Sunday, February 26, 2012

سلفني 3 جنيه





نستيقظ كل يوم لنجد فلانا يطالعنا بمبادرة لتبرع إلى جمعية خيرية، إلى مؤسسة علمية، إلى مستشفى عام، إلى ميزانية الدولة، أو حتى إلى ميزانية الجيش، فأصبحنا دولة متفردة، حيث أن دخل الأفراد فيها يدور في دائرة بدايتها ونهايتها في جيب الحكومات التي يبدو أنها تحولت إلى مجموعات تسول، سواء بالحسنى، أو بالقهر عن طريق فرض رسوم وضرائب وإجبار على التبرع بجزء من الأجر، ليصل الأمر إلى نوع من الإتاوة.
بعد أن تسلمت حكومة "شرف" مقاليد الأمور بعد الثورة قرر وزير المالية آنذاك "سمير رضوان" فتح حساب بنكي، ودعا المصريين للتبرع من أجل إعادة بناء مر بعد الثورة، وبغض النظر عن مستوى حكومة "شرف"، أو عن رفضي لهذا الأسلوب في حل المشكلات المالية؛ فإنني تحمست للفكرة كثيرا، واعتقدت أن الجميع كذلك، غير أنني فوجئت بأن مجموع ما تم جمعه لم يتعد 15 مليون جنيه، والآن يطالب رجل دين لا يدري شيئا في أمور الاقتصاد، ويبدو أنه لا يعلم شيئا عن اتفاقية كامب ديفيد فيطلق مبادرة لجمع الأموال من المصريين للاستغناء عن المعونة الأمريكية، والكارثة أننا فوجئنا بتجاوب الحكومة والمجلس العسكري والمؤسسات الدينية، وكأن هؤلاء جميعا اتفقوا على "استعباط" الشعب المصري، فالمعونة ـ والملايين تعلم ـ أغلبها مساعدات عسكرية، وليست طعاما أو شرابا، والمعونة بند في اتفاقية كامب ديفيد لن تتجرأ الولايات المتحدة على إلغائه، كي لا نتجرأ ونعدل الاتفاقية، فتخسر إسرائيل "وداعة" مصر، وبفرض أن المصريين جمعوا ما يساوي مبلغ المعونة، هل سنسلمها للقوات المسلحة؟ وماذا عن المعونة في الأعوام القادمة؟ هل سيتبرع المصريون طوال حياتهم على هذه الأرض؟، والأهم من هذا؛ أين كان رجل الدين من مبادرة "سمير رضوان"، والتي لو كان النجاح قد أصابها؛ لكان طريق الإصلاح أقل تعقيدا.
تتصاعد الآن الدعوات بالتبرع لإنعاش الاقتصاد المصري، ولا تتصاعد الخطوات التي تفكر في حلول عملية لانتشال مصر من كبوتها الاقتصادية، وكأننا دولة فقيرة الموارد تعاني من القحط، وكأن قناة السويس أُغلقت، أو أن الغاز نفد، أو جفت آبار النفط، وكأننا نستفيد حقا من منجم السكري.
في عهد "عصام شرف" سمعنا عن تطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور، ولم يخرج القانون إلى الضوء، ثم أ‘لن وزير المالية الحالي أن القانون سيتم تطبيقه في يناير 2012، يناير الذي مضى، ولم نر شيئا، لنستيقظ كل يوم على نواح وعويل المسئولين على حالنا، ومصر التي ستعلن إفلاسها، والحقيقة أن هؤلاء المسئولين يخشون تطبيق الحد الأقصى للأجور، أو لا يرغبون في هذا.
جاءت حكومة " الجنزوري"تحت مُسمى الإنقاذ، ولكنها تجرنا معها للقاع، فلا أنقذت، ولا تركت غيرها يُصلح، ولا نسمع من برلمان الشعب إلا سفسطة فارغة، لا أدري لماذا لم يُطبق قانون الضرائب التصاعدية، أو فرض ضريبة على البورصة، لا أدري كم من المكاسب تحققها المشاريع الاقتصادية المملوكة للقوات المسلحة، وهل تدفع هذه المصانع ضريبة أم لا؟.
مسألة التبرع أمر معتاد في العالم كله، ولكن ليس من أجل خزينة الدولة، بل من أجل منظمات مجتمع مدني، ومؤسسات بحثية وأكاديمية تعمل على إنتاج حلول للأزمات التي تواجهها الدولة، ومنها الأزمات الاقتصادية بالطبع، في حين أن حكوماتنا المتعاقبة تأخذ بيسارها ما تعطيه للمواطن بيمينها، وكأنها عصابات بلطجية تقف على نواصي الشوارع تفرض إتاوات على الناس.
كلنا يعلم المثل القائل "من أعطاني سمكة أطعمني يوما، ومن علمني الصيد أطعمني كل يوم"، ونحن في مصر نعطي السمك كله للحكومات، فتتواكل عن النهوض الاقتصادي، وتعتمد فقط على مبادرات شعبية لا تسمن ولا تغني من جوع، في حين يعلم الجميع أننا نمتلك من الثروات ما لا تملكه أية دولة في مثل ظروفنا، ثروات طبيعية، عقول بشرية، أيدي عاملة، عزيمة مصرية أصيلة، ونفرط في هذا كله لنعطي الضوء الأخضر للحكومات والقطط السمان كي تنهش الكنوز الدفينة والظاهرة في مصر، ثم يتحولون إلينا ويرسمون وجه الأرملة المعوزة التي تمد يدها.
نهضت ماليزيا اقتصاديا لأن القائمين على الأمور هناك جعلوا الضمير الجمعي حجر أساس التنمية والتقدم، مع انتهاج الديمقراطية، والحرص على العدالة الاجتماعية، ولم نسمع أن "مهاتير محمد" طلب من الشعب الماليزي أن يتبرع، ولم يمد "رجب طيب أردوغان" يد حكومته إلى شعبه كي يؤسس تركيا الحديثة.
مصر ستصبح دولة عالم أول اقتصاديا بالعمل، بالشفافية، بنظام ضرائب عادل، ببنية أساسة شاملة، بديمقراطية مدنية حقيقية، ولن تكون أبدا دولة ذات ثقل اقتصادي إذا أصررنا على نظرية "سلفني 3 جنيه".  

منشور في موقع قناة نريد:





Thursday, February 23, 2012

رجاءً؛

(قصيدة احتجاج مُترجمة بتصرف)

إذا كانت ذكرانا غالية عليكم،
إذا كانت ثورتنا أحسنت إليكم
فرجاءً ؛ رجاءً،
امنحوها عاما،
عقدا، عشرين عامٍ
لتنعم بنسيم الحرية
لتتدثر بكساء
الوطن الجديد.
فحتى الأسماك في البحيرة
في حاجة لمياه رطبة،
وأنتم تتلقفوننا بجوارِحكم حتى النَصَب

من فضلكم ، أبعِدوا عنا
هُراء أفواهكم،
فالثرثرة الشوفينية
والمراوغة العسكرية
والأحابيل السياسية
والكوميديا البرلمانية
لا تنال قبولا من السماء
فأبوابها مفتوحة وسخية
لكل إنسان.
وليس للضباط
والشيوخ والقساوسة
وذوى المناصب؛
والنواب
سيادة علينا.

