تقريرمنشور على موقع شبكة رؤية الإخبارية، اضغط هنا للانتقال
أربعون عاما مرت على هبوط طائرة
الرئيس الراحل أنور السادات مطار بن جوريون، ولم يزل الاندهاش باديا على ملامح
البعض حين تمر ذكرى الخطاب التاريخي أمام الكنيست التاسعة.
ملامح الاندهاش الأولى، وربما
ملامح الصدمة أو عدم التصديق، ظهرت للمرة الأولى في 9 نوفمبر 1977، حين وقف
السادات يخطب أمام أعضاء مجلس الشعب المصري، في حضور رئيس السلطة الوطنية
الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، وفجأة قال نصا: "ستُدهش إسرائيل عندما تسمعني
أقول الآن أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم"، وهو يضم قبضته اليمنى بحزم.
أصاب الذهول ياسر عرفات وكثير
من المصريين، بل والعالم أجمع، لكن استفاق الجميع من دهشتهم على مفاجأة أن السادات
لم يكن يلقي خطابه لأجل مراوغة سياسية، وحين استوعبت إسرائيل بعضا من الصدمة أعلنت
على لسان رئيس وزرائها مناحم بيجن ترحيبها بالسادات.
في التاسع عشر من نوفمبر 1977،
بعد عشرة أيام من خطابه أمام مجلس الشعب وياسر عرفات، حطت طائرة الرئاسة المصرية
في مطار بن جوريون، ولم تستفق إسرائيل من الصدمة، بل وظلت مشاعر الترقب والخوف
قائمة حتى ظهر السادات على باب الطائرة، لدرجة أنه قيل أن إسرائيل نشرت قناصة على
أسطح مطار بن جوريون، خوفا أن يكون خلف باب الطائرة كوماندوز مصريون، وأن زيارة
السادات ما هي إلا مكيدة كبرى.
لم تمر الذكرى مرور الكرام في إسرائيل،
حيث احتفت الأوساط السياسية والإعلامية بمرور 40 عاما على زيارة السادات وخطابه في
الكنيست وكأنها جرت أمس.
مؤتمر الكنيست للاحتفال
بالمناسبة:-
عقد الكنيست الإسرائيلي مؤتمرا
كبيرا يوم الثلاثاء 21 نوفمبر احتفالا بهذه المناسبة حضره السفير الإسرائيلي لدى
تل أبيب حازم خيرت، ووصف رئيس الكنيست يولي يوئيل إدلشطاين زيارة السادات بأنها
"حدث خارق للعادة، وإنجاز
حقيقي، وقبل أربع سنوات من هذه الزيارة كان السادات وجولدا مئير يجلسان في ملاجئ
محصنة، وكل منهما يقود جيشه".
وتحدث السفير المصري حازم خيرت
عن خطاب السادات أمام الكنيست واصفا إياه بأنه "خطاب تاريخي ظل وسيظل مرجعا ودليلا ومقصدا وميثاقا لدعاة
السلام" وأضاف أن ما فعله السادات "أمر غير مسبوق في معترك العلاقات الدولية...يعكس رؤية مصرية
ثاقبة لقيمة الإنسانية والحياة والعيش المشترك".
وفي كلمته قال رئيس الوزراء
الإسرائيلي بمناسبة ذكرى زيارة السادات:"إن زيارة السادات كانت بمثابة انفراج في تاريخ الشرق
الأوسط، فسمحت بإقامة خط تواصل مباشر بين الوطن العربي ودولة اليهود، وأدت إلى
تحقيق مصالحة تاريخية وأولى من نوعها".
كما وصف وزير الدفاع الإسرائيلي
أفيجادور ليبرمان الرئيس الراحل بأنه "كان زعيما شجاعا، سار ضد التيار، وعبّد الطريق لزعماء عرب
آخرين كي يعترفوا بأهمية العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل".
شمل مؤتمر الكنيست ثلاث حلقات
حوارية، الأولى بعنوان "دور الكنيست في اتفاق
السلام"، والثانية بعنوان "متانة
اتفاق السلام"، أما الحلقة الثالثة فجاءت بعنوان "النظر إلى الأمام".
الإعلام الإسرائيلي يحتفي
بالذكرى:-
انبرت وسائل الإعلام الإسرائيلية للاحتفاء بذكرى
زيارة السادات، وامتلأت المواقع العبرية بتقارير تتحدث عن ملابساتها وأثرها على
إسرائيل ومصرتحت عناوين مثل: "لا حرب بعد الآن"، و"أربعون عاما على الخطاب الذي غير الشرق الأوسط"،
وعن صورة السادات وهو ينزل من طائرته في مطار بن جوريون: "ما تزال تثير القشعريرة حتى اليوم"،
وتحليل يقول إن: "الوضع
الاقتصادي المتردي في مصر بعد حرب أكتوبر كان سببا رئيسا لخطوة السادات التاريخية،
فالاقتصاد هو من جلب السلام مع مصر".
