تقرير منشور على موقع شبكة رؤية الإخبارية، اضغط هنا للانتقال
أرنون سيجال:
- هل اليهود هم بناة قبة الصخرة كهيكل
ثالث؟
- ربما
قد حان الوقت لإعادة النظر من جديد في التسليم بأن الخليفة الأموي هو من أمر ببناء
الأقصى.
- حين
أصبح اليهود أصحاب السيطرة على القدس ألم تراودهم فكرة بناء الهيكل الثالث؟!
ربما
ليس خافيا على أحد تاريخ تدشين وبناء قبة الصخرة - إحدى أهم معالم المسجد
الأقصى- في عهد الخليفة الأموي عبد الملك
بن مروان عام 68 هـ \ 688م، حول الصخرة المشرفة الواقعة على صحن مرتفع في وسط ساحة
الحرم القدسي الشريف، واستمرت عملية البناء حتى اكتملت عام 72هـ/ 691 م.
وبالبحث
في المصادر التاريخية والأثرية المتاحة؛ لم يشكك أحد في أن قبة الصخرة بكاملها هي
من إنشاء عبد الملك بن مروان خامس الخلفاء الأمويين، ولم تقم فوق أنقاض أي بناء
قديم.
أما
المسجد الأقصى فقد اكتمل تدشينه عام 705م، ولا توجد حتى الآن أبحاث موثقة قد أثبتت
عكس ذلك، أو دلائل أشارت إلى أحد آخر قد نافس عبد الملك بن مروان على شرف بناء قبة
الصخرة.
لكن
على الجانب الآخر؛ ما تزال أطراف من الجانب الإسرائيلي تسعى جاهدة لغرس جذور لليهود
في محيط القدس، بادعاءات وجود آثار مادية لهيكل يهودي أسفل الحرم القدسي الشريف،
وساق الادعاءات الجديدة الكاتب المتطرف أرنون سيجال في تقرير له نشره موقع 360
الإسرائيلي.
أرنون سيجال ومساعي ليْ زراع التاريخ:-
أرنون
سيجال كاتب إسرائيلي متشدد ينتمي إلى ما يسمى "مجلس منظمات الهيكل
المقدس" وقد أعلن مؤخرا في تسجيل فيديو عن دعمه لاقتحام مستوطنين يهود لباحات
المسجد الأقصى، كما دعا لزيادة أعداد المقتحمين.
هذا
التوجه اليميني المتطرف من قبل الكاتب اليهودي من الطبيعي أن يخرج عنه تقرير منشور
يحاول من خلاله زعزعة الثوابت التاريخية والأثرية حول قبة الصخرة والمسجد الأقصى.
يقول
أرنون في تقريره:
"ربما
قد حان الوقت لإعادة النظر في الأمر المسلم به بأن الخليفة الأموي الخامس هو من
أمر ببناء قبة الصخرة، فربما التاريخ المنقول مُضلل ويخالف الحقائق، وإلا ما الذي
يمنع اليهود في ذلك الوقت من التفكير في بناء الهيكل المقدس الثالث؟!"
يستطرد
أرنون :"ما أسوقه هنا من آراء هي بمثابة محاولة لملء الفراغات التاريخية التي
تثير الغموض حول فترة من تاريخ اليهود في فلسطين، وهي المعاصرة لعصر الاحتلال
الفارسي لفلسطين خلال القرن السابع الميلادي. فالمعروف تاريخيا بلا شك أنه في عام 614 م احتل الفرس مدينة القدس بمساعدة
اليهود، بعد حرب ضد الروم البيزنطيين، وكانت جائزة اليهود لأنهم ساعدوا الفرس أن
تمتعوا بالسيطرة على القدس، لكن لم يدم تلك السيطرة طويلا، إذ عاد الروم مجددا
وهزموا الفرس، واستعادوا القدس، وأذاق البيزنطيون اليهود مرارات التنكيل جزاء على
دعمهم السابق للفرس، وظل وجود الروم بالقدس حتى فتحها الخليفة الإسلامي عمر بن
الخطاب عام 638 م بلا حرب، وظلت السيطرة الإسلامية على المدينة لمدة 450 عاما
متصلة"
لا يحاجج سيجال في تلك الحوادث التاريخية، ولكنه يتطرق
في تقريره إلى جانب آخر، يرتبط بالوجود اليهودي بالقدس إبان سيطرة الفرس عليها،
فيزعم أن المصادر التاريخية القليلة المتعلقة بفترة الاحتلال الفارسي تشير ربما
لتدشين اليهود لبناء في محيط الحرم القدسي الشريف، وتشير المصادر – كما يزعم – أن
ذلك المبنى كان أشبه بمظلة مؤقتة في موضع الحرم المقدس، وهو ما أشارت إليه بعض
الأشعار الدينية اليهودية التي وردت في الجنيزا القاهرية (مجموعة من الوثائق
المخطوطة بالعبرية والآرامية والعربية التي وُجدت في مدينة الفسطاط المصرية في
أواخر القرن 19).
