هذا المقال البحثي هو الفصل الأول من رسالتي لنيل درجة الماجستير في الأدب العبري الحديث، بعنوان "شعر الاحتجاج لدى أهرون شبتاي- دراسة في المضمون" 2012م
وسأنشر بقية الفصول تباعا هنا إن شاء الله.
أهرون شبتاي: النشأة والمكانة، المراحل الشعرية، مصادر التأثير، الشعر السياسي المبكر
النشأة والسيرة الذاتية:
وُلد "أهرون شبتاي ـــــאהרון שבתאי" بتل أبيب في الحادي عشر من شهر أبريل عام 1939م،
لأبوين من أصل بولندي، عاش فترة من حياته في كيبوتس "مرحافيا" ([1])،
درس اللغة اليونانية القديمة والفلسفة بالجامعة العبرية، حصل على البكالوريوس عام
1966م، وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون بعد تقديمه لأطروحة بعنوان: "البيت
والعائلة في تراجيديا إسخيلوس".
قام بتدريس
الدراما اليونانية في قسم المسرح بالجامعة العبرية من عام 1972م إلى عام 1985م،
ومن عام 1990م إلى عام 2006م قام بتدريس الأدب والشعر اليوناني في قسم الأدب
المقارن بجامعة تل أبيب.
"أهرون
شبتاي" شاعر وكاتب صحفي وناقد أدبي ومترجم من اليونانية القديمة إلى العبرية،
أخوه هو الأديب الراحل "يعقوب شبتاي ـــــ יעקב שבתאי" ([2])،
وابنته هي الشاعرة والكاتبة المسرحية "نانو شبتاي ـــــ ננו שבתאי"([3]).
أصدر "شبتاي" تسعة عشر ديواناً شعرياً، أولها
ديوان "חדר המורים ـــــ غرفة المعلمين" عام 1966م، وآخرها ديوان "טניה ـــــ تانيا" عام 2008م([4])،
كما ترجم ما يقرب من ست وعشرين مسرحية من اليونانية القديمة إلى العبرية.
وقد تمت
ترجمة اثنين من دواوينه إلى اللغة الفرنسية، هما "غرفة المعلمين" و"הפואמה הביתית ـــــ
القصيدة المنزلية"، كما تُرجمت
مجموعة كبيرة من قصائده إلى اللغة الإنجليزية في كتاب حمل عنوانا بالفرنسية:"
J’Accuse ـــــ أنا أتهِم".
المكانة الأدبية:
بدأ "أهرون شبتاي" مسيرته الشعرية في الستينيات من القرن الماضي، وهو بذلك يعد واحداً من
أدباء جيل الدولة "דור המדינה" ، وكان من أبرز
قرنائه آنذاك "دافيد أفيدان ـــــ דוד אבידן"
و"يونا فولاخ ـــــ יונה וולך".
خطّ هذا الجيل من الشعراء والأدباء في إسرائيل لنفسه
نهجاً مختلفاً عن الجيل السابق له، حيث تحرر من الأيديولوجيا الصهيونية المرتبطة
بالأنا الجمعي، وآثر الاهتمام بقضايا الفرد وهمومه، ومعايشة تجربته الشخصية
ومشكلاته، ومشاعره المستقلة.
ويعتبر"شبتاي" من
أبرز مترجمي الدراما اليونانية القديمة إلى العبرية ـــــ إن لم يكن أبرزهم بالفعل
ـــــ حيث يواصل مشروعه الثقافي الكبير هذا منذ سنوات، لتتعدى ترجماته ستة وعشرين
عملاً درامياً وضعته في مكانة رفيعة ومرتبة راقية في الأوساط الأدبية في إسرائيل،
وقد نال عن ترجماته جائزة "تشرنيحوفسكي" عام 1999م.
وإذا كان
المجهود الكبير الذي بذله "أهرون
شبتاي" في ترجمة الدراما اليونانية جعله مثالاً يُحتذَى؛ إلا
أنه في مجال الشعر لم يحظ بردود الأفعال نفسها رغم طول مسيرته الشعرية التي
استهلها عام 1966م، وحتى الآن، فـ"شبتاي" أحد الشعراء الإسرائيليين
المثيرين للجدل، تعددت مضامينه الشعرية لتشمل الإنسان الفرد الذي يبوح بتجاربه
الحياتية الشخصية التي أحياناً لا تختلف كثيراً عن يوميات الأفراد في كل مكان،
الشارع ومكان العمل، المنزل، الحقل، كما تضمن شعره قضايا اجتماعية وسياسية حاول
فيها أن يتحدث بلسان قطاع من الجمهور الإسرائيلي، من خلال كتابة شعرية غير مبطنة،
يكشف فيها عن مواقف تثير جدلا في الشارع الإسرائيلي.
يشتهر "أهرون شبتاي" – كشاعر – باستخدامه مصطلحات وتعبيرات غريبة، ومعان غير مألوفة، منذ أن
استهل مسيرته الشعرية بـ"غرفة المعلمين"، واستمر على ذات الوتيرة
الغريبة نوعا ما، حيث يركض بحرية في الحقل اللغوي العبري القريب من لغة الإنسان
العادي، وذلك بأسلوب كتابة حر متماسك ومباشر، ورغم غزارة إنتاجه الشعري، فإنه نتاج
واضح في معظمه، يجعل القارئ يتطلع إلى قصائده مرة أو مرتين، ليضحك أو يحزن قليلا،
ثم ينساها([5]) .
ويصفه نقاد
بالشاعر الذي يكتب شعرا مفيدا هادفا، ويعزف عزفا منفردا على الساحة الأدبية، ليحقق
هدفه من الكتابة بصورة مختصرة مباشرة، دون أن يغوص بالقارئ في زخم البديع واللغة
الراقية والشكل الجمالي للقصيدة.([6]).
ويتفق نقاد
على أن "أهرون" ـــــ مثله مثل كثير من الأدباء ـــــ قد مرَّ بمراحل إبداع متفاوتة، إلى
أن وصل في مرحلة ما إلى الصورة المثالية التي يمكن أن يكونها الشاعر الحقيقي([7]).
كانت هذه
القيمة الأدبية التي نالها، والمكانة الراقية التي وصل إليها بين شعراء إسرائيل
قبل التحول المثير في شعره عام 1999م، فكثير ممن مدحوا الشاعر وأشادوا بمدرسته
الأدبية أبدوا امتعاضهم من كتاباته، بعدما تحول بفكره وشعره إلى الاتجاه اليساري،
ووصل به الأمر لوصف إسرائيل بدولة عنصرية، فنال كثيرا من هجوم بعض النقاد.
فحينما بدأ "شبتاي"
في نشر مجموعة قصائد تحمل هجوما مباشرا وصريحا على السياسات الإسرائيلية في
الأراضي المحتلة في الملحق الثقافي لصحيفة "هآرتس"؛ أدى هذا النشر إلى
حملات تحريضية نظمتها قُوى يمينية متطرفة ضد الصحيفة، داعية إلى وقف الاشتراكات
فيها، مما حدا بالصحيفة إلى منعه من الكتابة فيها أكثر من مرة، أطولها كانت لمدة
سبعة أشهر، بعدما نشر قصيدة احتجاج لاذعة بعنوان "לבי ــــ قلبي" يستنكر فيها
إحدى جرائم الاحتلال الإسرائيلي إبّان اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 م([8]).
هذا التحول
من اليمين إلى اليسار الراديكالي لم يثر قطاعا عريضا من الجمهور فقط، بل أثار بعض
النقاد كذلك ضد الشاعر، فوصفه أحدهم بأنه شاعر ضحل سطحي يُقدس الإباحية، ويتأرجح
بين المعسكرين ــــ اليمين واليسارــــ
دون وعي فكري، أو قناعة ذاتية، أو رغبة صادقة ([9]).
ولم تتزعزع مكانة "أهرون
شبتاي " بسبب التغير في توجهه السياسي فحسب، فقبل هذا أثارت
قصائده الغزلية كثيرا من ردود الأفعال، فهاجمه البعض بدعوى أنه شاعر ضعيف يستعين
بالصور الجنسية ليلفت الأنظار لشعره، وتزخر قصائده بتعبيرات غير رقيقة، تتسم
بالغلظة اللفظية ([10]).
واعتبر البعض
أن الشاعر قد أفلس شعريا، ولم يعد باستطاعته أن يقدم جديدا للقراء، بعد أن تبوأ في
الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي مكانة أهّلته ليكون في الصفوف المتقدمة
للشعراء في إسرائيل، غير أن تلك المرحلة الزاهرة في تاريخه الشعري قد ولّت بلا
رجعة، ووصل الآن إلى حالة مزرية من الإفلاس الأدبي على المستويين الفني والفكري،
فكل ما سعى إليه مؤخرا هو أن يكرس شعره للهجوم الضاري على الحكومة الإسرائيلية
والشعب معا، بتبجح وغطرسة شعرية أفقداه ما تمتع به من مكانة راقية في السابق، كما
أن شعره في الفترة الأخيرة ـــــ منذ عام 1999م ـــــ تعتمل فيه تناقضات واضحة في
التعبيرات، وتسري خلاله روح انهيار تقوض أركانه، وربما يكون هذا سببا منطقيا جعله يتبوأ
مكانة مختلفة عن قرنائه، لكنها جعلت منه إنسانا وحيدا، وشاعرا منعزلا يجابه أمة
بمفرده ([11]).
على جانب
آخر؛ ارتقى "أهرون شبتاي" بعد نقلته الفكرية مكانة رفيعة في الوسط الشعري الإسرائيلي، عبر آراء نقاد
ينتمون إلى اليسار الإسرائيلي، فقد اعتُبر – من ناحيتهم – شاعراً عنيدا ومعتزا
بنفسه، متجددا دائما في شعره، يتنقل بسهولة بين الحقول الشعرية، ليختار من بينها
الأجمل، مما يعطي لشعره وقعا مميزا في آذان المستمعين، وبريقا لامعا في عيون
القراء، كما أنه شاعر مهني من الدرجة الأولى، أي يستطيع توظيف قصائده بحرفية، لتصل إلى أهدافه مباشرة ([12]).
ورغم اختلاف
النقاد والجمهور حول مكانة "شبتاي"
على الساحة الشعرية الإسرائيلية؛ فقد اتفق بعضهم على أنه
قد فتح خط إنتاج شعري عبري جديد، يرى العالم من خلاله بنظرة مغايرة لمن سبقوه، بل
ومن المعاصرين له، وأصبح شعره في بؤرة اهتمام إسرائيلي وعالمي([13]).
نال "شبتاي"
جائزة "تشرنيحوفسكي ــــ טשרניחובסקי" لجهده الكبير في
ترجمة الدراما اليونانية إلى اللغة العبرية، لكنه لم ينل أية جائزة عن نتاجه
الشعري الغزير، سواء ذي المضامين السياسية أو الغزلية، باستثناء جائزة "ليئة
جولدبرج ــــ לאה גולדברג" التي نالها في عام 2009م عن ديوان "تانيا"، هذا الديوان
الذي يحتوي في معظمه قصائد رثاء، حزينة في مضمونها، متجددة في ألفاظها([14]).
