الحكم الفارسي فيحاول أرنون الترويج بشدة لأن اليهود أقاموا مبان مقدسة في المكان خلال تلك الفترة القصيرة جدا، وذلك بافتراض أنه ليس من المنطقي ألا تراودهم فكرة إعادة بناء الهيكل المزعوم للمرة الثالثة.

Thursday, October 05, 2017

44 عاما على حرب أكتوبر، إسرائيل ما بين نظريات المؤامرة، وصدمة الحقيقة

منشور على موقع شبكة رؤية الإخبارية، اضغط هنا للانتقال 

أوري ميلشطاين: * إسرائيل لم تنهزم عسكريا في حرب أكتوبر.*القيادة العسكرية الإسرائيلية قدمت مئات الجنود قربانا عن عمد.  * حرب أكتوبر جزء من سيناريو سري وضعه كيسنجر واشترك فيه السادات وديان من أجل الوصول لاتفاق سلام. *مصر لم تكن لتتكمن من هزيمة إسرائيل دون مؤامرة.
أفيرام برقائي: * ميلشطاين رائد نظرية المؤامرة التي راجت في السنوات الأخيرة حول حرب أكتوبر، لكنه ليس أول من اخترعها، وكأنه يرسم صورة ذاتية عن نفسه باعتباره المندوب الأخلاقي للشعب.* ديان آخر شخص يمكن أن يحيك مؤامرة. *أشرف مروان لم يكن وسيلة الاتصال الوحيدة بإسرائيل. *الكثير من جيل حرب 73 في حالة صدمة حتى الآن.


44 عاما مرت على أحداث حرب السادس من أكتوبر، ولم تنفذ التحليلات العسكرية والدراسات التأريخية لهذه المعركة الفاصلة في تاريخ مصر والأمة العربية، كما تتذكرها الأوساط الإسرائيلية بمزيج من الحسرة، واستدعاء نماذج لما تعتبره بطولات فردية، إضافة إلى تحليلات عسكرية وتصورات مخابراتية ومؤامراتية.
هذا العام صدر في إسرائيل كتابان جديدان عن حرب أكتوبر (يوم الغفران) الكتاب الأول بعنوان "انتصار  بقليل من المنطقية- حقائق حول حرب يوم الغفران" ويكتب فيه المؤرخ العسكري الإسرائيلي المعروف "أوري ميلشطاين" مقالا يحمل عنوان "تقدير المؤامرة" وكتب تقريرا كبيرا عن رؤيته في هذا المقال ونشره في صحيفة "معاريف"، والكتاب الثاني الذي صدر هذا العام يحمل عنوان "الواقعة التي لم تكن تفاصيلها هكذا: مؤامرة حرب يوم الغفران" ومؤلفه "أفيرام برقائي" مرشد سياحي وباحث في التاريخ العسكري الإسرائيلي، وأجرى معه الكاتب اليميني "أمنون لورد" حوارا عن كتابه في صحيفة "يسرائيل هيوم".
نظرية ميلشطاين: خدعة كيسنجر مع السادات وديان:-


وزعم "ميلشطاين" في تقريره أن حرب أكتوبر اندلعت بناء على مؤامرة ثلاثية الأطراف، حاكها "هنري كيسنجر" وأشرك معه "أنور السادات" من الجانب المصري و"موشيه ديان" من الجانب الإسرائيلي، وبحسب زعمه؛ فإن حبكة الحرب تتلخص في مفاجأة الجانب المصري عدوه الإسرائيلي بالهجوم العسكري، وعبور قناة السويس، لتحقق انتصارها على الأرض أمام العالم، وتسترد أرضها، بينما تدعي إسرائيل الشعور بالمباغتة العسكرية وتنهزم، وبذلك تكون القيادة الإسرائيلية ومن ورائها المجتمع مستعدين للتنازل والموافقة على اتفاق سلام يصب في مصلحة المنطقة، وعلى الجانب الآخر تبدو مصر أمام العالم – خصوصا العربي- وقد حققت نصرا مؤزرا، ومحت العار الذي لحق بها في حرب يونيو 1976، وأما مكسب الولايات المتحدة فيتلخص في سحب مصر من تحت مظلة الاتحاد السوفيتي لتقف تحت مظلة الولايات المتحدة، وبالتالي تغل يد السوفييت عن المنطقة وتتمتع هي بسيطرتها كاملة، وقد روج لهذا التصور الأخير ما أقدمت عليه القيادة المصرية في عام 1972 بطرد الخبراء السوفييت، وما شاع عن خلافات بين الجانبين المصري والسوفيتي.

