Saturday, June 21, 2014

اليهودي التائه وابتزاز العالم

منشور على موقع الكتابة الثقافي

Share on twitteShare on facebookShare on bloggerShare on gmailMore Sharing Services
اليهودي التائه وابتزاز العالم

تحكي الأسطورة المعروفة بـ«اليهودي التائه» أن إسكافيا يهوديا يُدعَى "كارتافيلوس"، طلب منه المسيح، وهو يحمل صليبه، جرعة ماء، ولكن الإسكافي ضربه واستهزأ به، فتنبأ له المسيح بالتيه إلى أن يعود، وبالفعل حلت على اليهودي لعنة جعلته يجوب بقاع الأرض إلى أن يعود المسيح مرة أخرى، ومن هنا سُمِّي اليهودي التائه. وقد بدأت الأساطير المستوحاة من هذه الشخصية الغريبة في الظهور في القرن الثالث عشر.
وظل اليهودي التائه رمزاً لما يسمى بالشعب اليهودي، الذي يقف شاهداً على التاريخ من وجهة نظر اليهود، منبوذاً من الجميع، ومن وجهة نظر المعادين لليهود شعباً منبوذاً.
وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تحوَّل اليهودي التائه بدوره إلى رمز للإنسان المغترب الذي يرفضه المجتمع بسبب تميُّزه ووقوفه ضد الظلم،  وانجذب الكثير من الأدباء والمثقفين للأسطورة، وأصبحت موتيفا في كثير من الأعمال الشعرية على وجه الخصوص، فقد استخدمها شعراء كبار كـ "مولر" و"شوبرت" من ألمانيا، و"روبرت وليام بيوكانان" من اسكتلندا، إضافة إلى أعمال نثرية لأدباء ألمان وانجليز وفرنسيين، فلم يعد التائه يهوديا فحسب، وإنما أصبح الإنسان تائها في عالم من الظلم والشك والتيه.
واستغلت أدبيات الفكر والفلسفة والإعلام اليهودية هذه الأسطورة، إضافة لسياسات روسيا القيصرية بحق اليهود في القرن التاسع عشر، وبعدها أحداث النازي التي أصبحت أكبر ورقة ضغط يهودية على العالم الغربي.
استندت الصهيونية كفكر ومنهج على هذه الأحداث، مغلفة إياها بأسطورة اليهودي التائه المنبوذ لتميزه وأفضليته على غيره من أصحاب الديانات الأخرى، وجعلت من اليهودية كديانة مطية لأهدافها الاستعمارية، التي ترتكز على ابتزاز العالم للحصول على أكبر نسبة من المكاسب المادية والمعنوية، وذلك بالترويج لما تدعيه بـ"معاناة اليهودي في العالم".
ويعتبر الشاعر والمفكر اليهودي الإسرائيلي "أبا كوفنر" (1918 – 1987) أحد المفكرين والأدباء اليهود الذين استغلوا تلك الأفكار والأحداث لمصلحة الفكرة الصهيونية القائمة على الابتزاز وجر التعاطف العالمي.
"أبا كوفنر" شاعر وأديب يهودي إسرائيلي، وُلد بأوكرانيا، وهو أحد يهود «جيتو فيلينيوس» (عاصمة ليتوانيا حاليا، وكانت أحد أشهر مراكز التجمع اليهودية في أوربا الشرقية)، اندمج في حركات يهودية سرية غير نظامية للانتقام من الألمان بعد الحرب العالمية الثانية، حيث انضم لمجموعة كانت تسمى «المنتقمون»، وسعت لتصفية كوادر النازية، بعدما سقط هتلر، حيث سعى اليهود في هذه المجموعات للانتقام مما سُمي بالمحرقة.
أبا كوفنر قائدا لإحدى هذه المجموعات السرية، وكان معروفا عنه أنه قائد ذو كاريزما خاصة، وكان خطيبا مُفوها، كما شارك كضابط في حرب 1948، وشارك في تأسيس متحف في حرم جامعة تل أبيب، والذي افتُتِح عام 1987، ويعرض ما يسمونه "تاريخ الشعب اليهودي عبر العصور".
بدأ كوفنر ينظم الشعر في مراحل مبكرة من عمره، وتركزت أعماله في وصف ما يصفه اليهود بإبادة الشعب اليهودي في أوربا على يد النازي، ومعاناة اليهود في الجيتوات، وفي الخمسينيات من القرن الماضي بدأ في نشر أعمال نثرية، وأُطلق عليه في إسرائيل لقب «شاعر المحرقة»، لأن معظم أعماله الشعرية تركزت على وصف ما يدعونه معاناة وإبادة اليهود خلال أحداث النازي.
ومن قصائده الشهيرة التي يتحدث فيها عما يُروج له بـ"معاناة اليهود في العالم" قصيدة "من هو اليهودي"، ويقول فيها:

