Monday, December 08, 2014

عروس البحر


أردت أكتب عن عروس البحر
عن لقائنا الأول،
لكن تلاطم الأمواج 
طغى على طقطقة القُبل.
أردت أن أرسم وجه عروس البحر
على صفحة الفؤاد؛
لكن زبد البحر
أخفى ملامح الجسد والأمل.
أردت أن أكتب لها 
رسالة، شعرا، أو زجل
لكن المياه بللت القرطاس
وعطّبت القلم
أردت أن أرحل مع عروس البحر
نحو الصحراء
 فلم تستطع هجران الماء،
نحو المحيط
 فلم أستطع الغوص،
أردنا الحياة معا فما العمل
إلا انتظار الموت
 ودنو الأجل.

أحصي رمال الشاطئ بلا ملالة،
وتُعدُ قطرات البحر بلا كلل.


Friday, December 05, 2014

قراءة في كتاب: عسكرة التعليم في إسرائيل

عسكرة التعليم في إسرائيل
מיליטריזם בחינוך
בעריכת: חגית גור
إعداد: حجيت جور
ترجمة من العبرية للعربية: أ.د. يحيى محمد عبد الله
قراءة: محمد عبد الدايم

منشور في موقع قل: انقر هنا للانتقال

     صدر كتاب "عسكرة التعليم في إسرائيل" في إسرائيل عام 2005، إعداد وتحرير "حجيت جور"، وهي مؤلفة مناهج دراسية وتربية إسرائيلية، متخصصة في التربية النقدية، وقامت بوضع العديد من المناهج الدراسية المعنية بحقوق الإنسان والطفل، وتعليم السلام والمساواة بين الجنسين.
     ولأهمية الكتاب للباحثين والمهتمين بالشأن الإسرائيلي قام بترجمة جزء منه الدكتور "يحيى محمد عبد الله إسماعيل" أستاذ اللغة العبرية وآدابها بكلية الآداب جامعة المنصورة، وصدر عن مركز الدراسات الشرقية التابع لجامعة القاهرة عام 2007. 
غلاف الكتاب بالعبرية: مُدرِسة جندية بالجيش الإسرائيلي بزي عسكري تزور أطفال مدرسة وتوجههم