المراحل الشعرية
أولا: المرحلة الواقعية:
تبلورت هذه
المرحلة في باكورة أعمال "شبتاي": ديوان "غرفة المعلمين" عام 1966م، ثم
ديوان "קיבוץ ـــــ كيبوتس" عام 1973م، ففي
هذين العملين حمل "أهرون شبتاي" لواء الواقعية، حيث الاعتماد على مبدئها الأساسي في تمثيل
الأدب للواقع أيا كان موقعه وزمانه، وجعل المنطق الموضوعي أكثر أهمية من الذات،
فصوّر جوانب من الحياة اليومية بنوع من الحياد، دون أن يقحم نفسه في الموضوع.
يحتوي ديوان
"غرفة المعلمين" على ست عشرة قصيدة، تجرد "شبتاي" في عرض مضامينها
من ذاتيته، حيث كتب واصفا الطبيعة التي تراها عيناه وصفا مباشرا سلسا، دون أن
تحاول عيناه أن تغير المشهد المنقول للقارئ، فالواقعية في الأدب تعد محاكاة للحياة
أو تعبيرا عنها، وهكذا طبقها "شبتاي" في ديوانه لتكون مرادفة للمادية،
فاهتم بالوصف الدقيق للملابس والطعام والعادات والمناظر الطبيعية، وغيرها:
"بجانب الفراش نرى الطعام
المُعَد ليكون صالحا ليوم واحد فقط:
الخبز الأبيض، البيضة، اللبن
الرائب، الجبن المجمد،
أقول سلاما دون أن أعيَ ما
قلته تحديدا، يُفتح
باب، ثم يغلق
حرص "شبتاي" في ديوان "غرفة المعلمين" على تقديم صورة لعالم واقعي، من خلال
ملاحظة دقيقة، ووصف مباشر، مع تحديد الزمان والمكان، بطريقة خالية من العواطف
والنزعات الشخصية إلى حد كبير، وإن مزج بين الخيال والواقع، فإنه قام بهذا بحرفية
وصف بها الخيال على أساس واقعي، وتفاعلت شخصياته وأحداث شعره في مواقع وأماكن حقيقية
وفي فترات زمنية معروفة:
"نوعا ترقد على العشب
في الصباح، الطفلة الأولى الآن
كأنما قد وُلِد العالم.
في نهاية الشارع، في مقهى بستان يتصلون هاتفيا
أشجار معرفة وأشجار حياة
بيوت تُفصّل في عجلة كأنها
رسوم على ورق مُقوى"([16])
ثم أصدر "شبتاي" الديوان الذي خصصه لوصف
وتصوير حياة "الكيبوتس" وسمّاه باسمه، وإن كان هناك من سبقه في هذا
الاتجاه شعرا أو نثرا؛ فإنه قد اختلف في آلية تصويره للكيبوتس عن غيره، بالإضافة
إلى أنه اعتمد الواقعية منهجا لشعره ليواجه بها تيار الرومانسية، وربما لهذا السبب
لم يلق الديوان النجاح المُرْضي، فلم يكن مقبولا بشكل جيد في ذلك الوقت، ربما لأنه
لم يكن ضمن اتجاهات شعرية سادت بين أدباء جيل الدولة([17]).
خرج الديوان
إلى النور حاملا في طيات موضوعه أفكارا وصورا لم تكن سائدة في الشعر العبري آنذاك،
فتحدث عن المدرسة، والجرار الزراعي، وأدوات الفلاحة، ومائدة الجدة، وغرفة الطعام،
وحضانة الأطفال، ومعدات الكهرباء والصيد، واعتبر "شبتاي" أن هذه الأشياء
جزء من الثقافة الإسرائيلية في الكيبوتس، ومن الضروري تناولها في الشعر:
"بطارية كهربية
موضوعة على عجلة يد
مغطاة بجوال
متصلة بسلك في المرعى.
خدعة أبواب دوارة
حواجز وقنوات
لاقتياد بقر
عصا
لجمع طيور،
قصّاصة مناقير
ورشّاش كربون
لتطعيم الأعمال الخشبية
معول
مغروس في نهاية
تلم بنجر
أو عُصفر
على جانب الطريق المشقوق"([18])
الديوان بأكمله عبارة عن قصيدة واحدة طويلة، مُقسمة إلى أقسام فرعية،
استخدم "شبتاي" فيها الكيبوتس كمحور عام تدور حوله مواضيع الأقسام،
باعتباره جزءا من الثقافة الإسرائيلية، هذه الثقافة التي كان جزء منها كامنا في
هذا الكيان الاشتراكي بمكوناته وأفراده ومجتمعه، واعتمد "شبتاي" لنقل هذه الصورة على تصوير موضوعي خالي من
الهوى الشخصي، فوضع لكل قسم عنوانا وثيق الصلة بعنوان الديوان، مثل:
"الأحذية"، "البنات"، "ثقافتنا"، "التعليم
([19]):
"الحذاء الذي انقطع
في الصيف من طرفه
يشبه صندلا
موضوع على غطاء
حديدي لبئر ممتلئة
حذاء منزل.
بيجامات وردية
قمصان أصبحت
في ديواني
"غرفة المعلمين" و"كيبوتس" قدم "أهرون
شبتاي" نوعا من الالتزام الفعلي بالواقعية الموضوعية،
وتعامل مع الوجود من حوله بشكل مهني، بعيدا عن العواطف، فقد نظر للعالم بنظرة
موضوعية ساعدته على صياغة عناصر الطبيعة والوجود من حوله في جمل شعرية، معتبرا أن
هذه العناصر تمثل معارف وثقافة يستعين بها الإنسان ليواكب عالمه الذي يعيش فيه([21]).
ثانيا: المرحلة السريالية([22]):
سيطرت السريالية على عدد من الكتابات الشعرية لـ
"أهرون شبتاي"، بدءا من ديوان "القصيدة المنزلية" عام 1976م،
مرورا بالأعمال: "חרא מוות ـــــ سيء جدا" عام 1979م، و"חוט ـــــ خيط" عام 1981م، و"החמורـــــ الحمار" عام 1982م، و"ספר הכלום ـــــ كتاب العدم" عام 1982م، و"ההרצאה הראשונה ـــــ المحاضرة الأولى" عام 1983م، وأخيرًا ديوان
"בגין ـــــ بيجن" عام 1986م،
وهي مجموعة من أعماله شكلت معا واحدة من أبرز محطاته الشعرية عبر رحلته الطويلة([23]).
كانت بداية رحلة "شبتاي" مع السريالية في
ديوان "القصيدة المنزلية"، وهو
واحد من أعماله الشعرية التي لاقت استحسانا كبيرا بين أوساط المثقفين والعامة، وسعى
فيه إلى دمج علاقات جديدة، ومضامين غير مستقاة من الواقع التقليدي في الأعمال
الشعرية آنذاك، هذه المضامين مستمدة من تداعي الخواطر دون الخضوع لمنطق السبب
والنتيجة:
"أنا أكتب
شعرا
خاليا
من ازدواج المعنى
موضوعي
هو
نفس
تضرب جذورا
الموضوع:
إخلاص
الأسلوب
يلائم الفكرة
عن روابط مقدسة
عن حب
وعن إخلاص"([24])
يصور "شبتاي"
في "القصيدة المنزلية" جوانب جديدة للعلاقة بين الإنسان وبين عناصر
مادية محيطة به، كالغذاء والماء والأثاث
والطعام وغيرها، وذلك في قالب شعري روحاني
مستحدث([25]):
"الفطنة تُعشش
في النار والملح
إمداد المياه
أسطوري
الغذاء هو
مركز تجميع آخر للحُلم"([26])
ولم تكن هذه الارتجالية الشعرية المفعمة بالغموض هي
المسيطرة على الديوان بالكامل، بل جاءت مُطّعمة بشيء من البساطة، والتلقائية
الذاتية في توجهه بالحديث نحو زوجته الأولى.
أما "חרא מוות ـــــ سيء جدا" فهو عمل شعري
غامض المضمون، بداية من عنوانه المثير للانتباه ـــــ وربما التقززـــــ وما زاده
غموضا تصريح "شبتاي" بأنه يجهل المقصد الحقيقي للعنوان، ولم يؤكد صراحة
هل يعني به أمرا حسنا أم العكس، ولكنه في كافة الأحوال يعتبره ديوان حرية، قال فيه
ما شعر به دون مساومة ([27]):
"أنا أهُبُّ
للحياة
من داخل الغائط
من داخل الأمعاء الغليظة"([28])
فهو يدعو القارئ
لأن يهُب للحياة، ويقبل عليها، حتى لو خاض في الوحل ودنّس نفسه، في سبيل البحث عن
حقيقة ما، ويضع هذه الدعوة في قالب لغوي أقرب إلى التقرير والحكمة الفلسفية،
ويتناول الحكمة ببساطة وسخافة في آن واحد، مع تغليفه للقصيدة بكساء من الجدية
العميقة، لكنها جدية تدعو للضحك في الوقت نفسه ([29]).
يحمل الديوان في مضمونه كثيرا من المتناقضات التي تحررت
من سلطان العقل، فغلب عليها واقع اللاشعور المنطمر في نفسه، ومن هنا؛ فالسريالية
في شعر "أهرون شبتاي" تبدو كما لو كانت تأخذ على نفسها مهمة التوفيق بين
المتناقضات، وتتكئ على عالمي اللاشعور والحلم، والمعروف أن عدم التجانس بين
الأشياء هو ما يتوفر في هذين العالمين، وهذا يفتح المجال أمام الهلوسات الإبداعية
أو الإبداعات المهلوسة التي يكتنفها الغموض والإبهام بسبب هذه الشطحات التي لا
تحدها قيود([30]):
"النظافة
تقف في علاقة
مباشرة
مع القذارة
(وصف الإنسان)
حيوان
يتبرز
في ماء"([31])
أما ديوان "חוט ــــ ـخيط" فهو عبارة عن تساؤلات وأجوبة، والجواب
لحظي غير ملِزم، بل يمكن أن يختلف تبعا لاختلاف شعوره الداخلي، وتبعا لفهم القارئ.