من هو اليهودي
اليهودي هو من يرغب في أن يكون يهوديا /  وهو يهودي رغما عنه
اليهودي هو من يؤمن إيمانا كاملا / واليهودي هو من يتشبث بعقيدة ممزقة
اليهودي هو من يضع الطليت(1 ) والتفلين(2 ) / واليهودي هو من يلقي الطليت والتفلين
اليهودي هو من يلقى صعوبة في كونه يهوديا / ومن يكافح ليكون شيئا آخر
اليهودي هو محتال/ نجح في خداع نفسه
اليهودي هو من وُلِد لأم يهودية/ واليهودي هو من لا يعرف أين قبر أمه
اليهودي هو من حرر نفسه من القيود/ واليهودي هو من قيد نفسه
اليهودي هو من أورث للإنسانية السمك المحشو( 3) الأصلي/  وكتاب التناخ(4 ) مترجما
اليهودي هو من يكتب من اليمين لليسار/ وهو من ينبذه يسار العالم ويمينه
اليهودي هو من تشكلت دائرة إبداعه بحروف مربعة / ومازال وجوده مستحيلا
اليهودي هو من لا يختلف عن بقية أمم العالم / باستثناء أنه معزول عنها
اليهودي هو من يكرهه الآخرون خفية / واليهودي هو من يكره نفسه على رؤوس الأشهاد
اليهودي هو من استمات لاستحضار العالم لبيته / واليهودي هو من يجب عليه أن يستميت على بيته
اليهودي هو من يستطيع أن يسأل/ واليهودي هو من لا يستطيع أن يسأل حتى يسمحوا له".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الطليت( شال الصلاة):  رداء أو عباءة مستطيلة الشكل لها أهداب في أركانها الأربعة، يلفها اليهودي على كتفيه أثناء الصلاة، وكان يُصنع قديماً من الكتان أو الصوف، وعادة ما يكون لونه أبيضاً، وأصبح ضرورياً أن يرتديه الرجال عند الصلاة، ويصنعوه من اللون الأبيض تتخلله خطوط زرقاء، ويرتديه العريس اليهودي في يوم عرسه، كما يُدفن اليهودي المتدين به، بعد إزالة الأهداب، وقد يرتديه والد الطفل أثناء إجراء عملية الختان لابنه. ولهذا الشال في طهارته أحكام خاصة أهمها أنه لا تلمسه النساء، ويخصص له موضع معلوم بالمنزل، ويجب على اليهودي لبسه منذ أن يبلغ سن التكليف بالعبادة وهي ثلاث عشرة سنة.
( 2 ) التفلين: تميمة الصلاة في اليهودية، عبارة عن صندوقين صغيرين من الجلد يحتويان على فقرات من التوراة، ويُثبَّت الصندوقان بسيور من الجلد. يثبتها اليهودي البالغ حسب الترتيب التالي: يضع الصندوق الأول على ذراعه اليسرى ويثبته بسير من جلد يُلَف على الذراع ثم على الساعد سبع لفات ثم على اليد، ويُثبَّت الصندوق الثاني بين العينين على الجبهة بسير أيضاً كعصابة حول الرأس، ثم يعود ويتم لف السير الأول ثلاث لفات على إصبع اليد اليسرى، ويُزال بعد الصلاة بالنظام الذي وُضع به. ويرتدي اليهودي تمائم الصلاة بعد ارتدائه شال الصلاة. وتُرتَدى التفلين أثناء صلاة الصباح خلال أيام الأسبوع، ولا تُرتَدى في أيام السبت والأعياد.
( 3) تسمى هذه الأكلة "جفيلطع" باللغة الييديشية التي كان اليهود يتحدثون بها في أوربا  في القرن الثامن عشر، وهذه الأكلة مشهورة لدى اليهود الإشكناز، وهي عبارة عن سمك محشي بأنواع أخرى من السمك المجفف والمطحون.
(4 ) التناخ: هو كتاب اليهود المقدس، ويتكون من أسفار التوراة الخمسة، إضافة لأسفار الأنبياء، والجزء الثالث يسمى أسفار المكتوبات، وهو ما يطلق عليه "العهد القديم" للتفرقة بينه وبين "العهد الجديد" كتاب المسيحيين المقدس.