تتركز أسانيد "ميلشطاين" على ما يعتبره نقاطا غامضة في سيناريو الحرب، فالسؤال الرئيس الذي يطرح نفسه هو لم تأمر القيادة العسكرية الإسرائيلية باستدعاء قوات الاحتياط  رغم حصولها على معلومات متواترة من أكثر من مصدر بموعد هجوم القوات المصرية والسورية؟ أما السؤال الثاني فهو لماذا قررت القيادة تعبئة الاحتياط في صبيحة يوم الحرب رغم تعهدها لـ"هنري كيسنجر" بعدم القيام بالأمر؟
وبحسب "ميلشطاين"؛ فإن الزعم الرائج بالنسبة لعدم تعبئة قوات الاحتياط رغم معرفة موعد الحرب يتلخص في عدم رغبة القيادة الإسرائيلية بتكرار استدعاء الاحتياط للمرة الثانية في فترة وجيزة، بعد أن قررت تعبئة قوات الاحتياط في مايو 1973 على إثر تواتر تسريبات بموعد الحرب حينها، وكذلك فلم ترغب القيادة الإسرائيلية في تعبئة الاحتياط في أكتوبر 1973 وتصدير التوتر للمجتمع الإسرائيلي خصوصا وأنه كان من المفترض أن تُجرى الانتخابات العامة في إسرائيل بعد 25 يوما من يوم الغفران الذي صادف هجوم المصريين.
وتبعا لزعم "ميلشطاين"؛ فإن إسرائيل بعد أن تدَّعي المفاجأة في مقابل ترويج المصريين بأنهم حققوا انتصارا؛ تقوم باستيعاب المفاجأة وتعبئة الاحتياط، ومن ثم تهاجم مجددا، ليضطر الرئيس السادات للموافقة على وقف إطلاق النار الذي فرضته الولايات المتحدة على إسرائيل، ليلجأ الطرفان – المصري والإسرائيلي – في النهاية للجلوس أمام مائدة المفاوضات وإرساء بنود اتفاق سلام برعاية أمريكية خالصة.
برقائي: غطرسة إسرائيل سبب الهزيمة:-
يتحدث "أفيرام برقائي" مع "أمنون لورد" في صحيفة "يسرائيل هيوم" عن نقطة الانطلاق في كتابه، وهي نظرية "ميلشطاين"، الذي يدعي أن مؤامرة كبرى جرت كي تخرج حرب أكتوبر بهذا الشكل وتصل إلى هذه النتائج، وإذا ما تم تنحية نظرية المؤامرة جانبا؛  فسيكون هذا لسبب وحيد، وهو افتراض أن "موشيه ديان" كان رجل سلام، ومن أجل تحقيق السلام الشامل كان مستعدا للتضحية بمئات الجنود الإسرائيليين عمدا، كي تذيع سمعته كقائد عسكري كبير، وأقدم على ذلك قبيل الانتخابات، فالرجل الذي تحدث الجميع عن نشاطاته للتوسع في بناء مستوطنات إسرائيلية بسيناء، وتدشين مدينة بحرية وميناء تجاري؛ هو ذاته الرجل الذي اشترك في خدعة لينهزم بموجبها جيش بلاده، ويمنح نصرا براقا لمصر ويترك لها كل سنتيمتر من أرض سيناء، رغم المقولة المشهورة عنه :"أفضل شرم الشيخ بلا سلام عن سلام بلا شرم الشيخ".
يسترسل "أمنون لورد" في الحديث مع "برقائي" عن ملخص كتابه، ووفقا له: ما الذي يجعل وجود مؤامرة لحرب يوم الغفران غير معقول؟! بينما تاريخ إسرائيل عامر بالمؤامرات، والأحداث الغامضة التي لا تُكتشف ملابساتها، مثل اغتيال "حييم أرلوزولوف" رئيس القسم السياسي للوكالة اليهودية وذلك عام 1933، وقد أشارت أصابع الاتهام إلى أفراد من حركة "الصهيونية التنقيحية"، لكن ظل الجاني مجهولا، وكذلك "فضيحة لافون" في مصر عام 1954، والتي سميت نسبة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك "بنحاس لافون" الذي اعتُبر الآمر بتنفيذها، وهي عملية سرية إسرائيلية كانت تسمى كذلك بـ"عملية سوزانا"، وكان الغرض منها تفجير أهداف مصرية وأمريكية وبريطانية في مصر ، وأجهضتها السلطات المصرية، وفي إسرائيل لم يتم الكشف عن المتورطين في تلك العملية الفاشلة، وأيضا عملية اغتيال "رودولوف كاستنر" عام 1957، وهو المحامي اليهودي الذي اشتهر بتهريبه اليهود من النازيين بالمجر، وتمت تصفيته على يد مجهولين بعد اتهامه بالتعاون مع النازيين، ليس هذا فحسب بل يمكن وضع علامات استفهام عديدة أمام حادث اغتيال رئيس الوزراء "يتسحاق رابين" رغم القبض على منفذ العملية.