لذا؛ اصمتوا،
ودعونا نستمع للسماء،
ولحزن الأم الثكلى،
وبكاء المظلوم
المسيحي والمسلم،
وما يقوله الفلاح،
والجائع في الصعيد،
والثائر في الميدان،
وما ينشدونه على ضفاف النيل.
إذا تعلمتم شيئاً
من التطلع لأكوام جثثنا،
رجاءً، تأملوا عينا
طفلٍ في التاسعة.
يتمنى وطنا يؤويه
ولا ترفعوا قدماً
فوق حواجز القهر
التي قضت علينا،
فقد علمتنا التجربة
أن المعتقل
المُخصص للآدميين
يحبس سجّانَه
ولو بعد حين
ولو بعد حين.

رجاء: شعر "أهرون شبتاي- אהרון שבתאי"، ديوان "شمس يا شمس- שמש שמש" 2005، ترجمة عن العبرية بتصرف: محمد عبد الدايم.


Sunday, January 29, 2012

انتحار الليبراليين




   كان من المفترض ـــ في هذا التوقيت تحديدا ـــ أن أتحدث عن واحد من الأحداث الجارية الآن في مصر، مثل الذكرى الأولى للثورة، الخطاب الأخير للمشير، بدء جلسات البرلمان وما شاهدناه من سيرك سياسي يدعو للقلق ويبعث على الأمل في نفس الوقت، كان من المفترض أن أتحدث عن نشوز الإخوان، عن جرائم المجلس الحاكم، عن الملاحقات الموتورة للثوار والناشطين، أو الكوميديا السوداء في المحاكمات، عن البرادعي الذي يسبق الكثيرين بفكره سنوات ضوئية، عن قانون الأزهر المطبوخ، عن قانون الطوارئ المرفوع قولا لا حقيقة، لكني آثرت أن أترك كل هذه القضايا والمسائل وأتطرق إلى موضوع آخر يتعلق بحال ومستقبل التيار الليبرالي السياسي في مصر خاصة بعد انتخابات مجلس الشعب.
لم أُعنوِن المقال بـ "الليبرالية المُفترَى عليها" لعدة أسباب، أولها أن هذا العنوان تكرر كثيرا، ثانيها أنني لن أتناول تشويه الليبرالية وأنصارها من المعارضين لها، وثالثا لأن الأمر لم يعد مجرد افتراء أو تشويه، بل تعداه إلى انتحار الليبراليين أنفسهم، فأُعبِّر في المقال عن نوع من النقد الذاتي لأنصار الليبرالية ــ وأنا منهم ــ وأتساءل: لماذا يصرع الليبراليون أنفسهم، لماذا يقفون في مرمى النيران بيدهم لا بيد غيرهم؟!.
ولذلك لن أتحدث في المقال عن تعريف الليبرالية، أو عن دور أنصارها في الثورة المصرية، لن أتحدث عن الحملات المسعورة ضدها، أو عن تعريفها من قبل المنتسبين لتيارات دينية، ليظهر أنصارها أمام المجتمع عبارة عن مجموعة مارقة لديها شبق جنسي شاذ، وتستحب التظاهرات العارية على الدراجات، تكره الحجاب، وتعيش على أموال أجنبية، ناهيك عن التوأمة السرية مع اللهو الخفي المُسمَى تجاريا بـ "الماسونية"، فلست ممن يجيدون الكتابات الساخرة.
يرى الكثيرون أن نتائج انتخابات مجلس الشعب جاءت بنتائج مخيبة للآمال بالنسبة للتيار الليبرالي، ولست من بين هؤلاء، فأنا أرى أن الليبرالية حققت إنجازا كبيرا في المعركة الانتخابية بالنظر إلى حملات الافتراء والتشكيك والتكفير، وعدم التوعية، وسوء إدارة العملية الانتخابية، وغياب تكافؤ الفرص بين التكتلات السياسية المتنافسة، وقبل كل هذا الأخطاء الكارثية لليبراليين أنفسهم.
لم تتعد نسبة الليبراليين في مجلس الشعب نسبة الـ 20% بالمائة، موزعة على أربعة تكتلات هي الوفد والكتلة المصرية وتحالف الثورة مستمرة، والعدل، إضافة إلى مستقلين، وهذا ما لا يقارن بما حققه التيار المحافظ (المُعروف إعلاميا بالإسلامي) الذي سيطر على ما يقرب من 70% من المقاعد.
طالما بدأتُ بالحديث عن مجلس الشعب والنتائج، فأتطرق أولا إلى جرائم الأحزاب والكيانات الليبرالية، والبداية مع حزب الوفد الذي صار تاريخا ليس له مستقبل، بخلاف ما روجه في دعايته الانتخابية، هذا الحزب الذي كان عريقا ربما هو أول كيان سياسي رفع لواء الليبرالية في مصر، لكنه وصل الآن على يد زعيمه البدوي وزمرته إلى مرتبة الحزب الكارتوني الأول في مصر، فلم يعد خافيا على أحد أن الوفد تحت رئاسة السيد البدوي كان ذراعا للحزب غير الوطني المنحل، وبعد الثورة ظن الوفديون الجدد أن حزبهم عاد ليتقلد الزعامة من جديد، وذلك قبل أن يخرج الوحش الديني من كهفه، فتأسس حزب الحرية والعدالة ممثلا عن جماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور ممثلا عن من يكنون أنفسهم بالسلفيين، ومن ثم توارى الوفد فورا ومجددا خلفهما، وعاد ظلا كما كان قبل الثورة، وعندما وجد الوفديون أن التوازنات السياسية ليست في صالحهم؛ حاولوا تصحيح الأمور، لكنهم بدلا من "تكحيلها" "عموها"، فكان الحل الأولي السهل المتمثل في كسب ود المجلس العسكري في مناسبات عديدة، وعندما اقتربت الانتخابات ولم يجد الوفد في صفوفه من يمثله اتجه لجمع شتات أعضاء الحزب المنحل، وهو ما زاد الطين بلا، لكن كل هذا لا يقارن بالحركة الانتحارية الأخيرة، بعد مغازلة الوفد لجماعة الإخوان المسلمين وسعيه للتحالف مع الحرية والعدالة ثم تملصهم من التحالف سريعا، شخصيا لا أعترض على تحالف حزب ليبرالي مع الإخوان أو غيرهم من الجماعات الدينية، خاصة في هذه الظروف التي تمر بها مصر، والتي تحتاج إلى تضافر القوى والاتحاد، ولكني أعترض على إنكار الوفد أيديولوجيته الليبرالية، والتهرب منها كأنها جريمة مخلة بالشرف، وذلك ابتغاء لبضعة مقاعد برلمانية وشرف مصطنع، وتمسح بالقوى السياسية المسيطرة على الشارع.