     يضم الكتاب مجموعة من المقالات التي قامت بتدريسها باحثات إسرائيليات متخصصات في التربية والاجتماع، كما أنه يحمل تجارب شخصية لبعضهن، وتقدم فيه الباحثات دراسة اجتماعية ونفسية نقدية لمنظومة التعليم في إسرائيل، خاصة في مراحلها الأولى، ومن عنوانه يتضح أن التعليم في إسرائيل مرتبط بالمنظومة العسكرية ارتباطا وثيقا، وأن العسكرية بمثابة أيديولوجية راسخة في المجتمع الإسرائيلي، والتعليم ركن أساسي من أركانه.
     في مقدمة الكتاب تشير المُحررة "حجيت جور" إلى أن المجتمع الإسرائيلي يتسم بمظاهر العسكرة بشكل مكثف، حيث يشغل عسكريون سابقون وظائف عليا في شتى المجالات، ولا يصدر قرار سياسي إلا بعد استشارة عسكريين، في مقابل إقصاء للمدنيين بشكل تام عن التدخل والتأثير في القرار السياسي، حتى الوزراء المدنيين لا يشتركون بفعالية في آليات اتخاذ القرارات السياسية.
والعسكرة في المجتمع الإسرائيلي حاضرة في مجال التعليم كذلك، ولا يقتصر التعليم هنا على مؤسساته الرسمية وغير الرسمية، وإنما تندرج تحته عمليات تأهيل الفرد اجتماعيا داخل الأسرة، ووسائل الإعلام، ومنتجات ثقافية مختلفة.
     ثمة تسليم في إسرائيل بمحورية الحرب والجيش، فترقب الحرب مكون أساسي في الواقع اليهودي في إسرائيل، ويُنظر للحروب على أنها حل لمشاكل سياسية، ومن هنا ترسخ هيئة التعليم في إسرائيل لاعتبار الخدمة العسكرية للفتيان والفتيات على أنها مرحلة طبيعية مرغوبة، ومن الممكن أن ترى أطفالا في مرحلة الحضانة يزورون معارض للجيش الإسرائيلي، وضباطا مدعوون للمداس لإلقاء محاضرات، وطلابا في المرحلة الثانوية مدعوون لمشاهدة تدريبات عسكرية، وزيارة معسكرات للجيش.
يهيئ التعليم الإسرائيلي البنين والبنات لأن يعتبروا الجيش مرحلة طبيعية في حياتهم، ويعلمهم أن التفكير العسكري له أهمية كبيرة، فهو ينمي التقدير والتبجيل تجاه الجيش، ويشيع فكرة أن الشاب الذي خدم ثلاث سنوات في الجيش يصبح ناضجا، وصاحب مبادرة وقدرة على الزعامة وتحمُل الصعاب. (خدمة التجنيد الإجباري في إسرائيل بعد مرحلة الثانوية العامة التي تسمى "البجروت" أي قبل الدراسة الجامعية للشاب والفتاة).
     وترى "حجيت جور" أن التعليم في إسرائيل يرسخ لرؤية العالم عبر مصطلحات قاطعة بداية من مرحلة الروضة، من خلال التركيز على متناقضات الخير والشر، النهار والليل، القوي والضعيف، نحن (اليهود والإسرائيلييون) وهم (غير اليهود).
وبعد اتفاق "أوسلو" تم تدريس السلام في معظم المدارس الإسرائيلية، لكن اتضح أنه منهج صوري لا يتعدى صورة الحمائم البيضاء وأغصان الزيتون، فالحقيقة أنه تم تدريس السلام بمعزل عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومع تجاهل الثقافة الفلسطينية، واللغة، وحقوق الإنسان، والتباين بين الجماعات في إسرائيل، والعدل الاجتماعي، ولم يغير الاهتمام بالسلام من تدريس الرسائل المتعسكرة التي تبرر القوة والحرب والاقتتال.
     "روتي قنطور" مصممة رسوم بيانية إسرائيلية، وتعمل في تطوير الأدوات المساعدة في شئون التدريس تتحدث في مقال لها بالكتاب عن الثقافة البصرية المتعسكرة داخل المجتمع الإسرائيلي، فالبيئة البصرية تخلق مجالا شديد التأثير على الأفراد، ومن هنا جاء التركيز على عسكرة المناخ البصري في إسرائيل، فمن المألوف رؤية جنود بزي عسكري في وسائل المواصلات، وتحمل كثير من لافتات الشوارع والمواقع والمباني العامة أسماء حروب وأسلحة لجيش إسرائيل وقادة عسكريين وتنظيمات عسكرية يهودية وإسرائيلية، ويلتقي أطفال المدارس يوميا عند ركن تخليد ذكرى خريجي المدرسة الذين قُتِلوا في حروب، وهذا الركن عبارة عن زاوية رخامية أو معدنية محفور عليها أسماء القتلى وعلم إسرائيل، وتتحول النُصُب التذكارية لقتلى الحروب إلى مزارات أسبوعية، ناهيك عن بطاقات التهنئة والأغلفة المُبهِجة المخصصة للمتجندين الجدد.
     وكجزء من برنامج اسمه "جنود ليوم واحد" تُقام رحلات مدرسية إلى قواعد استقبال وفرز الجنود الجدد، ويزور المدرسة عادة جندي بزيه العسكري، أو مدرسة جندية، تكون مهمتهما تقديم استشارة للتلاميذ قبل تجنيدهم.
البيئة البصرية في إسرائيل إذن هي بيئة عسكرية بشكل شبه كامل، فبالإضافة لما سبق، تبرز هيمنة الجيش على الثقافة الإسرائيلية في سياقات كثيرة: إعلانات طعام ووسائل ترفيه وصحة وإعلام، ومنتجات استهلاكية، كل هذا يؤكد هيمنة الفكر العسكري على البيئة الاجتماعية والثقافية والتعليمية في إسرائيل.
