الدولة اليهودية... وديمقراطية الاحتلال | نافذة لبنان
مقالي على موقع نافذة لبنان
المثير في تمسك إسرائيل بمسمى “دولة يهودية” هو إرفاقه بالديمقراطية، لتعلن عن نفسها “دولة يهودية وديمقراطية”، وهو مسمى متناقض تمامًا مع بعضه، فكيف تكون دولة ما ديمقراطية وهي تجبر كل من يعيشون فيها على اعتناق فكر ديني واحد شريطة منحهم حقوق المواطنة، والأدهى من ذلك أنها تحتل أرضا وتسعى لإجبار أهلها على اعتناق فكرها ودينها الأحادي وإلا يكون مصيرهم الطرد من أرضهم التي وُلِدوا فيها وعاشوا عليها.
محمد عبد الدايم – باحث وأكاديمي مصري
مقالي على موقع نافذة لبنان
في عام 1971 تم تدشين حركة “كاخ” اليمينة العنصرية على يد الحاخام المتطرف “مئير كهناه” الذي قدم إلى إسرائيل في نفس العام، وكلمة “كاخ” اختصار لـ”كهناه إلى الكنيست” ، ورفعت شعار “فقط هكذا”، واستهدفت إعلان إسرائيل دولة شريعة يهودية، وطرد الفلسطينيين من كامل أرضهم، ورفض حقوقهم المدنية والتاريخية، وبعد شد وجذب مع المجتمع ولجنة الانتخابات المركزية طيلة 13 عاما، فازت الحركة بمقعد واحد في الكنيست عام 1984 تقلده زعيم الحركة “كهناه”، ثم في عام 1988أعلنت لجنة الانتخابات المركزية في إسرائيل شطب الحركة مجددا من قائمة الأحزاب لأن برنامجها عنصري، وبعد مذبحة الحرم لإبراهيمي بالخليل على يد أفراد الحركة، أعلنتها إسرائيل تنظيما إرهابيا، وقبلها عام 1990 اغتيل “مئير كهناه” في نيويورك.
هذه المقدمة للإشارة إلى أن إسرائيل تحاول أن تنفض عن نفسها تهمة العنصرية، وأنها كما تعلن “دولة لكل مواطنيها”، لكن الواقع والتاريخ يؤكدان أنها دولة عنصرية في المقام الأول، تحتل أرضا، وتطرد أهلها، وترفض عودتهم، وتجبر من بقي فيها على التسليم بأنها “دولة يهودية وديمقراطية”، وإلا مصيرهم الطرد كغيرهم، والحقيقة أنها دولة احتلال ترفع قيم أبعد ما تكون عن المواطنة وحقوق الإنسان. ليس “كهناه” وحده هو العنصري المتطرف، بل كل قادة إسرائيل كذلك، فقد عبّر “كهناه” بشكل جلي عن التناقض بين اليهودية كدين والديمقراطية كفكر سياسي باعتباره إن إسرائيل لا يمكن أن تكون إلا دولة شريعة يهودية، ومن يرفض ذلك فلا مكان له فيها.
لم يكن الضغط الإسرائيلي على مسألة يهودية الدولة في جولة المفاوضات الحالية مع فلسطين أمرا جديدا، أو مفاجئا، فهذه المسألة إحدى أهم ركائز الخطط الصهيونية منذ تبلورت في المؤتمر الصهيوني الأول بسويسرا عام 1897، وبعد قيام إسرائيل وُضعت “يهودية الدولة” كأساس للمواطنة في فلسطين المحتلة، فقد ورد التأكيد على يهودية الدولة ضمن وثيقة إعلان قيام إسرائيل، التي صدرت عام 1948م، وفيها:
“فقد اجتمعنا، نحن أعضاء مجلس الشعب، ممثلو السكان اليهود في البلاد، وممثلو الحركة الصهيونية في يوم انتهاء الانتداب البريطاني على أرض إسرائيل، وبحكم حقنا الطبيعي والتاريخي بمقتضى قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة، نعلن عن إقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل هي دولة إسرائيل”.
