Sunday, April 19, 2020

"صفقة القرن": إلى أين تؤدي؟


الكُتاب: أودي (إيهود) ديقل، عنات قورتس، نوعا شوسترمانהמכון למחקרי ביטחון לאומי معهد دراسات الأمن القومي
20 בפברואר 2020    20 فبراير 2020


 ترجمة عن العبرية: محمد عبد الدايم




     "صفقة القرن" التي صاغتها إدارة رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، مقترحة كنموذج جديد لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وكذلك تصميم بنية شرق أوسطية جديدة. توافي الخطة المتطلبات الأمنية الشاملة لإسرائيل وتسمح لها بتطبيق سيادتها في الكتل الاستيطانية، وغور الأردن والمستوطنات المعزولة، بدون نقل اليهود، وتحافظ على  القدس موحدة تحت سيادة إسرائيل. بالنسبة  للجانب الفلسطيني، تقدم الخطة شروطا لإقامة دولة غير ممتدة، أي مقسمة إلى ست مقاطعات، ستطوقها إسرائيل بالكامل، مع سيطرة إسرائيلية كاملة على المساحات المحيطة والمعابر الحدودية. بالإضافة إلى ذلك؛ فإن الخطة تلغي "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين إلى الأرض. بالنسبة للفلسطينيين، فإن المفهوم العملي للخطة قريبة من اتفاقية خضوع، لذلك رفضوها تمامًا.
     الكشف عن مشاركة وفود من حكومة إسرائيل في بلورة الخطة يثير أسئلة: في أي منتدى بحكومة إسرائيل تقرر أن ضم المستوطنات المعزولة في عمق الأرض الفلسطينية أكثر أهمية من الحفاظ على مناطق في النقب، والتي تُشكل عمقًا استراتيجيًا لإسرائيل، وفي منطقة المثلث، التي تقع في وسط الدولة؟ في أي منتدى نوقشت الأهمية المعقدة والخطيرة ومرتفعة الميزانية، المرتبطة بضرورة تأمين مستوطنات معزولة وحدود تبلغ نحو 1400 كيلومتر، ومن ضمن هذا ضم نحو 450000 فلسطيني لحدود إسرائيل؟
     توجد مصادر في إسرائيل، تميل إلى اعتبار خطة ترامب والرفض الفلسطيني فرصة لتحركات واسعة لضم الضفة الغربية، لكن على المدى البعيد؛ ينطوي الضم على مخاطر عديدة على المستويات كافة – الأمني، الاقتصادي، المدني/ الاجتماعي، الوضع الدولي والإقليمي، وفي الواقع أيضا خطر تسريع الانزلاق إلى واقع دولة واحدة. للحفاظ على دولة إسرائيل يهودية، ديمقراطية، آمنة وأخلاقية؛ يجب تبني عناصر الخطة التي تعزز الأمن، وفي الوقت نفسه تشكل حافزًا للانفصال عن الفلسطينيين، وتخلق لإسرائيل واقعًا استراتيجيًا أفضل.
"صفقة القرن" التي صاغتها إدارة رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، مُقترحة كنموذج جديد لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وكذلك تصميم بنية شرق أوسطية جديدة، على أساس تحالف عربي أمريكي إسرائيلي. تعطي الخطة مفاهيم مختلفة للمبادئ التي رافقت المفاوضات من أجل تسوية دائمة بين إسرائيل والفلسطينيين في العقود الثلاثة الأخيرة، مما جعلها مفرغة في الواقع، فمن بين أمور أخرى، ففي إطارها انتفى المطلب الفلسطيني "كل شيء أو لا شيء" – خصوصًا "حق الفيتو" الفلسطيني على أية تسوية لا توفر استجابة كاملة لكل رغباتهم، أو الالتزام بخط الـ 4 يونيو 67. ومع ذلك فإن فرصة تدشين خطة ترامب شبه منعدمة في الواقع.
     على مستوى التصريحات، فإن الخطة تتطلع لإرساء دولة فلسطينية دائمة، عبر احترام التطلعات القومية الفلسطينية. في الوقت نفسه تؤكد على عدم التعرض لأمن إسرائيل، والحيلولة دون تحول الضفة الغربية لقطاع غزة ثاني. لكن هناك فجوة واضحة بين الرؤية وطريقة تنفيذها بالتفصيل في إطار الخطة، فشروط الاعتراف بدولة فلسطينية تستوجب اعتراف فلسطيني بدولة يهودية، أي: تسوية بالاتفاق على دولتين قوميتين – إسرائيل تمثل الوطن القومي للشعب اليهودي وفلسطين تمثل الوطن القومي للشعب الفلسطيني ، ومن ضمن هذه التسوية إلغاء "حق العودة" بالنسبة للاجئي 48 إلى دولة إسرائيل. ومطالب أساسية أخرى تتعلق بإقامة سلطة فلسطينية كاملة، ديمقراطية، تحترم حقوق الإنسان – بمعايير عالية لا تضاهيها أية دولة عربية، وقبول المطالب الأمنية لإسرائيل؛ نزع حماس وسائر المنظمات الإرهابية سلاحها،  إعادة السلطة في قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية، التي ستكون منزوعة القدرات العسكري؛ إيقاف التحريض الفلسطيني ضد إسرائيل من خلال المنظومة السياسية، الجماهيرية والتعليمية. بدون شك أن هذه الشروط كلها معا، من الصعب جدًا أن يوافق الجانب الفلسطيني عليها.
     الترجمة العملية لمبادئ التسوية وفقًا للخطة:
·                   حل الدولتين: خلافًا لتصريحات سابقة أدلى بها مُحررا الخطة، جاريد كوشنر وجيسون جرينبلاط، التي تحفظا فيها على اقتراح  حل الدولتين، فإن الخطة تشمل إقامة دولة فلسطينية بسيادة محدودة على مناطق الضفة الغربية، وقطاع غزة، وكذلك جيبين  (الجيب هو منطقة أو مدينة محاطة بأرض أجنبية من جميع الجوانب) في النقب الغربي.