     مقال بعنوان "جنرالات في التعليم: عسكريون كمديري مدارس" تتحدث فيه الباحثة والأكاديمية بجامعة بن جوريون "هنرين دهان كاليف" عن تغلغل الجيش في هيئة التعليم، حتى منذ قبل قيام إسرائيل، وقيام منظومة الجيش بمهام تعليمية وتربوية فشلت فيها هيئة التعليم، كاستيعاب المهاجرين الجدد، وتبني أطفال ودمجهم في أطر مشاريع خاصة، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل شهدت إسرائيل قيام جنرالات وجنود محترفين بالعمل كمعلمين ومديرين للمدارس بعد إنهائهم خدمتهم العسكرية.
     وتعتبر "كليف" في مقالها أن تغلغل العسكريين في مؤسسات التعليم من شأنه أن يؤدي لتشوهات جوهرية في فكر التلاميذ، نظرا لأن التعامل مع مشاكل التعليم بواسطة جنرالات يُنحي جانبا التعامل مع مشاكل التعليم بواسطة قيم التعليم، ويسمح بالهروب إلى حلول بيروقراطية وعبثية لا تتسق مع مبادئ وقيم التعليم.
     مقال آخر بعنوان "تدريس سفر يشوع والاحتلال" بقلم "جاليا زلمانسون ليفي" التي عملت مديرة لإدارة التثقيف والنهوض بالشباب في وزارة التعليم، وتعكف على إعداد المناهج الدراسية وتأهيل المعلمين ومربيات الأطفال، وتنتقد في مقالها تدريس سفر "يشوع" تحديدا لتلاميذ الصف الرابع في المدارس الإسرائيلية، وهذا السفر هو سادس أسفار "العهد القديم" (كتاب اليهود المقدس)، ويسرد تفاصيل غزو واحتلال القبائل العبرانية الفارة من مصر بقيادة "يشوع بن نون"، خليفة موسى، لأرض فلسطين وإبادة سكانها، ونطق انتقاد الكاتبة لتدريس هذا السفر بالذات أنه يُرسخ في أذهان التلاميذ أن احتلال فلسطين وإبادة شعبها فريضة دينية، وتنتقد الكاتبة أسلوب تدريس السفر، لما يحمله من ربط بين الماضي والحاضر، مع تجاهل تفاصيل وحشية الاحتلال، وتبرير الإبادة، وفي نفس الوقت يربط تدريس السفر بين ما يسمى بالأرض الموعودة وبين إسرائيل الحالية، فتخلص الكاتبة إلى أن تدريس هذا السفر بهذا الشكل وبأسلوب غير نقدي إنما يُكرِس لعدم التسامح تجاه الآخر (العربي) ويُنمي التطرف.
     الكاتبة "استر يوجيف" أستاذة التاريخ الأمريكي بجامعة تل أبيب، ومستشارة تربوية للعديد من الكتب التعليمية في تدريس التاريخ والمواطنة، في مقالها "الكتب والمناهج الدراسية التاريخية بين حتمية التراث والتاريخ النقدي" توضح أن المؤسستين السياسية والتعليمية تتمسكان بوجهة نظر أحادية الجانب، ترى أن المهمة الرئيسية للدراسات التاريخية التعليمية وضع التراث والرواية الرسمية في صدارة المشهد، دون حضور للدراسات النقدية التي تطرح رؤى تاريخية أخرى، وعليه فإن الدراسات التاريخية الإسرائيلية في المناهج الدراسية تتجاهل قضايا مثل النزاع اليهودي – العربي، وتهمش الرواية الفلسطينية للأحداث، في مقابل التركيز على الأفكار الصهيونية، وأبرزها إعادة إنتاج شخصية يهودية مغايرة للشخصية الخانعة التي استُذِلت في أوربا، وصياغة وعي اليهود بفلسطين، من خلال ربط بين الماضي والحاضر في المناهج الدراسية في مواد التاريخ والتوراة، وترسيخ فكرة تغلب الأقلية اليهودية على الأغلبية العربية، ورسم سورة نمطية سلبية كالعادة للعربي، إضافة لعدم التطرق لمشاكل جوهرية في تاريخ الصراع، كمشكلة اللاجئين ودور إسرائيل في تضخيمها.
     وتشير "حجيت جور" في مقال لها إلى أن الرسائل العسكرية المُبطنة والظاهرة يتم تمريرها إلى أطفال الروضة في إسرائيل، من خلال التركيز على أساطير القوة والبطولة لدى الشخصية اليهودية التاريخية، وتكوين انطباع عاطفي لدى الأطفال أن اليهود مضطهدون من العالم كله، وبناء عليه يتم تقسيم العالم في ذهن الأطفال إلى جماعة الأخيار (اليهود) وجماعة الأشرار (العالم كله)،استنادا للرواية الإسرائيلية للأعياد التاريخية والدينية اليهودية التي يتم تدريسها لأطفال الروضة.
     توضح الكاتبات أن العسكر هم المسيطرون على النظام الإداري للتعليم في إسرائيل، وترتبط المناهج التعليمية والرسائل التربوية ارتباطا وثيقا بالعقلية العسكرية المُهيمنة على مجريات الأمور في المجتمع، ومن خلال الدراسة الاجتماعية والنفسية والتربوية لمنظومة التعليم في إسرائيل يتضح أن الطفل ينشأ تربويا ونفسيا وفقا لعقيدة عسكرية تهيئه مستقبلا ليكون عدوانيا تجاه الآخر (العرب)، وتغمض عينيه عن القراءة النقدية للروايات التاريخية المتعلقة بالأرض أو مستقبل النزاع عليها.
      الطفل الإسرائيلي تصوغ وجدانه من بداية التحاقه بالروضة والتعليم الأساسي معارف عسكرية أحادية الجانب، تُنمي فيه مشاعر الكراهية والتعصب ضد الآخر العربي، فينمو متغذيا على أفكار العداء ورفض الآخر، وإنكار حقه في العيش على أرضه.

