عصام ميكس، كل حاجة والعكس،
البداية مع صورة جماعية لمؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، وابتسامة عريضة، ثم نقلة
كبيرة تمثلت في فك أسر حزب الوسط بعد الثورة وجلوسه على مقعد النايب، تبعها ترشحه
لمجلس الشعب في دائرة بدمياط، وحرب ضروس مع الجماعة التي انشق عنها (صوريا)، ما
حدا بلجان الجماعة وأذنابها وصحفييها وموقعها للهجوم الشديد عليه، والوقح أحيانا، وتدثر
بعباءة المحارب الذي يواجه سطوة الجماعة التي قال عنها إنها تنتصر بالزيت والسكر،
ونصحها بألا تغتر بكثرتها لأنها لن تغني عنها من الله شيئا، ولم يكتف بذلك بل ترشح
على مقعد رئاسة البرلمان في مواجهة أستاذ الكيمياء الكتاتني، وسانده كل أقطاب
التيار العلماني في البرلمان، ولكنه أحس بالبطحة على رأسه حينما كتب مؤسس الجمعية
الوطنية للتغيير عن سقوط الأقنعة، فكشّر عن أنيابه وتحول إلى محارب من أجل
الجماعة، ليرجع إلى أصله الذي لم ينفصل عنه، فيهاجم من عضدوه ووقفوا بجانبه وجعلوا
منه وجها ثوريا له احترامه، ثم وصل إلى مرحلة التيه وانتابته الهواجس وشعوذ
بالخزعبلات واحدة تلو الأخرى، فنراه في الآونة الأخيرة، يهاجم - ضمن من يهاجمون-
وسائل الإعلام العميلة الفلولية المتربصة الخائنة، في حين يظهر يوميا على شاشاتها،
يجلس مع صحفي اليوم السابع (الفلول الأصلي) على تلفاز النهار فيهاجم الإعلاميين
جميعا، ولكنه يجامل مضيفه (المفضوح في السابق بتسجيل مكالماته مع أقطاب النظام البائد)
ويقول له بحنان الأم :"إنت حاجة تانية يا خالد، أنا ما أقصدكش".وبعدها يجلس مع فاتنة السينما
نجمة العاشرة مساء و إم بي سي السعودية ليجاملها هي الأخرى، ويواصل استعراءه
الجنوني بتصريح عبقري مفاده أن الطب الشرعي أثبت أن القتلى العشرة في الاتحادية
كانوا إخوانا، ولا نعرف هل استشف الطب الشرعي هذا من فصائل دمائهم أم أن الجماعة
تضرب وشما على صدور أعضائها الأبرار الأطهار، وهل العدد عشرة يساوي العدد ثمانية
الذي أعلنه مرشد النباتات، أم العدد ستة الذي أعلنه موقع الجماعة ، أم العدد خمسة
الذي صرّح به عبقري آخر من الجماعة، ولا نعرف إذا من يقصد بالهجوم إذن، وهو يتنطع ويتجول
على القنوات، وضع يده في يد الجميع قبل الثورة وبعدها، ليضرب المثل في "كل
حاجة والعكس"، لن نتوقف كثيرا عند تصريحات عضو سابق بالجماعة الأم بأنه عميل
لأمن الدولة، ورئيس البلاد القائم على شئون العباد يعرف ذلك جيدا، وحذر الجميع منه
سلفا... لكن لا يفوتنا أن نذكر أنه لم يتزحزح ولم يتنحنح ولم يُغير ابتسامته
الواسعة التي قلما يتخلى عنها، وأحاديثه التي يطعمها بأبيات شعر مرصعة، إنه عصام
سلطان ميكس، المعروف بعصام بك سبانخ
Friday, December 21, 2012
Monday, December 03, 2012
يا عزيزي كلنا فلول
أهلا وسهلا؛ فرصة سعيدة، تشرفنا بمعرفتكم، مرحبا بكم في جمهورية الفلول.
حينما أصدر الرئيس إعلانه "الدستوري" بالهيمنة على مصر، خرجت
جموع من الجماهير الرافضة لهذا الإعلان الاحتكاري، وبالطبع خرجت بينهم جموع من
أنصار شفيق الهارب، وأذناب النظام السابق، الغائب الحاضر، الذي يبدو أنه لا يفنى
من عدم، على الأقل حتى هذه اللحظة الفارقة المارقة العصيبة من لحظات مصر، التي
يبدو أنها أصبحت تعاني من آلام قولون مزمنة جعلت كل أيامها عصيبة.
