في عام 1976
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "يتسحاق رابين" استقالته من رئاسة
حزب العمل، وكذلك استقالة الحكومة الإسرائيلية، بعدما تم الكشف عن حساب مصرفي له
ولزوجته في أحد البنوك الأمريكية، ومنذ عدة سنوات حُكم على "عُمري" ابن
رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "أريئيل شارون" بالسجن لتورطه في تهمة
الحصول على مساعدات مالية من الخارج لدعم حملة والده الانتخابية، ومنذ أيام تقدم
الرئيس الألماني "كرستيان فولف" باستقالته بعد ضغوط سياسية وإعلامية
كبيرة، في أعقاب الكشف عن تورطه في تلقي قرض من زوجة صديق له بفائدة مخفضة، ووُصف
تصرفه بالفضيحة المالية، هذه مجرد أمثلة للصرامة في التعامل مع الشخصيات السياسية
العامة، وغيرها الكثير، كالوزير الذي استقال لتهربه من دفع مخالفة سرعة، وسيدة
النمسا الأولى التي ركبت المترو مع زوجة د.البرادعي، ونحن في مصر قد فقدنا الأمل
في استرداد أموالنا المنهوبة من قِبل المخلوع وعصابته، والتي من كثرتها يمكن أن
تبني وطن من جديد.
بعد أكثر من
عام على ثورة المصريين المجيدة مازلنا نبحث عن أموالنا، نصبو إلى حريتنا، نفكر في
آليات تحول مصر إلى دولة عالم أول، لكننا لا نسترشد بالتجارب الإيجابية الملائمة
لظروفنا، بل نبحث عن الأفكار الخاطئة فنطبقها، تركنا الثورة في يد من لا يستطيع
تحويلها إلى نهضة، وغرقنا في جدليات المسميات والاستقطاب الديني والسياسي،
والاستفتاء، والانتخابات.
في اللحظة
الأولى التي قرأنا فيها التعديلات الدستورية التي صاغتها لجنة البشري اكتشفنا -
على الأقل الكثير منا - أننا "لبسنا في الحيط"، وزاد الطين بلا
بالاستفتاء وما صاحبه، ثم الطامة الأكبر والتي تمثلت في إعلان دستوري مجرد خروجه
يلغي التعديلات والاستفتاء عليها، ومع ذلك وضع المسئولون عن قيادة مصر أصابعهم في
آذانهم، واستغشوا ثيابهم، وأصروا واستكبروا استكبارا، واستعانوا بمجموعة من
الموالين، والمُغيبين، والـ "مطبلاتية" للاستقواء على الحق الثوري.
لست بصدد
الحديث عما خاض فيه الكثيرون، لا أرغب في تكرار نفس الكلام، ولكن كلما رأيت كيف
تتعامل دول العالم المتحضر مع قياداتها ورؤسائها أشعر بالأسى، لأننا أضعنا فرصة
تاريخية للعبور إلى المستقبل، ومجاراة العالم الأول، بلغ بنا الضلال أن ننتخب
رئيسا قبل دستور، وننصبه ثم يختار لنا على هواه نائبا بعد أن يجلس على كرسي الحكم،
لست أدري صراحة ما الضرر لو أنهم أقروا في التعديلات الدستورية أن يرشح الرئيس
نفسه معلنا عن اسم نائبه، ومن شر البلية أن تسمع هذا المُرشح أو ذاك يصرحان أنهما
سيعَيّنان أكثر من نائب، وكأن الحكاية "سداح مداح"، وضع السادة أعضاء
اللجنة بنودا صارمة تحرم المصري الذي حصل على جنسية أخرى من الترشح ولو تنازل
عنها، وخرج علينا المجلس الحاكم بقانون انتخابات الرئاسة دون عرضه على برلمان
الشعب، وجعجع النواب دون أن يصدروا قرارا حاسما برفض تصرف المجلس العسكري، والآن
نسمع عن رئيس توافقي، أي يتوافق عليه من توافقوا على جريمة الاستفتاء، ولا أدري
الآن ما الفرق بين هذا التوافق وبين توافق المخلوع وزمرته على توريث الحكم لابنه.
في حين
يُحاسَب الساسة في دول العالم المتقدم حساب الملكين؛ نرى ساستنا السابقين
والحاليين يعيثون في الوطن فسادا دون رقيب أو حسيب، وإن وُجد الرقيب البشري لا نجد
المواد القانونية التي تُجرِم هذا الفساد، لم أسمع مثلا عن مادة تمنع على الرئيس
أو الوزراء من فتح حسابات مصرفية في الخارج، بعد أن انتخبنا برلمانا للمرة الأولى
نجد أعضاءه يبحثون في قانون قديم منذ الوحدة مع سوريا لمحاسبة الوزراء، اختفى
قانون العزل الذي صدر في الوقت الضائع فجأة، لم يصدر قانون الحد الأدنى والأعلى
للأجور، في حين نجد إصرارا على إجراء انتخابات عبثية لمجلس شورى عبثي، بلغت نسبة
التصويت فيه 12%، ولا يعلن أحد عدم دستورية انتخابات بلغت نسبة التصويت فيها أقل
من 50% من الأصوات الصحيحة.
لم تقم
الثورة لتكون عملية ترقيع لثوب خرِق، بل قامت لتصلح ما أفسده السابقون، لقد أجرم
جميع الرؤساء في حق مصر - وهذا رأيي -ولا أدري إلى متى سيتعامل القائمون على الوطن
بأسلوب الترميم السطحي، إلى متى سنعيش في هذا العبث القانوني، إلى متى سيتحكم فينا
مجموعة من الترزية، كيف تخرج مصر من مستنقع التخلف وقد تولى أمرها من يتزينون به؟
منشور في موقع قناة نريد:
http://www.noreed.com/InformationCenterDetails.aspx?InformationCenterDetails=343&&TopMenu1=4&&InformationCenterMain=4
No comments:
Post a Comment