Sunday, February 25, 2018

ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.. مساع أمريكية لإبعاد حزب الله


تقرير منشور على موقع شبكة رؤية الإخبارية، اضغط هنا للانتقال
خلال زيارته القصيرة للبنان الأسبوع الماضي التقى وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون الرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس الوزراء سعد الحريري، إلى جانب وزير الخارجية جبران باسيل.
جاء تيلرسون حاملا معه موقفا أمريكيا صارما ضد حزب الله، وطالب الحكومة اللبنانية بانتهاج سياسات جديدة لاحتواء نفوذ الحزب، كما جاء الوزير الأمريكي ساعيا نحو حل لمشكلة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
أفادت تقارير إعلامية أن وزير الخارجية الأمريكي أناب وزير الخارجية مساعده ديفيد ساترفيلد للوصول إلى حل للمشكلة المائية بين لبنان وإسرائيل في أسرع وقت، وقدم الأخير خطة لتبادل المناطق البحرية، وبموجبها تحصل لبنان على 60% من المناطق المائية المتنازع عليها مع إسرائيل، وهي الخطة التي كان قد قدمها المبعوث الأمريكي السابق فريد هوف في 2012، وتقضي بصياغة اتفاقية حول المناطق الـ 13 المتنازع عليها بين الطرفين.
أوضح تيلرسون أن هدفه الوصول لاتفاق بين الجانبين تستطيع لبنان بموجبه التنقيب عن البترول والغاز في منطقتين بعينهما في البحر المتوسط، إحداهما تقع في النقطة 9 المتنازع عليها مع إسرائيل، بينما أعلن وزير الطاقة اللبناني سيزار أبي خليل أن دولته وقعت اتفاقا للبحث والتنقيب عن الغاز والبترول مع التحالف العالمي توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية في المنطقة 4، ثم في المنطقة 9 الواقعة في نطاق النزاع مع إسرائيل.
من جانبه؛ قال ستيفن ميشيل رئيس إدارة البحث والتنقيب بفرع البحر المتوسط وشمال أفريقيا في شركة توتال الفرنسية إنه من الممكن الشروع في التنقيب عن الغاز والنفط في النقطة 4 غير المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل بحلول عام 2014، ثم تبدأ الشركة في العمل بالنقطة 9 بعد ذلك، وجاءت تصريحات ميشيل في محاولة منه لتخفيف حدة التصريحات المتبادلة بين لبنان وإسرائيل بخصوص الحدود البحرية.
مشكلة ترسيم الحدود بين لبنان وقبرص وإسرائيل: -
تعود مشكلة ترسيم الحدود البحرية إلى الاتفاق الذي بحثت لبنان توقيعه مع قبرص عام 2006، لكن المباحثات توقفت بين الطرفين، واستغلت إسرائيل تراجع لبنان عن توقيع الاتفاقية مع قبرص نظرا للجمود السياسي الذي لم ينفك حتى الآن، لتتوصل إسرائيل إلى تفاهمات مع قبرص من أجل توقيع إتفاقية ثنائية لترسيم الحدود البحرية بينهما بما يسمح لهما بالتنقيب عن النفط والغاز.
