Monday, April 30, 2012

الحوار أولا



 












منشور في موقع قناة نريد:

ترفع "نريد" في مسابقتها الحالية شعار"الشعب يريد مصر دولة عالم أول"، وهو شعار حالم ونبيل بالتأكيد، لكن لابد من الوقوف عند مكوناته ودلالاته: الشعب، الإرادة، التغيير، الوطن، والعالم الأول، وهو دلالة على رغبة الشعب في الانتقال بوطنهم مصر من دولة متأخرة في زمرة العالم الثالث إلى دولة متقدمة في مصاف العالم الأول، وقد نظر الكثيرون منا إلى دول كانت لها تجارب مشابهة، ثم انتقلت بها شعوبها إلى موقع آخر على الخريطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية العالمية، وتركزت الأنظار على تركيا وماليزيا بشكل خاص، كونهما دولتين تحملان كثيرا من نقاط التماس مع مصر، كالهوية الدينية، والخلفية الاجتماعية،والقدرة البشرية، وبالطبع يعتبر البعض أن نموذج رومانيا غير بعيد عن الأذهان، بل وتتطابق التجربة الثورية الرومانية في كثير من التفاصيل مع نظيرتها المصرية تطابقا يبعث على القلق، ويدعو للاحتراز كي لا يتكرر النموذج الأوكراني بحذافيره في مصر.
وتتفق كثير من الآراء على ضرورة الاسترشاد بكل التجارب المعاصرة في مجالات السياسة والاقتصاد وغيرها، ولكن ينبغي أولا وقبل كل شيء أن نتوقف عند نقطة بالغة الأهمية، يعتمد عليها بشكل أساسي مستقبل مصر بعد الثورة، وهي القدرة على الاستماع، القدرة على احترام رأي الآخر، القدرة على الحوار، والتي أعتبرها حجر الزاوية الذي بدونه لا نستطيع أن نؤسس مصرا جديدة تزاحم العالم الأول.
ربما نحن من أكثر الأمم التي حثت على فضيلة الصمت، والاستماع للآخر، والحوار الهادئ، غير أننافي نفس الوقت من أكثر الأمم استخفافا بهذه المُثل، وتحقيرا لها ، وما يشعرني بالأسى أننا نرفض بكل شدة ما صرّح به نائب المخلوع منذ عام وبضعة أيام لإحدى وكالات الأنباء العالمية بقوله :" إن المصريين غير مهيئين للديمقراطية في الوقت الحالي"، في الوقت الذي نؤكد فيه صحة مقولته كل يوم ، فلابد أن نعترف بأننا نُحقِّر أحد مبادئ الديمقراطية، وهو الحوار، وتقبُّل الآخر.
أشاهد ــ كغيري ــ يوميا كثيرا من البرامج الحوارية المسماة "توك شوز" فأجد معظمها تحول إلى عروض سيئة ، فالمفترض أن الهدف الرئيسي من هذه البرامج أن يتحاور الضيف مع المُقدم، أو الضيوف مع بعضهم البعض، لكن المسألة تتحول إلى أن يستحوذ مُقدم البرنامج على فرصة الكلام كاملة، ليستمع الضيف، أو أن يتصارع الضيوف معا في مشادات كلامية، ربما تتحول إلى التشابك اللفظي أو الجسدي البذيء.
ما نشاهده في هذه العروض على شاشة التلفاز نسخة مما نراه على أصعدة مختلفة في مصر، في الشارع، في السوق، في المواصلات، في المدرسة، في الجامعة، في الحلقات النقاشية، في ميادين الثورة، وأوساط الثورة المضادة، ولا عجب أن تنتقل الآفة إلى البرلمان الذي اختار الشعب نوابه من بينهم.
دون الخوض في نوعية القضايا ومضمون المناقشات؛ فالمتابع لجلسات مجلس الشعب الأول بعد الثورة يرى المناقشات توشك على أن تتحول إلى معارك، وإذا استمرت على هذه الشاكلة فستتحول دون شك إلى مهزلة أخلاقية.