تأثير وتأثر في فن العمارة:-
عن هذا المبنى المؤقت يقول آساف أفراهام باحث الآثار
بجامعة بر إيلان:"لا نعرف أي شيء عن طبيعة هذا المبنى" ليزيد الغموض حول
المبنى، ولا يؤكد من جانبه إن كانت هذه المظلة المؤقتة قد تحولت بمرور الوقت إلى
مبنى دائم، فالدلائل التاريخية لا تشير إلى ذلك، لكن هذا لا يمنع من تسرب الشك إلى
بعض الباحثين، خصوصا مع واقع أن قبة الصخرة عبارة عن بناء ثماني الأضلاع.
يواصل أرنون في تقريره مدعيا أن المعضلة التاريخية هنا
في كون البناء ثماني الأضلاع، وهو الشكل الهندسي الذي لم يكن يوما مميزا للعمارة
الإسلامية في ذلك الوقت، ومن جانبه يقول الباحث آساف في هذه النقطة :"كان
الشكل المعماري ثماني الأضلاع معروفا في فلسطين آنذاك، حيث ظهر في القرنين الخامس
والسادس الميلاديين كجزء من أسلوب العمارة الجديد بالكنائس، فقد كانت واجهة كنسية
القيامة في بيت لحم ثمانية الأضلاع، وكذلك كنسية المهد كانت ثمانية الأضلاع وفي
مركزها صخرة، وتقول المرويات المسيحية إن مريم قد ارتاحت عليها وهي في طريقها إلى
بيت لحم، كما توجد كنيسة بيزنطية ثمانية الأضلاع في قرية كفر ناحوم، وكذلك في
منطقة جبل جريزيم.
"بالنسبة لكنيسة المهد؛ فمثلها مثل قبة الصخرة
تحولت في عهد المسلمين إلى مبنى للصلاة" يستطرد أساف ويضيف: "وبشكل عام،
لم يقدم المسلمون على هدم المباني التاريخية القديمة، ولم يمنعوا الشعائر القديمة
التي كانت تُقام هنا، وإنما اعتبروا أنفسهم مستكملين للمسيرة، فحاولوا صياغة
التقاليد المسيحية واليهودية في قوالب إسلامية، على سبيل المثال فإن مسمى بيت
المقدس الذي استخدم في البداية للإشارة إلى قبة الصخرة فقط، وبمرور الوقت أصبح
يطلق على المنطقة بكاملها حتى اليوم، والآن صار يطلق على مدينة القدس كلها؛ هو في
الأساس مسمى مأخوذ بلا شك من بيت المقدس اليهودي"
"ومن هنا فإن إقامة بناء ثماني الأضلاع في قبة
الصخرة يبدو أنه جاء تأثرا بعمارة الكنائس المسيحية التي كانت معاصرة له في تلك
الفترة، والتي تعكس طرازا معماريا يهدف لتوجيه الداخلين إلى المبنى نحو شيء مركزي
مقدس بالداخل، وهذه الفكرة تلائم إذا إقامة بناء فوق حجر الأساس (يقصد الصخرة المشرفة
بمسجد قبة الصخرة) التي
ارتبطت بها حكايات ومرويات مقدسة وشعبية كثيرة".
أما بيرتس رؤوفين الباحث المعماري بالجامعة العبرية؛
فيشير في بحث له أن كل التفاصيل المعمارية في قبة الصخرة كلها بيزنطية، حتى أن
بعضا منها ينتمي إلى مبان من الحقبة الرومانية المتأخرة، أي أنها تفاصيل قديمة جرى
إعادة استخدامها في بناء قبة الصخرة، ومن هنا فإن الافتراض المقبول في هذا السياق
أن المسلمين قد اقتبسوا تفاصيل معمارية من مبان قديمة واعتمدوا عليها في بناء قبة
الصخرة، لأن النتائج في الواقع تشير إلى دمج أنماط بناء معمارية من مصادر متنوعة
وليس مصدر واحد، ومع ذلك يمكن الافتراض بأن هذا البناء قد تم تدشينه في فترة سابقة
على العصر الإسلامي.