واستكمالا لمسيرته السريالية؛ أصدر "شبتاي"
ديوان "החמורـــــ الحمار" عام 1982م، وفيه اتضحت ملامح الحرية التي منحها لنفسه في
هذا العمل، وتحلله من الواقع ورفضه، ليُخرج
نتاجا يمزج بين الهزل والفلسفة ([32]):
"الأقوال التي سترد
لاحقا
سيقرؤها
شبه حمار
(بالنسبة لـ 'الشبه')
كل العالم
هو
شبه شيء ما"([33])
يعتبر الديوان في مجمله كتابا تعليميا، يحمل معاني
فلسفية وتهذيبية أشبه بكتب الحكمة، وفيه حوار يجريه الشاعر مع نفسه، حوار لا يتعلق
باعتراف أو وعظ، ولا تأثر أو تعبير عن الألم، بل حوار تعليمي، فـ"شبتاي"
يولي اهتمامه بالعالم، بالوجود، بالحياة، من خلال التركيز على طبيعة بعض العلاقات
الإنسانية، منها علاقة الأجيال ببعضها، متمثلة في التواصل بين المعلم والتلميذ، الأب
والابن، فالأب هو ابن أساسا، والمعلم هو تلميذ في الأصل لأستاذ:
"أنت تسأل
'ما هو الأب؟'
وأنا أجيب
تخيل
حقلا
وفي آخره
عجلة حديدية
حقلا
له جدار
وفي مُقابله شجرة تين"([34])
بعد "ספר הכלום ـــــ كتاب العدم" أصدر
"شبتاي" ديوان "ההרצאה הראשנה ـــــ المحاضرة
الأولى" عام 1983م، وهو مزيج ما بين مضامين الأعمال السابقة، حيث جمع بين
الغموض والتحلل من الحياة الواعية، وإطلاق مكبوتات من أعماق النفس، وبين اتجاه
فلسفي تعليمي:
"الرغبة
هي فزاعة
ممزوجة بالغائط
ومزينة
بدم وريش
...
واعلم أنه
على الأقل
توجد
فائدة في الفائدة
الفائدة
مفيدة حقا
لكن لا
فائدة في ذلك"([35])
وآخر محطة في المرحلة السريالية لـــ"شبتاي"
هي ديوان "בגין ـــــ بيجن" 1986م، وفيه تنقل بين مصادر أدبية ودينية
وفلسفية، لينسج علاقة جدلية بين الأب والابن مستقاة من أحداث واقعية غلفها في إطار
أدبي فلسفي يحمل أبعادا دينية وقومية.
ثالثا: المرحلة الذاتية ([36]):
استهل
"أهرون شبتاي" رحلته الذاتية بديوان "אהבה ـــــ حُب" عام 1987م، واستمرت حتى عام 1997م حينما
أصدر ديوان "בחודש מאי הנפלא ـــــ في شهر مايو الرائع".
بدءا من
ديوان "حُب" هجر "شبتاي" الاتجاهين الواقعي والسريالي، وسار
بشعره نحو أفق مغاير بتجارب جديدة، لينتج أدبا تمحور في حديثه عن ذاته، بأسلوب
كتابة غير نمطي يجمع بين السخرية والحماس والعاطفة، والمبالغة أحيانا، معتمدا على
سياق قصصي دمج فيه نوعا من الاعتراف الذاتي([37]):
"وأنتم تعرفون
إلى أين كنت سأسير معها؟
حتى نحو الارتداد عن الدين
حتى نحو منظمة التحرير الفلسطينية
كنت - هكذا
قلت لها-
حرفيا
طوال الليل (كل ليلة)
أُقَبِّلك
ولدَيَّ
القدرة
وأقول هذا بجدية
أن أُقَبِّلك قبلة كاملة
أنا رجل
رويدا رويدا
تعلم
حِرف الحب"([38])
وفي أعماله التي أصدرها بعد "حُب" وهي "גירושין ـــــ طلاق" و"זיווה ـــــ ـزيفاه" و"מיטאזיויקה ـــــ ميتازيفيكا"
ركز "شبتاي" بشكل مبالغ فيه على وصف الرغبة الجنسية، وحصر ذاتيته
الشعرية في الفردية المغلقة التي تبدو وكأنها لا تأبه بالعالم الخارجي وردود
أفعاله تجاه ما يكتب، ذاتية تصل به في بعض المواضع إلى حالة لا وعي شعرية.
في هذه الأعمال اختزل "شبتاي" أفكاره الشعرية
في الأعضاء الجنسية، فقد تخلى عن الصورة الجميلة المألوفة للرجل العاشق لحبيبته،
ونأى بشعره عن التعامل الجدي مع قضية الحب بعثراتها ومعاناتها وتردداتها، وبدلا من
ذلك تحول شعره إلى كلمات ترسم مشاهد جنسية فاضحة، تحمل رغبات شهوانية شبِقة لكلا
الجنسين([39]):
"وتحولتُ إلى فرس ركوب بُني بقضيب أسود"([40])
كتب "أهرون شبتاي" ديوان "زيفاه"
عام 1990م، وهو اسم حبيبته وزوجته السابقة "زيفاه بوستك ـــــזיוה פוסטק"، التي ذكر اسمها صراحة كثيرا في مواضع كثيرة
بالديوان الذي صاغه في شكل قصيدة طويلة، تتغزل في تلك المرأة، وربما ليست
"زيفاه" المرأة الوحيدة التي تضطجع ويتغزل زوجها في جسدها، ولكن كل
النساء كذلك بالنسبة للرجال، غير أن شبتاي حصر مسألة حبه لزوجته في مجموعة صور شديدة
الخصوصية، شديدة الإباحية ([41]):
"تعالي نصل بين بابي شقتينا
فما إلى فم وقضيبا إلى فرج
حديقتي الوحيدة تزدهر في الأذنين
سقفي هو الجبهة
أبلغ الخمسين وليس لي بيت بعد
زجاجي الوحيد هو زجاج نظارتي
إذا على الأقل يا زيفا؛ أسكن لديكِ في المؤخرة!" ([42])
ليس غريبا أن ديوان "زيفاه" أثار في حينه
الكثير من ردود الأفعال المتضاربة جماهيريا وثقافيا، فالغزل في حد ذاته لون شعري
معروف ومتأصل، سواء كان عذريا أو صريحا، ولكن "شبتاي" تعدى كل الحدود
والتوقعات في هذا الديوان، فربما لم يسبق لأديب أن أفصح شعريا عن طبيعة العلاقة
الجنسية بينه وبين زوجته بكل تفاصيلها، بدءا بوصف جسدها، وانتهاء بتصوير
مداعباتهما الجنسية المشتركة، فاستهجن البعض أن تواتيه الشجاعة والرغبة وعدم
الحياء كي يكشف كل هذا علانية أمام الجمهور([43]).
واعتبر البعض أن
هذا التصوير الجنسي المكدس بالإباحية قد أضعف شعر "شبتاي" كثيرا عما كان
عليه سابقا، فقد حاول في تلك المرحلة أن يتحرر من القيود العاطفية التي تعيقه،
ولكن هذه الرغبة في التحرر حولت شعره إلى مجرد كلام أجوف بلا معنى شعري حقيقي([44]):
"نهر عدن سيتشعب في البطن
إلى عرَق، إلى مَنِيّ، إلى دم، إلى لعاب، وإلى بول
وشجرة الحياة وشجرة المعرفة
ستنموان بجانب فتحة الشرج"([45])
رغم الطابع الإباحي الذي استمر به مسيرته الشعرية في
ديوان "ميتازيفيكا"؛ إلا أن أفكار "شبتاي" وصوره قد اختلفت
كثيرا عما سبق وكتبه في "حب" و"طلاق" و"زيفاه" فقد
بدا وكأنه يوجه لنفسه نوعا من النقد الذاتي، ليصرح بهجرانه للشعر الجنسي الفاضح([46]):
"أشعرُ هذه المرة أنني اجتزت حاجزا
وتركت خلفي احتفالية الأعضاء الجنسية" ([47])
فعلى النقيض من "حب" و"طلاق"
و"زيفا"؛ حملت قصائده في "ميتازيفيكا" ثم"הלב ـــــ القلب" و"في شهر مايو الرائع"
مشاعر مختلفة، مشاعر عزلة ووحدة يعانيها رجل بلغ به العمر ما بلغ بعدما فقد الحب،
حقا لم يبتعد عن التصوير الإباحي، ولكنه وضع حدا بين رغباته الجنسية وبين الواقع
الذي يعيشه رغما عنه، هذا الحد بين الرغبة والواقع تمثل في نوع من الصدق والصراحة
مع النفس، فعرف بشيء من الوضوح موقعه الطبيعي في الحياة:
"هي في الثلاثين وأنا أبلغ السادسة والخمسين
إذا لم تأت حتى الآن؛ فستتلكأ" ([48])
في تلك المرحلة من حياته الشعرية سعى "أهرون
شبتاي" ـــــ ربما من خلال النقد الذاتي ـــــ نحو تكوين شخصية جديدة، تحمل
قدرا من التعقل فرضته عليه مشاعره الجديدة وحدود سنه والظروف الحياتية التي
يعاصرها:
"أجبتُكِ: للشاب يا أولجا
قضيب نضر كالخيار
لكن الأكبر سنا لديه حصافة وذكاء،
ستتمتعين قليلا، ستضيفين قليلا لثقافتكِ،
في نهاية مرحلة الذاتية أعطى "شبتاي" مؤشرا
على تغير واضح في مضمون شعره، ليتحول إلى نوعية جديدة تُكرس نتاجه الشعري لأهداف
النقد الاجتماعي الشامل.
رابعا: مرحلة الاحتجاج:
وصل "أهرون شبتاي" إلى هذه المرحلة بعد حالة
النضج الفكري التي صاحبت شعره في نهاية مرحلة الذاتية، وكان لهذه القفزة نحو
الاحتجاج أسبابها التي جعلته يتحول بفكره وشعره ليصل إلى حد اليسار المتطرف، وظهر
جليا التجديد الشامل في شعره شكلا ومضمونا، فقد انتقل من الكتابة البسيطة والكتابة
التي تركز على الذات إلى كتابة شعرية جدية، تستنكر عنف إسرائيل العسكري، وفسادها
السياسي، وحماقتها المدنية، فصاغ شعرا احتجاجي المضمون ذا نزعة ثورية وانطباع
متشائم.
استهل
"شبتاي" مرحلة الاحتجاج بديوان "פוליטיקה ـــــ بوليتيكا" الذي صدر عام
1999م، حيث جعل من قضية حبه لزوجته الراحلة "تانيا راينهرت ـــــטניה רינהרת"
منصة هجوم على سلبيات تعُم الواقع الإسرائيلي، وفقا لرؤيته الجديدة التي تشوبها
روح التشاؤم، لكنها في الوقت ذاته تنزع نحو الدعوة الأخلاقية:
"ذراعاكِ اللتان أقبلهما من مفرق الكتف والثدي،
والساقان ناصعتا البياض، الباسقتان كالأغصان
...
تستنكر الاستغلال، والقمع، والاحتلال، هي الأخلاق الدمثة،
هي القربى، هي الإخلاص الذي لا يخاف، هي الثقة،
هي توافر الحاجات الأساسية، والتعليم، وعلاقة الاحترام
الفريدة،
هي حق الإضراب، والتعطل، والتظاهر، والمعارضة،
كل ما هو جيد ويليق بالإنسانية وأراه بعيني وألمسه،
ها هي ذي الـبوليتيكا خاصتي، أعضاؤها غضة، ترقد أمامي
على الفراش!" ([51])
يوجّه "شبتاي" في ديوان "بوليتيكا"
احتجاجا شديدا ضد التوجه الرأسمالي الذي شاع في إسرائيل والعالم تدريجيا، وحطّم
أغلب معاقل الاشتراكية، كما يهاجم مؤسسات الدولة التي يعتبرها فاسدة، وكذلك يحتج
على عنف الآلة العسكرية الإسرائيلية.