وبعيدا عن حالات الاغتيال الفردية، ولربط الموضوع بمسألة الحرب؛ فإن الحديث عن نظريات مؤامرة تتعلق بالحروب ليس جديدا، فعلى سبيل المثال أشارت أصابع الاتهام (ثم تراجعت) إلى "موشيه ديان" حينما كان رئيسا للأركان الإسرائيلية فيما يتعلق بمقتل "أساف سمحوني" قائد المنطقة الجنوبية العسكرية، بعد انتهاء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بيوم واحد، رغم أنه تم الإعلان عن مقتله نتيجة حادث تحطم طائرة.  
فيمكن القول إذا أن "موشيه ديان" كان يشعل خيال المؤمنين بنظريات المؤامرة، وراجت الإشاعات التي ربطت بينه وبين كثير من الأحداث السياسية والعسكرية بداية من "فضيحة لافون"، حيث اتهمه "بنحاس لافون" مع قيادات من الجيش بنصب مكيدة له.
مؤامرة الأوغاد الثلاثة:-
تحول الحديث عن حرب أكتوبر 1973 إلى حقل كبير من الإشاعات، والحديث عن المؤامرات التي تلقى رواجا كبيرا لدى جمهور كبير، خصوصا مع الانكسار الكبير في صفوف الجيش الإسرائيلي، وهو الأمر الذي لم يكن متوقعا في حينه، مع المباغتة الكبيرة التي أقدم عليها الجيشان المصري والسوري في السادس من أكتوبر، وبناء على ذلك أصدر "برقائي" كتابه الأخير هذا ليضع حدا لنظرية المؤامرة، ولأن الأهم الآن هو ماذا يمكن أن يقال للإسرائيليين عام 2017 بعد 44 عاما من الحرب، بعد أن تحول الكثير منهم إلى مهووسين بنظريات المؤامرة، والمكائد السرية؟
يعتبر "برقائي" أن "ميلشطاين" هو رائد نظرية المؤامرة التي راجت في السنوات الأخيرة حول حرب أكتوبر، لكنه ليس أول من اخترعها، وكأنه يرسم صورة ذاتية عن نفسه باعتباره المندوب الأخلاقي للشعب، المخول إليه تعرية مؤسسة الحكم الفاسدة في إسرائيل، وفضحها باعتبارها مؤسسة مقيتة وفاسدة نصبت كمينا تاريخيا للإسرائيليين، فأودت بحياة مئات الجنود، بعد الاتفاق السري بين "الأوغاد" الثلاثة  "كيسنجر" و"ديان" و"السادات".
وهذا الرواج المستحدث لنظرية المؤامرة المصاحبة لحرب أكتوبر استدعى "برقائي" لإصدار كتابه الأخير، ليفند فيه تصور "ميلشطاين"، الذي لاقى تجاوبا كبيرا في السنوات الأخيرة بإسرائيل، ومن هنا يرى "برقائي" ضرورة لكبح جماح هذا التشويه التاريخي، ويستند في ذلك إلى مؤلفاته السابقة عن وقائع بعينها جرت خلال حرب أكتوبر.
يسخر "برقائي" من نظرية "ميلشطاين"، الذي يعتبر أن المصريين شعروا بالإهانة والذل بعد انكسارهم في 67، وأرادوا استرداد سيناء، لأنهم مصريون وعرب،  لكنهم كانوا مدركين جيدا لحدود قوتهم في مقابل قوة الجيش الإسرائيلي، لذا فقد رغبوا في تحقيق انتصار شعبوي صغير، فمصر لم تكن لتقبل استرداد أرضها دون حرب، بعد أن أعلن العرب "اللاءات الثلاثة" في القمة العربية بالخرطوم في أغسطس 1976، وهي لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني، وبالتالي احتاجت مصر لنصر مزيف تسترد به سيناء، وتُصور لشعبها وللعرب أنها محت العار والإهانة، بعد أن يظهر جنودها وهم يدكون حصن "بارليف"، وتحلق طائراتها فوق سيناء مجددا، ثم في الأخير تسير في طريق اتفاق سياسي سلمي يعيد لها بقية أراضي سيناء، وهكذا تسلم إسرائيل سيناء مقابل السلام، ويظهر الجيش المصري أمام شعبه وكأنه البطل العظيم الذي حقق النصر وأعاد الأرض.