يجب أن نعترف أن نواب مجلس الشعب هم مواطنون مصريون اختارهم ناخبون مصريون، وهؤلاء وأولئك يحملون بالطبيعة سمات متطابقة، لعل من أكثرها سوءا وجهلا ازدراء الحوار الهادئ، لقد استبشرنا خيرا بعد أن جرت أول انتخابات نزيهة ـ أو هكذا يبدو ـ ولكن الكثيرين منا انتابهم أسى شديدٌ بعد مشاهدة جلسات برلمان ما بعد الثورة، حيث بدا الأمر مُحبطا إلى حد كبير، لأننا نرى أعضاء البرلمان منقسمين إلى فرق وجماعات متنافرة ومتضادة، الاختلاف الفكري والأيديولوجي أمر طبيعي ومنطقي، وظاهرة عالمية وإنسانية، وقد جعلنا الله شعوبا وقبائل لنتعارف، لكن أن يتحول الأمر على المستوى الإقليمي إلى هذا الشكل الباعث على الحسرة؛ فهو ما يعطي مؤشرا سلبيا على مستقبل مصر بعد الثورة، فللأسف ترى نوابا يقاطعون دون إذن زميلهم الذي يتحدث، يهاجمون غيرهم بضراوة، يتحدث الكثيرون دون حق الحديث، يقف هذا ليُدحض رأي ذاك، بل ويتهمه بالكذب والافتراء والعمالة، كل هذا في وجود رئيس للمجلس، لم يسع جاهدا ـ في رأيي ـ للحد من هذه المهزلة.
دون الخوض في تفاصيل ما يجري ونشاهده يوميا، ودون ذكر أسماء للأعضاء؛ يلمس الكثيرون من اللأسف غياب آلية الحوار الهادئ المحترم بين أعضاء البرلمان، لأنهم قبل أن يحصلوا على العضوية هم مواطنون في الأساس يحملون نفس الصفة شأنهم شأن الكثيرين من المصريين الذين لا يحترمون الحوار للأسف، وهذه حقيقة مؤسفة يجب أن نواجهها بعلاج، بدلا من إنكارها فتتفاقم الكارثة.
لابد أن نعترف بأننا منقسمون أيديولوجيا، منقسمون ولسنا مختلفين فقط، يجب أن نعترف أن الكثيرين منا يضمرون حقدا وعداوة مبطنة لآخرين، يجب أن نعترف أن المنافسة البرلمانية داخل مجلس الشعب تستند إلى اختلافات عقائدية وأيديولوجية شديدة، وكل طرف على يقين بصحة موقفه وخطأ نظيره، ولكن في المقابل على الجميع أن يسعوا لتقنين الخلاف، ومحاولة انتهاج أسلوب محترم للحوار، فالآخر الذي أحاوره إنسان مثلي، ولو اختلفت ديانته، أو ثقافته، أو أيديولوجيته، أو بيئته.
ثقافة الحوار غائبة بلا شك في مصر، وما يجري في جلسات مجلس الشعب أعتبره نكسة حضارية كبيرة، لكنها للأسف ليست وليدة الخلاف السياسي بين الأكثرية والأقلية في البرلمان، ولكنها متأصلة إلى حد كبير في العقلية المصرية، والعربية كذلك، وهذا ما نلمسه في كافة المستويات، العليا والدنيا، بين النُخب والعوام، في أوساط المُثقفين والجاهلين، بين المُتعلمين والأميين، والمتدينين والملحدين، نحن ـ بكل صراحة ـ أمة الصوت العالي والجعجعة والسفسطة الكلامية.
لقد كسرت الثورة حاجز الخوف في النفوس، لكن الكثيرين اعتبروا هذا تصريحا بازدراء قواعد الحوار، صار الصوت العالي شعارا، أصبح اتهام الآخر عقيدة، أضحى الاشتباك اللفظي عادة.
يجب أن نبدأ من الصفر في تأصيل فضيلة الحوار، بداية من الأسرة مرورا بالمدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة والشارع والسوق والتجمعات الثقافية والإعلامية والسياسية، لا يصح أن يكون نتاج مصر بعد الثورة نائبا برلمانيا عالي الصوت جهول، يقاطع زميله، يلوح له بيده، يشكك في نزاهته، يدحض رأيه، ويبخس حقه في الكلام والتعبير.
يجب أن تتحمل الأحزاب مسئولياتها في تثقيف أعضائها البرلمانيين، بدلا من التحريض على الآخر يجب أن تشدد على المنتسبين لها بضرورة احترام الآخر، ولو شكليا، ولو ظاهريا، لكن أن نشاهد عروض الكوميديا السوداء في مجلس الشعب؛ ليتحول البرلمان إلى ساحة للعراك اللفظي القابل للتطور لما هو أسوأ؛ ليصبح أقرب لتجمعات فوضوية منها إلى مجلس مُوقر؛ فهذا ما يصيب الثورة في مقتل، ويصيب الأمة بمرض الهمجية التي تقف عثرة أمام انتقالنا إلى دول العالم الأول. فأساس البناء هو الحوار، والتقارب، واحتراما لآخر، فدعونا لا نشوه حضارتنا، لا نشوه تعاليم أدياننا، لا نشوه ثورتنا.