·                   بالنظر إلى الواقع الذي تبلور بالمنطقة على مدى الخمسة عقود الأخيرة: فإن الكتل الاستيطانية الواقعة غربي مسارات الحاجز الأمنية القائمة، ويعيش فيها نحو 345000 من السكان، سوف تُضم إلى إسرائيل. لن يحدث نزوح وإخلاء للمستوطنات الواقعة شرقي الحاجز، وفيها نحو 100000 مستوطن (ومنها 15 جيب منعزل ويعيش فيها نحو 14000 نسمة). يمكن للقانون الإسرائيلي أن ينظم الأمر بشكل كامل. الجيوب الفلسطينية في المناطق الإسرائيلية سيتم التنازل عنها، ويعيش في هذه الجيوب نحو 140000 فلسطينيًا، سيكون عليهم أن يتحركوا في أنحاء الضفة الغربية عبر المناطق الإسرائيلية.
·                   مناطق الدولة الفلسطينية: إضافة إلى المنطقتين A  وB الواقعتين تحت سيادة السلطة الفلسطينية سيتم تخصيص ما يقرب من نصف المنطقة C  التي تشكل 60 % من الضفة الغربية (30% المتبقية من المنطقة التي ستضمها إسرائيل  تشمل: 17% من غور الأردن، 3% - من مساحة المستوطنات؛ 10% كتل استيطانية ومحاور سير). في المقابل، ستنقل إسرائيل للدولة الفلسطينية المناطق الواقعة اليوم تحت سيادتها: منطقتين بالنقب ستوسعان منطقة قطاع غزة (تفسير الأمر إنساني في المقام الأول: بتقليل كثافة السكان في القطاع) وجنوب جبل الخليل. إضافة إلى هذا؛ سيكون لإسرائيل الحق في أن تقرر تسليم مساحات مأهولة تحت سيادتها – مثل قرى ومدن المثلث، التي يعيش فيها نحو 250000 من عرب إسرائيل، من مواطني الدولة. إضافة إلى هذا ستُدشن سلسة مواصلات – طرق، تحويلات وأنفاق- لتربط بين مناطق الفلسطينيين، والإسرائيليين كذلك، لإتاحة حرية الحركة للأشخاص والبضائع والكيانات الاقتصادية.
·                   تبادل للمناطق: بنسبة 1: 2 لصالح إسرائيل – في مقابل الـ 30% من مساحة الضفة الغربية التي سيتم ضمها لإسرائيل، فإنها ستنقل للسلطة الفلسطينية مناطق في داخل إسرائيل (القرار في هذه المسألة يستوجب إجراء استفتاء شعبي/ تأييد 80 من أعضاء الكنيست)، أي مساحة تعادل نحو 15% من الضفة.
·                   سيطرة إسرائيل على المحاور الاستراتيجية: طريق رقم 1 من القدس إلى شمال البحر الميت ، الطريق الذي يقطع السامرة من أريئيل إلى غور الأردن؛ الطريق رقم 90 بامتداد غور الأردن؛ المحور 80 بامتداد مرتفعات التي تمتد في غور الأردن؛ طريق 440 من موديعين إلى القدس.
·                   عاصمتان في نطاق أورشليم (القدس):  العاصمة الفلسطينية (القدس- أو اختيار اسم آخر) ستشمل الأحياء خارج نطاق الحاجز الأمني وبلدة أبو ديس، ويعني هذا إلغاء تام لوجود الدولة الفلسطينية في القدس الشرقية، وبخاصة المدينة القديمة، الحرم الشريف (الأقصى) وحي الشيخ جراح.
·                   بالنسبة للوضع القائم في الأماكن المقدسة بالقدس: سيتم ضمان حرية الوصول والعبادة للأديان كافة، وستكون لإسرائيل وحدها سيطرة على القدس. (استحقت إسرائيل الثناء لأنها أثبتت على مدى السنوات حفاظها على الأماكن المقدسة وضمنت حرية العبادة في المواقع المختلفة.)
·                    مسئولية كبيرة على إسرائيل: لتأمين الجو، والبحر والبر، على امتداد جميع المناطق الواقعة غرب نهر الأردن – وفي الوقت نفسه سيكون غور الأردن بمثابة الحدود الأمنية الشرقية لإسرائيل وما تحت سيادتها (استنادًا إلى السيادة وليس الترتيبات الأمنية فحسب). وهذا يعني سيطرة إسرائيلية على المحيط الخارجي للدولة الفلسطينية المستقبلية بكل ما ينضم إليها.
·                   حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين: سيُطبق في فلسطين، أو على أساس إعادة تأهيل أماكن إقامتهم أو في دولة ثالثة، بلا "حق العودة" لـ"إسرائيل". سيتم تحديد عدد اللاجئين المسموح لهم بالعودة إلى فلسطين بالاتفاق مع إسرائيل. سيتم تدشين آلية لتعويض اللاجئين، لكن لن تكون إسرائيل مُلزمة بتعويضهم لأنها استثمرت في استيعاب وإعادة تأهيل لاجئين يهود ممن هربوا من البلاد العربية بعد قيام الدولة.

     دلالة الخريطة: دول فلسطينية غير ممتدة، مُقسمة إلى ستة مقاطعات (كانتونات) تكون بالكامل داخل حدود إسرائيل؛ سيطرة إسرائيلية على جميع محاور الربط بين المناطق الفلسطينية؛ سيطرة أمنية وسيادة إسرائيلية على المحيط الخارجي، بما فيها المعابر الخارجية (معبر النبي ]جسر الملك حسين[ ومعبر رفح إلى مصر). كذلك ستمتد حدود دولية بين إسرائيل وفلسطين بامتداد ما يقرب من 1400 كيلومتر (تقريبا ضعف الحاجز الحالي، والذي وفقًا للخطة سيتم نقله إلى المسار الجديد).  الدلالة العملية لهذا المخطط بالنسبة للفلسطينيين هي أقرب إلى اتفاقية خضوع.