المهم؛ بالعودة إلى من أُطلِق عليهم "فلول"، فقد وجد التيار
المؤيد للرئيس فرصة ذهبية للانقضاض على رموز المعارضة بدعوى سقوط القناع الثوري
الزائف عنهم، وظهورهم على حقيقتهم المرة: فلول، خونة، عملاء، أفاقين، وطبعا لم يخل
الأمر من التحابيش المعتادة التي يضعها المالكون الجدد لمفاتيح الجنة والنار،
الوكلاء الحصريون للشرعية الإسلامية على الأرض، الفرقة الناجية الوحيدة التي تلتزم
بدين الله، وتتمثل هذه التحابيش في إلقاء تهم التكفير على المعارضين الزنادقة
المنحلين العملاء الذين يتوجب ذبحهم وتعليق رؤوسهم على بوابات البلاد، ليتعظ
العباد، وإعطاء صكوك الغفران والتدين لقبيلة الرئيس وعشيرته وعائلته وجماعته وإخوانه
وسلفييه وزمرته الورعة التقية، الذين حاربوا وضحّوا لعقود طويلة من أجل إسقاط نظام
مبارك القمعي الكافر المستبد، فيما توارى أنصار المعارضة الحاليون وراء الستار
خائفين مذعورين منافقين للنظام لاعقين لبيادته التي داست فقط على المتدينين
الطيبين الورعين الذين حملوا لواء الشريعة وحدهم.
لنعد قليلا إلى الوراء أيها السادة، دعونا فقط نستعيد المشاهد من الماضي
القريب الذي يبدو أن كثيرين نسوه، أو تناسوه، أو لم ينسوه لكنهم طمروه في التراب
كي لا يراه الشعب ثانية، إذا كنا نتحدث الآن عن الثوريين الذي وضعوا أيديهم في
أيدي الفلول، وخانوا العهود والمواثيق، وباعوا الثورة المغدورة، فدعونا نقلب قليلا
في صفحات الماضي، قبل أن يحرقها الظلاميون كما حُرِقت كتب ابن رشد.
من كان يتهافت على الانتخابات البرلمانية في عهد مبارك؟ من كان يتنحى جانبا
احتراما لفتحي سرور وذكريا عزمي، ويرفض أن يتنافس معهما على الفوز بنيابة الدائرة؟
من أعطى لفتحي سرور صوته كي يصبح رئيسا لمجلس الشعب (في 2005 مثلا فاز فتحي سرور
باكتساح في وجود 88 عضوا من الجماعة)، من مِن رجال الدين قد قال شعرا في مبارك،
ومدحه مرارا وتكرارا، والآن يقول أن الإسلام أشرق أخيرا في مصر، بعدما جمع أمولا
من الشعب بدعوى التخلص من معونة أمريكا؟ ولم نعرف حتى الآن أين الأموال، ولم نتخلص
من المعونة الأمريكية، آه؛ بمناسبة أمريكا؛ من أول حزب أو جماعة أو تنظيم اجتمع
وتحاور مع الإدارة الأمريكية في مصر بعد الثورة؟ ومن تلقى دورات في العمل السياسي
على أيدي معاهد ومراكز أمريكية تم إغلاقها وتهريب العاملين فيها، ثم أرسلت حكومتهم
شكرا خاصة للجماعة التي بذلت جهدها لإخراجهم من مصر؟
لا يفوتني أن أتذكر مرشد الجماعة الثورية العظيمة، وهو يمدح في مبارك المخلوع، ولا يفوتني كلمته الرقيقة العامرة بالمشاعر الوطنية :"طظ في مصر".
لا يفوتني أن أتذكر مرشد الجماعة الثورية العظيمة، وهو يمدح في مبارك المخلوع، ولا يفوتني كلمته الرقيقة العامرة بالمشاعر الوطنية :"طظ في مصر".
