Saturday, June 13, 2020


     أصبحت خبيرًا في التكتيك الخداعي، أراوغ الوجع يا صديقتي، أتحين لحظات بزوغه لأسارع بقلب المنضدة، ألقي الكرة في ملعبه وأبادر بخطواتي الافتتاحية، أحلق ذقني المُنهكة لأبدو أصغر سنًا وأكثر نشاطًا، وقد خدمتني الظروف بعد أن أصبح مشيب الشعر صرعة يتهافت عليها الناس، فلا أحتاج لتغيير رأسي بلون أسود يتماثل مع ظل الوجع الذي يتسلل في عروقي.     في أحايين أخرى أغير الخطة، أطلق لحيتي قليلا، تبدو غير مشذبة دائما، لأنها ربما غير معتادة على الظهور علنا هكذا فجأة، لكن الخطة تنجح حينما تخفي اللحية جزءًا من الوجه الذي هبشه ذات يوم وجع آخر مقيم.     لأنه مراوغ وخبير؛ يقلقل مضجعي كل حين، ويصارعني في حلمي، يتجسد في شخصية محارب عدو يطلق نيرانًا عشوائية، كأنما يجرب سلاحه للتو، أو يصر على مرافقتي إلى قبر مُزين برخامية أنيقة، أقرأ عليها اسمي ولكنه يخفي تاريخ الموت ليترك تفصيلاً أخيرا من خطته يفاجئني به.
     حين أستيقظ أتعمد ألا أعير هجمته اهتمامًا، كيلا يستشعر خوفًا يستغله في الإجهاز علي، لكني أقف مطولا أمام مرآتي الصغيرة فوق الحوض، أطالع بقعة غامقة في وجنتي، وأتحسس تورمًا أسفل العين يبدو كوسادة سميكة، وأنظر بشفقة إلى اللثة المتورم، ثم أفرش أسناني كالمعتاد وأغسل وجهي، وأنظر مجددًا لنفسي وأقول لها: "لا تقلقي عزيزتي، كم عانينا من تورم، وكم غزت محيانا بقع، لكننا مازلنا معا، لن يهزمنا الوجع الآتي من الأعماق، لن تمتص جذوره المتشعبة بصيصًا من الأمل الذي اختزناه، لأنه ببساطة إذا ما تعملق ووصل إلى منبع الأمل هذا سيجده جف منذ عقود، ولن يعرف الأحمق حينها أننا قررنا - سويًا أنا وأنتِ - في لحظة ثمالة عابرة أن نبادر ونسبقه، بأن ذبحنا الأمل قربانًا لنتقرب بدمه إلى الموت".
     الوجع يظن مع كل إطلالة مفاجئة نتوقعها أن سَكينه يسرقنا، بينما نحن من نهزأ به يا صديقتي، ونقف على مقربة نستمتع بنزقه وهو يؤسس أبعاد ألمه فينا، ننتظر ونبدي إعجابنا بالرخامية.

#أبو_إياس
https://www.facebook.com/ShzayaAlql/

No comments:

Post a Comment