وفي عام 2002م أصدر ديوان "ארצנו ـــــ أرضنا" الذي سبق أن نشر قصائد منه في الملحق الثقافي لصحيفة
"هآرتس"، وهذا الديوان بمثابة تحول كبير في مضمون قصيدة الاحتجاج العبرية،
فقد كان "شبتاي" سبّاقا إلى حد كبير في نظم قصائد ترد بشكل فوري وسريع
على ما يجري خلال انتفاضة الأقصى، ويحتوي الديوان على قصائد ثورية ترمز لأحداث
بعينها، وتؤرخ لوقائع القمع والإرهاب التي مارستها إسرائيل قيادة وجيشا ضد الشعب
الفلسطيني أثناء الانتفاضة.
رغم الحملة الشديدة التي واجهها "شبتاي" من قِبل
اليمينيين المتشددين بعد نشر قصائد ديوان "أرضنا"؛ إلا أنه واصل السير
في طريق الأشواك، وأصدر في عام 2005م ديوان "שמש שמש ـــــ شمس يا شمس" الذي يحمل في معظمه سخرية مريرة من الجمهور الإسرائيلي
الساذج من وجهة نظره، وهجوما لاذعا على القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل.
تتركز مضامين القصائد في الديوان على الوجود الإسرائيلي
والمؤسسات، والجيش، وجدار العزل، والثقافة الإسرائيلية، وتحمل في طيّاتها الموقف
السياسي الذي يبدو أن الشاعر استقر على الاقتناع به، وعرض أفكاره بأسلوب مباشر
صريح، خال من الغموض والتجمل، عامر بالحقائق، شديد الاحتجاج.
ينتفض "شبتاي" في "شمس يا شمس" ليتمرد على
وضع يراه مخزيا قميئا، داعيا إلى السلام، إلى النقاء النفسي، فتلوح في قصائد
ديوانه مواجهة بين الخير والشر، بين الأبيض والأسود، ليصل إلى حد إعلانه الانفصال
عن الجماعة الإسرائيلية، التي تتخذ من القمع والفساد شعارا، فامتلأت رؤوس أفرادها
بالسذاجة والقذارة على حد تعبيره ([52]):
"سأقوم من المائدة
تسألونني : لماذا؟ إلى أين؟
لن أتناول معكم الطعام مجدداً.
فأدوات المائدة متسخة،
والبطاطس تسبح
في زيت مقزز؛
لستُ واحداً من هؤلاء
الذين يأكلون
سبعة أيام في الأسبوع
جثثا
لست واحداً منكم على الإطلاق،
أنا لست بربرياً"([53])
وفي عام 2008م أصدر "شبتاي" ديوانا شعريا حمل
اسم زوجته الراحلة "טניה ـــــ تانيا"، وهو ديوان
خليط، يعتبر مرحلة شعرية في حد ذاته، مرحلة جمعت بين الذاتية والاحتجاج، فقد قسّمه
إلى ثلاثة أقسام، أولها خصصه لرثاء زوجته الراحلة، وجاءت قصائد الرثاء في هذا
القسم بلون جديد، حيث لا تقتصر على البكاء والوداع والتعبير عن الحزن للفراق،
وإنما حملت كذلك صورا لحياتهما المشتركة في مزيج من الحزن والهزل، بأسلوب بسيط
ومُعبِر:
"أتريدين أن تعرفي
كيف أعيش من بعدكِ؟
كمن يرى وهو يهبط بالمظلة
من الطابق المائة
عبر النافذة
امرأة حسناء تتعرى" ([54])
ويحتوي القسم الثاني من الديوان على مجموعة من القصائد
الاحتجاجية التي تعد امتدادا لما كتبه منذ عام 1999م، ويحوي القسم الثالث قصائد
متنوعة ذات نبرة هادئة، تنم عن موقف رجل بلغ من العمر الكثير، فوقف يتطلع إلى
ماضيه بنظرة حكيم، وينظر إلى حاله بشيء من الهدوء النفسي، ولكن مع أسلوب هزلي صار
سمة من سمات شعره.
تُغطي مسيرة "أهرون شبتاي" الشعرية ما ينيف عن
أربعة عقود، أي منذ صدور ديوانه الأول عام 1966م إلى يومنا هذا، وخلال هذه المسيرة
الطويلة طرأت تغييرات شملت اللغة والصور والتراكيب الشعرية عنده، وقبل ذلك طرأت
تغييرات في المضامين الفكرية، ففي قصائده
الأولى واقعية بسيطة، وصور مفردة وغير مركبة، ثم أظهرت أعماله بعد ذلك ميلا
تدريجيا نحو العبارة الشعرية المعقدة ذات الأبعاد متعددة المضامين، إلى أن استقر
في أقصى اليسار الشعري والسياسي، فوجد صوته المميز، وأصبحت رؤيته أكثر شمولية،
فابتعدت عن السطحية، فأصبح شعره في مجمله عالم من التعددية والتنوع، ومزيج من
العام والخاص، وخرج كثيرا عن المفاهيم التقليدية للشعر، حيث بدا شعره مادة عملية
تسمح بالتفكر حينا والتندر حينا، تبعث على التفاؤل، أو تثير التشاؤم، بعضها
تلقائي، وبعضها مُتكلِف، تتحمل ما لا يُحتمل من التأويل، تتداخل بين ما يعتبر شعرا
وما يعتبر نثرا، كتب قصائد طويلة جدا، وقصائد صغيرة، حملت في طياتها معاني
متناقضة، كما حملت بعض الخواطر الشخصية.
مصادر التأثير في شعر أهرون شبتاي:
تعددت مصادر التأثير في النتاج الشعري لـ "أهرون
شبتاي" ما بين المصادر الاجتماعية، الناتجة عن نشأته وظروف حياته، وبين المصادر
الثقافية التي تأثر بها، وفاضت تأثيراتها
على شعره.
المؤثرات الاجتماعية:
-
النشأة والحياة الأسرية:
-
ذكر "أهرون شبتاي" أنه ينتمي لأسرة عادية، وعندما كان صغيرا كان
ملازما لأمه دوما، وكانت متعته الوحيدة حينها أن يشاهدها وهي تعد الطعام، وتخبز،
وتنظف المنزل، وهذه الطفولة البيتية البسيطة هي ما صنعت ثقافته، وحينما كبر وصار
رب أسرة ظل يعيش في نطاق الأسرة، وهذا هو السياق الذي تسير كتاباته الشعرية وفقا
له([55]).
-
الكيبوتس:
يعتبر من أهم المصادر الاجتماعية التي أثرت في "أهرون شبتاي"،
فقد عاش لفترة من حياته في كيبوتس "مرحافيا"، وأثمرت هذه الفترة بفضل تأثيرها
عن ديوان كامل حمل اسم "كيبوتس"، رصد فيه بكل واقعية طبيعة الحياة داخل هذا الكيان، حيث
يعمل الجميع، فتتجسد حياة المشاركة، وتقديس العمل البدني، والمساواة، والجماعية،
والاكتفاء بالقليل، والتطوعية، وصهر كل هذه المبادئ بأسلوب واقعي أقرب إلى التصوير
الفوتوغرافي الدقيق الذي لا يستطيع وصفه سوى من عاش في الكيبوتس، وتأثر به.
-
المرأة:
يمكننا القول - بقدر من الثقة- أن المرأة كجنس وفكر من
أكثر المصادر تأثيرا في شعر "أهرون شبتاي" الإنسان والمفكر والشاعر، فقد
اعتمدت حياته في جميع مراحلها على المرأة، وهذا ما ظهر تأثيره في شعره وفكره منذ
بداية رحلته الأدبية وحتى الآن، والبداية ـــــ بعد تأثير أمه ـــــ مع زوجته
الأولى "كولين بروسكوس ـــــקולין ברוצקוס" وأمها
"إيتا ـــــאיתא"، فقد اعترف
بأنه قد كتب ديوان "القصيدة المنزلية" بتأثير من زوجته، التي كانت ترغب
في حياة أسرية مستقرة، وتنجب أطفالا، كما أنها كانت طبيبته النفسية، نظرا لعملها
كأخصائية نفسية([56])،
ومن بين ما كتب لها وبتأثير منها:
"إحدى عشرة سنة
أُحبكِ
قبل ست سنوات ونصف
تزوجتكِ
نحن رجل وامرأة
لا يتطلقان"([57])
والطريف أنهما قد تطلقا بالفعل، أما عن أمها
"إيتا" فقد أقرّ بوضوح أنه تعلق بها ربما أكثر من أمه وأبيه، وأحبها
كثيرا، وارتمى في كنفها لترعاه فكريا، وتصير بمثابة معلمته وصديقته وأمه، لدرجة
أنها قد ساعدته ووقفت بجانبه عند طلاقه من ابنتها([58]).
وارتبط بعدها بـ "زيفاه بوستك ـــــזיווה פוסטק"، لتصير بعد أن
تزوجها واحدة من أشهر نساء إسرائيل على صفحات الشعر، فقد وضع اسمها عنوانا للديوان
الذي أصدره عام 1990م، وحمل الكثير من المشاهد الغزلية الصريحة التي تصل إلى حد
المشاهد الإباحية الكاملة.
ويَعتبِر "شبتاي" أن ديوان"زيفاه" من أكثر
أعماله اكتمالا، فقد كتب فيه شعرا زاخرا بالمداعبات والسعادة بعد سنوات من كتابة
الشعر التربوي، فتنفس في هذا الديوان حرية شعرية كاملة، وانعتاقا من أي قيود([59]).
وكان تأثير "زيفاه" واضحا في المرحلة الذاتية
لـ "شبتاي" وتواتر اسمها ووصفها كثيرا في قصائد متفرقة في أعماله بعد
الديوان الذي حمل اسمها، ويمكن اعتبارها بمثابة ربة شعر تجسدت أمامه وهمست في
أذنيه مرارا، ما أدى إلى هذا الكم الكبير من القصائد المتحررة التي وصلت به إلى حد
وصف طبيعة ومراحل علاقتهما الجنسية معا([60]).
أما المرأة الأكثر تأثيرا في "أهرون شبتاي"
فكريا فهي "تانيا راينهرت ـــــ טניה ריינהרט" أستاذة
اللغويات الراحلة في جامعة "تل أبيب"، التي كانت واحدة من أكثر الشخصيات
الأكاديمية والفكرية تبنيا للأفكار اليسارية المعارضة في إسرائيل، ومن بين مَن
أيدوا حملة المقاطعة الأكاديمية للجامعات الإسرائيلية.