حينما قامت الثورة في 25 يناير 2011؛ من كان أول الداعين لها، ومن كان آخر
اللاحقين بها في جمعة الغضب؟، حينما تحايل مبارك على مطالب الثورة، ووضع عمر
سليمان فوق أنفاسنا، من كان أول المجتمعين معه؟ لا؛ لا، لا تقل لي أن الرئيس
الحالي، ورئيس مجلس الشعب المنحل كانا حاضريْن. لا تقل هذا أرجوك، فرئيسنا ثوري،
وبرلماننا المنحل كان برلمان الثورة، البرلمان الذي التأم شمله فوق أجساد أبطال
محمد محمود، البرلمان الذي كان يرى بعيون شباب محمد محمود، البرلمان الذي لم يسع
لوضع قانون للسلطة القضائية، لم يضع قانون العزل إلا بعدما لاح لهم كابوس عمر
سليمان، البرلمان الذي رفض تعضيد الشعب له، ومطالبته بالانقلاب على الإعلان
الدستوري العسكري، ولم يستطع أن يقيل حكومة الجنزوري، البرلمان الذي كافأ وزير
الداخلية السابق بعد مذبحة بورسعيد، البرلمان الذي قام عضو فيه بعمل فاضح، وآخر قام
بعملية تجميل، ثم يتحدثون عن الشريعة.
حينما ربض المجلس العسكري على جسد الثورة، لم يكن هؤلاء الفلول في التحرير
واكلين شاربين نايمين معه، لم يوافقوا على الاستفتاء الأسود في مارس 2011، لم
يوافقوا على الإعلان الدستوري العسكري، كما وافق عليه التنظيم الحاكم الآن، لم
يُقبِل الثوار الفلول في التحرير وجنتي صحفي موالٍ للعسكر ومبارك.
في انتخابات الرئاسة حدث ما لم يتوقعه أحد، خرج مارد شفيق من قمقمه، وقد
كان الجميع تقريبا يتضاحكون على دخوله الانتخابات، مؤكدين أنه سيتذيل القائمة، في
حين دخلت الجماعة "الحاكمة" بمرشحها الاحتياطي، بعدما تم استبعاد
الأساسي، ربما لهدف رئيس، وهو منع المرشح أبو الفتوح المتمرد على الجماعة من
الوصول، وأعتقد أن الجماعة لم تكن لتجد غضاضة في فوز عمرو موسى بالرئاسة، عمرو
موسى الذي جلست معه واجتمعت قيادات الجماعة مرارا وتكرارا، والآن يتهمون التحرير
بالعمالة لأنه نزل معهم، عمرو موسى الذي لم يكن ليدخل اللجنة التأسيسية للدستور
لولا أصوات الكتلة الأكبر في البرلمان، كتلة الجماعة وذيلها المتأسلم المتمثل في
حزب النور.
غير أن نتائج شفيق كسرت كل القواعد، وتخطت التوقعات، وأصبح الخيار أمام
الشعب، إما نظام مبارك مجددا، أو نظام الجماعة التي فجأة ارتدت حلة سوبر مان،
وأصبحت قاطرة الثورية في مصر، وخيرتنا ما بين عهد مبارك، أو نسمات الحرية والثورة
تحت عباءتها، ولا نلنا عنب الشام، ولم أدركنا بلح اليمن.
نجح الرئيس "الثوري جدا" في الوصول للحكم بفضل أصوات مؤيديه، وكثير
من أصوات "عاصري الليمون" من القوى الثورية (الفلول الآن)، وتطلعنا
أخيرا للمستقبل، تنسمنا للحظات نسيم الحرية، وعبق الثورة، ثم كافأنا الرئيس
"الثوري خالص" بتكريم طنطاوي، بتكريم عنان، ولم لا؟! طالما أنهما مهدا
الطريق للجماعة بالاستفتاء المشئوم، والانتخابات البرلمانية التي جرت على أشلاء
الثوار، وأتحفنا الرئيس "الثوري قوي" بتكريم الجنزوري بعدما نال الأخير
سيلا من الهجوم والنقد قبل الانتخابات لأنه تجرأ على طلب قرض من صندوق النقد،
والآن تطلب حكومة الرئيس "الثوري للغاية" قرضا أكبر مما طلب الجنزوري،
وربما كان هجوم الجماعة على الجنزوري لأنه طلب قرضا بقيمة أقل مما طلبته حكومة
الرئيس الآن، حكومة الرئيس التي تكون بعد معاناة وطول انتظار لتشمل في النهاية
وزراء من قلب لجنة سياسات جمال مبارك، ليديروا أمور مصر بعد الثورة، والمكافأة الكبرى للواء الذي أشرف بنفسه على
مذبحة محمد محمود التي جرت الانتخابات البرلمانية السابقة على أجساد ضحاياها، إضافة
إلى محافظين – معظمهم ذوي رتب عسكرية – من أذناب مبارك، ولا ننسى رجال الأعمال المحسوبين على نظام مبارك والحزب الوطني المنحل الذين رافقوا سيادة الرئيس في رحلاته المكوكية خارج مصر.