     بالنسبة لقضية القدس، والملف الأمني وكذلك التصور الاقتصادي للخطة- كل هذه أمور تتطلب مزيدًا من الاعتبارات الفردية، من أجل توضيح العقبات المتوقعة أمام تنفيذها.
     بالنسبة لقضية القدس: وفقًا للخطة، سيبقى قلب مدينة القدس موحدًا،  والأحياء الواقعة داخل مسارات الحاجز الأمني، بما في ذلك المدينة القديمة، وجبل الهيكل (المسجد الأقصى)، وجبل الزيتون (قرية الطور) ومدينة داود تضمها عاصمة إسرائيل. أما العاصمة الفلسطينية فستضم أبو ديس والأحياء الواقعة خارج الحاجز الأمني.
     تؤكد الخطة على أهمية القدس للأديان الثلاثة، وحرية الوصول للأماكن المقدسة والعبادة، وكذلك التزام إسرائيل بالحفاظ على الوضع القائم بالمينة، سيكون جبل الهيكل (المسجد الأقصى) مفتوحًا للصلاة بالنسبة لكل الديانات (بمن فيهم اليهود، وهذا في الواقع يمثل تغييرًا في الوضع القائم). ومع ذلك فإن الخطة تتجاهل المكانة الخاصة للأردن في الأماكن المقدسة. فوفقًا لما جاء فيها؛ فإن السلطة الفلسطينية ستكون ستُنحى تمامًا عن القدس، وليس بالخطة ذكر لمؤسسات أو مواقع فلسطينية بالمدينة.
بالنسبة للفلسطينيين من سكان القدس الشرقية والذين سيبقون في حدود إسرائيل، ويقدر عددهم بنحو 300000 نسمة، سيمكنهم الاختيار بين ثلاث خيارات: (1) إقامة إسرائيلية بدون جنسية؛ (2) جنسية فلسطينية؛ (3) جنسية إسرائيلية. من المفهوم أن الأمر يتعلق بالفلسطينيين الذين يحملون بطاقة هوية زرقاء (سكان إسرائيل)، الذين يعيشون في أحياء خارج الحاجز الأمني وستكون تابعة للعاصمة الفلسطينية، بما فيها كفر عقب ومخيم شعفاط للاجئين (عناتا)،   سينتقلون للإقامة في القدس، كي يمكنهم تنفيذ هذا الخيار (الجنسية الإسرائيلية).
     بالنسبة لقضية الأمن: توفي الخطة أغلب المطالب الأمنية الإسرائيلية، المقترحة كشروط للتسوية، وتأخذ في الحسبان دروس الانفصال عن قطاع غزة. هذا للحيلولة دون تشكيل واقع أمني كهذا الذي يتسم به القطاع. في الحقيقة؛ هذه الترتيبات الأمنية توفي المطالب الأمنية لإسرائيل، مثلما أثيرت في جولات مفاوضات سابقة، لكن من الصعوبة الوثوق في أن الجانب الفلسطيني سيوافق على قبولها لأنها ستُحجم للغاية سيادة الدولة الفلسطينية وستسبب ضررًا شديدًا بتركيبة الحياة في نطاقها المستقبلي. فيما يلي مبادئ المطالب الأمنية:
·                   دولة فلسطينية منزوعة القدرات العسكرية: وهذا يشمل تجريد المنظمات "الإرهابية" من سلاحها.
·                   مسئولية أمنية إسرائيلية متزايدة: في البر- عبر حرية العمل في كامل المساحة من غرب نهر الأردن؛ في الجو – مجال جوي تحت سيطرة إسرائيلية بالكامل؛ في البحر – سيطرة إسرائيلية على المياه الإقليمية لقطاع غزة؛ في المجال الإلكترو مغناطيسي فإن إسرائيل سوف تخصص الترددات لتستخدمها الدولة الفلسطينية.
·                   العمق الاستراتيجي: بموجبه ستكون لإسرائيل السيادة والسيطرة الأمنية على غور الأردن  والمحاور الاستراتيجية (القدس- البحر الميت ؛ الطريق المار بالسامرة ]الطريق السريع 5[؛ طريق الغور ]الطريق السريع 90[ ومحور ألون) وسيطرة على المواقع الاستراتيجية (موقعان تحت السيطرة الإسرائيلية- تل العاصور وبيت يتير، وكذلك محطة الإنذار في جبل عيبال).
·                   مجال أمني للدفاع عن مطار بن جوريون: عبر سيادة إسرائيلية على المناطق التي تحيط بالمطار وما يتبعه من أرض تمثل مجال حركة الطائرات ممثلة في ممر الوصول.
·                   سيطرة إسرائيلية على المحيط الأمني: بموجب الخطة؛ فإن إسرائيل ستطوق جميع المساحات الفلسطينية ، ستسيطر على الحدود الخارجية وستكون المسئولة الفائقة عن التدقيق الأمني في المعابر الخارجية للدولة الفلسطينية (النبي- معبر الأردن  ]جسر الملك حسين[ ورفح  ]المعبر إلى مصر[). في المرحلة الأولى لن يقام ميناء بحري في قطاع غزة، وستتعهد إسرائيل بالسماح للفلسطينيين باستخدام موانئها – بأشدود وحيفا، تحت سلطة إسرائيلية كاملة بالتدقيق الأمني.