وبعد أن تزوجها "شبتاي" تحول من أقصى اليمين
الذي ظهر في ديوان "بيجن" إلى أقصى اليسار الفكري بداية من ديوان "بوليتيكا" عام 1999م وحتى
الآن، ليصبح واحدا من أهم شعراء اليسار المعارضين في إسرائيل، وينبع جزء من هذا
التحول من تأثير "تانيا" التي صارت على مدى اثنين وعشرين عاما رفيقة
دربه، ومعلمته، وربة شعره الاحتجاجي، حيث كانت رافضة بشدة سياسة إسرائيل القمعية
للشعب الفلسطيني، وصرحت في أخريات أيامها أنها تشعر بالخزي والعار لكونها مواطنة
إسرائيلية، وبقدر حبها للشعب الإسرائيلي، فإنها تحتقر القادة، وتشعر بالعزلة لأن
الحياة في إسرائيل باتت أكثر صعوبة، فقوات الجيش نشرت القتل والقمع والذل والجوع،
وامتلأت سجون الاحتلال بالأسرى الفلسطينيين، وأفصحت "تانيا" عن خجلها من
جنسيتها، وتفكيرها في الهجرة خارج إسرائيل([61]).
واعتمد "شبتاي" على تأثير "تانيا"
في صياغة شعر احتجاجي، بدأه في ديوان"بوليتيكا"، الذي جعل فيه من حبه لها منصة ينطلق منها نحو مضامين
شعرية ثورية تحمل أبعادا اجتماعية وأخلاقية، وعبر عن هذا صراحة في قصيدة
"بوليتيكا" التي يحمل الديوان اسمها، وغازلها بعد ذلك واصفا إياها
بـإلهة حب يسارية:
ولم يخجل من التصريح أنها كانت أكثر رقيا منه، وأنه حين
عاش معها تعلم منها الكثير، حتى بعدما ماتت وشعر بالحزن والوحدة والانهيار؛ تذكر
ما علمته إياه من حب الحياة والعمل والمضي، وعدم الالتفات للماضي([63])،
وفي عام 2008م كتب لها مجموعة قصائد رثاء، وضمّها في ديوان حمل اسمها، وهو الديوان
الذي نال عنه جائزة "جولدبرج ـــــ גולדברג".
لم تكن المرأة بالنسبة لـ"أهرون شبتاي" مجرد
ربة شعر، ولا مجرد مصدر للإلهام، بل كانت وسيلة وغاية، مؤثِرا وأداة، ووضح تأثيرها
في شعره منذ أن بدأ مسيرته، وليس الأمر مقصورا على من ذُكرن آنفا، فبجانب زوجاته،
كتب شعرا لبنتيه "لوطم ـــــלטם"،
و"فيفيان ـــــויויאן"، ناهيك عن ظهور مفاجئ
لنساء مجهولات على صفحات شعره،
بداية من "نوعا ـــــנועה" في
ديوان "غرفة المعلمين"، ومرورا بكل من "أولجا ـــــ אולגה" في "في شهر مايو الرائع"، و"زوشا
ـــــזושה" في "شمس يا شمس"، و"جوليا ـــــגוליה" في ديوان"تانيا"، و"إسنات ـــــאסנת" في قصيدة باسمها([64])،
و"ميخال ـــــ מיכל"([65]).
المؤثرات الثقافية
إذا كان الكيبوتس مصدرا اجتماعيا أساسيا تأثر به
"أهرون شبتاي"؛ فهو كذلك مصدر ثقافي استعان به منذ بداية رحلته الشعرية،
ومازال متأثرا به حتى الآن، فمبادئ الاشتراكية التي يحملها الكيبوتس هي ذات
المبادئ التي حمل "شبتاي" لواءها في فكره وشعره، وبرزت أفكارها باستمرار
ووضوح في نتاجه الذي أتخمه بقصائد تدافع عن الاشتراكية، وتنتقد الرأسمالية الطاغية
في إسرائيل والعالم، وظهر هذا جليا في ديوان "كيبوتس"، كما ظهر أكثر في
ديوان"بوليتيكا" الذي دافع فيه عن المذهب الاشتراكي في الاقتصاد.
ولا يمكن إغفال
تأثير المصادر الدينية والأدبية اليهودية في شعر "شبتاي"، ومن أبرز ما
يؤصِل لهذا التأثير هو ديوان "بيجن" الذي مزج فيه أحداثا وقعت في العصر
الحديث بوقائع تاريخية وصور مستقاة من العهد القديم، إلى جانب أفكار من القبّالاه([66]).
ولا يبدو أن اتصال الأدب العبري الحديث بالثقافة
والمذاهب الأدبية الغربية في حاجة إلى محاجة، فهو ظاهر منذ بدايات حركة
"الهسكالاه" ومن بعدها "الإحياء القومي"، وهو مستمر حتى الآن،
ومن المنطقي أن يتأثر "أهرون شبتاي" بالثقافة والتيارات الأدبية
الغربية، وخاصة في فرنسا، التي تُعتبر منبت الحداثة الشعرية الغربية، ومن المنطقي
أن تكون دراسته الأكاديمية لها دور في هذا التأثير، بجانب قراءاته بالطبع.
وقد تمثلت بعض
مظاهر ما بعد الحداثة في شعره في تقويض منظومة القيم التقليدية، وتبني المواقف
اليسارية المتطرفة، وتسييس كل شيء، والوعي بأهمية اللغة كأداة للتفاهم بينه وبين
العالم، واستخدام وسائل نشر وإقناع عالمية([67]).
ولم تكن الثقافة الفرنسية وحدها ممثلة لمصادر التأثير الغربية
في شعر "شبتاي"، بل ظهرت تأثيرات الثقافة الغربية كلها في نتاجه، ففي
بداية رحلته الشعرية قرأ الشعر الأمريكي، وتأثر بعدد من شعرائه، مثل "عزرا
باوند ـــــ Ezra Pound"([68])
و"وليام كارلوس ويليامزـــــ William Carlos Williams"([69])
و"تشارلز أولسون ـــــCharles Olson"([70])،
وتبلور هذا التأثير بشكل جلِي في نتاجه الشعري المبكر، بداية من "القصيدة
المنزلية" عام 1976م، واستمر هذا التأثير حتى عام 1986م مع ظهور ديوان
"بيجن"، وانعكس في الشكل الفني حيث اتبع بشكل خاص أسلوب القصيدة الطويلة.
وبالنسبة
للمضمون الفكري؛ فقد سعى"شبتاي" نحو الانعتاق من المحاكاة الشعرية
العمياء التي أدت ـــــ من وجهة نظره ـــــ إلى شيوع الاتجاه الرومانسي في ذلك
الوقت بين شعراء جيل الدولة، وعدم الاهتمام بقضايا أخلاقية وحياتية، فاتجه في شعره
لتبني أفكار تتعلق بظروف الحياة والخوض في قضايا تخص العامة([71]).
ويمكن القول إن "أهرون شبتاي" تأثر بالكاتب
المسرحي والشاعر المعروف "برتولد بريخت ـــــBertolt Brecht "([72])،
واتضح هذا التأثير بوضوح في مرحلة الاحتجاج الثورية في شعره، حيث لفظ الجمال خارج
الإطار الشعري، واقترب أكثر من لغة العامة، معتمدا على الألفاظ الخارجة، والعامية،
والمشاهد الإباحية، والنقد السياسي الساخر، كل هذا بأسلوب يجمع بين التشويق،
والجدية، والطرافة([73]).
وأفصح "شبتاي" أنه قرأ كثيرا للشعراء الإنجليز
في القرنين الثامن والتاسع عشر الميلاديين، وكان معجبا ومتأثرا بعدد منهم، وذكر
أنه تعلق بوجه خاص بالشاعر الإنجليزي "ويليام بليك ـــــ William Blake"([74])،
وأبدى تأثره البالغ بالشاعر التركي المعروف "ناظم حكمت ـــــNâzım Hikmet "([75])،
وكتب عنه في إحدى قصائده يمدحه فيها، ويشيد ـــــ بما وصفه ـــــ كفاحه من أجل
محاربة الظلم والقمع([76]).
وبالنسبة لمصادر
التأثير على مستوى الأدب العبري؛ فقد صرّح "شبتاي" أنه تأثر ببعض ما
كتبه "يهودا عميحاي" و" أبراهام بن يتسحاق ـــــ אברהם בן יצחק"([77])
، كما أحب الشاعرة "ليئة جولدبرج"، وقرأ لها في صغره، ورأى فيها مثلا
أعلى في الشعر([78])،
كما تأثر في سنوات الخمسينيات من القرن الماضي ببعض قصائد الشاعر"ناتان
زاخ"([79]).
ويُعد "حييم نحمان بياليك" مثالا للشاعر الذي
أراد "شبتاي" أن يكون عليه، فقد أفضى أنه كتب ديوان "بيجن"
وفي مخيلته أن يكون شاعرا قوميا في إسرائيل على غرار "بياليك"، واضعا
نُصب عينيه الهدف العام الذي يجب أن يجتمع الكل عليه وهو حب إسرائيل([80]).
وتعتبر الدراما اليونانية القديمة إحدى أهم المؤثرات
الثقافية في شعر "شبتاي"، فقد درسها في فرنسا، وحصل من جامعة
"السوربون" على درجة الدكتوراه في موضوع يتعلق بتراجيديا الدراما
اليونانية، وظهر تأثيرها بشكل واضح في شعره، خاصة وأنه اعترف بحبه للميثولوجيا
اليونانية أكثر من أية قصيدة شعرية، لأن مؤلفيها يعرفون تماما من هم وماذا يريدون،
وماذا يستطيعون التعبير عنه، وقد تميزت أعمالهم بالرقي والواقعية العملية، فكتبوا
أعمالا تتحدث عن أشياء مادية مثل الطعام، والقبور، والجنس، وغيرها ([81]).
ولم تتوقف علاقة "شبتاي" بالدراما اليونانية
عند الإعجاب، والدراسة والتدريس، بل عزز الاتصال المباشر بها عن طريق قناة اتصال
أخرى هي الترجمة، ولا يستطيع ناقد أو قارئ في إسرائيل أن ينكر دوره الكبير في
الترجمة من اليونانية العتيقة إلى العبرية، وقد اعتبر أن الترجمة سبب من أسباب
كونه شاعرا، فعندما يُترجم؛ يشعر بالاتصال العميق بالأسلوب، وقبل أن يكون مترجما
لم يكن له أسلوب يتبعه، وهذا العلاقة الطويلة المباشرة له بالدراما اليونانية
ساعدته في إدخال عناصر الثقافة اليونانية إلى شعره، والاستعانة بالأساطير والتاريخ
والتضمين في كتابة قصائده ([82]).
بلغ تأثير الدراما اليونانية في شعر "شبتاي"
مداه في المرحلة الذاتية، بداية من ديوان "حُب" حيث استقى من التجربة
اليونانية ما يعبر عن حبه ورغبته الخاصة، واصفا الحب وكأنه الترياق الوحيد للحياة،
وكذلك هو ترياق يؤدي إلى الموت، وهو يعطي الفرصة الوحيدة للتعويض([83]).