Sunday, April 29, 2012

كأنك يا ثورة ما ثورتيش




في عام 1976 أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "يتسحاق رابين" استقالته من رئاسة حزب العمل، وكذلك استقالة الحكومة الإسرائيلية، بعدما تم الكشف عن حساب مصرفي له ولزوجته في أحد البنوك الأمريكية، ومنذ عدة سنوات حُكم على "عُمري" ابن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "أريئيل شارون" بالسجن لتورطه في تهمة الحصول على مساعدات مالية من الخارج لدعم حملة والده الانتخابية، ومنذ أيام تقدم الرئيس الألماني "كرستيان فولف" باستقالته بعد ضغوط سياسية وإعلامية كبيرة، في أعقاب الكشف عن تورطه في تلقي قرض من زوجة صديق له بفائدة مخفضة، ووُصف تصرفه بالفضيحة المالية، هذه مجرد أمثلة للصرامة في التعامل مع الشخصيات السياسية العامة، وغيرها الكثير، كالوزير الذي استقال لتهربه من دفع مخالفة سرعة، وسيدة النمسا الأولى التي ركبت المترو مع زوجة د.البرادعي، ونحن في مصر قد فقدنا الأمل في استرداد أموالنا المنهوبة من قِبل المخلوع وعصابته، والتي من كثرتها يمكن أن تبني وطن من جديد.
بعد أكثر من عام على ثورة المصريين المجيدة مازلنا نبحث عن أموالنا، نصبو إلى حريتنا، نفكر في آليات تحول مصر إلى دولة عالم أول، لكننا لا نسترشد بالتجارب الإيجابية الملائمة لظروفنا، بل نبحث عن الأفكار الخاطئة فنطبقها، تركنا الثورة في يد من لا يستطيع تحويلها إلى نهضة، وغرقنا في جدليات المسميات والاستقطاب الديني والسياسي، والاستفتاء، والانتخابات.
في اللحظة الأولى التي قرأنا فيها التعديلات الدستورية التي صاغتها لجنة البشري اكتشفنا - على الأقل الكثير منا - أننا "لبسنا في الحيط"، وزاد الطين بلا بالاستفتاء وما صاحبه، ثم الطامة الأكبر والتي تمثلت في إعلان دستوري مجرد خروجه يلغي التعديلات والاستفتاء عليها، ومع ذلك وضع المسئولون عن قيادة مصر أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم، وأصروا واستكبروا استكبارا، واستعانوا بمجموعة من الموالين، والمُغيبين، والـ "مطبلاتية" للاستقواء على الحق الثوري.
لست بصدد الحديث عما خاض فيه الكثيرون، لا أرغب في تكرار نفس الكلام، ولكن كلما رأيت كيف تتعامل دول العالم المتحضر مع قياداتها ورؤسائها أشعر بالأسى، لأننا أضعنا فرصة تاريخية للعبور إلى المستقبل، ومجاراة العالم الأول، بلغ بنا الضلال أن ننتخب رئيسا قبل دستور، وننصبه ثم يختار لنا على هواه نائبا بعد أن يجلس على كرسي الحكم، لست أدري صراحة ما الضرر لو أنهم أقروا في التعديلات الدستورية أن يرشح الرئيس نفسه معلنا عن اسم نائبه، ومن شر البلية أن تسمع هذا المُرشح أو ذاك يصرحان أنهما سيعَيّنان أكثر من نائب، وكأن الحكاية "سداح مداح"، وضع السادة أعضاء اللجنة بنودا صارمة تحرم المصري الذي حصل على جنسية أخرى من الترشح ولو تنازل عنها، وخرج علينا المجلس الحاكم بقانون انتخابات الرئاسة دون عرضه على برلمان الشعب، وجعجع النواب دون أن يصدروا قرارا حاسما برفض تصرف المجلس العسكري، والآن نسمع عن رئيس توافقي، أي يتوافق عليه من توافقوا على جريمة الاستفتاء، ولا أدري الآن ما الفرق بين هذا التوافق وبين توافق المخلوع وزمرته على توريث الحكم لابنه.
في حين يُحاسَب الساسة في دول العالم المتقدم حساب الملكين؛ نرى ساستنا السابقين والحاليين يعيثون في الوطن فسادا دون رقيب أو حسيب، وإن وُجد الرقيب البشري لا نجد المواد القانونية التي تُجرِم هذا الفساد، لم أسمع مثلا عن مادة تمنع على الرئيس أو الوزراء من فتح حسابات مصرفية في الخارج، بعد أن انتخبنا برلمانا للمرة الأولى نجد أعضاءه يبحثون في قانون قديم منذ الوحدة مع سوريا لمحاسبة الوزراء، اختفى قانون العزل الذي صدر في الوقت الضائع فجأة، لم يصدر قانون الحد الأدنى والأعلى للأجور، في حين نجد إصرارا على إجراء انتخابات عبثية لمجلس شورى عبثي، بلغت نسبة التصويت فيه 12%، ولا يعلن أحد عدم دستورية انتخابات بلغت نسبة التصويت فيها أقل من 50% من الأصوات الصحيحة.
لم تقم الثورة لتكون عملية ترقيع لثوب خرِق، بل قامت لتصلح ما أفسده السابقون، لقد أجرم جميع الرؤساء في حق مصر - وهذا رأيي -ولا أدري إلى متى سيتعامل القائمون على الوطن بأسلوب الترميم السطحي، إلى متى سنعيش في هذا العبث القانوني، إلى متى سيتحكم فينا مجموعة من الترزية، كيف تخرج مصر من مستنقع التخلف وقد تولى أمرها من يتزينون به؟


منشور في موقع قناة نريد:
http://www.noreed.com/InformationCenterDetails.aspx?InformationCenterDetails=343&&TopMenu1=4&&InformationCenterMain=4




Saturday, April 28, 2012

الانتخابات البرلمانية: مقدمات، مواقف، دلالات



 








الجمعة 27 أبريل 2012 - 19 : 17


انقضت المراحل الثلاثة للانتخابات البرلمانية الأولى بعد الثورة الأعظم في تاريخ مصر ، وربما الأولى قبل الثورة أيضا، انقضت وتركت مجموعة من الدلائل المهمة، ويمكن أن نتخذ منها عدة مواقف إيجابية وسلبية، كما نرى من خلالها طرائف وغرائب تثير الفرحة أحيانا، وتبعث على الأسى وتثير المخاوف في أحيان أخرى.
رغم كل المؤشرات ، ورغم التفاوت في قوة التكتلات السياسية، والذي قد يعطي دلالات بعينها؛ فإن نتيجة الانتخابات البرلمانية كانت خارج نطاق التوقعات، وتعدت حاجز التكهنات، وتخطت حدود عقل ما قبل الثورة.
أولا وقبل كل شيء يجب أن يقدم جميع الفائزين الشكر والعرفان لكل من قام بالثورة المجيدة، لولا أرواح الشهداء، لولا تضحيات المصابين،لولا جهاد وعزيمة الثوار، ولولا لُطف الله قبل كل شيء؛ ما نجح من نجحوا، ما تأسس حزب للإخوان المسلمين، الذين تحولوا من جماعة محظورة إلى تكتل سياسي حصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان،  لولا الشباب الثائر غير المُسيس، غير المنتمي لأحزاب سياسية ما تأسس هذا العدد من الأحزاب التي صار الكثير منها فاعلا على الساحة، وليس كارتونيا يؤيد ويعارض وينافس وينسحب ويتحد ويتفكك بأمر من السلطة المُباركية المنحلة، لولا الشهداء والمصابين والثوار ماتبلور تكتل سياسي للسلفيين، ما سقط الحزب غير الوطني.
 الثورة هي التي صنعت هذه الانتخابات البرلمانية النزيهة إلى حد كبير مقارنة بالكوميديا السوداء التي شاهدناها وعاصرناها طيلة عقود من التعمية والتزييف والتزوير، بفضل ثورة 25يناير أصبحت الانتخابات عرسا للديمقراطية بعد أن كانت عرسا للبلطجية.
جرت الانتخابات بعد شد وجذب بين المجلس العسكري الحاكم وبين القوى السياسية الثائرة والفلولية والصامتة والكارتونية، وكانت النتيجة أن نشهد واحدة من أطول العمليات الانتخابية في العصر الحديث.

