Friday, February 23, 2018

لهجة الشارع العربي في قلب إسرائيل



تقرير منشور على موقع شبكة رؤية الإخبارية، اضغط هنا للانتقال
كانت اللغة العبرية ومازالت تستقي مما حولها من لغات، وبطبيعة الحال فإن اللغة العربية بلهجاتها المختلفة، سواء أن كانت مصرية أو شامية أو خليجية أو غير ذلك، هي الأكثر تأثيرا في العبرية الفصحى والعامية.
بالنسبة للفصحى فيرجع الأمر إلى أن اللغتين العربية والعبرية من أصل لغوي واحد، فكلتاهما تنتمي لأسرة اللغات السامية، وهذا ما يجعل اللغتين متقاربتين في كثير من الجوانب اللفظية والدلالية.
شهدت مسيرة اللغة العبرية عبر العصور مراحل صعود تلتها مراحل هبوط واندثار، حتى وصلت إلى مرحلة العصر الذهبي لليهود، خلال الحكم الإسلامي للأندلس، وشهدت فيه العبرية أفضل مراحل صعودها وبزوغها، وذلك بفضل تأثرها باللغة العربية في الأندلس، وبفضل ازدهار الأدب العربي آنذاك وتأثيره الإيجابي على الأدب العبري، وهكذا بدأت العبرية تستفيق من سباتها العميق متأثرة باللغة العربية وآدابها.
مشكلة سوء مستوى تلاميذ المدارس وتأثير العربية: -
في تقرير سابق بعنوان "مستقبل العبرية بمدارس إسرائيل بمهب الريح" ألقينا الضوء على مشكلة تعلم اللغة العبرية في المدارس الإسرائيلية، حيث تشهد منظومة التعليم الأساسي في إسرائيل انخفاضا ملحوظا في المستويات التعليمية للتلاميذ، فوفقا لتصريحات مدرسين أصبح مستوى التلاميذ في اللغة العبرية ضعيفا جدا وسطحيا، حيث يجد التلميذ صعوبة  في تكوين جملة أو فقرة، فيكتبون بأخطاء إملائية، ومعظمهم لا يقرأ.
ولوحظ أن كثيرا من التلاميذ يستخدمون ألفاظا عامية في سياق مواضيع التعبير، وأغلب هذه الألفاظ هي عربية في الأساس، فأصبح معتادا أن يكتب التلميذ في موضوع التعبير كلمات مثل "صبابة" و"كيف" (بدلا من رائع)
مساعي إسرائيل لتغييب اللغة العربية: -
منذ قيام دولة إسرائيل والسعي متواصل لتغييب اللغة العربية عن الأرض الفلسطينية، مع محاولات لبسط اللغة العبرية لتكون اللغة الأولى والوحيدة في الأراضي المحتلة، وفي تقرير سابق بعنوان "العربية في مواجهة العبرية نحو أسرلة المجتمع الفلسطيني" تمت الإشارة إلى مساعي إسرائيل لفرض سياسة احتلال تقتضي تغليب اللغة العبرية على العربية في أنحاء الأرض المحتلة، ومن ثم أصبح مفروضا على الفلسطيني العربي في إسرائيل معرفة العبرية لغة وثقافة، وذلك لموافاة ضروراته الحياتية، وليس ذلك عن رضى منه أو لرفاهية التعلم والتحدث بلغة ثانية، وإنما لأنه اضطر لأن يتحدث باللغة التي فرضها عليه الواقع الجديد على أرضه المحتلة.
اللغة العربية في المجتمع الإسرائيلي: -
من بين بنود قانون القومية الجديد الذي تستبق حكومة نتنياهو الزمن ليخرج إلى النور أن تكون اللغة العربية ذات وضع خاص، وليست اللغة الرسمية الثانية كما هو منصوص عليه حاليا، أي أن القانون يهدف لإقصاء فلسطيني الداخل، وفرض اللغة العبرية عليهم.
لرغم هذه المحاولات لإبعاد اللسان العربي؛ فإن اللغة العربية تبدو مسيطرة على كثير من نواحي الحياة في إسرائيل، والأمر ليس مقتصرا على الفصحى فحسب، بل إن العبرية قد تأثرت بالعامية العربية، واستقت منها الكثير من الألفاظ والدلات، بنفس استخدامها ومعانيها في العربية، ففي في مؤتمر خاص حول العامية العبرية، عُقِد في جامعة «بار إيلان» الإسرائيلية عام 2006، كُشِف النقاب عن أن اللغة العربية بلهجتيها الفصحى والعامية هي صاحبة التأثير الأكبر على اللغة العبرية، بدرجة تفوق الإنجليزية صاحبة المركز الثاني في التأثير.