وفي العام 2011 أقرت حكومة إسرائيل ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وأعلن أفيجادور ليبرمان وزير الخارجية حينها، ووزير الدفاع حاليا، أن إسرائيل ستعرض على الأمم المتحدة ترسيم "منطقتها" الاقتصادية في البحر المتوسط.
على إثر هذا التوجه الإسرائيلي عادت لبنان في عام 2012 إلى قبرص مجددا في محاولة منها لتوقيع اتفاقية مشتركة لترسيم الحدود البحرية خشية أن تتمكن إسرائيل من سرقة المياه الاقتصادية اللبنانية بما فيها من حقول نفط وغاز.
في مارس من العام الماضي سرت أنباء عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية تفيد بأن الكنيست والحكومة بصدد التصديق على خطة لترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط، من أجل التنقيب عن النفط والغاز، وهي الخطة التي تسمح لإسرائيل بضم مساحة بحرية غنية تبلغ 860 كم مربع، فيما استنفرت الحكومة اللبنانية واعتبرت الخطوة الإسرائيلية بمثابة محاولة جديدة لاحتلال الملكية الإسرائيلية على غرار مزارع شبعا.
في الوقت الذي تجمدت الحياة السياسية في لبنان، كانت إسرائيل تسعى بكل جدية للخروج باتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع قبرص، رغم أن المياه الاقتصادية في هذه المنطقة تقع تحت سيطرة الدول الثلاثة لبنان وقبرص وإسرائيل، إلا أن الأخيرة تحاول استغلال المشاكل اللبنانية للخروج بأكبر قدر من المكاسب كي تستطيع التنقيب عن الثروات في منطقة بحرية لبنانية في الأساس، رغم أن لبنان أعلنت رفضها لخطة ترسيم الحدود التي أقرتها إسرائيل عام 2011، لأنها تقتطع نحو 800 كم مربع من المياه الإقليمية اللبنانية لصالح إسرائيل، وهي منطقة غنية بحقول الغاز.
أولويات الإدارة الأمريكية: -
يبدو أن خطة الحل الأمريكية من أجل مساعدة لبنان في إنهاء النزاع على المناطق الاقتصادية البحرية محكومة بشروط السيطرة على حزب الله في لبنان وسوريا، خصوصا وأن نصر الله أعلن غير مرة أن حقول الغاز والنفط على الحدود هي ملكية لبنانية خالصة، وهدد إسرائيل إذا ما حاولت السيطرة على هذه المنطقة الغنية بالثروات، فتسعى الولايات المتحدة للسيطرة على الاحتقان بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي على خلفية الصراع على النفط والغاز، لأنها تريد التركيز على أولوياتها السياسية في المنطقة، وهي القضاء على داعش، والمسألة السورية والبرنامج النووي الإيراني، ثم تلتفت مجددا لإشكالية تقسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، لذا فهي لا تريد في الوقت الحالي صراعا عسكريا على الحيازة البحرية بين إسرائيل من جهة، وبين حزب الله ممثلا عن لبنان من جهة أخرى، وهو الصراع الذي لا شك أن الإدارية الأمريكية ستنحاز على خلفيته لإسرائيل.