Monday, December 01, 2014

.

وتولد الروح بعد الطلق
 ضحكة حرة،
فتتوئد قبل ما 
تحبي لبكره.
نقول معلهش
 ونعيد الكرّة،
نلاقي المرة زي
 آخر مرة.
الوجع بينخر في القلب 
وتبان الدنيا حلوة
من بره.

Saturday, November 15, 2014

مطير الحمام: فيلم إسرائيلي عن يهود العراق والحنين إلى أرض الرافدين

محمد عبد الدايم

"مُطير الحمام" فيلم سينمائي إسرائيلي جديد ظهر في دور العرض في إبريل 2014،  يعتمد على رواية بالاسم نفسه للأديب والكاتب الإسرائيلي العراقي الأصل "إيلي عمير" (1937م - ) الذي هاجر من بغداد إلى فلسطين مع أسرته عام 1950، وله الكثير من الكتابات التي تنضح بالحنين إلى موطنه الأصلي، وازدادت شهرته في مصر تحديدا مع صدور ترجمة لروايته "ياسمين" عام 2007 التي قام بها الكاتب حسين سراج، وتقوم على قصة حب بين "نوري" اليهودي الإسرائيلي من أصل عراقي و"ياسمين" الفلسطينية المسيحية.

أفيش الفيلم
شرع "عمير" في كتابة روايته "مطير الحمام" على مدى 13 عاما، لتخرج في صورة رواية تاريخية تجمع بين الحقائق والرؤى والانطباعات، وبغض النظر عن صحة الوقائع التاريخية أو عدم صحتها في الرواية، فإنها بمثابة تعبير آخر عن مشاعر حنين قطاع كبير من اليهود الشرقيين لأوطانهم الأصلية، خاصة يهود العراق، ويتبدى هذا واضحا في كتابات لأدباء وشعراء إسرائيليين من أصل عراقي مثل "إيلي عمير"  والشاعر "روني سومك" والأديب والشاعر الشاب "ألموج بيهار".