في المقابل يحاول "برقائي" أن يدحض في كتابه نظرية المؤامرة بين الثلاثي "كيسنجر" و"ديان" و"السادات"، ويرى أن الغرور كان سببا حقيقيا ورئيسا فيما جرى في 6 أكتوبر، فبعدما انتصرت إسرائيل عام 1976 انتفخت أوداج القيادة الإسرائيلية بالغرور، لأن اعتبروا أن العرب أيقنوا أن أحد أسباب تفوق إسرائيل هو الأفضلية العسكرية الكبيرة التي يتمتع بها الجيش، وأصبحت السماء مزدحمة بطائرات إسرائيلية، واعتبر "ديان" أن العرب كمجموعة عصافير تصطف فوق سطح صفيح، حجر واحد يُقذف عليها فتهرب بعيدا، أما "بارليف" فقد اعتبر العرب رعاعا لا يُخشى تهديدهم، في حين قال "شارون" أن إسرائيل يمكنها أن تبسط سيطرتها على أية منطقة تقع بين الخرطوم وبغداد. 
والحقيقة من منظور "برقائي" أن: "صدمة يوم الغفران كانت رهيبة، في أول 24 ساعة فقط من الهجوم سقط نحو 500 جندي إسرائيلي، ولا أعرف هل بإمكان الجيش الإسرائيلي أن يقوم يوما بعملية ناجحة مثلما فعل المصريون، الفلاحون غير المتعلمين"
بالنسبة للسؤال الأهم الذي يستند إليه "ميلشطاين" وهو: لماذا لم تأمر القيادة الإسرائيلية بتعبئة الاحتياط رغم ورود معلومات "مؤكدة" عن موعد الهجوم، وليست معلومات من "أشرف مروان" وحده، بل من مصادر موثوقة أخرى؟ يجيب "برقائي": "الأمر في غاية البساطة، فالانتخابات الإسرائيلية كان من المقرر أن تُجرى في نهاية أكتوبر 1973، ولا توجد احتمالية واحدة أن يخاطر سياسي إسرائيلي حينئذ ويتحدث عن حرب قادمة على الأبواب ستندلع قبل الانتخابات بثلاثة أسابيع" وهذا الأمر يعد غريبا بالطبع على أي شخص لا يستطيع أن يفهم مجريات السياسة الإسرائيلية جيدا، وبدلا من ذلك يلجأ للإيمان بنظريات المؤامرة والترويج لها."
إيلي زعيرا وفشل أمان:-
تطرق "ميلشطاين" في حديثه عن "إيلي زعيرا"، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) في ذلك الوقت، ولماذا لمْ يُفعل وسائل الاستخبارات في ذلك الوقت، وهي الوسائل الخاصة التي قيل أنها تعتمد على مصادر موثوقة لجمع معلومات، بخلاف "أشرف مروان"، وفي عام 2013 – بعد 40 عاما على الحرب- خلال اجتماع الجمعية الإسرائيلية للتاريخ العسكري؛ هاجم بعض الحاضرين "إيلي زعيرا" بسبب عدم تفعيل الوسائل الخاصة، والتي كان يمكن أن تنقل للقيادة الإسرائيلية معلومات دقيقة عن تفاصيل الحرب، وفي هذا الشأن يدفع "برقائي" جزءا من الاتهام عن "زعيرا"، مستندا إلى حادثة وقعت في إبريل من العام 1973، حيث كشفت مصر مصدرا موثوقا لإسرائيل كان يمدها بمعلومات، ومن هنا اضطرت قيادة أمان لإيقاف مؤقت  للمصدر الآخر كيلا ينكشف ويتعرض للسقوط في أيدي المصريين دون حاجة ماسة لأن ينقل معلومات لإسرائيل في ذلك الوقت.
ورغم دفاعه عن "زعيرا"؛ فإن برقائي يبدي اندهاشا من تصرفه بخصوص إيقاف عمل المصدر الثاني، ففي ذلك الوقت كان يوجد مصدران للمعلومات، سقط أولهما، ولم يسقط الثاني، واكتفى "زعيرا" ومعه قيادة أمان بالمعلومات التي نقلها المصدر الأقل ثقة، ومفادها أن المصريين غير مستعدين للحرب، وسوريا لن تشعل حربا دون مشاركة مصر، ولذلك اعتبر "زعيرا" أن ما تقوم به مصر في ذلك الوقت محض تدريبات عسكرية، وليست استعدادات جدية لشن الحرب.
جدير بالذكر أن "إيلي زعيرا" تحدث عام 2014 مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، وأقر بأن المسئولين في أمان لم يفترضوا قدرة المصريين على العبور، وقال أنه اعتمد على معلومات تؤكد هذا الافتراض، وأن "جولدا مئير" كانت واثقة تماما بعدم قدرة المصريين على شن حرب، ولم يشأ "زعيرا" وقتها أن يعارضها خشية أن يعتبرونه مُضلِلا، خصوصا مع تأكيد أطراف كثيرة على أن جعجعة المصريين حول الحرب بلا طحن.
أشرف مروان: ملاك إسرائيل أم عميل مزدوج:-