محاولات غرس تاريخ يهودي:-
من جانبه يضيف أرنون سيجال إنه "بما أن هذا الطراز
المعماري لقبة الصخرة يلائم فترة العصر البيزنطي؛ فربما إذا لا يمكن دحض الافتراض
أنه تم تدشينه في الأساس على أيدي اليهود في عهد الوجود الفارسي حيث تمتعوا ببعض
الحرية آنذاك، فمن المنطقي وفقا لهذا التصور افتراض أن اليهود خلال سيطرة الفرس
على بيت المقدس قد سعوا لتدشين مبان مقدسة، ربما قد تحولت فيما بعد لديانات أخرى
مع انتقال السيطرة على المدينة للبيزنطيين، فماذا فعل اليهود خلال الفترة التي
استمتعوا فيها بالحرية في فلسطين إبان سيطرة الفرس والتي تبلغ 11 عاما؟ ألم
يحاولوا تحقيق رغبتهم في تدشين الهيكل مرة ثالثة، وإذا حدث ذلك بالفعل فهل أقدم
البيزنطيون على هدمه بعد انتصارهم وسيطرتهم مجددا على المنطقة، أم حافظوا عليه وتحول
فيما بعد لديانة أخرى؟" لكن أساف أفراهام يقر بعدم وجود مصادر تاريخية تؤكد
أيا من هذه الأفكار.
يعود الباحث أساف أفراهام ويجيب على استفسار أرنون سيجال عن احتمالية وجود دليل على أن اليهود قد دشنوا بناء مقدس في فترة وجود الفرس، فيقول:" من المعقول جدا الافتراض بأن اليهود في عهد الفرس قد دشنوا بناء مقدسا، ولكن لا يمكن الوصول في الوقت الحالي لنتيجة قاطعة حول تاريخ إنشائه".
يعود الباحث أساف أفراهام ويجيب على استفسار أرنون سيجال عن احتمالية وجود دليل على أن اليهود قد دشنوا بناء مقدس في فترة وجود الفرس، فيقول:" من المعقول جدا الافتراض بأن اليهود في عهد الفرس قد دشنوا بناء مقدسا، ولكن لا يمكن الوصول في الوقت الحالي لنتيجة قاطعة حول تاريخ إنشائه".
أضاف
أفراهام إن "الباحث المعماري تساحي دفيرا أشار بأن الفسيفساء التي عثر عليها
البريطانيون بعد الهزة الأرضية عام 1927 تبدو وكأنها قطع فنية بيزنطية، وهذا الرأي
من شأنه أن يعضد الفكرة التي تقول إن المسجد الأقصى بصورته الحالية قد أقيم على
أنقاض مرحلة أقدم من العصر البيزنطي، رغم عدم العثور على مصادر تاريخية مكتوبة تشير لوجود
مبان بيزنطية في منطقة الحرم القدسي تحديدا خلال فترات سيطرة الرومان على المنطقة،
فالكتابات التي دونها الحجاج المسيحيون
حين وصلوا لفلسطين لم تشر إلى وجود أدلة معمارية بيزنطية كبيرة في المنطقة آنذاك،
كما لم تشر خارطة مادبا ( جزء من أرضية فسيفسائية لكنيسة قديمة في
مدينة مادبا في الأردن، تعود إلى العصر
البيزنطي، وهي أقدم خريطة أصلية للأراضي المقدسة، ويعود إنشاؤها إلى سنة 560،
وتوجد اليوم داخل كنيسة القديس جوارجيوس في مدينة مادبا) إلى وجود الحرم القدسي، لذا فمن الصعب التأكيد على
وجود معمار بيزنطي ذي قيمة في تلك الفترة".
رغم ما سبق؛ يصر أرنون سيجال على محاولة غرس تاريخ يهودي
أسفل قبة الصخرة، فيفترض إمكانية أن الفسيفساء التي عثر البريطانيون عليها بعد
زلزال عام 1927 هي في الأساس بقايا من مبان أسسها اليهود في العصر الفارسي، بل
ويفترض احتمالا أن المسجد الأقصى في صورته القديمة إنما قد دشنه اليهود أيضا في
العصر نفسه، فربما كان المسجد كنيسا يهوديا في الأساس، بما أن الفرس لم يمكثوا في
القدس ردحا طويلا من الزمن قبل أن يهزمهم البيزنطيون مجددا؛ وفي خلال الفترة
القصيرة التي سيطروا فيها على المنطقة ومنحوا اليهود حرية العيش كمكافأة على
مساعدتهم في احتلال المكان، ومن الراجح أن تلك الفترة القصيرة التي سيطر فيها
الفرس لم تشهد تدشين مبان فارسية في القدس، لكن بما أن اليهود كانوا يمسكون بزمام
أمورهم إبان الحكم الفارسي فيحاول أرنون الترويج بشدة لأن اليهود أقاموا مبان
مقدسة في المكان خلال تلك الفترة القصيرة جدا، وذلك بافتراض أنه ليس من المنطقي
ألا تراودهم فكرة إعادة بناء الهيكل المزعوم للمرة الثالثة.
No comments:
Post a Comment