إيلي عمير وغلاف روايته التي صدرت عام 1992 عن دار نشر عم عوفيد
تدور أحداث الفيلم في العراق عشية قيام إسرائيل، واستنفد المخرج الإسرائيلي "نيسيم ديان" قدراته ليخرج الفيلم مواكبا للفترة الزمنية والمنطقة الجغرافية التي تدور فيها الأحداث، وجدير بالذكر أنه أول فيلم يخرجه "ديان" منذ آخر أعماله "جسر ضيق للغاية" (1985)، وكتب بنفسه سيناريو "مطير الحمام" وتم اختيار مواقع التصوير بعناية في عكا والناصرة ويافا إضافة للقدس وتل أبيب، كما اهتم بالتفاصيل البصرية والأدوات، كالملابس وتسريحات الشعر والطراز المعماري والموسيقى،لتكتمل صورة موقع الأحداث بالعراق في فترة الأربعينيات وبداية والخمسينيات.

أما لغة الحوار في الفيلم فهي العربية، وتحديدا اللهجة العامية العراقية، واللهجة اليهودية البغدادية، وهي لهجة اليهود في العراق قبل الهجرة إلى فلسطين، ومازالت على ألسنة الإسرائيليين ذوي الأصول العراقية إلى الآن، وقد بذل المخرج مجهودا كي يجد ممثلين إسرائيليين من أصل عراقي يتقنون اللهجتين.
قصة الفيلم:-
بطل الفيلم"كابي" ("الذي يجسد دوره" الممثل الإسرائيلي الشاب دنيئيل جاد) شاب في السادسة عشرة من عمره، يعيش في كنف عائلته البغدادية، الأب "سلمان الخياط" (قام بدوره الممثل الإسرائيلي يجآل ناءور الذي اشتهر بأداء دور صدام حسين في مسلسل من إنتاج بي بي سي) متحمس للصهيونية ونشاطها في العراق وخارجه، ويرغب في الهجرة إلى فلسطين، في حين أن الأم "نعيمة" كانت في بداية الفيلم متمسكة بالبقاء في العراق، موطنها وموطن آبائها وأجدادها، لكنها غيرت رأيها ورغبت في الهجرة بعد أن تعرض أخو زوجها الصحفي الشيوعي "حزقيل" للاعتقال على أيدي قوات السلطة العراقية التي اتهمته بمحاولة الانقلاب على السلطة الملكية،  والضلوع في الأنشطة العنيفة للحركات الصهيونية بالعراق، حيث كتب مقالا يهاجم فيه السلطات بعد إعدام تاجر يهودي في البصرة.

يأخذ الفتى "كابي" على عاتقيه،بمشاركة "راشيل" زوجة عمه، مهمة البحث عن عمه المعتقل في مكان غير معلوم للعائلة، وفي سعيه لإيجاده ينضم "كابي" لمجموعة صهيونية سرية، حيث يقابل الفتاة "أميرة" التي تصغره بعام، والتي انضمت للتنظيم السري دون علم والدها، أحد كُبراء الطائفة اليهودية، وما لبثت قصة الحب بين "كابي" و"أميرة" أن انتهت فجأة بهروب الفتاة المباغت إلى فلسطين، لتترك "كابي" يعاني من فقدانها، ويكابد في سبيل البحث عن عمه، فيما يتعرض لتضييق السلطات العراقية.

 وبمساعدة صديق العائلة المحامي المسلم "كريم" يتمكن "كابي" من معرفة مكان اعتقال عمه، وفيما كان العم يكابد في المعتقل تقع زوجته في حب جديد، الأمر الذي يصدم "كابي"، لأنه كان يعشقها في سره.