على جانب آخر ماتزال مسألة "أشرف مروان" غامضة بعض الشيء بالنسبة لـ"برقائي"، فيقول "ميلشطاين" في مقاله أن "مروان" قد نقل إلى "تسيفي زمير" رئيس الموساد آنذاك معلومة  مؤكدة بموعد اندلاع الحرب خلال لقائه معه في لندن، ولم يكن "أشرف مروان" عميلا للموساد أو عميلا مزدوجا، بل كان أحد وسائل الاتصال، ودوره كان يقتصر على نقل معلومة موعد الحرب،  أما "أفيرام برقائي" فيقر بأنه لا يقف على كل تفاصيل التي جمعت "زمير" مع "زعيرا" فيما يتعلق بمعلومة "أشرف مروان"، فربما كان "زعيرا" قد شكَّ في كون "مروان" عميلا مزدوجا، ولذا لم يعتبر ما نقله كمعلومة دقيقة تماما، لكن من المؤكد – وفقا لأغلب الآراء- أنه كان يوجد مصدر آخر للمعلومات، مهم جدا ودقيق، بخلاف "مروان".
موشيه ديان: طاووس الحرب ليس متآمرا:-

أما "موشيه ديان" الذي اتهمه "ميلشطاين" بكونه مندوب إسرائيل في المؤامرة الثلاثية فقد وصفه برقائي بـ" الرجل العنيد، الذي كان يفرض رأيه دائما، لكنه كان إيثاريا، يقلق كثيرا على غيره، غير أنه كان متغطرسا، ولذا لا يمكن أن يحيك مؤامرة مع "زعيرا"  ليخفيا شيئا أمام لجنة "أجرانات"، ومن المؤكد أنه آخر شخص يمكن أن يحيك مؤامرة"، ولم يكتف "برقائي" بهذا، بل صرح أنه إذا كان أحد أفراد عائلة "ديان" لفكر جديا في رفع قضية تشهير بحق "ميلشطاين" وغيره من مروجي هذه النظرية.
يقدم "برقائي" رأيا آخر يدحض به نظرية المؤامرة، فيرى أن إسرائيل قبل 1973 قد وصلت لمرحلة الحدود الآمنة والعمق الاستراتيجي، ولم تكن لتحيك مؤامرة تتنازل بموجبها عما حققته، ولا في مقابل السلام الكامل، الذي لم يعرضه أحد من الأساس، بعد أن رفع العرب "اللاءات الثلاثة".
اغتيال يوسف ألون (جون):-
في 1 يوليو 1973 تم تصفية "يوسف ألون" العقيد بقيادة سلاح الجو الإسرائيلي وذلك في الولايات المتحدة حيث كان يعمل مساعدا للملحق العسكري الإسرائيلي، ولم يتم التعرف على منفذي العملية، رغم أن البعض ربط مقتله بمنظمة "أيلول الأسود" الفلسطينية، ومن قبيل الإيمان بنظرية المؤامرة أيضا؛ روج البعض أن "ديان" بنفسه كان وراء تصفية "ألون"، بعدما علم الأخير ببعض تفاصيل المؤامرة الثلاثية (كيسنجر وديان والسادات).
من هنا يعتبر "أفيرام برقائي" أن كتابه يأتي في وقت مهم، حيث من شأنه أن ينحي جانبا خيالات نظريات المؤامرة التي تحيط بحرب أكتوبر، ويضع بدلا منها ما يراه حقائق أمام الإسرائيليين الذين ما يزال الكثير منهم يعاني صدمة ما بعد الحرب رغم مرور 44 عاما، فالجرح لم يلتئم بعد. 