بانتهاء المرحلة الثالثة من العملية الانتخابية الماراثونية حصد تحالف الحرية والعدالة على مائتين واثنين وثلاثين (232) مقعدا بنسبة بلغت 46 %، فيما حصل تحالف النور على مائة وثلاثة عشر (113) مقعدا بنسبة بلغت 23 %، وجاء حزب الوفد في المركز الثالث بعدد بمقاعد بلغت سبعة وأربعين (47) مقعدا بنسبة بلغت 9 %، والكتلة حلت في المركز الرابع بعدد مقاعد بلغ تسعة وثلاثين (39) مقعدًا بنسبة 8 %.
فيما حصل الفلول على ثمانية عشر (18) مقعدا بنسبة 3 %، والمستقلون على أربعة عشر (14)مقعدا بنسبة  3 %، وحصل حزب الوسط على عشرة (10) مقاعد بنسبة بلغت 2 %، وحصل تحالف الثورة مستمرة على ثمانية (8) مقاعد بنسبة 2 %.، وهي النتيجة التي يمكننا أن نخلص منها بعدة دلالات.

كان مقررا - وفقا لتصريحات المجلس العسكري - أن تُجرى الانتخابات البرلمانية خلال ستة أشهر ابتداء من فبراير 2011، غير أن المطالبات المُلحة بتأجيلها جعلتها تتأخر إلى ديسمبر 2011، وربما هذا الطلب ـــ في رأيي ـــأحد أسوء مطالب الثوار ، فقد كان شباب الثورة ومعهم الأحزاب الجديدة التي تكونت بعد الثورة يطالبون بإعطائهم مزيدا من الوقت كي يستطيعوا الاندماج في الشارع المصري، والدعاية لأنفسهم بشكل كاف يمكن من خلاله نيل ثقة الناخبين،  لكنهم في نفس الوقت تفرقوا فصاروا شيعا، وارتكبوا في حق أنفسهم الخطأ الذي دفعوا ثمنه غاليا حينما جاءت ساعة الحقيقة، وجرت الانتخابات، فانجلى الواقع بالنسبة لشباب الثورة على قبض الريح وحصاد الهشيم، وكيلا أكون مجحفا في حق الثوار، ومتحاملا عليهم فأنا أعتقد أنهم لا يتحملون بمفردهم خطيئة تشتتهم، فكل الكيانات السياسية التي كان مأمولا اتحادها تفرقت، ونظرت إلى مقاعد البرلمان، وأغفلت وجود الثوار.
من الأسباب الأخرى التي قللت من حظوظ الشباب في الوصول إلى البرلمان ضعف إمكانياتهم التعبوية واللوجستية، فمن أين لمجموعات من الشباب ملايين للدعاية لأنفسهم؟ كيف يتسنى لهم تنظيم مؤتمرات والكثير منهم لا يمتلك حتى رسم التقدم لتسجيل أسمائهم في كشوف المرشحين؟ بالتأكيد لا يستطيع هؤلاء مجابهة التكتلات السياسية الديناصورية التي أنفقت ملايين الجنيهات في الدعاية الانتخابية، وقبلها في افتتاح مقرات الأحزاب بجميع محافظات مصر.
ولم يكن ما سبق وحده سببا في تقهقر الشباب، بل إن أكثر ما قلل من حظوظهم هو انقلاب قطاع كبير من الشعب عليهم باعتبارهم مخربين يجُرُّون البلاد للانهيار، وهذا الانقلاب دعا إليه وقاده المجلس العسكري الحاكم، ومن خلفه وسائل الإعلام التي لم تتخل عن السياسة المٌباركية في التحريض والتضليل والإيهام والتشكيك، وللأسف فإن الأنظمة السياسية المتعاقبة في مصر رسخت في نفوس الكثيرين فكرة تقزيم الشباب، واستنكار قدرتهم على تولي مناصب قيادية، فمصر دولة أغلب مواطنيها شباب دون الخامسة والعشرين يحكمها عواجيز، ويديرها عواجيز، فيثور شبابها؛ ليلتقط ثورتهم عواجيز .