Monday, June 09, 2014

الإعلام الإسرائيلي الموجه وخرافة الريادة العربية


محمد عبد الدايم
أكاديمي وباحث بجامعة المنصورة

النسخة الكاملة للمقال المنشور على موقع العربي الجديد بعنوان: العبرية على مرمى حجر:

الحديث في هذا المقال ليس عن القنوات الفضائية المصرية التي انتشرت كالسرطان، تضر ولا تنفع، تثير الغثيان ولا تفيد، الحديث ليس عن منظومة الإعلام الحكومية التي وصلت للدرك الأسفل من الفشل، والحقيقة أنها كانت منذ نشأتها فاشلة كونها صنعة أنظمة شمولية تستخدم الإعلام كأداة من أدوات الكذب والتضليل. الحديثي هنا ليس عن الصراع الخفي بين "الجزيرة" القطرية و"العربية" السعودية و"سكاي نيوز" الإماراتية، وإنما ينصب الحديث على نقطة أخرى: الإعلام العربي الموجه لإسرائيل، وخرافة الريادة المصرية التي أصبحت مجرد ريادة في الردح السياسي اليومي.على الصعيد الإعلامي؛ تعمل إسرائيل بكل جدية وصمت على اختراق البيت المصري والعربي بوسائل إعلامها المقروءة والمسموعة والمرئية، والحقيقة أنها ناجحة بشكل كبير، إذا تم عمل استطلاعات رأي أو حساب لعدد المتابعين المصريين والعرب لإذاعة "صوت إسرائيل بالعربية" التي تذيع على مدار الساعة أغاني كبار المطربين المصريين، أو القناة "33" الإسرائيلية التي تعرض معظم برامجها باللغة العربية، إضافة إلى فيلم من روائع السينما المصرية كل أسبوع، ستجد آلافا من المصريين والعرب يستمعون ويشاهدون ويستمتعون، إذا قرأت أن القناة الأولى الإسرائيلية ستذيع معظم مباريات كأس العالم 2014 بالبرازيل مجانا للجمهور الإسرائيلي؛ ستجد أن آلافا من المشاهدين سيسعون لتركيب القمر الإسرائيلي "عاموس" ليستمتعوا بمشاهدة البطولة العالمية الأولى، مع الاستعانة بتعليق بالعربية على راديو، بعيدا عن الاحتكار التعجيزي لشبكة قنوات "الجزيرة" التي أصبحت "بيين سبورت".تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت، لتفاجأ بكمية الصفحات الإخبارية السياسية والثقافية والاجتماعية الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية، والتي تأسست لتوجه نحو المواطن الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي، والمواطن العربي في الأمصار الناطقة بالعربية، على شبكات التواصل الاجتماعي ستجد صفحات بالعربية لرئيس إسرائيل، ورئيس الوزراء، ومعظم الوزارات الإسرائيلية، وصفحة للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، وصفحات فنية واجتماعية كثيرة، وكلها يشترك في متابعتها آلاف من المصريين والعرب، بدراية أو بدون وعي، انظر من فضلك لصفحة "إسرائيل بدون رقابة" أو "إسرائيل بالعربية" كي تعرف كمية المتابعين العرب، انظر لمدى انتشار موقع "المصدر" الإسرائيلي الناطق بالعربية، وكم يتابعه من المنتمين للوطن العربي.
المشكلة ليست في المتابعة بحد ذاتها، وإنما لأن كثيرا من المتابعين معجبون بالفعل بمحتوى وسائل الإعلام الإسرائيلية الناطقة بالعربية، والموجهة خصيصا لهم، والتي تهدف لاستقطابهم فكريا، وليس مخابراتيا، ونيل استحسانهم ومتابعتهم الدائمة، لا أتحدث عن المعالجة السطحية لهذه الإشكالية، والتي يعزوها كثير من السطحيين إلى تغلغل إسرائيل وتجسسها علينا عبر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وسقوط الكثير من شبابنا ضحية الفخ الإسرائيلي "الموسادي"، فالتجسس المخابراتي لم يعد بحاجة لهذه الوسائل الساذجة التي مازال إعلامنا يروج لها، (لعلك تتذكر الإعلان المصري الكارثي الذي تمت