Tuesday, October 03, 2017

وجه

كي لا تبدو سحنتي منطوية على اكتئاب كما زعم البعض
أخرج أحيانا بوجه آخر للتمويه
محيا شيخ يهرول مرتعشا نحو غروب لا ميلاد بعده
أو وجه طفل نجا من قصف عشوائي لدار حضانة
فبحث عن صوت أمه في جثة المربية المتفحمة
وربما أترك لحيتي كحشائش غير مشذبة على أطراف أرض بور
لأخفي بعضا من الملامح التي تجلدت حتى تخشبت
ولو قذفتها نسمة من ربيع ربما تشققت وتطاير رمادها.


كي أهرب من التلميح والسؤال
أبادر بالحديث عن خطة  جديدة في الشطرنج
يتمرد فيها العسكري على تحريكه مربعا واحدا ووضعه في مقدمة الجيش يتلقى الضربات الأولى
لكنه يلقى حتفه دهسا تحت أرجل الفيل
كعادته الحمقاء
والملك يراود ملكته عن نفسها
حتى ينهزم وتنساه امرأته حين تتراص مع خليفته في دورة لعب جديدة
أو أحكي موقف السيدة العجوز التي أصرخت سيارتي بينما أضغط على مكابحها بعنفوان قهري
كي تمر
وبينما تعبر الطريق أمامي تلكأت لسنوات أطالع ألبوم ذكرياتي عبر المخيلة الصفراء
حتى نهرتني أبواق السيارات من خلفي
وحينما وصلت العجوز للجانب الآخر سمعتها تتأوه وهي تلعن البشرية
"ملعون أبوكو"
هكذا زفرت رماد العمر من حلقها
وهكذا يمر يومي
حتى أعود فأبحث عن وجهي حيثما تركته على طرف السرير لأرتديه مجددا
فأكتشف غيابه
فتخبرني المرآة أني نسيت خلعه.         
#أبو_إياس