بالعودة إلى نتائج الانتخابات نجد المركزين الأول والثاني محسومين للحرية والعدالة والنور بتحالفاتهما على التوالي، وهما الحزبان الرئيسان على الساحة السياسية القائمان على مرجعية دينية، ولم تكن النتيجة مفاجئة لي كما كانت مفاجئة للبعض، فالناخب المعتاد على مسرحية انتخابية هزلية بطلها الحزب الوطني الداعر؛ وجد نفسه فجأة أمام حقيقة انتخابية واضحة يجب أن يشارك في إظهارها، فلم يكن اكتساح الإخوان والسلفيين ناتجا فقط لاقتناع الناخبين بهم، ولا لأن المصريين متدينون بطبعهم، فالمصريون متدينون بفطرتهم دون أن "يتآخوا"و"يتسلفوا" في كيانات سياسية تتخذ الإسلام واجهة وحجة وغاية وبرنامجا، وإنما جاء اكتساح الإخوان والسلفيين - في رأيي - لعدم وجود بديل قوي يسمن من جوع من ناحية، ولاعتمادهم على سلاح الدين من ناحية أخرى، ناهيك عن أرضيتهم القوية في المجتمع المصري، حيث اجتهدوا كثيرا في تأدية الدور المنوط بالحكومات، وهو رعاية المواطنين اقتصاديا واجتماعيا، بل ورعايتهم ثقافيا ودينيا ولكن بمنظورهم هم، لكن كل هذا لا ينكر أنهم الأكثر تنظيما، الأكثر مالا، الأكثر خبرة.
رغم هذا فلم يحصل الإخوان على نسبة الـ 50% + 1 التي تُمكنهم من تشكيل حكومة - هذا إن استطاع البرلمان انتزاع تشكيل حكومة من فم المجلس العسكري- ويبدو لي أنهم غير مستعدين - حاليا على الأقل- للتحالف مع السلفيين لتشكيل الحكومة، فقد أظهرت العملية الانتخابية كما كبيرا من الاختلافات بين المعسكريْن الناطقيْن باسم الدين، والتي ربما تصل بهما إلى نقطة التصادم، وليس إلى درجة التحالف.
على أية حال زادت هذه المخاوف من قلق البعض من السلفيين، ولستُ من بين هؤلاء، كما جعلت الكثيرين يتقربون للإخوان خوفا منهم أو نفاقا لهم أو استقصاء لتوجهاتهم .
في المركزين الثالث والرابع على التوالي جاء حزب الوفد والكتلة المصرية، وتُعد نتيجة المعسكرين صادمة ومؤسفة للكثيرين لأنهما كان متوقَعا لهما أن يقفا في مواجهة الأحزاب الدينية، غير أنني أعتبرهما أسوأ من يعبر عن التيار الليبرالي في مصر، فالوفد تحت قيادة رئيسه الحالي تحول من حزب الأمة إلى حزب "اللمة"، لم يقف أمام نظام مبارك، وبعد الثورة استقطب الفلول وضمهم إلى صفوفه ظنا منه أنه سيرث الزعامة من الحزب الوطني، ولكنه لم يرث إلا عار الوطني، كما أن السيد البدوي يبدو أنه رجل يهوى التحالفات مع الجانب الذي يتصدر الساحة، فتحالف مع الإخوان قُبيل الانتخابات، وبعد معارضة أعضاء حزبه قام بفك الارتباط، ثم عاد وتحالف مع الإخوان ثانية بعد تصدرهم نتائج البرلمان ربما أملا في حصول حزبهم على رئاسة لجنة من لجان المجلس، أو ربما الوكالة، وربما أيضا تطلعا إلى منصب وزاري في حكومة يعلم الله من سيشكلها، ومتى أوان ظهورها.
أما الكتلة المصرية التي رفعت شعار مواجهة الأحزاب الدينية فليست أفضل حالا من الوفد، بداية ارتكب المصريون الأحرار نفس خطيئة الوفد بضم الفلول، وثاني الخطايا تمثلت في الاتحاد مع حزي التجمع الذي صار تحت قيادة رفعت السعيد طللا آيلا للسقوط، أما حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فأشعر من توجهاته وتصريحات قياداته تعاليا على المجتمع، فبدا الحزب وكأنه اجتماع لحشد من الأكاديميين وليس تكتلا سياسيا.
ويمكنني أن أخلص من هذا بالقول أن سيد البدوي هزم الوفد في الانتخابات، كما هزم نجيب ساويرس الكتلة المصرية بتصريحاته وأفعاله الهوجاء، والأهم من هذا أن الوفد والكتلة فشلا في إقناع الناخب بأنهما حملة شعار الليبرالية المصرية.
بالنسبة للفلول الذين حصلوا على 18 مقعدا فأعتقد أن هذا راجع لوعي الشعب المُنتفض الثائر، فلم ينتظر الناخبون أن يتكرم علينا المجلس العسكري بتطبيق قانون العزل السياسي، إضافة لنقطة مهمة في رأيي، وهي أن النتيجة التي حققها الفلول هي بالفعل تؤشِر لقيمتهم في المجتمع إذا ما خاضوا انتخابات نزيهة، وليس انتخابات أحمد عز.
وبالنسبة لحزب الوسط أعتقد أن نتيجته جيدة إلى حد ما قياسا بحداثة وجوده في الشارع المصري، مع الأخذ في الاعتبار المفاجأة الحزينة التي صدمت الكثيرين، وهي خسارة أبو العلا ماضي وفشله في الوصول إلى البرلمان، وهو أمر محزن بالنسبة لهذا المناضل الذي يستحق الاحترام.
وبمناسبة الحديث عن المفاجآت المُحزنة؛ فقد شهدت الانتخابات كذلك سقوط المناضل المبتسم جورج اسحق، والذي كان يستحق أن ينجح بالتزكية، لكنه واجه منافسة غير متكافئة بالمرة، لينضم ماضي واسحق إلى شباب الثورة الذين ضحوا بالكثير كي يجلس غيرهم على مقاعد البرلمان.
ولكني أخرج من هذا الجانب المعتم لنتيجة الانتخابات إلى أمر يبعث على التفاؤل ويجبر على الاحترام، ويتمثل في موقف د. محمد غنيم رائد زراعة الكلى وجراحة المسالك البولية الذي رفض خوض الانتخابات على قائمة تحالف الثورة مستمرة، معتبرا أن هذا حق أصيل للشباب أن يأخذوا فرصتهم ليتصدروا المشهد الذي رسموه بأيديهم وبدمائهم، كان د. غنيم لينجح بسهولة في المنصورة، لكنه آثر احترام سنه وإفساح الطريق لدماء جديدة.
ولهذا فأعتبر أن تحالف الثورة مستمرة يمثل الجانب الأكثر إشراقا في نتيجة الانتخابات، فهذا التحالف المكون من شباب مفلسين تقريبا، لا يملكون إلا حماسهم وتعاطف الثائرين معهم تمكن من الحصول على ثمانية مقاعد - أغلبها من الدقهلية- بعد معركة طاحنة غير متكافئة بالمرة مع تكتلات سياسية عملاقة.
من المؤسف في هذه الانتخابات غياب المرأة أو تقهقرها، رغم اشتراط وجودها في القوائم، وهذا راجع إلى سيطرة الثقافة الذكورية حتى في أوساط المتمدينين والليبراليين، غير أنني أوافق تماما على إلغاء كوتة المرأة، ذلك الاختراع العنصري السيئ الذي تخلصنا منه بعد الثورة.
أعتقد أن نظام الإعادة من أسوأ عيوب قانون الانتخابات في مصر، فعندما تُعاد المعركة الانتخابية بين اثنين من المرشحين لعدم حصول أحدهما على نسبة الـ 50% نجد نسبة الإقبال في الإعادة نفسها أقل من نصف عدد الناخبين، على سبيل المثال بلغت نسبة التصويت في انتخابات الإعادة في المرحلة الثالثة 37.1%،فلماذا إذن هذا المبدأ الذي يستنزف الأموال والجهد والوقت بلا عدالة؟
ومما لاحظته أيضا رغم اختلاف الانتخابات عما سبق، ورغم زيادة الوعي، وقبل كل شيء رغم الثورة؛ أن كثيرا من الناخبين اضطروا للتصويت خوفا من غرامة الخمسمائة جنيه، وهو ما يستدعي نشر المزيد من الوعي والتثقيف السياسي.
من الملاحظات التي تستوجب الوقوف عندها أن الكثير من الكيانات السياسية المتنافسة دخلت السباق الانتخابي بمبدأ "إللي تغلب به العب به"، فرأينا تحالفات غير رسمية بين أحزاب وأفراد مختلفين كلية في الأيديولوجيا والتوجه، حتى أنني مثلا وجدت حزب النور في دائرتي يساند مرشحا كان عضوا في أمانة السياسات بالحزب الوطني المُنحل، بدعوى أنه "رجل البر والإحسان"، كما رأينا على النقيض تصادما بين أحزاب تقف في نفس الجانب، مثلما حدث في الصراع بين الإخوان والسلفيين في دوائر كثيرة.