·                   تنسيق الحاجز الأمني مع المسار الجديد للحدود: بالنسبة للمناطق الفلسطينية المتاخمة للحدود الجديدة، سيكون لإسرائيل الحق في الموافقة على خطط الجانب الفلسطيني لاستخدام الأرض والبناء وفقًا لاحتياجاتها الأمنية. 
·                   تعاون أمني وثيق بين إسرائيل وأجهزة أمن الدولة الفلسطينية: تلغي الخطة انخراط القوات الدولية في الترتيبات الأمنية بين الدولتين، على أساس التجربة السلبية فيما يتعلق بفعالية قوات السلام التابعة للأمم المتحدة.
·                    زيادة المسئولية الإسرائيلية: لتحديد معايير أداء الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتنفيذها: وذلك قبل نقل المناطق تحت سيطرتها الأمنية.
     في الواقع؛ بموجب الخطة ستتلقى إسرائيل استجابة كاملة لمطالبها الأمنية. لكن ترجمة الخطة وفقًا للظروف على الأرض -  يعني خلق حدود طويلة ومتعرجة، جيوب ومستوطنات منفصلة، اختلاط سكاني- أي واقع يجد فيه الجيش الإسرائيلي صعوبة في تنفيذ الترتيبات الأمنية،  إضافة إلى، ستنشأ صعوبة في الدفاع الدائم على امتداد المحاور/ الطرق الطويلة والمحاور (بدون امتداد أمني)، التي تربط بين المناطق وتصل إلى المستوطنات المعزولة، وسيزداد الاحتكاك مع السكان والأنظمة الأمنية الفلسطينية على امتداد المحاور، وتشمل تحديات أخرى حماية المستوطنات المعزولة، المداخل، والمخارج، والمعابر بين المناطق الفلسطينية، وبامتداد خط الحدود الطويل المتعرج، فإن حماية المستوطنات ، خصوصا تلك الواقعة في عمق المناطق الفلسطينية وداخلها، ستكون هناك حاجة لتعزيز كبير في تنظيم قوات الجيش الإسرائيلي. في ظل هذه الظروف التي ستُستجد ستكون هناك فقط فرصة ضعيفة للتعاون الأمني الوثيق والفعال مع الأنظمة الأمنية الفلسطينية. إضافة إلى هذا ستكون هناك حاجة لنقل الحاجز الأمني إلى خط الحدود الجديد (يتطلب اعتماد ميزانيات كبيرة)؛ وفي الجنوب سيزداد التحدي الأمني عند محور فيلادلفيا  ]محور صلاح الدين[- عبر تهريب الأسلحة وتسلل عناصر إرهابية ومتطرفين – من شبه جزيرة سيناء إلى المناطق الفلسطينية، التي ستمتد إلى الجيوب الواقعة غربي النقب. لذلك؛ إذا تم تنفيذ الخطة بشكلها الحالي؛ فسيكون من الصعب ضمان واقع أمني جيد بالنظر إلى الواقع الحالي.
     الاقتصاد:
     تم تقديم الفصل الاقتصادي لخطة ترامب في ورشة البحرين الاقتصادية في يونيو 2019. ومن أهم بنود هذا الفصل إنشاء صندوق استثماري بقيمة 50 مليار دولار، من بينها 28 مليار دولار للاستثمار في الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة، والباقي للاستثمار في الدول المجاورة من أجل المساهمة في دعم الخطة: 7.5 مليار بالأردن و9 مليار بمصر. هذا الإطار الاقتصادي من المفترض أن يضع الأساس لسلطة فلسطينية مستقلة وفعالة، وكذلك يكون بمثابة "طعم" يجعلها مرغوبة بشكل خاص لدى الجمهور الفلسطيني وبالتالي تقليل المعارضة. ستُمنح الهِبة للفلسطينيين على مدى عقد، 2.8 مليار كل عام. تجدر الإشارة أن الفارق ليس كبيرًا  بين هذا المبلغ وبين إجمالي المساعدات السنوية للسلطة الفلسطينية من الدول المانحة، بالإضافة إلى الميزانية المقدمة إلى منظمة إغاثة وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا). وتذكر الخطة ما يقرب من مائتي مشروع في مجالات مختلفة، من بينها البنية التحتية (بما في ذلك ممر بري واصل بين قطاع غزة وبين الضفة الغربية)، والصحة، والقضاء، والتعليم، والتشغيل. أي أن: الخطة طموحة للغاية، في حين ليست مصادر تمويلها واضحة حتى الآن. وبالإضافة إلى هذا؛ فإن الجداول الزمنية لمباشرة الأهداف المهمة المذكورة فيها وتشمل الناتج المحلي الإجمالي، وخلق مليون فرصة عمل، وخفض نسبة البطالة بنسبة 1% خلال عقد واحد؛ غير مرجحة.
     علاوة على ذلك؛ فإن ترسيم الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية بموجب الخطة – أي الحدود المتعرجة والطويلة والجيوب لدى كلا الجانبين – من شأنه أن يُصعِب الفصل بين الاقتصادين وسيتطلب غطاء جمركيا موحدًا، من شأنه ألا يفتح طريقا لمعركة فعالة ضد التهريب.