نفس جرائم الوفد تقريبا ارتكبتها الكتلة المصرية، على رأسها احتضان الفلول، إضافة إلى التحالف مع حزب التجمع الذي لا يختلف كثيرا عن الوفد في تصنعه المعارضة قبل الثورة، وارتضاء قادته بفتات الحزب المُنحل، لكن أخطاء الكتلة المصرية أفظع من الوفد، لأن اثنين من أحزابها الثلاثة تأسسا بعد الثورة، وكان مأمولا منهما أن يكونا أكثر مسئولية وتنظيما، بل كان منتظرا منهما من البداية أن يكونا حزبا واحدا، بدلا من التشتت والانقسام، لكن يبدو أن مؤسسي الحزبين آثروا أن يكون كل منهم زعيما أو قائدا بدلا من وقوفهم في صف واحد، وهذا ما يجعلني أُعمم الخطأ على باقي الأحزاب والتكتلات الليبرالية، لماذا لم تستغل هذه الكيانات حالة التوحد بعد الثورة لتأسيس حزب واحد يستطيع المنافسة بقوة في الانتخابات البرلمانية؟ لماذا تشتت الليبراليون، وتنازعوا ففشلوا وذهبت ريحهم في أحزاب صغيرة لا تستطيع الصمود، لماذا لم ينضوِ أعضاء الجبهة الديمقراطية مع المصريين الأحرار مع المصري الديمقراطي الاجتماعي مع مصر الحرية مع العدل مع الوعي مع غد الثورة مع التيار المصري، وغيرهم من المستقلين تحت راية واحدة؟ وما يبعث على المرارة أكثر أن أعضاء هذه الأحزاب يقولون ما لا يفعلون، ويظهرون الجانب السيئ فيهم، بل ويدهسون كثيرا من مبادئ الليبرالية تحت أرجلهم، والاتهام هنا أوجهه إلى المصري الديمقراطي الاجتماعي وحليفه المصريين الأحرار، فالأول دخل الحلبة السياسية بقوة إيجابية معتمدا على كوادر أكاديمية مؤيدة بقوة للثورة، لكن هذه الكوادر نفسها في رأيي تجذب الحزب بقوة للوراء، على الجانب الشخصي أحترم بشدة د. محمد أبو الغار، ود. عماد جاد، لكن هذا الثنائي يرتكب أخطاء جمّة، على رأسها تصدرهما وحدهما تقريبا للمشهد في الحزب، فعندما أتوجه بناظري إلى حزب ليبرالي تأسس بعد ثورة قادها شباب أنتظر أن يقوده شباب، وأن يتوارى الثنائي الأكاديمي المخضرم خلف الستار، لينحصر دورهما في التخطيط والتوجيه والنصح، بدلا من انتشارهما المبالغ فيه أمام الكاميرات التلفزيونية وفي الأخبار الصحفية، إضافة إلى أن التدرج الهرمي في الحزب يحمل في نظري قدرا من الطبقية المرفوضة، حيث يقف في صدارة الحزب مجموعة من الأكاديميين والجامعيين، في حين لا نكاد نرى دورا لبقية أعضاء الحزب، ومن المؤكد أن الأكاديمي المتميز لا يمكن بالضرورة أن يكون سياسيا ماهرا.
 وربما تبدو الصورة أفضل قليلا بالنسبة للمصريين الأحرار، لكن الحزبين معا يرتكبان الحماقة الكبرى، والتي ربما ورثاها عن حليفهما د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع الآيل للسقوط، وهي مهاجمتهما للتيار الديني بداعٍ أو بدون داع، دون أن يأخذا على عاتقيهما محاولة إيجاد حلول عملية للمنافسة وأخذ زمام المبادرة من التيارات المتحدثة باسم الدين، والتي أختلف معها تماما، بل وأعتبرها من معوقات نجاح الثورة في مصر، ولكن ماذا قدمت الأحزاب والكيانات الليبرالية للشارع؟ لماذا تدخل في صراع سفسطي وجعجعة سياسية مع القوى المنتصرة اعتمادا على مبدأ :" شيلوه من فوقي وأنا أضربه"؟!.
الإنصاف يقتضي منا أن نقول أن التيارات الدينية قدمت للمواطن المصري كثيرا مما يحتاجه في ظل غياب دور الحكومات المتعاقبة، في حين لم تقدم الأحزاب الليبرالية شيئا، لم تحسن من صورتها بطريقة عملية، لم تتقرب من المواطن العادي، بل فضل مؤيدوها الظهور في الفضائيات والصحف من أجل التنظير والتثقيف وتعليم المصري ما لا يستطيع إدراكه بمفرده، مكتفين بدور النخبة والصفوة التي ترتدي البذات الفاخرة، وتتحدث بلغة متعالية على الجميع، رغم معرفتي الأكيدة أن كوكب المريخ ليس موطنا لهؤلاء، بل دولة مصر الكائنة في منتصف الكرة الأرضية، والتي ترزح تحت الفقر والجهل، لكنها في ذات الوقت لا تستسيغ من يتعاملون مع أهلها البسطاء بدونية في الملبس والحديث والتعامل.
 لذلك أشعر بضيق شديد حينما يتحدث أبو الغار، أو عماد جاد، أو محمد أبو حامد بلهجة الشاكي المتباكي، مُصرّين على أنهم ملائكة يعانون من منافسة غير شريفة تخوضها التيارات الدينية، في حين تؤكد جميع الشواهد أن الكتلة المصرية والوفد الآيل للسقوط ارتكبا نفس التجاوزات التي ارتكبتها الأحزاب الدينية في معركة الانتخابات، ولكن ربما بصورة أقل، هذا لا يجعلني متفقا مع هذه التيارات التي تتخذ من الإسلام مطية لتحقيق مطامعها السياسية، ولكن يجب أن ننظر للواقع الذي يؤكد سيطرة الحرية والعدالة والنور على الأغلبية في مجلس الشعب، وبالتالي لهم الحق في قيادة المسيرة السياسية.
من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها الليبراليون ـــ أحزابا ومستقلين ــ أنهم تركوا الحبل على الغارب لكل من يتحدث نيابة عنهم، فلا أدري من منح نجيب ساويرس لقب راعي الليبرالية في مصر، وهو لا يتعدى كونه رجل أعمال داهن نظام مبارك كثيرا، والآن يحاول جاهدا تقلد منصب الثائر، لا أدري هل إنفاقه على الكتلة المصرية يعطيه صلاحية الكلام، ليهدم كل ما ينجح الليبراليون في بنائه؟ ونتائج المراحل الانتخابية الثلاثة أبرز شاهد على هذا، حيث تقهقرت الكتلة المصرية بشدة في المرحلتين الثانية والثالثة بعد التصريحات الهوجاء لنجيب ساويرس، ونجم الإعلام عماد جاد.
الأمر ليس مقتصرا على أعضاء الأحزاب الليبرالية فحسب، بل يتهور كثيرا من المستقلين في أفعال وأقوال تحط من شأن التيار الليبرالي بكامله، وممدوح حمزة من أبرز الأمثلة على هذا، إضافة لبعض سقطات الليبراليين من الثوار، وتقوقعهم في خندق العالم الافتراضي، دون مواجهة العالم الحقيقي الذي يتفاعل إيجابيا مع المتعاملين معه برفق، ببساطة، بتواضع، ويحتقر من يرفعون شعارات الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير؛ في حين أنهم اعتبروا اختيار الأكثرية من المصريين نوعا من السذاجة الشعبية الناتجة عن جهل وتغييب .
أيها الليبراليون كفاكم عبثا وتسفيها لمبادئ التيار، انظروا للواقع بإنصاف وتعقل، لا تقفوا في مواجهة الآخر المستعد المسيطر دون سلاح، دون التمسك بالقيم الإيجابية لليبرالية، دون الاتحاد، دون احترام المواطن المصري، لا تُضيقوا الخناق أكثر على رقبة الليبرالية المصرية، وإلا ستعود مصر قرونا إلى الوراء، أرجوكم لا تنتحروا سياسيا، فالأمل يلوح في الأفق.
معا سنغير