Friday, February 23, 2018

الفلفل الأصفر: دراما إسرائيلية عن التوحُد وما بعد الصهيونية في المجتمع الإسرائيلي



الفلفل الأصفر هو اسم مسلسل إسرائيلي اجتماعي، أذيعت أولى حلقات موسمه الأول في ديسمبر 2010 على القناة الإسرائيلية الثانية، وأذيعت حلقات الموسم الثاني منه في يناير 2014، وانتهت في أبريل من العام نفسه.
يعالج المسلسل قضية اجتماعية ونفسية تتمثل في الطفل "عومري" ابن "أييلت" و"يانيف" والذي وُلد مصابا بالتوحد، وعلى مدار حلقات الموسمين ترسم المؤلفة "قيرن مرجاليت" مشاهد من الحياة اليومية لأسرة عادية تسعى لاحتواء ابنها المتوحد ذي الخمس سنوات، واستطاع مخرج العمل "أمنون كوتلر" أن يخرج بمسلسل جيد بعيدا عن الأعمال التجارية التي سيطرت على الدراما الإسرائيلية. 


فقد اجتمعت في المسلسل عناصر عدة تمثلت في السيناريو المكتوب بحرفية، ليمس مشاعر المشاهدين، وموقع التصوير غير المعتاد في الدراما الإسرائيلية، بعيدا عن أضواء المدن الكبرى، إضافة إلى أداء تمثيلي جيد ومعبر، فقد استطاع المخرج أن يوجه أبطال العمل لأداء مباشر وسلس، يُشعِر المشاهد بصدق ما يراه على الشاشة، إضافة إلى اختيار جيد للموسيقى وأغنية المقدمة.
قوبل المسلسل بردود فعل إيجابية من النقاد والمشاهدين في إسرائيل، لأنه يطرح معالجة واقعية لمشكلة التوحُد لدى الأطفال، بعيدا عن الدراما التجارية الشائعة في إسرائيل، ويقول الناقد الإسرائيلي "دان كاسبي" أن المسلسل يمثل نقلة نوعية في الدراما الإسرائيلية، لأنه يدحض المقولة الشائعة "الجمهور يريد هذا" في إشارة للأعمال الدرامية التجارية التي تُركز على الكوميديا والعري والعلاقات الجنسية.
يطرح المسلسل بجانب القضية الأساسية – التوحد- مسائل اجتماعية متعمقة في نسيج المجتمع الإسرائيلي، كالخلاف بين الأجيال المتعاقبة، والحياة في المستوطنات، والعمال الأجانب، ومستوى المنظومة الصحية في إسرائيل، كما أنه يطرح قضايا اجتماعية ونفسية يشترك فيها المواطن الإسرائيلي كإنسان مع أي مواطن هنا أو هناك.

موقع التصوير
يعتبر موقع التصوير الرئيسي الذي جرت عليه أحداث المسلسل نقلة نوعية في الدراما الإسرائيلية المعاصرة، فالأبطال يمثلون مجموعة من المستوطنين يعيشون سويا في مستوطنة إسرائيلية قائمة في وادي عربة جنوبي فلسطين المحتلة، وهي منطقة جبلية هادئة تتميز بطبيعة ساحرة، وتوجد بها مجموعة من المستوطنات الإسرائيلية الزراعية، وتم تصوير المسلسل في مستوطنات "سمر" و"جروفيت" و"إليفاز" و"حتسيفا" وكذلك مدينة عرد الواقعة في صحراء النقب.

جيلا الآباء والأبناء: التوحد. الانقسام. والصراع   


يمثل "مئير" جيل الآباء في المسلسل، وهو أبو البطلة "أييلت" وجد الطفل "عومري" المصاب بالتوحد، ويطالعنا العمل بخلفيته العسكرية، حيث كان عضوا في الوحدة 101، وهي وحدة كوماندوز عسكرية إسرائيلية قامت بعمليات عسكرية انتقامية ضد الفلسطينيين عام 1953، والآن استقر بالمستوطنة بجانب ابنته، يعمل بالزراعة، ويرعى صديقته المصابة بالسرطان، وهذا يرمز إلى انزواء جيل الآباء، وصعود جيل الأبناء بتطلعات مختلفة وآمال مغايرة وتوجهات سياسية واجتماعية ليست على نهج الآباء، ويبرز هذا في المسلسل من خلال شخصية "أفيشاي" ابن "مئير" وأخو "أييلت" الذي يهجر المدينة مُفلِسا، وينتقل إلى المستوطنة ليعمل في زراعة الفلفل الأصفر، بعدما انفصل عن زوجته التي يعلم الجميع أنها خانته، لكنها تعود هي الأخرى للمستوطنة في محاولة بائسة لاستعادته،  ويركز المسلسل على الخلاف الدائم بين الأب وابنه اليائس، في إشارة رمزية لما يعانيه جيل الأبناء في إسرائيل جراء سيطرة الآباء بفكرهم وأيديولوجياتهم المغلقة.