واعتمد "شبتاي" بشكل كبير على الميثولوجيا
اليونانية من أجل تعظيم التصوير المفرط في أشعاره، وقد أعطته القدرة على إبراز هذا
التصوير الفني لمشاعر الحب لديه، فامتزجت التجربة الذاتية في شعره بصورة كاملة مع
الموروث الثقافي الأسطوري الذي نهل من بحوره بكل حرية، وقدّم للقارئ والسامع قصصا
أسطورية يونانية من خلال شعره، في إطار من توارد الأفكار، والاقتباس، ولم يكتف فقط
بالرمزية، أو التشبيه الباطني([84]):
"أتذكرُ
إيكسيون -
صفح عنه زيوس
رفعه إلى السماء
وإذ به
أحبَّ
هيرا
وغوى
ونكح
الإلهة
وهذا لم
يكن سوى غمامة
وفي النهاية
علِق بعجلة
إلى الأبد
مثلي
أنا العالق بعجلة الأفكار -
من أجلكِ"([85])
الموقف السياسي المبكر لـ "أهرون شبتاي" من
خلال شعره
ربما تكون المقولة :" كل الشعر العبري هو شعر
سياسي، حتى قصائد الحب هي شعر سياسي" صحيحة إلى حد كبير، و"أهرون شبتاي"
أحد شعراء إسرائيل الذين كتبوا شعرا اتضحت فيه ملامح مواقفه السياسية، بداية من
مرحلته الشعرية المبكرة، ومن خلال مسح شامل لأعماله الشعرية منذ عام 1966م وحتى
الآن؛ يتضح أنه تأرجح سياسيا ما بين معسكري اليمين واليسار، وما بين القومية
والفردية، ما بين التأييد والاحتجاج.
في باكورة أعماله ديوان "غرفة المعلمين" ركّز "شبتاي"
على وصف الطبيعة كما يراها، متجردا من ذاتيته إلى حد كبير، غير أنه لم يغفل عن وضع
رؤيته السياسية، التي حملت نزعة صهيونية واضحة، حيث كان ـــــ ولازال ـــــ مؤمنا
بشدة بالصهيونية الاشتراكية، التي كانت تعبر عن القومية اليهودية، وكان زعيمها
آنذاك هو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "بن جوريون" الذي كان من طلائع
الحركة العمالية الصهيونية، وله تاريخ طويل في العمل المسلح ضد الفلسطينيين خلال
انضمامه لمنظمة "الهاجاناه"([86])
قبل قيام إسرائيل، فيكتب
"شبتاي" قصيدة تأييد ومدح تحمل اسمه :
"بن جوريون؛ السيدة بوميرانتس
أحبتك كما لو أنك أسد خشبي
على التابوت
المقدس([87]).
على وجبات الفطور في سنوات الأربعينيات
كانت تأكل نصف بيضة
ونصف حبة طماطم وتتحدث
عن ألمانيا وإنجلتراـ
بوصفهما أطفالا أشرارا وعنك
ملك مستعمرة الشفاء التوراتية
في هذه الصباحات من الشاي وملعقة العسل
وعن غير قصد كانت تتعجل النهاية
وصلّت لبلتيمور ولـ ليك ساكسيس
كما لو لم تكن هناك تجربة روحية
وصرنا مجددا أولادا في الخليل
في صباح التتويج،
نغني بحماس ليهودا والبلاء العظيم
لحما ودما للمملكة الحتمية"([88])
يوجه الشاعر
حديثه إلى "بن جوريون" على لسان سيدة عجوز، ربما لأنه أراد أن يضفي
مصداقية على حديثه عن الزعيم الصهيوني، فيتحدث نقلا عن السيدة التي عاصرت فترات من
شباب "بن جوريون" قبل قيام إسرائيل، في محاولة من الشاعر لأن يقنع
المتلقي بصدق ما تقوله السيدة، وينقله عنها.
وتشكل النزعة
الصهيونية المكون الأساسي للقصيدة، حيث
يمدح الشاعر "بن جوريون" باعتباره قائدا ومُخلِصا وزعيما وطنيا، بل
ويُضفي عليه مسحة من قداسة، مُستندا في ذلك إلى تراث ديني يهودي، وإلى أحداث
تاريخية، ومصطلحات مقرائية.
البداية في توصيفه "بن جوريون" بالأسد الخشبي
على الصندوق المقدس ليضفي عليه هالة قدسية، وكأنه حارس للشريعة، وينعت ألمانيا
وانجلترا بالشر، كما يقلل من شأنهما بوصفه لهما بالأطفال.
ثم يُعظِّم من شأن "بن جوريون" أكثر حين يصفه
بملك إسرائيل، والتي يصفها بـ"مستعمرة الشفاء التوراتية ـــــ קולונית המרפא התנ''כית" ليسوق
نفس مزاعم الحركة الصهيونية التي طالبت بجعل فلسطين وطنا لليهود الذين يعانون من
اضطهاد أمم العالم لهم في جميع الأوطان، وقد أطلق عليها "مستعمرة ـــــ קולוניה" ليقصد بهذا فلسطين ما قبل 1948م وإعلان قيام
الدولة الإسرائيلية، وفي تصويره لفلسطين بـ"المشفى أو المنتجع ـــــ המרפא" كناية عن اعتبارها واحة اليهود ومقصدهم التي
سيجتمعون فيها للاستشفاء من العذاب الذي يُزعم أنهم لاقوه في الشتات، في تحايل
واضح على التاريخ بحجة دينية.
ففي إسرائيل فقط
اعتمدت حركة علمانية هي الصهيونية حجة دينية تاريخية كحجة وحيدة لتبرير السيطرة
على فلسطين، إذ ادعى اليهود الصهاينة بموجب مزاعم أرض الآباء والأجداد حقا تاريخيا
توراتيا على أرض فلسطين العربية([89]).
وفي قوله "وصلّت لبلتيمور وليك ساكسيس ـــــ והתפללה
לבילטמור ולליק סכסס" إشارة إلى المؤتمر الصهيوني الذي نظمه مجموعة من
الصهاينة الأمريكان عام 1942م، وحضره ممثلون عن الوكالة اليهودية، على رأسهم
"بن جوريون" نفسه، ومن نتائج هذا المؤتمر خروجه بقرارات أهمها رفض
الكتاب الأبيض([90])،
الذي صدر في عام 1939م، وأصروا على تنفيذ وعد بلفور، وغير ذلك من القرارات التي
تخدم المشروع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين([91]).
ويستمر "شبتاي" في إصباغ القضية السياسية
بالصبغة الدينية التاريخية، فاستلهم من العهد القديم قصة مسح "داود"
ملكا على يهودا، فوصف الشاعر سعي "بن جوريون" نحو توطيد أركان الصهيونية
في فلسطين، بداود الذي سكن في الخليل مع زوجتيه ورجاله، ثم مسحه ملكا على يهودا([92])،
وأشار الشاعر إلى ذلك في تطرقه إلى صباح التتويج، أي تتويج داود ملكا على يهودا،
وكانت تلك بداية الطريق نحو ما سُمي مملكة إسرائيل الموحدة، التي أقامها
"داود" انطلاقا من مدينة الخليل التي كانت عاصمة ليهودا في أول الأمر،
والتي يشير إليها الشاعر في قوله "نغني بحماس ليهودا والبلاء العظيم/ لحما
ودما للمملكة الحتمية"
في هذه القصيدة ساوى "شبتاي" بين
"داود" مؤسس ما يُزعم أنه مملكة إسرائيل الموحدة، وبين "دافيد بن
جوريون" أول رئيس وزراء لإسرائيل بعد قيامها، ليعتمد على حجة تاريخية في
ترسيخه لفكرة أرض الميعاد، ويؤكد على قناعته بما يسمى أرض إسرائيل الكاملة.
ثم أصدر
"أهرون شبتاي" ديوان "كيبوتس"، والذي لا يمكن النظر إليه على
أنه مُجرد عمل شعري يرصد بواقعية مشاهد من الحياة داخل هذا الكيان، فالكيبوتس يحمل
نزعة صهيونية اشتراكية واضحة، وهو نظام اقتصادي تعاوني شبه متكامل([93])،
يشتمل داخله على مهام الإنتاج والاستهلاك والاستثمار، والعيش المشترك، أي أنه نواة
لبناء مجتمع متكامل، سعت من خلاله طلائع المستوطنين للاستيلاء القسري على الأرض
الفلسطينية، وتمليكها لليهود المُهاجرين، واتسعت مساحات الكيبوتسات رويدا رويدا مع
زيادة أعداد المهاجرين، وكان انتشار الكيبوتسات على أرض فلسطين متواكبا مع تأسيس
حركات وتكتلات صهيونية عمالية، كان بعض أعضائها أفرادا في تنظيمات عسكرية يهودية
تنهب الأرض الفلسطينية، وتتخلص من أصحابها، وصارت هذه التكتلات فيما بعد قيام إسرائيل
أحزابا سياسية، تقلد مؤسسوها مناصب قيادة سياسية وعسكرية لسنوات طويلة.
وعندما يستعرض "شبتاي" مشاهدا من حياة
الكيبوتس في ديوان كامل؛ فهذا بالطبع يضفي على عمله بُعدا سياسيا لا لبس فيه، وقد صاغه
في صورة مُبسطة تناول فيها نمط الحياة والتعايش المشترك بين اليهود في الكيبوتس،
ليواصل كتابة الشعر الدعائي للصهيونية على أرض فلسطين.
وفي عام 1986م أصدر"شبتاي" ديوان "בגין ـــــ بيجن"، بعد صعود نجم
حزب "الليكود" اليميني، وتقهقر حزب العمل، لينتقل بفكره السياسي من
اليسار الصهيوني إلى اليمين.
ولكن ديوان "بيجن" لم يلفت إليه
كثيرا من الأنظار، واعتبره بعض النقاد فاشلا وسطحيا، ربما لأن "شبتاي"
كان هو الآخر سطحيا في فكره السياسي، فقد صرّح أنه قد صوّت لحزب
"الليكود" في عام 1981م، فقط كي يثير غضب والديه وأخيه "يعقوب"،
ولأن والدة زوجته الأولى قالت له حينما تولى "مناحم بيجن ـــــמנחם בגין" أن هذا الأخير رجل مليء بالمحبة، فرغب أن يكتب
ديوانه "بيجن" نموذجا للشعر
القومي، واعترف أن ما فعله لم يكن صائبا([94]).
في جميع الأحوال يعتبر الديوان محطة في مسيرة
"أهرون شبتاي" أراد فيها أن
يتبوأ مكانة شاعر القومية في إسرائيل، فاتخذ جانب اليمين السياسي، ربما لأنه كان
الأعلى كفة آنذاك.
من خلال عنوان الديوان يتضح أن "شبتاي" يكرسه
للحديث عن "مناحم بيجن" رئيس الوزراء الإسرائيلي ورئيس حزب
"الليكود" الأسبق، وعضو الجماعات اليهودية المُسلحة قبل قيام دولة
إسرائيل، والذي كان يتفاخر كثيرا بأعماله الإرهابية في حق الفلسطينيين أصحاب
الأرض، أو جنود الجيش البريطاني إبّان الانتداب.
ورغم أن الديوان صادر في عام 1986م؛ فإن
"شبتاي" يتناول فيه بالمديح ما
يعتبره عملا بطوليا، قام به أفراد من تنظيم "إتسل ـــــ אצ''ל"([95])
في أربعينيات القرن الماضي، حينما توالت عملياتهم العسكرية المضادة لأفراد جيش
الانتداب البريطاني.