“فقد اجتمعنا، نحن أعضاء مجلس الشعب، ممثلو السكان اليهود في البلاد، وممثلو الحركة الصهيونية في يوم انتهاء الانتداب البريطاني على أرض إسرائيل، وبحكم حقنا الطبيعي والتاريخي بمقتضى قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة، نعلن عن إقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل هي دولة إسرائيل”.
وطيلة عقود، تقلد في معظمها اليمين المتشدد في إسرائيل مقاليد الحكم، ومن ثم المفاوضات مع فلسطين والعرب، تكرر حديث قادة إسرائيل عن ضرورة الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وهذا الاعتراف بيهودية الدولة يعني بوضوح ضياع حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والتخلص من المواطنين الفلسطينيين في الداخل (عرب 48) ، في تناقض واضح لما تعلنه إسرائيل من أنها “دولة لكل مواطنيها”.
كما أن إسرائيل تهدف من وراء ترويجها لمسألة يهودية الدولة إلى جذب المزيد من اليهود في العالم إليها، والأبعد من ذلك أنها تهدف لإضفاء هالة من الشرعية على هدف صهيوني قديم، وبالتالي ترسخ لما تدعيه من شرعية تاريخية على أرض فلسطين، تواجه بها أي مسعى إيجابي يثمر جديدا في عملية السلام.
المثير في تمسك إسرائيل بمسمى “دولة يهودية” هو إرفاقه بالديمقراطية، لتعلن عن نفسها “دولة يهودية وديمقراطية”، وهو مسمى متناقض تمامًا مع بعضه، فكيف تكون دولة ما ديمقراطية وهي تجبر كل من يعيشون فيها على اعتناق فكر ديني واحد شريطة منحهم حقوق المواطنة، والأدهى من ذلك أنها تحتل أرضا وتسعى لإجبار أهلها على اعتناق فكرها ودينها الأحادي وإلا يكون مصيرهم الطرد من أرضهم التي وُلِدوا فيها وعاشوا عليها.
تعتبر إسرائيل إذن حالة استثنائية اعتمدت فيها الصهيونية كحركة استعمارية علمانية على الدين كحجة تاريخية لتبرير احتلال الأرض وطرد السكان ورفض عودة اللاجئين والتوسع في الاستيطان والسيطرة على القدس، وأقرب مثيل استعماري في التاريخ لهذه الحالة هو سلسلة الحروب الصليبية على الدولة الإسلامية، والتي رفع قادتها شعارات دينية لتزييف الحقائق واستعمار الأرض وطرد أهلها.
هذا الخلط الفاضح بين الدين والسياسة هو حجر الأساس الذي تستند إليها إسرائيل في وجودها على أرض فلسطين، اعتمادا على تزييف الحقائق باعتبار أن ما تحتله من أراض عربية، وما تسعى لاحتلاله، إنما هو جزء من “دولة مستقلة ذات سيادة أقيمت كدولة يهودية على أرض إسرائيل بفعل الحق الطبيعي والتاريخي للشعب اليهودي في أن يعيش مستقلا في دولته ذات السيادة”، وهذا التوصيف حددته المحكمة العليا في إسرائيل، ومازال التأكيد عليه حتى الآن في كل قرارات المحكمة العليا ومعظم التشريعات المتعلقة بالجنسية والهوية وقوانين الانتخابات وحرية العمل وغيرها، إذن فالمواطنة في إسرائيل حق لليهود فقط، سواء أن كانوا على الأرض أو خارجها كما قال “بن جوريون” عام 1950:
“ليست هذه الدولة يهودية من ناحية كون اليهود غالبية سكانها، إنما هي دولة اليهود حيثما كانوا، وهي لكل يهودي يريدها”.
“ليست هذه الدولة يهودية من ناحية كون اليهود غالبية سكانها، إنما هي دولة اليهود حيثما كانوا، وهي لكل يهودي يريدها”.