     صعوبات كبيرة من المتوقع ظهورها عند التنفيذ في أعقاب الرفض الفلسطيني القاطع للخطة:
السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بمثابة "الحاضر الغائب" بالنسبة لخطة ترامب، التي تستهدف تحديد المستقبل الفلسطيني القومي. مفهوم المخطط المقترح هو دحر النضال الفلسطيني من أجل تحقيق الحقوق القومية، لأنه، من بين أمور أخرى، يتعارض مع الإيمان بأن الوقت في صالح المشروع الوطني الفلسطيني وأنه بمرور الوقت سيفرض المجتمع الدولي على إسرائيل الشروط الفلسطينية للتسوية. وعلى العكس، ليس مستغربًا أن الفصائل الفلسطينية جميعها ترفض الخطة بشدة. بالنسبة لهم؛ إن الخطة  وتداعياتها بمثابة تهديد وجودي حقيقي لإنجازاتهم حتى الآن وعلى رؤية الدولة الفلسطينية المستقلة، التي ستتمتع بسيادة كاملة. من الصعب الإشارة إلى زعيم فلسطيني حاليا أو في المستقبل، يوافق على مخطط دولة فلسطينية مُصغرة ومجزأة، ومشمولة ضمن مساحة إسرائيل، عاصمتها تقع في حي على أطراف القدس الشرقية. ممثلو الشعب الفلسطيني، الذين رفضوا جميع مقترحات التسوية التي طُرحت حتى الآن على جدول الأعمال، لا يستطيعون قبول مخطط ترامب، الذي يعني بوضوح بالنسبة لهم الخضوع وينطوي على تهديد فعلي بخسارة كاملة للشرعية العامة.
     مع نشر الخطة جرت محاولة لتنسيق المواقف وسبل مكافحتها بين السلطة الفلسطينية وسلطة حماس بالقطاع، خصوصا فيما يتعلق باحتمال ضم إسرائيل لمناطق من جانب واحد، لكن كلا الجانبين لم يفلحا في تجاوز الخلافات بينهما. بينما منح محمود عباس لنفسه حق إدانة الخطة، التي أُعلنت في الساحة الدولية وفي العالم العربي. في الوقت نفسه؛ هو يشكل هدفًا لانتقاد الجمهور الفلسطيني بسبب عجزه الديبلوماسي، وتجنبه الاحتكاك المتزايد مع قوات الأمن الإسرائيلية، وفشله في تحريك مظاهرات احتجاج شعبية. وفقًا لاستطلاع رأي شعبي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث (PCPSR) فإن 94% من المستجيبين أعلنوا معارضتهم للخطة، رغم عدم وجود تصعيد ملحوظ بالمظاهرات في الضفة الغربية أو هجمات ضد إسرائيل.  في الوقت الحالي، محمود عباس يلتزم بسياساته المستنكرة للإرهاب بالضفة ولا  يخرق التنسيق الأمني مع إسرائيل، خوفًا من يؤدي اندلاع الإرهاب في الضفة إلى رد فعل إسرائيلي حاد، يقوض وضع السلطة الفلسطينية وإنجازاتها السياسية حتى الآن. ولكن بالرغم من الهدوء النسبي وعدم تحمس الجمهور للخروج إلى الشوارع ونقاط الاحتكاك مع قوات الأمن الإسرائيلية؛ فإن الضم أحادي الجانب لأراضي بالضفة الغربية من قِبَل إسرائيل من المنتظر أن يدفع فتح وحماس إلى الزاوية ويجبرهما على انتهاج عنف (برغم أن مدى وكثافة التقدم في هذا الاتجاه سيكون مرتبطًا بنطاق الضم وموقعه).
     مصاعب أخرى من المتوقع أن تنشأ جراء الاستجابة الإقليمية والدولية الفاترة على خطة ترامب (رغم أن الاعتراض عليها في الأساس بسبب صياغتها دون مشاركة الجانب الفلسطيني ورفضه القاطع لها):
     موقف الأردن: الأردن هي الحلقة الأضعف في المنظومة العربية. تواجه المملكة الهاشمية معضلة ثقيلة – حيث تعتمد اقتصاديًا وأمنيًا على الولايات المتحدة، لكنها تخشى كثيرًا من أن تنفيذ الخطة سيُسدل الستار على حل الدولتين  وعندئذ ستعود للظهور من جديد فكرة الأردن كوطن فلسطيني بديل. بالإضافة إلى أن التصور الديموجرافي الفلسطيني لحدود المملكة يُصعب على القصر الملكي أن يُعبر عن موقف من شأنه أن يُنظر إليه على أنه يضر الشعب الفلسطيني. برغم المعضلة؛ فإن الملك عبد الله اتصل بمحمود عباس عندما أُعلِنت الخطة لدعمه وتوضيح دعم الأردن لفكرة الدولتين، وفقًا للنموذج التقليدي المتفق عليه لدى العالم العربي. في الوقت نفسه لا يسمح القصر الملكي للجمهور أن يعبر عن انتقاده لاستمرار علاقات السلام مع إسرائيل.
     موقف مصر: لم يتطرق الموقف الرسمي لمصر بشكل مفصل لتفاصيل الخطة، وإنما عبر عن دعمه لجهود الوساطة الأمريكية والرغبة في تقديم حل. الصعوبة الرئيسة التي يواجهها المصريون ترجع لكونهم مضطرين لدعم الفلسطينيين، وهذا ما قامت به كعضو بالجامعة العربية ومن خلال لقاء بين السيسي وعباس، وفي الوقت نفسه تنبع الصعوبة من الرغبة في الحفاظ على العلاقات الثنائية الجيدة بين القاهرة وواشنطن.  توجد عدة عناصر بالخطة من شأنها أن تلبي المصالح المصرية: نزع سلاح حماس وعودة سيادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة؛ فكرة السلام الاقتصادي وفي الأساس الاستثمار المضمون بـ 9 مليار دولار  لتنمية مصر – رهنًا بتنفيذ الخطة؛ لا انتهاك بالخطة لسيادة مصر في شمال شبه جزيرة سيناء؛ بينما تشير إلى موافاة الاحتياجات الأمنية لمصر. لكن  الانتقاد المصري للخطة يتركز على أنها مقترحة من جانب واحد ولذلك تبدو وكأنها خطة رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو.