منشور في موقع قناة نريد:

Saturday, January 21, 2012

لماذا الثورة مستمرة...في الدقهلية

ربما يعتبر البعض أن ما حصل عليه التحالف المكون من شباب غير منتمين إلى أحزاب عتيقة -قدما أو ثقلا سياسيا - قليل أو لا يتناسب مع طموح الثوار ونظرتهم الحالمة إلى هذاالتحالف، غير أنني أعتقد أن تحالف الثورة مستمرة هو الذي منح الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الثورة بريقا ووهجا لامعا، فحين ننظر بتأمل إلى هذا التحالف وما حققه من نتائج إيجابية مقارنة بغيره من الجماعات والأحزاب نتأكد على الفور أن الثورة مستمرة فعلا لا قولا.

تحالف الثورة مستمرة الذي باركه وسانده د. محمد غنيم الغني عن التعريف؛ واجه ظروفا قاسية، وتحديات كبيرة، تمثلت في تدهور شعبية الثورة لدى قطاع من الشعب بفضل السياسة الإعلامية المباركية التي لا تزال فاعلة، إضافة إلى النقص الرهيب في التمويل، مما حد كثيرا من الحملات الدعائية للتحالف، ناهيك عن المنافسة الشرسة من التكتلات السياسية الديناصورية متمثلة في حزب الحرية والعدالة وحزب النور، والكتلة المصرية، وعشرات الأحزاب الأخرى هذا غير حشود الفلول والمستقلين.

تدرجت نتائج تحالف الثورة مستمرة تصاعديا في المراحل الانتخابية، إلى أن وصلت إلى أعلاها في المرحلة الثالثة، وحصل التحالف على نصيب الأسد من الأصوات في محافظة الدقهلية، ففيالدائرة الأولى (المنصورة ومركز المنصورة وطلخا وبلقاس وجمصة ونبروه) جاءت قائمة الثورة مستمرة في المرتبة الثالثة بعد قائمة الحرية والعدالة وقائمة النور، متفوقةعلى الوفد بتاريخه والكتلة بدعايتها والفلول بأحزابهم الجديدة المستنسخة من الحزب الوطني المنحل، وفي الدائرة الثانية (دكرنس ومنية النصر والمنزلة ومنية النصر وميتسلسيل والمطرية والجمالية) حصلت الثورة مستمرة على  المركز الرابع بعد الحرية والعدالة والنور والوفد، أما بقية الدوائر في المحافظة فلم يتحصل فيها تحالف الثورة مستمرة علىنتائج أفضل من الدائرتين السابقتين، ولكن لا يجب إنكار الإنجاز الذي تحقق، والذي كانت له مؤشرات تابعتها أثناء الدعاية في الدائرتين سالفتي الذكر، كوني مقيما في المنصورة (الدائرة الأولى)، غير أنني أعطيت صوتي في الدائرة الثانية (قرية العصافرة التابعة لمدينة المطرية دقهلية) لأنها محل ميلادي الذي آثرت ألا أغيره آملا أن أضع صوتي في مسقط رأسي خلال انتخابات نزيهة وهو ما تحقق الآن بعد الثورة ولله الحمد.

ربما السبب الأول في تحقيق تحالف الثورة مستمرة نتائج إيجابية في الدقهلية على وجه الخصوص هوتدعيم رائد زراعات الكلى د. محمد غنيم "الدقهلاوي" الأصيل الذي فضّل الوقوف بجانب مجموعات من الشباب النضر عن الارتباط بالكتلة المصرية، وكان لوجود د.غنيم مفعول السحر، نظرا لسمعته الطيبة، وقناعة الكثيرين بفكره واحترامهم لتاريخه المهني والنضالي.
ولم يحظتحالف الثورة مستمرة بدعم د. غنيم فحسب، بل وقف بجانبهم أيضا عبد الحكيم عبدالناصر، ابن الزعيم الراحل الآثر للقلوب، يكفي أن أشير إلى زيارته لقريتنا أثناء حملات الدعاية ومشهد أهل القرية وهم يتدافعون حشودا حشودا للترحيب بالرجل والترحم على والده الذي ظهر جليا الآن كم كان زعيما محبوبا من الشعب المصري أكثر من خلفيه السادات والمخلوع، فكان وجود اسم عبد الحكيم عبد الناصر بين المؤيدين لتحالف الثورة مستمرة دافعا قويا للجماهير كي تعطي أصواتها بثقة وأريحية لهؤلاء الشباب.
ما زاد من شعبية التحالف هو مؤتمر الدعم الأخير في مدينة المنصورة والذي حضره د. غنيم والناشط المناضل جورج اسحق بابتسامته التي لا تفارقه، ومخزون الثقافة والفكر د.محمد المخزنجي الذي يتميز بصنف من الكتابات قلما تجد لها مثيلا، ناهيك عن تاريخه السياسي النضالي، إضافة إلى وجود فرقة اسكندريلا الغنائية الثورية.
كل ما سبق لايجب أن يُنسينا أن تحالف الثورة مستمرة لم يكن ليحقق هذه النتائج الجيدة لولا وجود أسماء محترمة ولامعة على قوائمه، معظمهم من الشباب المكافح المثقف المناضل الذيحمل على عاتقه الدفاع عن الثورة المصرية المجيدة دون التكالب على الحصانة والكرسيالبرلماني، فبدت المنافسة بين الثورة مستمرة وبقية القوائم كالصراع بين ظبي رشيق ومجموعة من الوحوش، خاصة وأن شباب التحالف صمموا على خوض المعركة الانتخابية بمثالية شديدة، ونبل أميري في مقابل تعديات وتجاوزات وأموال طائلة تُنفق بلا رقيب.
ربما تندهش أيها القارئ من كلامي وتتعجب لأنني أشيد بنتائج الثورة مستمرة في الدقهلية رغم عدم حصوله إلا على أربعة مقاعد، ولكني أعتبر هذه المقاعد الأربعة لقمة انتُزِعت من فم الأسد، وأظنها إشارة مطمئنة على أن الثورة ...مستمرة.