ويمدح الشاعر
تحديدا إحدى العمليات العسكرية التي قام بها تنظيم "إتسل" بإيعاز من
"مناحم بيجن" الذي كان يتولى قيادة التنظيم آنذاك، حيث تسللت فرقة منه إلى
قاعدة عسكرية بريطانية في حي "شخونت هاتكفا ـــــ שכונת התקווה"([96])
متخفية في زي جنود بريطانيين، وذلك للقيام بعملية قتل للجنود بالقاعدة، وسرقة
السلاح منها([97]).
أراد "أهرون شبتاي" في ديوانه أن يقدم نوعا من
الشعر القومي، يُظهر فيه دعمه للصهيونية، وحبه لإسرائيل، واعتمد على ذلك باستلهام
من المصادر الأدبية والدينية اليهودية، كالمقرا والمشنا والتلمود، ليقدم قصيدة
غريبة، تتأرجح بين الغموض والوضوح، بين السطحية والعمق، بين الشعر وأدب الحكمة.
ويظهر في الديوان تناقض واضح بين قوة الأمثال التعليمية،
وبين الركاكة الشعرية في التعبيرات، بينما لم يظهر فارق واضح بين أعادة استخدامه
للموروث الديني اللغوي وبين اقتباسه الحرفي منه([98]).
يستهل "شبتاي" القصيدة بتساؤل حول دلالة مُسمى
موقع العملية التي قام بها أفراد "إتسل":
"ورد
في النص
في
شخونت هاتِكفا
وما الداعي
لقول
شخونت
هاتكفا؟" ([99])
عمد "شبتاي" في افتتاحية القصيدة إلى طرح سؤال بأسلوب ديني، باستخدامه
لكلمات "قيل/ ورد ـــــ נאמר" و"ما الداعي/ما مُبررـــــומה טעם"، وكأنه يطرح قضية فقهية في التلمود، ليضفي على
سؤاله مسحة دينية، وقدرا من الموضوعية على الرؤية الذاتية، ويثير فضول المتلقي
ليبحث عن الإجابة التي بادر هو بإعطائها غطاء دينيا تاريخيا:
"يدور
الحديث حول
أفراد
الإتسل المتخفيين
أنفسهم
بقيادة
جدعون
وموقفي
هو
في الأسماء
(الأسماء
فحسب)" ([100])
هنا يلتحم السياسي بالديني، حيث يوظف "شبتاي"
قصة تاريخية في العهد القديم توظيفا سياسيا، ليمنح "بيجن" قداسة دينية،
حينما يصفه بأنه "جدعون" القاضي، الذي وردت قصته في العهد القديم، خامس
قضاة بني إسرائيل، والقائد الحربي، الذي قاوم عبادة "بعل" وهزم جيش
المديانيين، فخلع عليه بنو إسرائيل لقب ملك([101])،
فيستقي "شبتاي" من العهد القديم ما يراها بطولة ويساوي بينها وبين
العملية العسكرية التي قام بها جنود "إتسل ـــــ אצ''ל" تحت
قيادة "بيجن"، في إسقاط تاريخي فج، حيث ورد في العهد القديم أن
"جدعون" قد تزعم ثلاثمائة رجل من أخلص شعب إسرائيل، بعد أن امتحن الرب
قوتهم وإيمانهم، كي يُحارب الأعداء وينتصر عليهم في النهاية([102]).
ويحتمل قوله "موقفي في الأسماء ـــــ העמדהשלי היא שבשמות" المعنى الظاهري لكلمة "الأسماء" إشارة لاسم
"شخونت هاتكفا ـــــ שכונת התקווה"، أو ربما يقصد به الإشارة إلى سفر
"الخروج" حيث يرمز من خلاله إلى الانعتاق والحرية بعد القيد والعبودية،
في تشبيه ما ارتكبه جنود "إتسل" بخروج بني إسرائيل بزعامة من مصر هربا
من بطش فرعون.
ويستمر "شبتاي" في الاعتماد على النص الديني
ويستغله لخدمة غرضه الشعري، ويُطوعه ليخدم منظوره السياسي:
"ورَدَ
في النص
لكونهم
يشبهون
الكواكب
فأطلق
أسماء
عليهم جميعا"([103])
يتبوأ النص المقرائي المقام الأول بين المصادر المشاركة
في تشكيل بنية الخطاب الشعري في هذه القصيدة، حيث يعتمد الشاعر في التناص على
فقرات من المقرا، وسياقات دينية متعلقة بها بدرجة تلفت الانتباه، وربما تزيد عن
الحد في مقاطع من القصيدة.
وفي هذا المقطع من القصيدة يستعير الشاعر فقرة من
المقرا، فالاقتباس واضح من سفر المزامير([104])،
وقد أخضعه الشاعر إلى ترتيب وتوزيع ينسجم مع اتجاه القصيدة، في رغبة منه لتعظيم
شأن من شاركوا في تلك العملية، فيصفهم بالكواكب.
ثم ينطلق لوصف تسلسل العملية العسكرية:
"على أية حال
(ورد في النص) أن
الوحدة
وصلت
إلى باب المعسكر
ويضيف النص:
أوراق جنودها
تم فحصها
وكل شيء
كان على ما يرام
بلكنة اسكتلندية
(وفي هذا
فائدة)
لكل
من هبّ ودبّ.
فرح الشباب
إضافة
لذلك
دخلوا
جزء من
العمل
اكتمل
الآن
سندخل السيارة
هذا مخزن
والسيارة
في الداخل
بين البريطانيين
(عديد منهم)
وعمال
أغلبهم عرب
لكن
كذلك
بعض اليهود"([105])
يتأرجح السياق الشعري بين العمق والغموض، فتغيب الدلالة
بينهما، وتدفع الحيرة المتلقي لأن يتساءل عن جدوى تناول ذلك الحدث دون غيره بالوصف
والمدح، وبهذا الأسلوب المرتبك والفج، فإذا كان الهدف هو مدح "بيجن"؛
فالأخير له سوابق أكثر بشاعة وعنفا ضد الإنجليز خلال فترة الانتداب، أشهرها عملية
نسف فندق الملك "داود"، فما يثير الدهشة أن الشاعر يستغل حادثا كهذا وقع
في الأربعينيات من القرن الماضي ليُمجد سياسيا بعدها بنحو أربعة عقود، وكأنه لا
يجد في "بيجن" رئيس الوزراء نفس القدوة التي يجدها في "بيجن"
العسكري القاتل.
في هذه القصيدة استقى شبتاي من المصادر الدينية ـــــ
بجانب المادة اللغوية ـــــ علاقة الأب بالأبناء، القائد بالتابعين، فصوّر
"بيجن" في هيئة الأب الذي يقود ويسيطر، ويتحرك تبعا لما هو مُخطط له من
قِبَل الرب، لذا فمن الطبيعي أن يكون قائدا محبوبا ومُطاعا([106]).
يمكن القول أن القصيدة تتكئ على موروث ديني وتاريخي
لينسج منه الشاعر سياقا شعريا يحمل تفاصيل دقيقة ذات طابع قصصي سردي، ويضفي عليها
بُعدا دراميا، فبنية القصيدة معقدة مركبة، ثمة أجزاء منها عبارة عن نثر شعري يتسم
بالسريالية، وهي بشكل عام نسيج من المتقابلات والمتناقضات، تتسم مقاطع شعرية فيها
بالوضوح إلى جانب مقاطع تتسم بالغموض، وكذلك يختلط أو يتجاور الخاص والعام،
والماضي بالحاضر، في استعراض لمرجعية الشاعر اللغوية والتاريخية المُتكئة على
التراث اليهودي اللغوي والديني والتاريخي والعسكري، وقبل كل هذا الإيمان بفكرة
الصهيونية.
في شعره السياسي المُبكر حاول"أهرون شبتاي" أن
يُعلن عن نفسه شاعرا قوميا، فجنّد بعضا من نتاجه في خدمة المشروع الصهيوني
الاستيطاني في فلسطين، ولكن جاء شعره المبكر دعائيا بفجاجة قلصت من قيمة مضمونه، حيث
ظهر شعرا مثقلا بعباءة التراث، لكنه خاويا غر مُقنع، ولا يستحق أن يُطلق عليه شعر قومي.
وفي تلك الفترة هاجم اليسار السياسي الإسرائيلي، مُعتبرا
أنه يدعي النقاء، بل وصرّح بأن مسألة القضية الفلسطينية لا تعنيه مطلقا، ورفض أن
يُنظر إلى شعره المبكر على أنه شعر سياسي، فالسياسة بالنسبة له هي مجال للترفيه،
يدخل فيه الناس فقط كيلا يشعروا بأنهم خاوون([107]).
هذا الاتجاه السياسي الذي كان عليه "أهرون
شبتاي" منذ أن بدأ مسيرته الشعرية اختلف تماما في سنوات التسعينيات من القرن
الماضي، حيث جنح بشدة نحو اليسار المعارض،
حتى أصبح واحدا من شعراء الاحتجاج في إسرائيل، مما أثار دهشة الكثيرين، واستوجب
وقفة لتناول بعضا من هذا الشعر الاحتجاجي الذي ينافي ما كتبه في المرحلة السياسية
المبكرة، وهو ما سيتم رصده في المقالات التالية بإذن الله.
الهوامش:
([2]) (1934- 1981) ولد بتل أبيب، التحق بكتائب الناحال (נח''ל)، وعاش في كيبوتس
مرحافيا مدة عشر سنوات، من أعماله النثرية "סוף דבר - نهاية الأمر"، و"הדוד פרץ ממריא - العم بيريز يُقلِع".
([3]) (1975- ) ولدت في القدس، شاعرة وكاتبة مسرحية ، لها ديوان شعري
بعنوان:"ילדת הברזל –
طفلة الحديد" 2006، ومن أعمالها
المسرحية"הרמוניה
-
هرمونيا"، "זכרינו– ذكرانا"
([5]) שחורי, דפנה: לקלף את קליפת השמאל ולאכול, מאזנים, כרך ע''ט, גל' 4- 5
(תשרי – חשון תשס''ו), אוקטובר- 2005.
([8]) נייגר, מוטי וכהן, איילת: פרשנות תרבותית של מופעי מחאה: עיון תלת-ממדי בשירת אהרון
שבתאי באינתיפדת אל-אקצה, איגוד – מבחר מאמרים במדעי היהדות, 2008, עמ'229.
([17])ישורון, הלית: לכל אהבה יש
התחת שלה, ראיון עם אהרון שבתאי, חדרים 10, כתב עת לשירה, הוצאת גלריה
גורדון, חורף 1993, עמ'221.
([19]) ברם, שחר: המבט המופנה לאחור, גלגולי הפואמה אצל ישראל פנקס, הרולד שימל
ואהרון שבתאי, הוצאת ספרים ע''ש י''ל מאגנס, האוניברסיטה העברית, ירושלים, 2005,
עמ' 159.