     موقف دول الخليج: توقع مُنظرو الخطة أن تعمل الأنظمة العربية المقربة من الولايات المتحدة على إقناع القيادة الفلسطينية بتبني موقف إيجابي وليس رفضها فورًا. لكن خاب توقعهم، في الواقع؛ فقد دفع نشر الخطة نحو اصطفاف عربي وإسلامي علني بجانب الفلسطينيين ودعم لرفضهم للمخطط المقترح. رغم التصريحات التي صدرت ضد الخطة من منظمة التعاون الإسلامي ومن الجامعة العربية، التي رفضتها رسميًا، فلا يوجد إجماع تام في هذا السياق بين الدول الأعضاء في الهيئتين. بل إن بعضها يرى في الخطة أساسًا للمفاوضات، أو سيناريو بديل غير محتمل، ولذلك لا ترى سببًا في اختلاق مشكلة مع إدارة ترامب. ولكن، رغم أن أيا من الدول التي أعلنت دعمها للخطة قد تلقتها كما هي. ممثلون عن الإمارات وعمان والبحرين، ممن حضروا مراسم إعلان الخطة في البيت الأبيض، زعموا بعدها أنهم لم يعرفوا تفاصيلها وتلقوا الدعوة للحدث على أساس التأكيد بأنها تحقق المبادئ المهمة للعالم العربي وتتمثل في عاصمة فلسطينية في أورشليم (القدس) وإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبعد إعلان الخطة تبين أن مبادئها بعيدة عن تطلعات الدول العربية كما أنها تغير في الموقف الإسلامي بالنسبة للمسجد الأقصى والموافقة على صلاة اليهود بالحرم الشريف. رغم تقارب العلاقات بين إدارة ترامب وبين المملكة العربية السعودية، فإن المملكة لم تعلن دعمها للخطة أو تعترف بها كأساس للمفاوضات، وفي حوار مع محمود عباس عبر الملك سلمان آل سعود عن دعمه غير المحدود للشعب الفلسطيني. كما تحفظت كل من الكويت وقطر على الخطة، لكنهما أشادتا بجهود الإدارة الأمريكية. في مقابل سعي إسرائيل خلال العِقد الأخير للتطبيع مع العالم العربي، ثمة رغبة متبادلة للتطوير العلاقات على أساس مصالح استراتيجية مشتركة، لكن  من منظورها (دول الخليج) هذا غير كاف لرد الفعل الإيجابي على خطة سلام تستند إلى إطار ترامب.
     موقف المجتمع الدولي: لا تشارك أغلبية المجتمع الدولي في الحماس الإسرائيلي – الأمريكي تجاه الخطة، فقد رفضتها العديد من الهيئات والدول الكبيرة، في الواقع لم تتم إدانتها على أي حال، عقب رفض الجامعة العربية للخطة، صرح متحدث الكرملين، ديمتري بيسكوف، أنها تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة بشأن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وليست قابلة للتنفيذ من منظور الفلسطينيين والعالم العربي.  في الواقع يواجه الاتحاد الأوربي صعوبة في بلورة موقف مشترك لجميع الدول الأعضاء ولم يُعبر رسميًا عن معارضته للخطة، لكن  الممثل السامي للاتحاد الأوربي المكلف بالشئون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيف بوريل فونتيليس، أكد على التزام المنظمة بحل الدولتين على أساس حدود 67، بدولة فلسطينية مستقلة وممتدة، وبالتالي رفض بالفعل النسخة المعلنة، في الوقت نفسه يرى الاتحاد الأوربي في الخطة فرصة لتجديد المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية. جدير بالذكر أنه قد ارتفعت أصوات ضد الخطة بالكونجرس الأمريكي: حيث قدم 107 ممثل عن الحزب الديمقراطي خطابًا للرئيس ترامب، زعموا فيه أن الخطة لا تسمح بإقامة دولة فلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة. وأشار الموقعون إلى أن الخطة تخلو من حسن النية، وبالتالي لا يمكن التعاطي معها على محمل الجد.    
انعكاسات على إسرائيل:
     في الواقع إن خطة ترامب تحدد وضعًا نهائيًا، رغم أن الإدارة الأمريكية – ومن ضمنها الرئيس ترامب نفسه وقت عرض الخطة وكذلك السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، أثناء مناقشة الخطة في مجلس الأمن- وصفت الخطة باعتبارها "رؤية" تدعو إسرائيل والجانب الفلسطيني للتفاوض حول التفاصيل والتنفيذ. وبالتالي، من الممكن أن يعرض مصدر وسيط في المفاوضات وضعًا نهائيًا يكون بمثابة جسر مقترح إذا وُجد اتفاق مبدئي بين الطرفين على الخطوط العريضة للاتفاقية. لكن؛ مثل هذا الوضع ليس قائمًا في الوقت الحالي في الساحة الإسرائيلية- الفلسطينية على خلفية الفجوات غير القابلة للجسر في المواقف المبدئية للطرفين. إن هدف إنهاء الصراع ونهاية الادعاءات، مثلما حددت الخطة، غير عملي طالما أن كل طرف لا يثق تمامًا أن الطرف الآخر يبذل جهدًا كبيرًا، بحسن نية، لتلبية احتياجاته كذلك، لذا، يمكن أن تكون الخطة منطوية على قدر كبير من السذاجة، التي تنعكس في اعتقاد بعيد كل البعد عن الواقع يتمثل في أن المعايير المقترحة فيها ستساعد على إنشاء نظام إقليمي جديد، مشترك بين إسرائيل والمدن العربية المعتدلة، كما يمكن حل صراع عرقي- عاطفي-فطري، كهذا الذي يميز العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، من خلال اقتراح أموال ثابتة وإغراء اقتصادي.