Sunday, January 08, 2012

الكاريزما والليبرالية في الانتخابات البرلمانية





بانتهاء المراحل الثلاثة للانتخابات البرلمانية الأولى بعد الثورة بدت الصورة قاتمة إلى حد ما بالنسبة لأنصار التيار الليبرالي، ففي أول انتخابات تبدو نزيهة في مصر سيطر التيار المحافظ - بشقيه الإخواني والسلفي- على ما يزيد عن نصف مقاعد مجلس الشعب، وهي النتيجة التي أظهرت سيطرة التيار المتحدث باسم الدين، والعكس بالنسبة للتيارات الأخرى.
ما أود الحديث عنه هو كيف نجح بعض الليبراليين في الوصول إلى البرلمان رغم أخطائهم وضعف إمكانياتهم وتشويه سمعتهم،وربما يمكنني أن أسلط الضوء على مجموعة بعينها من الفائزين بمقاعد في البرلمان، والتي يمكننا أن نستشف من نجاحهم دلالات إيجابية عمرو حمزاوي، مصطفى النجار، عمرو الشوبكي، والفائزين من تحالف الثورة مستمرة.
خاض د. عمرو حمزاوي المعركة الانتخابية في المرحلة الأولى بالدائرة الرابعة بمحافظة القاهرة، والحقيقة أنه رغم فوزه باكتساح فإن المنافسة لم تكن هينة أبدا، فشخصية د. عمرو حمزاوي أثارت جدلا واسعا في جميع الأوساط السياسية منذ يناير 2011 وحتى الآن، بآرائه، وأيديولوجياته، وتصريحاته السياسية والاجتماعية، حتى أنه أثار جدلا بسبب مظهره وحياته الخاصة، كل هذا سلط عليه الأضواء فنال استحسان وإعجاب الكثيرين، كما نال هجوم البعض، ولم يكن هجوما طبيعيا بل كان ضاريا، حيث تعرض لحرب شعواء وصلت لحد التشكيك في ديانته والخوض في مسائل شخصية تخص عائلته وحياته العاطفية.
وفي هذه الأجواء الرهيبة من التخوين والتشكيك، بل والتكفير ينجح حمزاوي باكتساح، وربما يمكننا أن نربط بين فوز حمزاوي وخسارة القطب السلفي عبد المنعم الشحات، فقد آثرت دائرة حمزاوي عدم الالتفات إلى حملة الإشاعات البربرية، وفضلت رجلا يؤمن بقيم الحضارة والعلم والثقافة بعيدا عن حياته الخاصة التي لا تهم غيره، أما عبد المنعم الشحات فقد أجمعت كل القوى على ضرورة إسقاطه ــ وإجماعهم يبعث على الأمل ــ كونه رجلا يضر أكثر مما ينفع،عارض الثورة، حرَّم الديمقراطية، عادى الثقافة والأدب، الإسلام لا يدعو لتكفير الجميع وتحريم كل شيء، بل إنسقوط هذا الشحات قد يُحَسِّن الصورة العامة لمن يلقبون أنفسهم بالسلفيين، فلم ينتصر الإسلام بفوز السلفيين في الانتخابات كما صرح هذا الشحات، ولم ينهزم بهزيمته.
ولفوز حمزاوي دلالات ذات أهمية كبيرة، على رأسها فوزه في دائرة حضرية، وهو ما يعطي مؤشرا هاما على تأثير المدنية ومستوى التعليم على الفكر العام للناخبين، كما يجب أن نشير إلى أن حمزاوي أدار حملته الانتخابية بقدر عال من الحرفية والاقتدار مستعينا بالعلوم السياسية والأساليب الدعائية الحديثة، ومدعوما بحشود من الشباب المؤمنين بالعلم والحضارة والثورة.
الفائز الثاني هو د. مصطفى النجار أحد مؤسسي حزب العدل، والناشط السياسي الذي ذاق مرارة سجون مبارك المخلوع، فاز النجار في جولة الإعادة على مرشح التيار المحافظ محمد يسري عن دائرة مدينة نصر، وقد أصابه بعضا مما أصاب عمرو حمزاوي من التخوين والتشكيك والتكفير، غير أنه نجح في إدارة حملة انتخابية بأسلوب حضاري راق، ومما يميز مصطفى النجار الهدوء والاتزان العقلي، غير أن أكثر ما أسعدني شخصيا في فوزه هو أنه لم يتعد الثانية والثلاثين من عمره، تخيل أنه في مصر شاب ثائر يؤسس حزبا معظم المنتسبين له شباب ويحصل على مقعد بمجلس الشعب، حالة كنا نتمنى تكرارها بعد الثورة لنتخلص من "دولة العواجيز"، ولكنها لم تتكرركثيرا بسبب ضيق ذات يد الشباب، وعدم قدرتهم على تحمل أعباء الدعاية الانتخابية،  وضراوة حملات التشويه التي تعرضوا لها، زِد على ذلك عدم إيمان قطاع كبير من الشعب بقدرة الشباب على تولي القيادة في مصر.  
لم يختلف الحال كثيرا في حالة د. عمرو الشوبكي (المستقل عضو اللجنة الاستشارية لحزب العدل) الذي فاز في دائرة الدقي والعجوزة وإمبابة على مرشح الإخوان عمرو دراج في منافسة شرسة محترمة، تجلت فيها القدرات السياسية للمتنافسيْن، ولكن يختلف وضع د. عمرو الشوبكي عن سابقيه حمزاوي والنجار في أنه لم يواجَه بحملات تخوين وتشكيك كالتي واجهها الأخيرين، إضافة إلى أنه لا ينتمي إلى حزب سياسي (حمزاوي مستقل لكنه يؤسس حزب مصر الحرية)، ولقى نجاح الشوبكي استحسانا وفرحا شديدين في الأوساط السياسية نظرا لما يتمتع به من خبرة سياسية، واحترام الكثيرين له.
يعتبر تحالف الثورة مستمرة النموذج الأكثر إيجابية الممثل للتيارالليبرالي المنفتح الذي يخوض الانتخابات، مجموعات من الشباب وقف بجانبهم د. محمد غنيم رائد زراعات الكلى في مصر والمناضل السياسي الذي آمن بالشباب ورفض أن يخوض معركة الانتخابات مفضلا تقديم الشباب ومساندتهم، ومعترفا بأحقيتهم في الوصول للبرلمان الأول بعد الثورة.
رفض د. غنيم الارتباط بالكتلة المصرية بعدما وضعت على قوائمها بعضا من فلول الحزب الوطني المنحل وفضّل مؤازرة الشباب المغمورين الحالمين المؤمنين بالثورة، وربما يعتقد البعض أن ما حققه تحالف الثورة مستمرة لا يمكن مقارنته بالكيانات الدينية، غير أنني أعتقد أن حصول التحالف على ثمانية مقاعد برلمانية في هذه الظروف الصعبة هو إنجاز يستحق الإشادة، فقد عانى التحالف من نقص التمويل، والاصطدام بمرشحي الإخوان والسلفيين والكتلة والوفد والفلول والمستقلين، ناهيك عن حملة التشويه البائسة التي تعرض لها د. غنيم شخصيا.
لم يكن د. غنيم هو الداعم الوحيد لتحالف الثورة مستمرة، بل سانده أيضا الكثير من الشخصيات السياسية والعامة، وربما كان تأييد عبد الحكيم عبد الناصر عاملا شديد الأهمية، فوجود ابن الزعيم الراحل عبد الناصر في صفوف المؤيدين أعطى للتحالف دفعة قوية للأمام، وإن دل هذا على شيء إنما يدل على شعبية ناصر الطاغية الباقية لدى قطاع عريض من المواطنين في مصر، وهو ما لمسته بنفسي حينما ذهب عبد الحكيم عبد الناصر إلى مسقط رأسي في جولة تأييد لتحالف الثورة مستمرة وبصحبته د. غنيم.
كان النجاح البسيط الذي حققه تحالف الثورة مستمرة في الانتخابات البرلمانية راجعا بشكل واضح إلى الكاريزما الجاذبة التي يتمتع بها الثنائي غنيم وعبد الحكيم، كما أنها سبب رئيسي في نجاح الثلاثي حمزاوي و النجار والشوبكي.
نجح حمزاوي والنجار والشوبكي وتحالف الثورة في الحصول على بعض مقاعد البرلمان رغم وقوعهم في مطحنة انتخابية لا ترحم بفضل الوعي (في المناطق الحضرية خاصة) بفضل الفكر المستنير، بفضل تغليب المصلحة العامة، بفضل الإدارة الشريفة للمعركة الانتخابية، وهو ما يعطي أملا (لي على الأقل) في نجاح التيار الليبرالي المستنير آجلا، إذا ما توفرت له الظروف المواتية المتمثلة أولا وقبل كل شيء في الثقافة والوعي الجماهيري. الثورة في التنوير... وكل عام وأنتم بخير.
يتبقى لي أن أتطرق بالحديث إلى حزب الوفد الكتلة المصرية بصفتهما الممثليْن الرئيسيْن الليبرالية في الانتخابات، غير أن نتائجهما جاءت مخيبة للآمال بيدهم لا بيد غيرهم من المنافسين، فحزب الوفد (حصل على 42مقعدا) طُمِست أيديولوجيته الليبرالية، و فقد زعامته التاريخية على يد قيادته الحالية التي جعلت منه مجرد حزب كارتوني في عهد نظام مبارك، وحزب بلا هوية أو مواقف ثابتة بعد الثورة، أما الكتلة المصرية (حصلت على 29 مقعدا) فقد صرعت نفسها في الانتخابات بعدما جعل قادتها جُل همهم في مهاجمة التيار الديني، وأفسحوا مكانا للفلول على قوائمهم، وتركوا الحبل على الغارب لنجيب ساويرس ليهدم بتصريحاته كل نجاح تحققه الكتلة، فصار شوكة في الظهر، بالإضافة لاتحادهم مع حزب التجمع الميت إكلينيكيا منذ سنوات.
في النهاية أعتقد أن مستقبل التيار الليبرالي في مصر سيكون أفضل حالا إذا ما اتحد أنصاره، وكفوا عن البكاء على اللبن المسكوب، إذا ما زاد الوعي والثقافة في المجتمع المصري الذي عانى كثيرا في عهد مبارك ووجد كثير من أفرادهم ملاذهم الوحيد في الارتماء في أحضان التيار الديني.