وتكتمل الصورة بالكشف عن لقاء سري لقيادات ثاني أكبر حزب في مصر مع شفيق
عشية انتخابات الإعادة، الحزب الذي يرفع شعارات الدين والشريعة والتقوى والصدق
و...و...و، الحزب الذي يتهم الثوار الآن بالكفر والانحلال والعمالة، ثم يهاجمنا
أنطاع حزب الظلام هذا بقولهم أن القيادات اجتمعت مع شفيق من أجل حقن دماء
المصريين، متناسين أن معظم من أعطوا أصواتهم لشفيق إنما هم من المصريين الرافضين
لهؤلاء الأفاقين المنافقين المُقنّعين بقناع التقوى الزائف، معظم من أعطوا أصواتهم
لشفيق من المصريين العاديين الذين يكرهون التغيير، الذين يرفعون شعارات "إحنا
شعب ما يجيش إلا بكده"، و"أديها كانت ماشية"، و"الثورة خربت
البلد"، من يمكن تصنيفهم سياسيا بالمحافظين، ومنهم الآلاف الذين صوتوا لشفيق
لأنهم رأوا الوجه الحقيقي القبيح لأدعياء التقوى، والخائفين على عائلاتهم وحرياتهم
من الطاغوت المستبد باسم الدين.
ومع ذلك فمن في التحرير هم فقط الفلول، هم فقط
العملاء الزنادقة، هم فقط الخونة، هو أولياء الشيطان، وأدعياء التوتر والفوضى، والرئيس
وجماعته وزمرته هم رموز الثورة، لا، بل هم الثورة بعينها.
يا عزيزي إذا تأملت مليا ستجد أننا بلا فخر شعب من الفلول. يا عزيزي كلنا
فلول.
Saturday, October 27, 2012
مصر بين التجريف والتجهيل
بعيدا
عن الفساد والظلم والتسلط والديكتاتورية وغيرها مما تفشى في عهد مصر مبارك؛ إلا
أنه لم ينجح في شيء قدر نجاحه في تجريف الشخصية المصرية، وتجهيل الشعب، فمن أعظم
مفاسده على الإطلاق تعمده إبعاد وإقصاء ودفن القيادات الشابة والموهوبين والمخلصين
والوطنيين من المصريين عن المواقع التنفيذية والقيادية والعلمية والثقافية
والجماهيرية.
في
المقابل اتبع مبارك ونظامه منهجا جاسوسيا مُدمرا لأوصال الدولة بتنصيب الفاسدين
والمتلونين وأصحاب النفوذ والسلطة في المناصب والمراكز القيادية في كل أرجاء
الدولة، فبإضافة إلى كونهم وصوليين وانتهازيين وطامعين في لحم الوطن ورزق المواطن؛
كذلك ظهرت واضحة للعيان أمارات كسلهم
وفشلهم في العمل والإدارة والتفكير، فوصلنا إلى حال يندى لها الجبين من الفساد
والتخلف والبيروقراطية.
على
جانب آخر نجح مبارك بجدارة في مسعاه نحو تجهيل الشعب المصري بكل طوائفه، والتجهيل
لم يكن قاصرا على فئات بعينها تشيع بينها الأمية والفقر، بل شاع الجهل في جميع
الأوساط الشعبية وعلى جميع الأصعدة، بداية من الفلاح الأمي وصولا إلى أساتذة
الجامعات.
واستند
النظام البائد في إشاعة الجهل إلى مجموعة من الأدوات التي استغلها بمهارة شياطين
الإنس، بداية من تجويع الشعب، ليبحث فقط عن قوته بدلا من غذائه الروحي وثقافته،
مرورا بتقييد كل محاولة للإبداع والثقافة، بل أية محاولة متواضعة للتفكير والبحث
والتنوير، معتمدا في ذلك على منظومة متشابكة من الأسلحة التي أصابت العقل المصري
في مقتل، حيث تعمد النظام المباركي - ومن قبله الساداتي - إهمال التعليم، والتفرقة
بين طوائف الشعب تبعا لمستوى سلطة كل طائفة، وربط أمن المصريين بخنوعهم للحاكم،
وكبت كل مساعيهم نحو تطوير أنفسهم ماديا واجتماعيا وفكريا وثقافيا.