     رغم أن المخطط ليس في الحقيقة اختبارًا عادلًا بالنسبة للفلسطينيين، فإن رفضهم له – استمرارًا لرفضهم اقتراحات التسوية التي وُضعت على الطاولة المفاوضات في الماضي- يعزز لدى إسرائيل رواية غياب شريك للسلام. بالنسبة لردود الأفعال المضادة الضعيفة تجاه الخطة في الساحة الإقليمية، وبخاصة أن اقتراحها لم يثر أعمال عنف واسعة بالضفة الغربية وقطاع غزة، فيمكن للمصادر الإسرائيلية، التي تطالب بفرصة لضم الأراضي، أن تدفع بجدية لتحريك العملية. هكذا  ستتسع الفجوة الإسرائيلية- الفلسطينية وستزداد صعوبة صياغة شروط مستقبلية لتجديد الحوار، ليس هذا فحسب، بل إن الخطة تهدد بتقويض الوضع الحالي بشدة، وإن لم يكن الوضع الأمثل، خصوصًا إذا قررت إسرائيل تنفيذ البنود التي تلائمها في الخطة دون أن تبذل جهدًا في التوجه لإقناع الفلسطينيين للانضمام للعملية. 
     علاوة على هذا، فإن الخطة لا تحمل حافزًا حقيقًا لخلق دولة فلسطينية فاعلة، مستقرة ومسئولة، أو لرأب الانقسام القائم في النظام الفلسطيني، وبخاصة بين فتح وحماس وبين الضفة الغربية وقطاع غزة. كذلك تفتقر الخطة لصيفة للتعامل مع انقسام السلطة أو المطالبة بعودة القطاع ليكون تحت سيطرة السلطة الفلسطينية ونزع سلاح حماس كشرط لإقامة الدولة الفلسطينية. حتى إذا تغلبت الأطراف المتداخلة على القيود كلها، ونفذت إسرائيل والفلسطينيين الاشتراطات كلها وقامت دولة فلسطينية- ستكون مقسمة إلى سنة كانتونات – وهو الوضع الذي سيجعل من الصعب أن تكون دولة مستقرة ودائمة (يُظهر التاريخ أن الدول التي لا تتمتع بحدود متصلة أقرب للتفكك)، من المتوقع أن تواجه القيادة الفلسطينية صعوبة في السيطرة على الدولة التي ستمتد بموجب الخطة على مساحة معقدة ستجعل إسرائيل مسئولة عن الظروف المعيشية الأساسية لنحو ثلاثة ملايين فلسطينيًا  في الضفة الغربية -  يهودا والسامرة والقدس، بالإضافة إلى حوالي 2 مليون في قطاع غزة (حتى بعد فك الارتباط عن المنطقة). سيكون العبء الأمني والاقتصادي والمدني والسياسي المفروض عليها حينئذ ثقيلا للغاية. ومن ثم؛ فإن تنفيذ الخطة لن يقدم سوى حل وسط. وسيتوجب على إسرائيل أن تستمر في إدارة الصراع، وفي ظروف أكثر تعقيدًا مما هي عليه اليوم.
     في الواقع إنها المرة الأولى، التي تتقبل الإدارة الأمريكية مطالب إسرائيل بخصوص الترتيبات الأمنية لتنظيم وضم جميع المستوطنات،  بما فيها الكتل الاستيطانية وغور الأردن إلى مرتفعات الغور من ناحية الغرب. فقد أوضح سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، دافيد فريدمان، أنه توجد صفقتان: وثيقة "صفقة القرن"، بالإضافة إلى "صفقة داخل الصفقة. وبحسب فريدمان؛ ستنتظر إسرائيل حتى نهاية عمل اللجنة السداسية، التي ستضم ثلاثة أمريكيين وثلاثة إسرائيليين. ستعيد اللجنة تنسيق الخريطة المقترحة في خطة ترامب لتوافق الواقع في المنطقة لجعلها قابلة للتطبيق، وستجمد البناء في المناطق المخصصة للدولة الفلسطينية. عندئذ، ستعترف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على المناطق غير المخصصة للدولة الفلسطينية. أي أن الإدارة الأمريكية تُهيئ الظروف التي تسمح لإسرائيل بضم أراضي دون موافقة فلسطينية.
     ومع ذلك؛ تجسد الخطة تهديدًا حقيقيًا لرؤية الدولة اليهودية والديمقراطية، فبموجبها؛ ستستوعب إسرائيل ما يقرب من 450000 ألف فلسطيني إضافي داخل حدودها. وإذا انهارت السلطة الفلسطينية بعد عملية الضم الإسرائيلية، ستضطر إسرائيل لتحمل مسئولية جميع السكان الفلسطينيين. وهذا يعني أن الوصول إلى واقع الدولة الواحدة سيكون نتيجة حتمية. في المقابل؛ هناك اتجاه قائم في صفوف الجمهور الفلسطيني، وبخاصة الشباب، للسعي نحو واقع دولة واحدة، تطالب بحقوق متساوية للجميع.
علاوة على ذلك؛ بموجب شروط الخريطة المقترحة، ستكون إسرائيل مطالَبة بأن تمنح مساحة كبيرة من أراضيها بالنقب الغربي في مقابل الأراضي المخصصة لها لتبسط سيادتها، مع إمكانية ترك منطقة المثلث أيضا للدول الفلسطينية  - وهي تمثل "البطن الضيقة" لدولة إسرائيل (رغم أن هذا خيار نسبة تطبيقه صفر). ففي أي منتدى للحكومة الإسرائيلية تقرر أن ضم المستوطنات المنعزلة في عمق المناطق الفلسطينية أكثر أهمية من الحفاظ على أراض بالنقب – التي تشكل عمقًا استراتيجيًا لإسرائيل- وبمنطقة المثلث الواقعة في  قلب إسرائيل؟ في أي منتدى تمت مناقشة الآثار المعقدة، والوزن الثقيل والميزانية الباهظة، التي تلزم لتأمين حدود تصل إلى نحو 1400 كيلومتر، إضافة إلى ضم نحو 450000 فلسطيني لحدود إسرائيل؟  كل هذا دون مشاركة الجهاز الأمني وتوجيهه لتقييم عمل القيادة وتوضيح التداعيات.