([22]) السريالية: أسلوب في الأدب والرسم يهدف لتأكيد جوانب لا شعورية في النفس،
وهي مذهب يتسم إنتاجه الأدبي والفني بالتلقائية الخالصة، وفي الوقت نفسه يتسم
بالغموض، ومن هنا جاء اسمها الفواقعية، أي فوق الواقع، لأنها تتخطى الواقع
الإنساني البسيط، وتتخذ من الواقعية نقطة
انطلاق للتعبير عن الأحلام التي تعتمل في النفس، وترتقي بها إلى ما فوق الواقع،
وتقدمها بلا ترتيب في سياق للأحداث والذكريات يبدو عشوائيا ( انظر: إبراهيم فتحي:
معجم المصطلحات الأدبية، المؤسسة العربية للناشرين المتحدين، صفاقس - الجمهورية
التونسية، 1986م، ص 204).
([27]) גורביץ', זלי: שיחה עם אהרון שבתאי, עכשיו, 45, חורף
תשמ''א - 1981, הוצאת "עכשיו" - תל אביב - ירושלים, עמ' 62.
([30]) عبد الرحمن محمد القعود (د): الإبهام في شعر الحداثة - العوامل
والمظاهر وآليات التأويل: عالم الفكر، العدد 279، مارس 2002، دولة الكويت، ص 112.
([36]) تشير الذاتية - كحالة شعرية- إلى طريقة في
الكتابة تضع في مقدمة أهدافها التعبير عن نفس الشاعر وتجاربه الشخصية، فينشغل
الشاعر بنفسه انشغالا تاما، ربما يصل به لإغفال الموضوعية خلال عرضه لتجربته
الشخصية، فيقترب نتاجه من أدب السيرة الذاتية. (انظر: معجم المصطلحات الأدبية، ص
165).
([43]) בז'רנו, מאיה: ללכת עד הסוף עם "האחר", מאזנים,
גל' 9- 10 (סיון-אייר תש"ן,
מאי-יוני 1990), עמ' 90.
([53])
שבתאי, אהרון:אני קם מהשֻלחן, שמש שמש, שירים, מהדורה ראשונה, חרגול
הוצאת לאור, יולי, 2005.עמ' 16
([56]) עפרון, עדנה: השתחררתי מריצה אחרי נשים, כסף, כוח, ידיעות
אחרונות, תרבות ספרות אמנות, 25- 06- 1999.
([61]) אדרת, עופר, אני מתביישת להיות אזרחית של המדינה הזו, שיחה עם טניה ריינהרט,
מערכת וואלה, 8 במאי 2006: http://news.walla.co.il/?w=//901849
([66]) קַבָּלָה: حركة يهودية دينية ظهرت في
القرن الثالث عشر الميلادي تبحث عن وسائل باطنية لتفسير ماهية الرب والعالم، وهي
تقابل بعض اتجاهات التصوف في الفكر الديني الإسلامي، للمزيد يمكن الرجوع إلى: محمد
بحر عبد المجيد (د): اليهودية، مركز الدراسات الشرقية، جامعة القاهرة، سلسلة
الدراسات الدينية والتاريخية، ص 178- 186.
([67]) يحيى محمد عبد الله إسماعيل (د) : ديوان بوليتيكا للشاعر
"أهرون شبتاي" بين النظرة التشاؤمية والنزعة المثالية، مجلة الدراسات
الشرقية، مركز الدراسات الشرقية، العدد الخامس والثلاثون، يوليو 2005، ص 537.
([68]) (1855- 1970) شاعر
أمريكي، ناقد، وموسيقي، اعتُبر من أهم شخصيات حركة الحداثة في الأدب العالمي في أوائل وأواسط القرن
العشرين.
([69]) (1883- 1963( أحد أشهر الشعراء الأمريكيين، اهتم بكتابة
القصائد الطويلة، وحمل لواء الحركة التصويرية في أمريكا، وصاحب تقنيات جديدة في
الوزن والإيقاع والرؤية الشعرية آنذاك، ويقدر النقاد أنه ابتكر مذهبا شعريا جديدا
في تلك الفترة يقوم على ظروف الحياة اليومية ومعايشة عامة الناس.
([70]) (1910- 1970) اشتهر بمجموعة طويلة أو سلسلة من القصائد تُسمَّى أعلى القصائد، وقد استخدم
المدينة
رمزًا لامتداح ما يعجبه في الحياة البشرية وللهجوم على ما يراه من طمع وروح تجارية
في الحضارة الأمريكية، كما اشتُهر بأسلوبه الشعري المعقد.
([72]) (1898- 1956) شاعر
وكاتب ومخرج مسرحي ألماني، يعد
من أهم كتاب المسرح في القرن العشرين. كما أنه من الشعراء البارزين، كان مذهبه في
المسرح يقوم على فكرة أن المشاهد هو العنصر الأهم في تكوين العمل المسرحي، ويجب أن
يكون له موقف ورأي من القضية التي يتناولها العمل المسرحي، ومن أهم أساليبه في
الكتابة المزج بين الوعظ والتسلية، أو بين التحريض السياسي وبين السخرية
الكوميدية.
([74]) (1757-
1827): شاعر ورسام ومصمم
مطبوعات إنجليزي، لم يكن مشهورا في حياته، بقدر ما كان مُنتقدا، ولكنه بعد موته
صار وحده واحدا من الشخصيات البارزة في تاريخ الشعر والفنون البصرية في العصر
الرومانسي.
([75]) (1902- 1963): شاعر تركي معروف، كان معارضا
للإقطاعية التركية، رغم أنه كان من عائلة ثرية، ناصر حركة أتاتورك التجديدية، لكنه
عارض أتاتورك بعد ذلك، وأُلقِي في السجون التركية حتى عام 1950م، حيث فر إلى
الاتحاد السوفييتي ومات هناك، ستتم الإشارة إلى المزيد عنه في موضع لاحق.
([76]) القصيدة بعنوان :" أنشودة من أجل نيطع
جولان - השיר על נטע גולן ", ארצנו, עמ'
344، سيتم الحديث عنها في موضع لاحق بالدراسة.
([78]) שבתאי, אהרן: "אני מאמין שאחי יעקב היה נהנה מהשירים":
השאלון. הארץ, מוסף ספרים, גל' 651 ,17 באוגוסט 2005, עמ' 3.
([86]) הגנה: تنظيم عسكري صهيوني تأسس عام
1921م في القدس إبان الانتداب البريطاني لفلسطين، وكان يشارك المنظمات الصهيونية
المسلحة في إرهاب السكان الفلسطينيين ونهب أراضيهم، أصبح أفراده فيما بعد قيام
إسرائيل نواة لجيشها.
([87]) ארון הקודש: التابوت المُقدس: هو
الخزانة أو الصندوق الذي توضع فيه أسفار التوراة في المعبد اليهودي، ويطلق عليه
أيضا " هيكل ــ היכל" أو "تابوت ــתיבה" ويعتبر أهم أداة مقدسة في المعبد، ويوضع في الحائط باتجاه
القدس، ولأهميته اعتاد اليهود على تزيينه وتغطيته بغطاء جميل. انظر: رشاد الشامي
(د): موسوعة المصطلحات الدينية اليهودية، المكتب المصري لتوزيع المطبوعات،
القاهرة، 2002، ص 57.
([89]) عزمي بشارة (د): دولة يهودية
وديمقراطية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، سلسلة دراسات وأوراق
بحثية، الدوحة، قطر، يناير 2011، ص 2.
([90]) يعرف أيضاً بكتاب
ماكدونالد الأبيض على اسم "مالكوم ماكدونالد" وزير المستعمرات
البريطاني، والذي تم إصدار الكتاب تحت سلطته وسلطة الحكومة البريطانية، تم في هذا
الكتاب التخلي عن فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين
إحداهما يهودية والأخرى فلسطينية، لصالح تأسيس دولة فلسطينية مستقلة تكون محكومة
من قبل العرب الفلسطينيين واليهود بناء على نسبة كل منهما لإجمالي سكان فلسطين في
سنة 1949م، كما تم تحديد عدد اليهود المسموح لهم بالهجرة إلى فلسطين في السنوات
الخمس اللاحقة لصدور الكتاب بـ 75000 ألفاً (1940-1944م) بحيث يتم قبول هجرة 10000
يهودي سنوياً ويتم زيادة هذا العدد ليصل إلى 25000 سنوياً. وبعد سنة 1944م، تصبح
هجرة اليهود مقرونة بموافقة الأغلبية العربية الموجودة في فلسطين. كما كان هذا
الكتاب يحوي على قيود على حقوق اليهود في شراء الأراضي من العرب، انظر: عبد الوهاب
المسيري (د): موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، المجلد السادس، الجزء الأول،دار
الشروق، 1999، ص57- 58.
([91]) ريجينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية جذورها
في التاريخ الغربي، ترجمة: أحمد عبد الله عبد العزيز، عالم المعرفة، العدد 3،
الكويت، ديسمبر 1985، ص 7.
([92])
"וַיַּעַל
שָׁם דָּוִד, וְגַם שְׁתֵּי נָשָׁיו--אֲחִינֹעַם, הַיִּזְרְעֵלִית, וַאֲבִיגַיִל,
אֵשֶׁת נָבָל הַכַּרְמְלִי. וַאֲנָשָׁיו אֲשֶׁר-עִמּוֹ
הֶעֱלָה דָוִד, אִישׁ וּבֵיתוֹ; וַיֵּשְׁבוּ, בְּעָרֵי חֶבְרוֹן. וַיָּבֹאוּ אַנְשֵׁי יְהוּדָה,
וַיִּמְשְׁחוּ-שָׁם אֶת-דָּוִד לְמֶלֶךְ עַל-בֵּית יְהוּדָה " (שמואל ב פרק ב
/ 2- 4).
"فصعد داود إلى هناك هو وزوجتاه
أحينوعم اليزرعيلية وأبيجيل امرأة نافال الكرملي. وأصعد داود معه رجاله، كل رجل
وبيته، وسكنوا في مدن حبرون. فجاء رجال يهودا ومسحوا داود هناك ملكا على بيت
يهودا" (صموئيل الثاني 2/ 2-4).
([95]) (ארגון צבאי לאמי): المنظمة العسكرية القومية، وتُعرف أيضاً باسم "إرجون ــארגון" وهي منظمة عسكرية صهيونية
تأسَّست في فلسطين عام 1931م ، واستخدمت القوة والإرهاب في طرد السكان
الفلسطينيين، وبعد صدور كتاب
ماكدونالد الأبيض عام 1939م ؛ أصبحت قوات بريطانيا في فلسطين هدفاً لعملياتها المنظمة،
خاصة بعد إعلان "بيجن" التمرد على قوات الانتداب عام 1944م، وبعد قيـام
إسرائيل أُدمـجت المنظمة في الجيش الإسرائيلي، انظر: موسوعة اليهود واليهودية
والصهيونية، المجلد السابع، ص144.
وانظر أيضا ما ذكره موقع المنظمة عن الهجوم
على موقعها الإلكتروني: http://www.etzel.org.il/dates/frame.htm
"يحصي عدد الكواكب، يُسميها كلها بأسماء"
مزامير (147/ 4).