وينتهي الفيلم برحيل الفتى مع أمه وأبيه وأخيه الأصغر إلى إسرائيل، بينما بقيت راشيل خلفهم في العراق.
وكان دور الممثل والمغنية "ميرا عوض"، من فلسطيني الداخل، لافتا. حيث أدت دور المطربة اليهودية العراقية الشهيرة "سليمة مراد" المعروفة بـ"سليمة باشا" (1905- 1974) ، حيث منحها رئيس وزراء العهد الملكي "نوري السعيد" لقب "باشا"، وظلت طوال عمرها في بغداد، ولم تتركه إلى فلسطين ضمن الهجرات اليهودية. 
ميرا عوض في دور سليمة باشا
الرواية العراقية والرواية الصهيونية لتاريخ يهود العراق:-
يصور الفيلم الأجواء السياسية والاجتماعية المتقلبة في العراق التي تركت بصماتها على اليهود في بغداد غداة أعمال العنف المعروفة بـ"الفرهود"، وقد استهدفت يهود بغداد في مايو/ حزيران 1941، أثناء احتفالهم بعيد الأسابيع اليهودي (شفوعوت)، ووقعت هذه الأحداث بعد الفوضى التي عمت العراق على إثر سقوط حكومة "رشيد علي الكيلاني"، وانتهت الأحداث في اليوم التالي، بعد أن خلفت خسائر مادية وبشرية في صفوف اليهود، واستحثتهم على سرعة الهجرة إلى فلسطين، خاصة وقد تبع هذه الأحداث قيام دولة إسرائيل.

ويتعرض الفيلم للجدل الدائر بين اليهود من أصل عراقي وبين الرواية العراقية الرسمية للأحداث، والتي أدت في عام 1951 إلى هجرة نحو 80% من اليهود العراقيين إلى فلسطين. فالرواية الإسرائيلية تدعي أن السلطة العراقية آنذاك قد اتخذت موقفا عدائيا من اليهود قبيل وبعد قيام إسرائيل فقررت طردهم من العراق وتجريدهم من جنسيتهم، بينما تقول العراق إن الحركة الصهيونية هي التي دفعت يهود العراق إلى الهجرة، حيث خططت ونفذت لعمليات التخريب والقتل في صفوف اليهود لتخويفهم وتصوير الأمر وكأن السلطة العراقية تسعى لإبادتهم والحصول على أموالهم.

وكانت السلطات العراقية قد حظرت نشاط الحركة الصهيونية على أرضها عام 1935، واعتُبر من ينضم لها خائنا ومُخربا، وفي مارس عام 1950 صدّق البرلمان العراقي على قانون يقضي بالسماح ليهود العراق بالهجرة ، إن أرادو، شريطة التنازل عن متلكاتهم وجنسيتهم العراقية.

وتستند الرواية والفيلم على هذه الأحداث التاريخية لتدور الأحداث في نهاية الأربعينيات ومطلع الخمسينيات من القرن العشرين، حيث انقسم اليهود في العراق إلى فئتين، الأولى ناصرت للشيوعية وتتمسك بالبقاء في العراق، الوطن الأم، أرض المولد والحياة، والفئة الأخرى تحمست للفكرة الصهيونية التي روجت للهجرة إلى فلسطين باعتبارها الأرض الموعودة، ووطن الآباء والأجداد الأوائل.

ويصور الفيلم كثير من عادات اليهود وتقاليدهم المتأثرة بالمجتمع العربي العراقي، وظهر ذلك في التفاصيل الدقيقة التي أكّد عليها المؤلف ومعه المخرج، فالعائلة اليهودية كانت تعيش في وئام مع أصدقاء مسلمين، وأم "كابي" كانت تعد للسجين "حزقيل"، بمساعدة زوجته، أطعمة متأصلة في التراث العراقي، فالفلكلور العراقي يظهر بشكل طاغ في أعمال "إيلي عمير"، كما يؤرخ للشخصيات التاريخية الشعبية في العراق.
    على مستوى الصورة والسيناريو والإخراج لاقى الفيلم استحسان النقاد الإسرائيليين، فقد ظهر بوضوح مدى الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة في تطويع مواقع التصوير والأدوات لتلائم عمر الأحداث، واستطاع "نيسيم ديان" أن يصوغ من قصة "إيلي عمير" سياقا دراميا يجذب المشاهد، فظهرت شخصية الفتى مطير الحمام هادئة متماسكة رغم صغر سنه وحداثته كممثل، واستطاع أن يلفت الأنظار بتأدية دور الفتى الوديع، الذي يتحدث برقة مع حمامه، ويعيش قصة حب ساذجة وسط صراع نفسي وحياتي، تتشتت فيه روحه بين الحب والهجرة والبقاء. 


استعان كاتب التقرير بمقالات بالعربية كتبتها الكاتبة والباحثة الإسرائيلية ليندا منوحين