هذه
الشبكة العنكبوتية نتاج تجريف العقل المصري وتجهيله لم تستطع أن تخترق جماعات
الشباب المصريين الذين انفتحوا - رغما عن السادات ومبارك - على العالم الخارجي،
فلم يعد بإمكان أي حاكم ديكتاتور أن يغلق على أبناء شعبه كل المنافذ والأبواب، ولم
يعد باستطاعته وضعهم جميعا في قمقم واحد، فيخرجهم متى يريد ويحبسهم متى يشاء.
وحينما
تطلع هؤلاء الشباب على العالم وما يجري فيه نظروا إلى أنفسهم وأهليهم مليا، فتبادر
على الفور سؤالهم عن مكانة مصر بين بلاد العالم، أين هي من العالم الحر، أين مصر
التي ما خضعت لمُحتل، أين هي من العالم المتحضر، أين هي من الفكر والثقافة
والعلوم، أين خيراتها ونيلها ومنابع أرزاقها، أين تراثها وحضارتها العريقة الآن،
أين عقول أبنائها وسواعدهم، أين أزهرها الذي أنار العالم بالإسلام الوسطي الذي
ينفع الناس، أين هي من التسامح والحميمية؟! و الإجابة عن كل هذه التساؤلات هي ثورة
25 يناير.
تفاءلنا
كثيرا وحلمنا بمصر الجديدة، غير أننا لم نتعلم من أخطاء الماضي، فلم نلفظ الماضي
الكئيب برمته، أخطأنا حين تنازعنا ففشلنا فذهبت ريحنا، وأخطأنا أكثر حينما بدأنا
نضع أساس الدولة الجديدة فوق ركام الدولة العميقة، ربما ظن البعض أن أشباح الماضي
لن تظهر مجددا فتخيفنا وتدمر حلمنا، وهذا الظن المبني على حسن نية ساذج هو ما أدى
بنا إلى هذه الحال.
من
قام بالثورة مصريون استطاعوا الهروب من مقصلة تجريف العقول وتجهيل الشخصيات، غير
أنهم سلموا كل ثورتهم بمنجزاتها لأولئك الذين كانوا عماد النظام المباركي البائد،
بحكومته ومعارضته، هذا النظام الذي ولّد لنا مسخا يطاردنا حتى الآن.
بعد
ما يقرب من عامين على الثورة ما يزال المفكر الذي ينورنا هو نتاج نظام مبارك، ما
يزال العالم يُنظّر لنا بعقلية مبارك المُجرفة، انظر إلى من يتصدرون المشهد الآن،
المشهد بكامله، انظر إلى الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، انظر إلى عقليات الساسة
والخبراء والمفكرين الذين يتولون أمرنا ويقودونا ويحتلون حياتنا، في الشارع ، في
وسائل الإعلام، في المناصب، في الحكومة، في المعارضة، للأسف ستجدهم نفس الشخصيات
الوصولية المتنطعة التي لعب نظام مبارك في عقولها، تكتشف مدى خوائهم الفكري
وانتهازيتهم السياسية وجهلهم الديني وتلونهم الفاضح.
إلى
الآن بعد كل ما بذله مصريون طاهرون من أجل مصر منذ اندلاع الثورة يقودنا ساسة
منافقون، حكومات ديكتاتورية مستبدة، معارضة حنجورية بلا فعل، مُدعين دين جهلة
يتذرعون بحكمة زائفة وتدين شكلي، مجموعات من المتنطعين على شاشات التلفاز وصفحات
الجرائد يدعون الحكمة والعلم والدراية يخدعون أنفسهم بالبزات الأنيقة أو الرداء
الأبيض وزبيبة الصلاة، ويختفون وراء شعارات زائفة.
أيها
السادة؛ نظام مبارك لم يسقط، رجال مبارك لم يرحلون، فقط وضعنا الديكتاتور في
مستشفى السجن، وتركنا آله وزمرته وجحافل زبانيته يمرحون في الأرض بغير الحق، فإذا
كنتم تبغون مصر الجديدة حقا فعليكم أولا أن تلفظوا هؤلاء جميعا، فقد وضح جليا الآن
أنه لا فارق بين نظام مبارك والنظام الحالي إلا في الشكل الخارجي، بيد أن الأسلوب
هو نفسه، والعقلية هي ذاتها، فهؤلاء جميعا
نتاج منهجية التجريف والتجهيل.
Subscribe to:
Posts (Atom)