تعتبر انتخابات ما بعد الثورة الأفضل على الإطلاق في تاريخ مصر، لكن هذا لا يعني أنها كانت نزيهة تماما، أو مرت بلا أخطاء كارثية، فقد تجاوز الجميع تقريبا، الإخوان، والسلفيون، والكتلة، والفلول، رأينا دعاية أمام اللجان، شهدنا دعاية في فترة الصمت الانتخابي، استغل البعض دور العبادة سواء المساجد أو الكنائس، وقعت حالات تصويت جماعي، وجرت وقائع تزوير بالنقاب، وبالبطاقة الدوارة، ورأينا ملايين تُنفق بلا سقف، بلا رقيب ولا حسيب.
ورغم كل هذا، رغم ارتكاب أخطاء لا تُغتفر أحيانا، إلا أن المستشار عبد المعز رئيس اللجنة العليا للانتخابات قلل من خطورة التجاوزات والأخطاء، رغم أن الرجل فشل فشلا ذريعا في إدارة العملية الانتخابية كما يجب، حدثت تجاوزات في المرحلة الأولى، فوعد بعدم تكرارها في الثانية، لكنها تكررت، فوعد بألا تظهر في الثالثة، لكنها استفحلت، فصرح بأنها لن تعود في انتخابات الشورى، وأتمنى ألا يصل الأمر إلى انتخابات الرئاسة ، كما أتمنى ألا يديرها المستشار عبد المعز  ولجنته.

شهدت هذه الانتخابات عدة مفارقات طيبة وغريبة وطريفة ومؤسفة، فقد تخلصنا من شعاري الهلال والجمل، كما تقلصت إلى حد كبير الدعاية باللافتات القماش، وانتشرت الدعاية بالـ "المشمع"، وهو ما يخدم كثيرا من أصحاب الأكشاك والمحال، فهذه اللافتات تستخدم بعد الانتخابات كـ "تِنَد"و"شماسات" للمحال، وأغطية للبضائع.
من الملاحظ كذلك أن علم مصر كان مرسوما على كل اللافتات تقريبا، كما رأينا مرشحا يصف نفسه ب "شهيد الثورة"، وآخر يُكني نفسه بـ" أبو مصاب الثورة" ، بل إنني رأيت مُرشحا قد كتب على لافتته :"اتحاد الأمة العربية الإسلامية المتحدة" ولا أدري هل هذا ضمن برنامجه، أم هذا كيان ينتمي إليه.
نجحت أساليب الدعاية الحديثة كـصفحات "الفايسبوك"، وتغريدات "تويتر"، وشاشات العرض في الشوارع، لكن نجاحها انحصر إلى حد كبير في الدوائر الحضرية، ومازالت جولات المُرشحين ومؤتمراتهم الانتخابية حاضرة بقوة.
لا يجب أن ننسى أن البلطجية قد حصلوا على أجازة مفتوحة، بأجر أو بدون أجر، أثناء المراحل الثلاثة للانتخابات، وهذا يجعلنا قبل نشكر القائمين على الأمن نسألهم: أين ذهب البلطجية؟ ومن يملك زِر تحريكهم؟.