منشور في موقع قناة نريد:

Thursday, May 12, 2011

دين الثورة

     لنرجع قليلا إلى الخلف، حينما بدأت حركات الاحتجاج المصرية في التبلور والظهور بقوة على السطح، إلى ماذا كانت تهدف؟ ومن كوّنها واشترك فيها؟ بالطبع - وبدون شك-  لم يكن  استعراضا إعلاميا، بل كان جُل ما ترمي إليه حركات كفاية و 6 أبريل، ثم الجمعية الوطنية للتغيير، ثم خالد سعيد، وغيرها هو الصالح العام، العيش الكريم، الحرية، الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، هل هذه الأهداف يختلف عليها اثنان، ستقول لي: لا، وأقول لك : بل اختلف عليها الكثير، فالنظام البائد - ظاهريا - لا يؤمن بشيء من هذا، كما تلفُظها بعض الفطريات المنتشرة على سطح المشهد الحالي، المهم، أنك أنت أيها القارئ - الكريم أو غير الكريم  هذا راجع لك - تتفق معي على نُبل هذه الأهداف، وعلى أنها في صميمها مبادئ وأعراف دينية أولا - هذا إن كنت تدين بأي دين  - إذن فلا  خلاف بيننا الآن على أن ما رمت إليه الحركات الثورية في مصر - وفي العالم العربي قطعا - هو عبارة عن محاولة لصياغة مجموعة من القوانين والمبادئ - الدينية في طبيعتها وأساسها وأهدافها -  في صورة مجتمعية نستطيع بها العيش والتعايش
.
ثم ماذا بعد؟
     أشهد، وتشهد، ونشهد؛ أن من فكر، وأسس، وبلور، وعمل، في تلك الحركات النبيلة هم أُناس طبيعيون، أفراد مثلي ومثلك، بمعنى أنهم من بني البشر - وأنا بشري ماذا عنك؟ - أفراد لم يدعي واحد منهم أنه رجل دين، أنه شيخ، أنه قسيس، أنه حاخام، فمن انتقد الرئيس السابق - لا بارك الله فيه - ليسوا رجال دين ، ومن احتج على النظام الفاشي الموسوليني النازي الصهيوني المباركي ليسوا رجال دين،  من قام لنصرة عمال غزل المحلة ليسوا رجال دين، من قام للبحث عن المعتقلين ليسوا رجال دين، من قاوم ليكبح جماح الحزب الوثني ليسوا رجال دين، من وضع نفسه وأهله أمام مدفع يقذف بشرر تلويث السمعة والملاحقة ليسوا رجال دين، من حزن واحتج وانتفض لمقتل فقيد الشباب "خالد محمد سعيد" - رحمه الله - ليسوا رجال دين، من قام بالأمر ذاته إبّان مقتل "سيد بلال" - رحمه الله - ليسوا رجال دين ( وسيد أساسا كان  يتبع طائفة تدعي التدين).

     بدأت الأفكار في القيام بالثورة عن طريق حركة شباب 6 أبريل، ومجموعة خالد سعيد ، وانضم إليهما فيما بعد الجمعية الوطنية للتغيير، وحزب الجبهة الديمقراطية، بالإضافة لجموع من المصريين غير المنتمين لأي كيان سياسي، أو ديني، وأركز على الكلمة الأخيرة، لم يفكر أو يبدأ في التحرك احتجاجا من أجل الحق أي رجل دين إلا من رحم ربه. إلا من رحم ربه. إلا من رحم ربه.
وتأتي الثورة المباركة، وسقط عن الركب من سقط، وتشبث من تشبث، وهناك من انضم إليها عبر طريق جانبي، منتهجا سياسة أبي سفيان في المراوغة، فقد كان أبو سفيان ماكرا، وقد كانوا - وما زالوا - ماكرين،  وهناك من فضحه غباؤه وصار اسمه عارا في قائمة عار.

     وأصّر الثوار على رحيل النظام، ورحل - إلا قليلا- أصر الثوار على تغيير حكومة النظام، وتغيرت - إلا قليلا- وأصّر الثوار على تعيين حكومة ثوار، وتعينت - إلا قليلا-، وأصّر الثوار على محاكمة الفساد، وهانحن نعاصر هذا.

     لم تكن الثورة وخلع الرئيس وحدهما كل ما أبدع فيه المصريون غير المتلونين، غير الملتحفين بعباءة دينية،  فلعلك تتذكر اللجان الشعبية الحارسة الذي ظهرت بدون سابق تنظيم، وكذلك اللجان الشعبية التي نظمت المرور في غياب الفلول، لعلك تتذكر حملات النظافة والتجميل والتشجير، لعلك تتذكر الأطباء الذين انتشروا في الربوع يعالجون جرحى الثورة مجانا، ثم توالت الأفكار تباعا، من كل مصري - ليس رجل دين - مثل المشروعات الاقتصادية والتنموية العملاقة ، مشروع ممر التنمية، مشروع الإسكان الشعبي، مشروع الجامعة العلمية، ناهيك عن الدعوات لجمع التبرعات من أجل النهوض بالاقتصاد المصري، ولا تنس أمرا في غاية الأهمية، من صاحب فكرة الصلاة على أرواح الشهداء؟ بالطبع ليس رجل دين، من أجبر القوات المسلحة على تحيتهم عسكريا؟ ومن يكافح الآن لتعويض ذويهم؟.

      المهم أنك تعرف ما وصلت إليه الثورة ، وما أصبحنا وأصبحت مصر عليه.

     السؤال مرة أخرى: أين رجال الدين؟ والإجابة مرة أخرى: الشخص الذي تحاول البحث عنه غير موجود حاليا.
من أفضل ما قامت به الثورة - وربما أسوأ - هو الترخيص لكل فرد  بحرية التعبير عن رأيه وفكره، الثورة الطاهرة هي التي جعلت رجال الدين يتحدثون بعدما كانوا يتحفظون تارة، ويتنطعون تارة، وينافقون تارة، ويصمتون تارة أخرى، قامت الثورة من أجل كل مصري شريف طاهر، في حين عارض الثورة وحرًمها وكافحها معظم من يتحدثون باسم الدين، ولعلك طالعت وسمعت ورأيت شيوخ أزهر، وسلفيين، وأنصار سنة، ومسيحيين "باباويين" يعتبرون الثورة خروجًا على الحاكم ، ومدعاةً للفوضى والتخريب، ولا طائل منها، وتعصف باستقرار وأمن الأمة ( وكأنها كانت مستقرة أو آمنة وزي الفُل).
     على الجانب الآخر: شيخ الأزهر - المُعين من قبل المخلوع - يدعو بعد الثورة لانتخاب شيخ الأزهر، ولعودة هيئة العلماء، وقد شمّر عن ساعديه ليقتلع الفساد الذي صار للرُكب - على حد قوله - في مشيخته، ربما لم يصل إلا لأنكل قدمه قبل الثورة فلم يلاحظ، والصوفيون الذين ساهموا في نشر الجهل، وقبلها سبّحوا بحمد الرئيس، وتنازعوا على منصب الزعامة؛ الآن يباركون الثورة، ثم يشعلون المجتمع حربا هم والسلفيون، على الأضرحة.