يحرمان شعبيهما من ثمار
السلام:-
لكن جاء تقرير جاكي حوجي ليتحدث
فيه عن رد الفعل المصري "البارد"
تجاه الذكرى، فلم ترسل مندوبا سياسيا كبيرا كي يشارك إسرائيل في الاحتفال،
باستثناء السفير المصري في تل أبيب، كما أن البلدين مصر وإسرائيل "يضنان كلاهما بثمار السلام عن شعبيهما"
لأنهما لم تسعيا لتوسيع العلاقات بينهما في المجالات كافة، على العكس يبدو أنهما
تكبحان العلاقات بقدر كبير، لتظل على مستوى شكلي بوجود السفير المصري بتل أبيب،
ونظيره الإسرائيلي في القاهرة.
مستشار بيجن: نصحت رئيس الوزراء باستباق خطوة السادات:-
على جانب
آخر؛ وفي مقابلة مع صحيفة يسرائيل هيوم قال البروفيسور موشيه شارون، المستشار
السابق لمناحم بيجن للشئون العربية، إنه اقترح على رئيس الوزراء حينها أن يُسبِّق
بخطاب يعلن فيه رغبته في السلام قبل أسبوعين من إلقاء السادات خطابه أمام مجلس
الشعب المصري.
مصدر آخر كان
ينقل المعلومات لإسرائيل:-
وفقا لموشيه؛
فإنه أشار على بيجن بأن يلقي خطابه بعد أن علم بشكل شخصي من مصدر موثوق بنية
الرئيس المصري الحديث عن استعداده للذهاب إلى الكنيست الإسرائيلي أثناء خطابه، وخمن
المصدر أنه من صالح إسرائيل أن تعرف بالأمر قبل حدوثه، وأضاف موشيه شارون إنه كان
على يقين بصدق المصدر الذي نقل المعلومة وكان يشغل حينها منصبا دوليا، وأنه حين
ينقل معلومة مثل هذه بعد أن التقطها خلال زيارة لمصر فإنها بالتأكيد ليست محض
إشاعة، بل تأكد منها عبر مسئولين كبار في النظام المصري نفسه، ومن ثم حمل موشيه
معه مسودة خطاب كتبها بنفسه وذهب بها إلى بيجن كي يعجل الأخير بخطابه، وإلا سيكون
الرئيس المصري سباقا بخطوة قد تسبب مفاجأة كبيرة في إسرائيل، أشبه بيوم غفران
سياسي، على غرار يوم الغفران العسكري (حرب أكتوبر). ولكن ما حال دون أن يلقي بيجن
خطابه بعد أن اقتنع بنصيحة مستشاره أنه قد مرض واضطر للمكوث في المستشفى حينها.
رفض موشيه أن
يكشف شخصية المصدر الذي نقل له المعلومة التي تؤكد أن السادات بصدد الحديث عن
زيارته للكنيست أثناء خطابه، لكنه زعم أن بيجن لو كان أخذ بنصيحته التي أولاها له
قبل خطاب السادات، وبكّر هو بخطاب يدعو فيه للسلام، لكانت هذه الخطوة مفيدة أكثر
لإسرائيل في مسار المفاوضات مع مصر، وربما لم تكن مضطرة للتنازل عن كامل أرض سيناء
بموجب اتفاقية السلام، فخطاب بيجن كان من الممكن أن يخفف الضغوط الخارجية على
إسرائيل، ويحسن وضعها كثيرا أثناء مفاوضات التسوية الأولية مع مصر.
سيناء ليست
مصرية، ولم تكن!!:-
بعد مرور 44
عاما على حرب أكتوبر التي كانت الخطوة الأولى لتحرير سيناء واستعادتها من الاحتلال
الإسرائيلي؛ ما يزال موشيه شارون على زعمه أن شبه الجزيرة ليست مصرية ولم تكن
مصرية أبدا، حيث صرح أنه قبيل مفاوضات السلام قد أعد حافظة مستندات كاملة تعود
للعام 1906، وتؤكد وجود اتفاقات بين تركيا وبريطانيا تنفي أن يكون لمصر أي حق في
سيناء، وقد أراد موشيه شارن أن يدعم بيجن بتلك المستندات قبل أن ينخرط في المفاوضات
مع السادات، لكنه لم يتخيل للحظة أن تضيع سيناء من الإسرائيليين بعدما يفرط فيها
بيجن.