بعد أيام تخوض مصر بعد الثورة انتخابات مجلس الشورى الذي طالب الجميع تقريبا بإلغائه، إلا أن المجلس العسكري تعنت ورفض، فطأطأت التكتلات السياسية رؤوسها ورضخت، بل وتستعد بمرشحيها لخوض انتخابات هذا المجلس الكاريكاتوري، وأظن أن المجلس أبى إلا أن يجري انتخابات الشورى لأنه يمتلك فائضا من الأموال يرغب في صرفه على العملية الانتخابية، أو لأن مبنى مجلس الشورى تم تجديده حديثا بعد حرقه فأبى المجلس العسكري أن يلغيه، أو أنه يريد إجراء انتخابات هادئة مرة أخرى لنفرح كثيرا برد الفعل العالمي بأننا متقدمون ومتحضرون ولدينا طوابير طويلة ومنظمة.
رغم كل شيء؛ فلم تنجح الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الثورة بفضل المجلس العسكري، ولا بفضل القضاة، أو الأحزاب، أو الإعلام، لم تنجح بفضل اللجنة العليا، وإنما بفضل الشعب المصري أولا وأخيرا بعد فضل الله.
يبقى أن أقول أن الانتخابات ما هي إلا خطوة في مسيرة طويلة وشاقة يجب أن نستكملها جميعا إلى نهايتها إذا كنا مقتنعين أن ما حدث في 25يناير 2011 هو ثورة على الظلم والطغيان والحقارة والتخلف.

منشور في موقع قناة نريد:





Friday, April 27, 2012

في الفن والمجتمع والسياسة




فتحي نوفل وعلي الزناتي 



       الفن مرآة المجتمع في أحيان كثيرة، وليس نشاطا معاديا للأديان، فالدين أكبر وأعظم من أن يزدريه فيلم أو يشوهه فنان.

        تطّلع بروية إلى المشهد السياسي القائم في مصر، وشاهد هذين الفيلمين: " طيور الظلام" و"سوق المتعة".
        الشخصيات الأكثر اتساقا مع الواقع الحالي في أفلام "عادل إمام" تتمثل في "فتحي نوفل" و"علي الزناتي" في طيور الظلام، الأول فاسد سياسيا ارتقى على أجساد العاهرات وأكتاف الوزراء المُخضرمين، والثاني متطرف دينيا استغل الدين مطية للوصول لأهدافه، وانظر إلى أقطاب السياسة الآن (حكومة ومعارضة، برلمان وأحزاب).

 
        أما لو شاهدت فيلم سوق المتعة للممتع "محمود عبد العزيز" ستجد أنه يحمل تحليلا لشخصيات عشرات الآلاف في مصر بعد الثورة، التي أتاحت لهم فرصة ذهبية للخروج من سجن الذل والكبت والطغيان والمرض والتخلف؛ غير أنهم لم يستطيعوا التكيُف مع حياة الحرية، فيُصرون على بناء سجن جديد يستمتعوا فيه بحياة كلها إذلال ومهانة.
التشابهات بين شخصيات الفيلمين تكاد تتطابق، أهمها - طبعا بعد كون وحيد حامد مؤلف الاثنين- أن هذه الشخصيات قد شبعت بعد جوع، وذاقت بعد حرمان، وهذه نقطة مهمة جدا، ابحث عنها في نفسيات الموجودين على مسرح السياسة حاليا، والمشاركين فيه.

        ولا تغفل عن الرغبات الجسدية سواء في الأكل أو الجنس، لا أقصد فقط النهم الشديد للأكل، وشخصية المومس في الفيلمين، لكن أيضا على أرض الواقع تشعر بتطابق مع معرفتك بكم الأموال التي صرفها نواب من ميزانية دولة تعاني على الطعام والشراب في اجتماعات تأسيسية الدستور، أو مشاريع القوانين التي عرضوها وسيعرضونها على البرلمان وتتعلق بالحياة الجنسية.

        شخصيا كنت أتمنى أن يُحرك أحدهم قضية ضد "عادل إمام"، لا بحجة إزدراء أديان، فهذا إدعاء جاهل، وإنما بتهمة ازدراء الشعب المصري، حيث قال هو ومؤلف فيلمه "مرجان أحمد مرجان" أنه اشترى الشعب المصري كله بماله، وجعل الفيلم من أغلب فئات المجتمع المصري مرتشين فاسدين.
        
        لا أدافع عن فنان أو عن عمل فني بقدر ما أعرض بعضا من انعكاس المجتمع في العمل الفني، فلن يزدري الفيلم مجتمعا بما ليس فيه، وإنما يُعبر عما يموج في نفسيات من يعيشون في المجتمع، ويشكلون ثقافته.

منشور في موقع قناة نريد:






Monday, April 16, 2012

تسقط قداسة المُرشدين



قداسة المرشد (على رأي وائل قنديل)
عمو المرشد بديع















          عندي سؤال بالعامية كده؛ هو ليه أي صحفي أو مذيع عايز يعمل حوار مع المرشد العام للإخوان لازم يروح له مكتبه ويقعد مكلبش ومؤدب ووشه تقريبا في الأرض؟! اشمعنى المرشد ما يروحش للقناة التلفزيونية ويسجل في استوديوهاتها، إلا هو المرشد ده شغلته إيه غير مواطن زيه زينا، بياكل ويشرب ويعمل زي الناس.