     السلفيون؛ السلفيون وما أدراك بالسلفيين، يدعون مرارا وتكرارا أنهم ما ابتعدوا يوما عن المصريين، وما حادوا مرة عن المجتمع، وبالطبع معظم ما يدعونه هذا هُراء، فعندما قامت الثورة حرّمها الكثير منهم - لا أريد أن أقول جميعهم -  لدرجة أن أحدهم أهدر دم مواطن مصري لأنه جاهر بمعارضته للمخلوع سوّد الله وجهه،  الوطن يئن ويرزح تحت وطأة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهم يبحثون عن كاميليا، وعبير، وحنان، وسارة، وفُتنة، وصباح، وأم علي..... ، ينظمون مظاهرة حاشدة تبلغ آلاف الرجال ذوي الحناجر القوية، يحملون كل ما خفّ وزنه وغلا ثمنه من اللافتات ليصرخون: "أين أختي كاميليا"، وأتساءل بعدما قالت فاتنة الشعب "كاميليا" أنها مسيحية وستظل على مِلتها؛ هل ستناديها أختي يا أخي؟ وقبل أن أترك هذه النقطة أسأل المسيحيين: لماذا لا تُيسرون قليلا في أمور الزواج ؟ بحيث لا تكون الفتاة مجبورة على زوجها، حتى لا تهرب منه، وتصدرون المشكلة لنا حينما تسلم كي تتخلص من الزوج سيء المعاشرة، سيدتي وأختي المسيحية، إذا كنتِ تودين التخلص من زوجكِ فقط، من فضلك ضعي له سما في الطعام، أو تخلصي من حياته بطعنة سكين، بدلا من أن تزهقي أرواح المصريين جميعا، ثم تقررين أنكِ كنتِ وستظلين مسيحية.
     السيدات الفاضلات المُحتجات على حكم المحكمة فيما يخص النقاب، واللائي خرجن يهتفن ضد المفتي، لأنهن شعَرن أن هذا الحكم وهذا المفتي قد أقدما على فعلة من شأنها انتهاك حرمتهن وحريتهن، معهن كامل الحق طبعا، لأن الحكم لا يحترم الحرية الشخصية في الزي، ولكن يا أختي ألم ينتهك أمن الدولة على مدى عقود حرمات النساء والرجال على السواء؟ أين كنتن من هذا ؟ وأين كان آباؤكن ورجالكن وإخوانكن وأبناؤكن من هذا؟ .     حينما بدأت الدعوات لنصرة الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الفلسطينية الثالثة؛ من وقف معهم وبادر بالتشجيع لهذا الكفاح الشريف من أجل تحرير فلسطين؟ لشدة العجب لم تكن المبادرة من رجال الدين؟ رغم أن معتقلات إسرائيل تمتلئ بآلاف النساء الأسيرات، وليست "كاميليا" فقط.

     مَن أول من أعلن وقوفه وتأييده للشعوب العربية الأبية التي رفضت الظلم والقهر والطغيان في؟  مللتُ من كتابة نفس الإجابة فاقرأها من أعلى.

     الأخوة رجال الدين؛ هل تعلمون أن "ابن علي" قبل أن يصير مخلوعا هاربا كان يحرم الحجاب، كان يحرم الصلاة، كان يطارد كل مسلم متدين؟ وهل تعلمون أنه في حماية وصحبة خادم الحرمين الشريفين، الذي تكنون له كل إجلال واحترام، وكأنه خليفة المسلمين (يقول لي البعض أن خادم الحرمين صاحب أفضال كثيرة على بعض رجال الدين ).
أعود إلى مصر، فأتذكر صديقا لي - أو هكذا كان قبل أن يعتبرني ماجنا زنديقا ويقرر الابتعاد عني - تحدث لي من فترة قريبة بعد النجاح الجزئي للثورة، وقال لي: " بالطبع أنت كنتَ رافضا لما يجري في ميدان التحرير من انحلال أخلاقي واختلاط غير شرعي بين الرجال والنساء " وكانت هذه المرة الأولى التي أكتشفُ فيها أن واحدا من السلفيين  - هكذا يُكنّي نفسه - يستمع لطلعت زكريا.
 في حين قام المصريون بمبادرة لحماية الكنائس بعد كارثة القديسين ؛ يبحث السلفيون عن "نسوان"، في حين قام المصريون بحماية الكنائس، وجدنا سلفي يقسم بالله ثلاثا أنه على استعداد لمهاجمة الأديرة، وحوله الآلاف، الذين يمكن أن يتهور أحدهم ويهاجم أقرب كنيسة أو دير، وهذا ما حدث فعلا،  وحينما نشرت مقطع الفيديو الذي يصرخ فيه الرجل على الملأ على صفحة "الفيس بوك" الخاصة بي واصفا إياه بالحماقة، هبّ  بعض القوم ليرجمونني، واتهموني بأني أهاجم كل ما هو إسلامي، وتعديت على عالم جليل، وأحدهم قال لي :" تبا لك" ، رغم أن الرجل حينما خرجت المظاهرة الحاشدة للسلفيين أمام الكاتدرائية؛ كان يخطب الناس يوم الجمعة في مسجد بشرم الشيخ ليقول أن مبارك فرعون العصر الحديث، كان خارج العاصمة، ربما لم يخطره أنصاره بموعد المظاهرة، أو أنه كان يبحث عن " كاميليا" في شرم، وبالطبع المشهد لا يكتمل إلا بذكر المنسق العام لما يسمى بـ" ائتلاف  المسلمين الجدد" هذا الموتور الذي يصيح يمنة ويسرة، ويحمل حافظة أوراق مثل "مرتضى منصور"، ولا ينقصه فعلا إلا أن يحمل مجموعة من السيديهات.