الطفل "عُمري" محور الأحداث الرئيسي، فهو المصاب بالتوحد، وينسج العمل أعراض التوحد الذاتوية حول الأبطال، فرغم تجمعهم، يسيطر الخوف من الانفصال والمستقبل المجهول على الجميع، ليتدثر العمل بوشاح من قلق وحزن مقيم، وتجلت قدرة المؤلفة في بلورة حالة الخوف من المستقبل في رغبة والدي الطفل في إنجاب طفل آخر، لكنهما يخشيان أن يخرج الطفل الآخر إلى العالم مصابا هو الآخر بالتوحد.
يلقي المسلسل الضوء على التغيرات الجوهرية التي طرأت على المستوطنات الإسرائيلية، حيث اختلفت عما كانت عليه إبان بدايات الاستيطان، فقد كانت أساسا من أسس الصهيونية الاشتراكية، حيث يعمل الجميع بأيديهم في الأرض المنهوبة من أصحابها الفلسطينيين، ويتشاركون في المجهود والناتج، أما الآن فقد تغيرت صورة وآلية عمل المستوطنات، حيث أصبح المستوطنون سادة لا يعملون بأيديهم – باستثناء الأب ممثل جيل المستوطنين الأوائل- وبدلا من ذلك يستأجرون عمالا أجانب، أغلبهم من تايلاند، وهي الظاهرة التي انتشرت في إسرائيل عموما، في إشارة لتراجع الصهيونية الاشتراكية.
كما يطرح المسلسل مشكلة ضعف المنظومة الصحية في المستوطنات الإسرائيلية جنوب الأراضي المحتلة، وسعت المؤلفة ومعها المخرج للتركيز على فكرة اتحاد أفراد المجتمع الإسرائيلي في أكثر من مشهد، أحدها في حلقة من الموسم الأول، وهو مشهد لأفراد العائلة والمستوطنة وهم يهبون جميعا للبحث عن الطفل الذي اختفى فجأة، ومشهد آخر للجميع ينتظرون خروج البطلة من غرفة الجراحة القيصرية، كما جاء الحوار متماسكا معبرا عن الأزمة النفسية التي يعانيها معظم الأبطال.
يعزف المسلسل على أوتار شديدة التأثير في النفس الإسرائيلية، وجوهرها الصراع من أجل الحياة، والخوف مما هو آت، والتوحد مع الذات، ومشاكل الإنسان "الفرد" بعيدا عن ترس الـ "أنا" الجمعي الذي كان أداة للصهيونية وطأت بها آمال وأفكار وتطلعات الفرد في سبيل الرغبة السلطوية الاستيطانية في نفوس الآباء المؤسسين.
العمل برمته يحمل قدرا من المصداقية لسبب رئيسي، وهو أن المؤلفة "قيرن مرجاليت" تخوض بنفسها في الواقع تجربة تربية طفل مصاب بالتوحد، لكن مسلسلها يحمل في طياته إيحاءات تشير إلى توحد المواطن الإسرائيلي، وخوفه من المستقبل المجهول، وصراعه النفسي مع الماضي الصهيوني، وحاضر ما بعد الصهيونية.
صفحة المسلسل على موقع قاعدة بيانات الأفلام:

لهجة الشارع العربي في قلب إسرائيل



تقرير منشور على موقع شبكة رؤية الإخبارية، اضغط هنا للانتقال
كانت اللغة العبرية ومازالت تستقي مما حولها من لغات، وبطبيعة الحال فإن اللغة العربية بلهجاتها المختلفة، سواء أن كانت مصرية أو شامية أو خليجية أو غير ذلك، هي الأكثر تأثيرا في العبرية الفصحى والعامية.
بالنسبة للفصحى فيرجع الأمر إلى أن اللغتين العربية والعبرية من أصل لغوي واحد، فكلتاهما تنتمي لأسرة اللغات السامية، وهذا ما يجعل اللغتين متقاربتين في كثير من الجوانب اللفظية والدلالية.
شهدت مسيرة اللغة العبرية عبر العصور مراحل صعود تلتها مراحل هبوط واندثار، حتى وصلت إلى مرحلة العصر الذهبي لليهود، خلال الحكم الإسلامي للأندلس، وشهدت فيه العبرية أفضل مراحل صعودها وبزوغها، وذلك بفضل تأثرها باللغة العربية في الأندلس، وبفضل ازدهار الأدب العربي آنذاك وتأثيره الإيجابي على الأدب العبري، وهكذا بدأت العبرية تستفيق من سباتها العميق متأثرة باللغة العربية وآدابها.
مشكلة سوء مستوى تلاميذ المدارس وتأثير العربية: -
في تقرير سابق بعنوان "مستقبل العبرية بمدارس إسرائيل بمهب الريح" ألقينا الضوء على مشكلة تعلم اللغة العبرية في المدارس الإسرائيلية، حيث تشهد منظومة التعليم الأساسي في إسرائيل انخفاضا ملحوظا في المستويات التعليمية للتلاميذ، فوفقا لتصريحات مدرسين أصبح مستوى التلاميذ في اللغة العبرية ضعيفا جدا وسطحيا، حيث يجد التلميذ صعوبة  في تكوين جملة أو فقرة، فيكتبون بأخطاء إملائية، ومعظمهم لا يقرأ.
ولوحظ أن كثيرا من التلاميذ يستخدمون ألفاظا عامية في سياق مواضيع التعبير، وأغلب هذه الألفاظ هي عربية في الأساس، فأصبح معتادا أن يكتب التلميذ في موضوع التعبير كلمات مثل "صبابة" و"كيف" (بدلا من رائع)
مساعي إسرائيل لتغييب اللغة العربية: -
منذ قيام دولة إسرائيل والسعي متواصل لتغييب اللغة العربية عن الأرض الفلسطينية، مع محاولات لبسط اللغة العبرية لتكون اللغة الأولى والوحيدة في الأراضي المحتلة، وفي تقرير سابق بعنوان "العربية في مواجهة العبرية نحو أسرلة المجتمع الفلسطيني" تمت الإشارة إلى مساعي إسرائيل لفرض سياسة احتلال تقتضي تغليب اللغة العبرية على العربية في أنحاء الأرض المحتلة، ومن ثم أصبح مفروضا على الفلسطيني العربي في إسرائيل معرفة العبرية لغة وثقافة، وذلك لموافاة ضروراته الحياتية، وليس ذلك عن رضى منه أو لرفاهية التعلم والتحدث بلغة ثانية، وإنما لأنه اضطر لأن يتحدث باللغة التي فرضها عليه الواقع الجديد على أرضه المحتلة.
اللغة العربية في المجتمع الإسرائيلي: -
من بين بنود قانون القومية الجديد الذي تستبق حكومة نتنياهو الزمن ليخرج إلى النور أن تكون اللغة العربية ذات وضع خاص، وليست اللغة الرسمية الثانية كما هو منصوص عليه حاليا، أي أن القانون يهدف لإقصاء فلسطيني الداخل، وفرض اللغة العبرية عليهم.
لرغم هذه المحاولات لإبعاد اللسان العربي؛ فإن اللغة العربية تبدو مسيطرة على كثير من نواحي الحياة في إسرائيل، والأمر ليس مقتصرا على الفصحى فحسب، بل إن العبرية قد تأثرت بالعامية العربية، واستقت منها الكثير من الألفاظ والدلات، بنفس استخدامها ومعانيها في العربية، ففي في مؤتمر خاص حول العامية العبرية، عُقِد في جامعة «بار إيلان» الإسرائيلية عام 2006، كُشِف النقاب عن أن اللغة العربية بلهجتيها الفصحى والعامية هي صاحبة التأثير الأكبر على اللغة العبرية، بدرجة تفوق الإنجليزية صاحبة المركز الثاني في التأثير.
فلا عجب إذا استمعت إلى حديث بين إسرائيليين في الشارع، أو على شاشة التلفاز أو الراديو، والتقطت أذناك كلمات عامية عربية مثل: "خلاص"، "بس"، "على كيفك"، "كيف حالك"، "على كيف كيفك"، "يلّا"، "أهلا"، "والله"، "إن شاء الله"، "ياروحي"، "صبابة"، "مجنون"، "نحس"، "حبّوبي"، "صاحبك"، "بلاش"، "بلدي"، "يعني"، "لفة"، "خفيف"، "تمام"، "تفضل" "مبسوط"، "مبروك"، "شباب"، "سلامتك"  ...إلخ.
المثير أيضا أن العامية العبرية لم تكتف بكلمات عربية بسيطة ذات معنى واضح مثل ما سبق، وإنما كذلك استقت من العربية ألفاظ تشير إلى حالة ما، أو اسم طعام أو شراب، كـ"الفلافل"، و"الحمص"، بل وصل الأمر إلى أن ألفاظ السباب الدارجة في الشارع العربي هي الألفاظ ذاتها التي يستخدمها العامة في إسرائيل لسب بعضهم، وتسللت كذلك إلى لغة الحوار في الأعمال الدرامية والسينمائية الإسرائيلية.
يمكنك أن تسمع كلمات، أو تقرأها بحروف عبرية مثل: "مسطول" وتشير إلى الواقع في حالة سكر من خمر أو مخدرات، و"أبو علي" وتشير إلى الشخص كثير الكذب، أو "الفشّار" كما نسميه، و"يا سلام" التي تشير للدهشة والتعجب، وكذلك "يا شيخ"، و"تمبل" التي تشير إلى شخص بليد أو غبي (وهي كلمة فارسية في الأساس وتسللت للعربية)، ويُقال لمن يرتدي نظارة "أبو أربع"، ويمكن أن ينادي إسرائيلي آخرا بقوله "يا زلمة"، أو يسبه قائلا: "أبوك"، "أهبل"، "جحش"، "طويل وهبيل" أي طويل وأهبل"، و"معفن"، وتعداه إلى ألفاظ أشد خدشا للحياء مثل "ع..." والتي تشير في الشارع الإسرائيلي إلى نفس مدلولها في الشارع العربي وهو القواد، وشتائم أخرى مثل: "كس أمك"، "ابن صرمة"، "شرموطة".
تزخر العامية العبرية في إسرائيل كذلك بألفاظ عامية عربية منها المضحك، ومنها ما يدل على حالة مزاجية، أو إشارة إلى وضع أو شيء ما، مثل "نحس" وتشير طبعا إلى الحظ السيء، و"كلبوش" إشارة إلى السجن، و"يا باي" (أي: يا باي عليك يا شيخ)، "بُلبُل" (أي العضو الذكري).
هذا التأثير الإسرائيلي بالعامية العربية أمر طبيعي، فالكيان الإسرائيلي يقبع في قلب الوطن العربي، ويعيش بين مواطنيه فلسطينيين وعرب، والتآلف بين العربية والعبرية متأصل ومستمر، ناهيك عن الاحتكاك المباشر وغير المباشر بين الطرفين، عن طريق الحياة اليومية، ووسائل الإعلام، والسياحة.
حضور التراث العربي: -
فرض التراث العربي المجاور لإسرائيل نفسه على المجتمع الإسرائيلي، وأغلب المفردات العربية التي تسربت للحوار العبري الإسرائيلي من لغة الحوار والتفاعلات الدارجة في الشارع العربي، وهو ما يعني أن المجتمع الإسرائيلي يراقب المحيط العربي باستمرار وبدقة تصل إلى أزقة وحارات المجتمع العربي، ولم يكتف بلغة الحوارات الدبلوماسية والأدب والصحافة، أي أن المجتمع العربي يساهم بوضوح في تشكيل المجتمع الإسرائيلي الذي يغني ويستمع لأم كلثوم وعبد الحليم وغيرهما، ويشاهد أفلام عادل إمام، ويأكل حمص الشام والفلافل والمناقيش، وفتح هذا التأثير الثقافي العربي ،مع التراجع السياسي أمام الهيمنة الإسرائيلية ، المجال لتسرق إسرائيل ما بدا لها من التراث العربي اللغوي والفني والثقافي، لكن محاولات السطو كلها لا تُخفي تأثير الأرض العربية الأم على من فوقها وما عليها.