فلا عجب إذا استمعت إلى حديث بين إسرائيليين في الشارع، أو على شاشة التلفاز أو الراديو، والتقطت أذناك كلمات عامية عربية مثل: "خلاص"، "بس"، "على كيفك"، "كيف حالك"، "على كيف كيفك"، "يلّا"، "أهلا"، "والله"، "إن شاء الله"، "ياروحي"، "صبابة"، "مجنون"، "نحس"، "حبّوبي"، "صاحبك"، "بلاش"، "بلدي"، "يعني"، "لفة"، "خفيف"، "تمام"، "تفضل" "مبسوط"، "مبروك"، "شباب"، "سلامتك"  ...إلخ.
المثير أيضا أن العامية العبرية لم تكتف بكلمات عربية بسيطة ذات معنى واضح مثل ما سبق، وإنما كذلك استقت من العربية ألفاظ تشير إلى حالة ما، أو اسم طعام أو شراب، كـ"الفلافل"، و"الحمص"، بل وصل الأمر إلى أن ألفاظ السباب الدارجة في الشارع العربي هي الألفاظ ذاتها التي يستخدمها العامة في إسرائيل لسب بعضهم، وتسللت كذلك إلى لغة الحوار في الأعمال الدرامية والسينمائية الإسرائيلية.
يمكنك أن تسمع كلمات، أو تقرأها بحروف عبرية مثل: "مسطول" وتشير إلى الواقع في حالة سكر من خمر أو مخدرات، و"أبو علي" وتشير إلى الشخص كثير الكذب، أو "الفشّار" كما نسميه، و"يا سلام" التي تشير للدهشة والتعجب، وكذلك "يا شيخ"، و"تمبل" التي تشير إلى شخص بليد أو غبي (وهي كلمة فارسية في الأساس وتسللت للعربية)، ويُقال لمن يرتدي نظارة "أبو أربع"، ويمكن أن ينادي إسرائيلي آخرا بقوله "يا زلمة"، أو يسبه قائلا: "أبوك"، "أهبل"، "جحش"، "طويل وهبيل" أي طويل وأهبل"، و"معفن"، وتعداه إلى ألفاظ أشد خدشا للحياء مثل "ع..." والتي تشير في الشارع الإسرائيلي إلى نفس مدلولها في الشارع العربي وهو القواد، وشتائم أخرى مثل: "كس أمك"، "ابن صرمة"، "شرموطة".
تزخر العامية العبرية في إسرائيل كذلك بألفاظ عامية عربية منها المضحك، ومنها ما يدل على حالة مزاجية، أو إشارة إلى وضع أو شيء ما، مثل "نحس" وتشير طبعا إلى الحظ السيء، و"كلبوش" إشارة إلى السجن، و"يا باي" (أي: يا باي عليك يا شيخ)، "بُلبُل" (أي العضو الذكري).
هذا التأثير الإسرائيلي بالعامية العربية أمر طبيعي، فالكيان الإسرائيلي يقبع في قلب الوطن العربي، ويعيش بين مواطنيه فلسطينيين وعرب، والتآلف بين العربية والعبرية متأصل ومستمر، ناهيك عن الاحتكاك المباشر وغير المباشر بين الطرفين، عن طريق الحياة اليومية، ووسائل الإعلام، والسياحة.
حضور التراث العربي: -
فرض التراث العربي المجاور لإسرائيل نفسه على المجتمع الإسرائيلي، وأغلب المفردات العربية التي تسربت للحوار العبري الإسرائيلي من لغة الحوار والتفاعلات الدارجة في الشارع العربي، وهو ما يعني أن المجتمع الإسرائيلي يراقب المحيط العربي باستمرار وبدقة تصل إلى أزقة وحارات المجتمع العربي، ولم يكتف بلغة الحوارات الدبلوماسية والأدب والصحافة، أي أن المجتمع العربي يساهم بوضوح في تشكيل المجتمع الإسرائيلي الذي يغني ويستمع لأم كلثوم وعبد الحليم وغيرهما، ويشاهد أفلام عادل إمام، ويأكل حمص الشام والفلافل والمناقيش، وفتح هذا التأثير الثقافي العربي ،مع التراجع السياسي أمام الهيمنة الإسرائيلية ، المجال لتسرق إسرائيل ما بدا لها من التراث العربي اللغوي والفني والثقافي، لكن محاولات السطو كلها لا تُخفي تأثير الأرض العربية الأم على من فوقها وما عليها.  

No comments:

Post a Comment