إذاعته بعيد ثورة 25 يناير عن الجواسيس الذين يتجولون في شوارعنا وكيف نقبض عليهم) القضية هنا تتمثل في أن دولة صغيرة انزرعت في قلب الوطن العربي، استطاعت منظومتها الإعلامية أن تتوغل وتنتشر وتنجح في توصيل رسالة ورؤية إلى المواطن المصري والعربي، وفي المقابل نجحنا نحن في كسر الرقم القياسي في الفشل الإعلامي الذريع، كل هذه القنوات والإذاعات والمواقع والصفحات والجرائد والمجلات والتطبيقات، وليس من بينها وسيلة واحدة ناجحة يمكن التعويل عليها كي تصبح وسيلة إعلام موجهة للجمهور الإسرائيلي.عشرات الآلاف من الشباب يتخرجون سنويا من الجامعات المصرية، يحملون شهادة الليسانس في اللغة العبرية وآدابها، وآلاف يحملون درجات الماجستير والدكتوراه في نفس التخصص، ولا تجد من بينهم من يتحدث العبرية بطلاقة سوى نذر يسير لا يُعد على أصابع اليدين سنويا، وحتى هؤلاء لا نستفيد منهم في بناء منظومة إعلامية موجهة، فيتجه هؤلاء المقهورون للعمل في أي مكان بعيدا عن تخصصهم، ومن يعمل في مجال تخصصه يتجه لمهنة الدروس الخصوصية للطلبة المستجدين في أقسام العبرية، أو يترجم من الصحف الإسرائيلية دون تعمق أو فهم واع لصالح جريدة أو موقع إخباري.
حتى الآن مازالت كثير من الجوانب في المجتمع الإسرائيلي غامضة بالنسبة لنا، وفي المقابل تدرك وسائل الإعلام الإسرائيلية اهتماماتنا واحتياجاتنا، فتذيع على قنواتها وإذاعاتها وتنشر على صفحاتها ومواقعها ما يجذب المواطن العربي من فنون وثقافة وأدب وأخبار، ونحن مازلنا نتحدث فقط عن العدو الإسرائيلي، الكيان الصهيوني، الاحتلال، دون تجديد خطاب، ودون التعمق في الشأن الإسرائيلي والواقع المعيش، ودون التوجه للجانب الإسرائيلي بإعلام بلغته.تتمثل خرافة الريادة الإعلامية المصرية في سياسات صفوت الشريف، وزير الإعلام المصري الأسبق، الذي جعل – وكل من جاء بعده -  من الإعلام المصري أضحوكة ومسخا، وفي فترة غابرة من الزمان كانت قناة النيل الدولية أحد المنابر الإعلامية الموجهة، والتي تتحدث بالإنجليزية، إضافة إلى جزء من إرسالها ناطق بالعبرية، فكان يظهر على الشاشة مقدمو نشرة إخبارية بالعبرية، طبعا لم تحقق التجربة نجاحا لأنها جاءت بشكل سطحي وضحل، رغم أن العاملين في هذا القسم معروف عنهم الكفاءة والطلاقة اللغوية العبرية، ومنهم من يعمل مترجما فوريا، ولأن التجربة فشلت تم إلغاء فقرة النشرة الإخبارية بالعبرية من قناة النيل واستبدالها بموقع إلكتروني إخباري مصري بالعبرية، وأزعم أنه لا يتابعه أحد من الجانب الإسرائيلي، ولا العاملين في مجال العبرية بمصر، ولم يتم تدشين هذا المشروع إلا لأنهم لم يجدوا مجالا مناسبا لهؤلاء العاملين المتميزين المتحدثين بالعبرية، باعتبارهم أولا وأخيرا "موظفين" حكوميين لا يمكن الاستغناء عنهم.وأؤكد مرة أخرى على مقدرة وتميز المتحدثين بالعبرية في ماسبيرو، فأنا أعرف بعضهم، إضافة لكثير من الشباب الخريجين من أقسام اللغات الشرقية واللغة العبرية بجامعات مصر، وأرى أنه يمكن الاستفادة من إمكانياتهم بمنهجية إعلامية محترفة، بدلا من توجههم للآخر ليتحدثون معه بلغته، وبدلا من ترك المجال مفتوحا للإعلام الإسرائيلي الموجه ليسيطر على عقولنا بلسان عربي مبين. 

Wednesday, June 04, 2014

لم يعد يحزن،

فقد تجرع مرارات الأحزان 
بما كفّى وزاد،
لم يعد يفرح،
فنصيبه من الفرحة 
قد باعه قسرا في مزاد،
ليشتري حفنة حب وصرة زاد.
يتقلب على جنبين،
يعيش في البين بين،
حيث تمتزج على لوحة حياته 
ألوان الأضداد.