     بيبتسم ابتسامة صفرا زي أي سياسي خبيث، المفروض إنه بيشتغل عشان أكل عيشه، بس محدش بيشوفه رايح شغله أبدا، يمكن بيشتغل فترة مسائية بس، طيب هي وظيفة المرشد دي مرتبها عالي؟ ولا هو زي أي مرشد ببالطو فوق الجلابية بيقعد على قهوة بلدي يلقط عيشه؟

        تسقط قداسة المرشدين، يسقط كل المرشدين.

http://www.noreed.com/InformationCenterDetails.aspx?InformationCenterDetails=402&&TopMenu1=4&&InformationCenterMain=4





Tuesday, April 03, 2012

ماليزيا...ومصر التي نتمنى




 










كلما تأملت في التجربة الماليزية أشعر بالأمل حينا، وبالحسرة أحيانا أخرى، فهذه الدولة تبلغ مساحتها ثلث مساحة مصر، ويبلغ تعداد سكانها ربع عدد المصريين تقريبا، ولكن أين ماليزيا، وأين مصر؟!
     لا يمكن بالطبع الحديث عن النموذج الماليزي في مقال أو عدة مقالات، ولكني أضع أمام القارئ بعض النقاط التي ربما يعرفها، والتي جعلت من هذه الدولة الصغيرة نمِرا يهابه الكثيرون، فقد أصبحت ماليزيا إبّان عهد "مهاتير محمد" دولة رائدة تتحكم بمصيرها بسواعد أبنائها.
    قرأتُ للدكتورة "نعمت مشهور" أستاذ الاقتصاد الإسلامي بكلية التجارة جامعة الأزهر التي رصدت بعضا من أسباب النهضة التنموية الماليزية، وحددت مجموعة من العوامل التي ساعدت على نجاح تجربة ماليزيا، وتمثلت في:
-    المناخ السياسي لدولة ماليزيا يمثل حالة خاصة بين جيرانها، بل بين الكثير من الدول النامية، حيث يتميز بتهيئة الظروف الملائمة للإسراع بالتنمية الاقتصادية، وذلك أن ماليزيا لم تتعرض لاستيلاء العسكريين على السلطة. (ولننظر إلى حالنا الآن وفي الماضي)
-    يتم اتخاذ القرارات دائماً من خلال المفاوضات المستمرة بين الأحزاب السياسية القائمة على أسس عرقية، ما جعل سياسة ماليزيا توصف بأنها تتميز بأنها ديمقراطية في جميع الأحوال. (ذلك أن ماليزيا دولة تتعدد فيها العقائد بشكل كبير حيث الإسلام دين الأغلبية، والبوذية، والمسيحية، والبوذية، والكونفوشية، والطاوية والإحيائية والسيخية، إضافة إلى الملحدين، ولا نسمع عن حوادث فتنة طائفية يوميا مثلما نجد في مصر بين مسلمين ومسيحيين فقط)
-    رفض الحكومة الماليزية تخفيض النفقات المخصصة لمشروعات البنية الأساسية، لذا قد ارتفع ترتيب ماليزيا لتصبح ضمن دول الاقتصاد الخمس الأولى في العالم في مجال قوة الاقتصاد المحلي.
-    اهتمام ماليزيا بتحسين المؤشرات الاجتماعية لرأس المال البشري، من خلال تحسين الأحوال المعيشية والتعليمية والصحية للسكان .
-    اعتماد ماليزيا بدرجة كبيرة على الموارد الداخلية في توفير رؤوس الأموال اللازمة لتمويل الاستثمارات (مع الأخذ في الاعتبار أن موارد ماليزيا لا تساوي شيئا أمام موارد مصر المهولة والتي نتحسر عليها يوميا ونبيعها بأبخس الأثمان).
     رفعت ماليزيا شعار النمو والتحديث والتصنيع اعتمادا على الذات، مع الأخذ في الاعتبار الوضع السياسي المستقر القائم على التعددية الحزبية، ومدنية الدولة، وكانت كلمة السر في النهوض بالدولة التي تحررت عام 1958م هي "الضمير الشعبي".
     في طفولتنا تعلمنا بالمرحلة الابتدائية أن مصر تقع في قلب العالم، وهو موقع متميز، تطل على بحرين، ويشق أرضها نهر عظيم، تمتلك من الثروات والموارد الطبيعية ما لا تمتلكه الكثير من الدول العظمى، تعلمنا الكثير، والآن نبكي على اللبن المسكوب.
     هذه هي ماليزيا المحتلة سابقا متعددة العقائد والأعراق صغيرة المساحة فقيرة الموارد، وهذه هي مصر الحرة، مصر التحرير، منبت الحضارة، تنعي حالها للزمان، بعدما جرفها من لا يستحقون العيش فيها، مصر التي يتحكم العسكر في مقدراتها الاقتصادية  بنسبة تزيد على الثلث، مصر التي تمتلك ثروة بشرية تستطيع أن تبني وطنا من الصفر.
     إذا كنا نتمنى أن نرى مصر دولة عالم أول اقتصاديا فيجب أولا أن نقيم دولة سياسية مدنية قائمة على التعايش المشترك، قائمة على العدل الاجتماعي، والوسطية الدينية، قائمة على الضمير الإنساني، بعيدا عن الشوفينية الدينية أو السياسية أو العرقية، بعيدا عن التخوين والتشكيك، بعيدا عن الجعجعة البرلمانية والسفسطة الإعلامية والفوضى السياسية.
إذا لم نستفد بالثورة، إذا لم نستفد بحيوية الشباب وخبرة الشيوخ، وتركنا الوطن فريسة للصراعات الحمقاء، إذا ألقينا أنفسنا في أحضان الجهلاء، فلن نتقدم قيد أنملة، بل سنتراجع حتى نسقط من فوق منحدر التاريخ، مصر دولة عالم أول اقتصاديا إذا أصبحت دولة مستقرة سياسيا واجتماعيا ودينيا، إذا لفظنا الجهالة وقمنا بثورة التنوير.

منشور في موثع قناة نريد: