Sunday, September 09, 2012

متى يعطي المصريون ظهورهم للترعة؟!

منشور في موقع نريد:
http://www.noreed.com/InformationCenterDetails.aspx?InformationCenterDetails=640&&TopMenu1=4&&InformationCenterMain=4


النيل يعاني
        في الطريق الزراعي من المنصورة إلى المنزلة بالدقهلية والعكس تشاهد  منظرا يوميا على ضفتي الرياح الذي يغذي البلاد الواقعة على جانبيه بمياه الزراعة والشرب، مئات السيدات والفتيات يُشمرن جلابيبهن حتى تقترب إلى ما فوق الركبة، وينحنين في جهد دءوب لغسل أوانيهن في الماء، ثم يأتي الدور على المفارش والحصير، وقبلها في الصباح الباكر ينزل الرجال بحميرهم وخيلهم ومواشيهم ليستحموا معا، الإنسان والحيوانات في المياه التي تهددنا دول حوض النيل بمنعها عنا، في المياه التي تقل يوما بعد يوم، في المياه التي ما تزال كثير من القرى والنجوع المصرية محرومة منها.

        وطبعا في أيام الصيف لا نعدم المشهد اليومي لأطفال ومراهقين يتنافسون في الاستحمام في هذه المياه بملابسهم الداخلية، أو في كثير من الأحيان يخلعون كافة ملابسهم ليتباروا في السباحة والغوص عُراة كما ولدتهم أمهاتهم، ولا يكتمل المشهد إلا بوجود مجموعات من الفلاحين يُغرقون شكاير من الخضروات في نفس المياه لغسلها، بجانب الحيوانات التي تستحم وتتبول، وبجانب رغوة صابون غسيل الأواني، وأكوام القمامة التي ترتع فيها القوارض على جانبي الريّاح، هذا المشهد المأساوي أراه يوميا منذ نعومة أظافري مع أول مرة سافرت فيها من قريتي إلى مدينة المنصورة التي أقيم فيها الآن والعكس، وحتى يومنا هذا، في أواخر عام 2012، ما يزال هذا المشهد يكافح للبقاء.

        كلما أرى ما أرى ذهابا وإيابا أكاد أستشيط غضبا تارة، أو أبكي حزنا تارة أخرى، على أناس يلقون بأنفسهم إلى التهلكة، فهذه البلاد التي يجري فيها الريّاح لا تعاني من انقطاع المياه كثيرا مثل قرى أخرى في مصر، بل تعيش في مستوى أعلى مقارنة بغيرها في محافظات أخرى، لكن كثيرا من أهلها جُبِلوا على هذه العادات الذميمة التي يعرف القاصي والداني آثارها السلبية، تلوث ونقص المياه، وبالتالي تلوث المزروعات، واستنفاذ محاولات أكثر لتحلية وتكرير مياه الشرب، ناهيك عن انتشار الأمراض والأـوبئة بين هؤلاء الذين يرتكبون هذه الخطيئة يوميا، أشاهد هذا المنظر المقزز وأتذكر إعلانات التوعية التي قدمها لنا في الماضي الفنان الراحل محمد رضا، أتذكر قولته الشهيرة :"طول ما ندي ظهرنا للترعة، عمر البلهارسيا في جتتنا ما ترعى". وكم رعت وترعرعت وكبرت واستفحلت البلهارسيا في أجساد هؤلاء الذين يغامرون بحيواتهم يوميا، فتستوطن الأمراض المزمنة في أجسامهم، لا لشيء إلا لأنهم اعتادوا على هذا منذ أن خرجوا إلى العالم، ولم يجدوا ناصحا أمينا، ولا توعية سليمة، ولا قانونا صارما يُجرم ويمنع هذه الممارسات المُدمرة لمياه النهر الأعظم في العالم، ولصحة الشعب التي عانت الأمريْن.

        بالطبع هذا ليس قاصرا على هذه المنطقة فحسب، بل ما تزال أغلب القرى والنجوع المُطلة على الترع والريّاحات في مصر تمارس نفس هذه العادات الكارثية، إما لعدم وجود مياه في المنازل، أو لأنها عادات موروثة تحتاج لجهود خارقة لاقتلاعها ونبذها.

        لا أعرف هل ألوم المواطنين أم الحكومات المتعاقبة؟ هل ألقي باللائمة على الجهل والأمية والفقر؟ هل المشكلة في غياب الرقابة والقوانين الحامية لمياه النيل والحافظة  لحياة المصريين؟ لا أدري حقيقة، لكن هذا المشهد اليومي إنما يستحيل معه تخيل أننا في مصر بلد الحضارة، وفي عام 2012، وفي وطن أنجز ما أنجز للإنسانية.
الكل مسئول: الحكومات المتعاقبة، النواب الشعبيون، المنظمات المدنية، المواطن البسيط، وإن لم نتخلص من هذه العادات، وتنتهي هذي الممارسات بحق النيل، فلا داع للحديث عن مصر الجديدة، ولا مصر بعد الثورة، ولا مدينة العلوم والتكنولوجيا،...إلخ، فقط لنتحسر جميعا على هذا النيل العظيم الذي يوما سينقلب علينا غضبا. وهذا الشعب الذي يفتح أحضانه لجميع الأمراض المستوطنة.

No comments:

Post a Comment