 ص 53
     بدائل لإسرائيل:
     بعد إعلان خطة ترامب، فإن إسرائيل أمام ثلاثة بدائل لتعمل عليها، كلها مرتبطة بفترة ما بعد الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة:
1.   النظر للخطة باعتبارها فرصة، ربما لمرة واحدة، لتشكيل واقع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بشروط إسرائيل. وفي هذه الحالة، فإن رفض الفلسطينيين للخطة والدعم الأمريكي لها ستعتبره إسرائيل، في  الساحة الداخلية والدولية أيضا إلى حد ما، شرعية لتنفيذ البنود التي تتضمنها الخطة وفقًا لمصالحها. وسيُطبق القانون الإسرائيلي على غور الأردن والمستوطنات (وفقًا لهيكل الخطة) بضربة واحدة وبتجاهل كامل للمعارضة الفلسطينية والأردنية، وكذلك المعارضة الدولية، والتبعات: إعلاق الباب أمام اتفاق تسوية في المستقبل، تقويض العلاقات الخاصة مع الأردن واحتمال الإضرار باتفاق السلام معها، تصعيد للإرهاب والعنف من الجانب الفلسطيني، تباطؤ عمليات التطبيع مع الدول العربية، عزلة وربما حتى مقاطعة من النظام الدولي. وسيكون رد الفعل الأكثر خطورة على خطوات الأحادية هو تفكيك السلطة الفلسطينية و "عودة المفاتيح" لإسرائيل- وهو التطور الذي سيؤدي إلى واقع دولة واحدة، بكل ما له من آثار سلبية على المجال الأمني، والاقتصادي، والاجتماعي، وأيضا الأيديولوجي.
2.   قبول مبدئي للخطة، دون اتخاذ خطوات عملية حتى تشكيل حكومة جديدة وإعلان استعداد من جانب السلطة الفلسطينية للعودة إلى المفاوضات. يمكن لإسرائيل أن تضع شروطًا جديدة للتقدم نحو تسوية على أساس خطة ترامب، تتضمن: السعي نحو بناء الثقة بين الطرفين، تعزيز التعاون الأمني، تحسين الواقع الاقتصادي والمدني في السلطة الفلسطينية، تعميق العلاقات وتوسيعها بين إسرائيل والدول العربية، مصر والأردن والدول الخليجية، تعزيز المشاركة الإقليمية في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، وتعبئة المساعدات العربية لتهيئة الظروف نحو إقامة دولة فلسطينية مستقرة وفاعلة (في مقابل عدم قيام إسرائيل بالضم من جانب واحد). والتبعات: ستبقى خطة ترامب "على الرف"، بدعم أمريكي وكنقطة مرجعية جديدة للمفاوضات المستقبلية، من خلال إرساء المطالب الأمنية الحيوية لإسرائيل كما هو منصوص عليها بالخطة، ومن خلال إظهار مرونة إسرائيلية فيما يتعلق بالبعد الإقليمي والوظيفي للسلطة الفلسطينية.
3.   ستنظر إسرائيل للخطة على أنها فرصة لصياغة الاستراتيجية، باتجاه الانفصال عن الفلسطينيين، جنبًا إلى جنب مع السعي للتعاون مع السلطة الفلسطينية والتزامها بتنفيذ ترتيبات انتقالية. ستدعو إسرائيل قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير لدراسة الخطة والعودة إلى طاولة المفاوضات  على أساسها، وفي الوقت نفسه سيتم توضيح أن رفض الفلسطينيين للمفاوضات، التي تنطلق من نقطة مرجعية هي مخطط ترامب سيؤدي إلى تنفيذ أجزاء من الخطة على مراحل، مع توجه للفصل وليس دمج السكان، ولكن مع ترك الباب مفتوحًا للمفاوضات والتنسيق مع السلطة.  ستشرع إسرائيل في الضم التدريجي للمستوطنات وكتل الاستيطان، التي تحظى بإجماع عام وتتوافق مع توجه الانفصال. في المقابل ستمنح إسرائيل للسلطة الفلسطينية أراض ذات قيمة مماثلة في المنطقة C (المناطق التي يسكنها فلسطينيون وتشكل امتدادًا إقليميًا فلسطينيًا). وإذا أصرت السلطة الفلسطينية على رفض تجديد المحادثات، ستواصل إسرائيل تشكيل واقع انفصال عن الفلسطينيين، إقليميًا وسياسيًا وديمجرافيًا، وفقا للمخطط الاستراتيجي للمنطقة الإسرائيلية الفلسطينية، الذي نشره معهد دراسات الأمن القومي (أكتوبر 2018)

     لمخطط المعهد هدفان: الأول، تحسين الوضع الاستراتيجي لدولة إسرائيل، والثاني، منع الانزلاق نحو واقع دولة واحدة. جوهر المخطط هو تشكيل واقع أفضل، يسمح بتطوير خيارات مستقبلية لإنهاء السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين في يهودا والسامرة ويضمن أغلبية يهودية قوية في إسرائيل الديمقراطية. أي أن المخطط يستهدف لتهيئة الظروف من أجل واقع دولتين، وفي إطار هذا الواقع تتجسد الروح الإسرائيلية – دولة ديمقراطية، يهودية، آمنة وأخلاقية.
على المدى البعيد، ينطوي البديل الأول على مخاطر عديدة تواجه دولة إسرائيل على جميع المستويات- الأمنية، الاقتصادية، المدنية/ اجتماعية، والموقف الدولي والإقليمي – ويمكن أن يؤدي إلى واقع دولة واحدة، في المقابل، يمكن أن يشكل البديلان الثاني والثالث (الذي يمكن تنفيذه لاحقًا للثاني) ظروفًا للانفصال عن الفلسطينيين، ويخلقان لإسرائيل واقعًا استراتيجيًا أفضل.

No comments:

Post a Comment