     في حين حمى مسيحيون مسلمين وهو يصلون في ميدان التحرير، وجدنا سلفيون يرفضون مشهد المصحف مع الصليب،   وجدنا سلفيون يهتفون "الله أكبر" " إسلامية إسلامية" لأن الحكومة عيّنت محافظا مسيحيا، ولا يفوتك مشهد العلم السعودي يرفرف في سماء الصعيد، ولا تفوتك أيضا سرعتهم في التجمع والتجمهر، وقوتهم في الهتاف والتصعيد، وشدتهم في الرأي، في مقابل مجموعة من الشباب الأخضر النضر ماتت من أجل هذا السلفي ، من أجل المسلم، من أجل المسيحي، مات هؤلاء الشباب من أجل وطن يقول رجال الدين فيه أنه وطن متدين بالفطرة، وأقول نعم هو متدين، ولكن ماذا عنكم؟
 لم أجد واحدا منهم تطوع بالدعوة لجمع تبرعات للدولة، وهم بسم الله ما شاء الله على نظافة ملابسهم (ربما يغسلونها بعد نقعها في الكلور) وبسم الله ما شاء الله على فخامة بيوتهم، وبسم الله ما شاء الله على حداثة سياراتهم،  باستثناء مبادرة مجهولة المعالم أعلن عنها أحدهم مؤخرا، وتمثلت في جمع ملايين الدولارات، دون خطة أو رؤية واضحتين، لم أجدهم يخصصون جزءا من خطبهم للحث على المشاركة في حملات النظافة والتشجير والتجميل التي قام بها الشباب الرائع، مع أنهم علمونا في الطفولة أن النظافة من الإيمان، لم أجد منهم أية مبادرة تهدف لمكافحة الفقر، للنهوض بمستوى التعليم، لرفع كفاءة الاقتصاد، لمقاومة البلطجة، ولا تنس أن تشاهد القنوات الدينية التي يصدحون عبرها بالخطب والوعظ، لم يفكر أحدهم في إعادة بث برنامج العلم والإيمان مثلا، لم نجد منهم من يشمر عن ساعديه ليعلن عن مبادرة لمحو أمية أبناء الوطن، ولو حتى كي يستطيع المواطن أن يقرأ القرآن بنفسه.
     والمثير أن العديد منهم متخصص في الطب ولم يبادروا بالإعلان عن علاج أي مصاب أو أي مريض مصري مجانا أو بأجر زهيد، وكأن الدعوة الدينية خطب عصماء، وصوت عال وتجهم وجه فحسب، وكأن الدين لا يدعو للعمل، للتكافل، لمساعدة المحتاج، لنصرة المظلوم، للاحتجاج على الحاكم الظالم، وكأن الدين الذي يدينون به  غير ما ندين به، لا يدعو للتقدم العلمي والثقافي ولا يرجو الاستقرار السياسي، ولعلك رأيت مثالا على ذلك في ماليزيا، الدولة المسلمة، دون مسميات أزهريين، إخوان، متصوفين، أنصار سنة، سلفيين، مسلمين جدد ( في الكارتونة)، الدولة المسلمة المتقدمة المتحضرة التي يعيش في كنفها مسلمون ومسيحيون وملحدون وبوذيون وسيخيون.     حينما ظهر السلفيون بقوة على الساحة إبّان الاستفتاء ظهرت جيدا مقوماتهم الفكرية بالنسبة لنُظم الانتخاب والسياسة، وجرفوا وراءهم ملايين المصريين البسطاء، لتسمع أقوالا عجيبة: "غزوات"، "أمك ما تلبسش حجاب"، "هما عايزين الدين زي ملكة انجلترا" ، "الديمقراطية كفر" ،" الليبرالية خروج عن الملة"، "العلمانية إلحاد" .... وهلم جرا، والمثير للسخرية أن الثورة المباركة  هي من سمحت لمثل هؤلاء بالحديث، ولولا المصريين - بعد فضل الله - ما سمعنا منهم إلا حديثا حول عذاب القبر، والحور العين، وفتوى بتحريم شم النسيم، وتحريم كرة القدم، وتحريم كلية الحقوق، تحريم حلق اللحية، وتحريم مصادقة غير المسلم ( أقسم أنني سمعتُ أحدهم يخطب في مسجد وقال: يجب عليك أن تبغض غير المسلم).
     ولا يفوتني أن أذكر أن المصريين لم يتعاركوا على موقع في ميدان التحرير، في حين تعارك رجال الدين على منبر، لا يفوتني أن المصريون لم ينسوا شهداءهم، صلاة عليهم، تحية لهم، تخليدا لذكراهم، محاكمة قاتليهم، ورجال الدين صلوا صلاة الغائب على ابن لادن، ونعته أحدهم بوصفه : "أعظم رجل بالعالم"، بل ولم ينبس أحدهم ببنت شفة حينما تم تعذيب وقتل سيد بلال المصري المسلم السلفي، لا يفوتني أن رجال الدين جلسوا ويجلسون سويا في ولائم النفاق الوطني، والمصريون يحمون الكنائس ويحترمون المساجد دون جلسات، دون ابتسامات صفراء، دون أحضان، لا يفوتني أن رجال الدين يرتكبون جرائم فكرية في حق الشعب على المنابر وفي الأديرة، والمصريون أطلقوا حرية الفكر والرأي، وجلسات للحوار الوطني، حوار وطني حول مستقبل أمة ووطن، ولم نجد حوارا وطنيا يجمع أزهريين، وصوفيين، أنصار سنة، وسلفيين، لم نر من هؤلاء إلا معارك حول نقاب، حول امرأة، حول ضريح، حول منبر، لم نر منهم سوى غثاءً، هُراء، باسم الدين.
     ربما تريد أن تقول لي هل هذا يعني أننا لا نريد الدين؟ أقول لك يا هذا إننا نريد أن نتخلص من هؤلاء، وعندها ستجد أنك متدين، فالثورة قامت من أجل إعلاء أهداف وغايات الديانات السماوية،  دون أن تقول ديني، ودينك، الدين فعل لا قول، الدين حركة لا جمود، الدين تسامح لا كراهية، الدين هدوء لا صوت عال، الدين حوار لا عراك، الدين مضمون لا شكل. الدين لله والوطن للجميع، ومن لا يعجبه هذا فليبحث عن تأشيرة للجحيم
.
أعزائي رجال الدين؛ طلعتوا دين أمنا، فاستقيموا  يرحمنا ويرحمكم الله
محمد هندام

Friday, May 06, 2011

الحمقى

الحــمــقى

أنت أحمق، أنتِ حمقاء، هو أحمق، هي حمقاء.
نحن حمقى، أنتم حمقى، أنتن حمقاوات.
هم حمقى، هن حمقاوات، معلمات الحضانة حمقاوات، أطفال الحضانة حمقى
المدرسون حمقى، التلاميذ حمقى.
المدرسات حمقاوات، التلميذات حمقاوات، كتب التعليم حمقاء
التدريس أحمق، التعليم أحمق.
الضباط حمقى، الجنود حمقى،
 الضابطات حمقاوات، المُجندات حمقاوات، الزي الرسمي أحمق،
طائرات سلاح الجو حمقاء، الذخيرة حمقاء، عمل الجيش أحمق
الأساتذة حمقى، الطلاب حمقى
الأستاذات حمقاوات، الطالبات حمقاوات.
الجامعة حمقاء، الأغنياء حمقى، الفقراء حمقى
دواوين العمل حمقاء، موظفو المالية حمقى.
الموظفات حمقاوات، عربات الأمتعة حمقاء.
كل مسمار في ماكينة الاقتصاد أحمق، الرأسمالية حمقاء.
الصحفي أحمق، الصحفية حمقاء، المذيع أحمق
المذيعة حمقاء، المعلق على نشرة الأخبار أحمق
المعلقات حمقاوات، الإعلام أحمق.
الأدباء حمقى، الأديبات حمقاوات، الشعراء حمقى
الشاعرات حمقاوات، النقاد حمقى
الناقدات حمقاوات، المحررون حمقى، المخرجات حمقاوات
المحاورون حمقى، القراء حمقى
القارئات حمقاوات، المفكرون حمقى، الأدب أحمق
كرة القدم حمقاء، كرة السلة حمقاء، المشجعون حمقى
الرياضة حمقاء، القادة حمقى، المُقادون حمقى.
السلطة حمقاء، المواطنون حمقى، الأحزاب حمقاء.
النشطاء حمقى، تجار الأصوات حمقى.
المتحدثون حمقى، أعضاء البرلمان حمقى، عضوات البرلمان حمقاوات.
الوزراء حمقى، الوزيرات حمقاوات،
السفراء حمقى، القناصل حمقى،  الملحقون الثقافيون حمقى
السياسة حمقاء، كل رأس في مبنى الحكومة حمقاء، المكاتب حمقاء
الضيافة على المائدة حمقاء، الأوراق حمقاء، القلم
ويد السكرتيرة الماسكة به أحمقان، الإدارة حمقاء.
الدفاع أحمق، صكوك المال حمقاء، الطوابع حمقاء، والعَلَم.
حمقى، حمقى

الحمقى: شعر "أهرون شبتاي-אהרון שבתאי"، ديوان "تانيا- טניה" 2008، ترجمة عن العبرية: "محمد عبد الدايم هندام"، بتصرف.