Sunday, June 14, 2020

مع اقتراب موعد التنفيذ: أبعاد خطة الضم وتداعياتها


تقرير منشور على موقع شبكة رؤية الإخبارية اضغط هنا للانتقال
   الجدل الكبير الدائر في إسرائيل حاليًا لا يخرج عن ثلاثة سياقات، أولها مستوى الخلاف بين جناح نتنياهو وجناح جانتس في الحكومة الجديدة، ومتى ستتجه إسرائيل لانتخابات جديدة، والثاني تداعيات كورونا وخطوات العودة للحياة الطبيعية، والثالث هو ضم مناطق بالضفة وغور الأردن.
   السياقات الثلاثة مرتبطة ببعضها بشكل كبير، فالجميع يتحدثون عن الخلافات بين نتنياهو رئيس الوزراء وبين جانتس وزير الدفاع ورئيس الوزراء المناوب، بعد اتفاق التناوب الذي أثمر عن حكومة مكتظة مترهلة غير محدد فيها صلاحيات كل وزير بشكل دقيق، لكنها حكومة تستنزف الكثير من ميزانية إسرائيل في الوقت الذي تبحث فيه الدولة تعويض الخسائر الناتجة عن تفشي كورونا، وفي الوقت نفسه تنتظر اللحظة المناسبة بعد السيطرة على الوباء كي يعلن نتنياهو رسميا ضمه لأراضي الضفة وغور الأردن، وهي خطوة تحمل تداعيات سياسية، وعسكرية واقتصادية بالنسبة لإسرائيل التي تواجه حاليا عجزًا حكوميًا يصل إلى نحو 80 مليار شيقل، يعرقل خطط تطوير الجيش الإسرائيلي.
تسارع سياسي وزخم واجتماعي
   تسريبات شبه يومية، حوارات صحفية، جس نبض، واستطلاعات رأي، محادثات هاتفية مع أطراف دولية، وبالونات اختبار، كل هذه الانفعالات وأكثر خلال الفترة الأخيرة، وتحديدًا منذ الاتفاق على تشكيل الحكومة بين نتنياهو وجانتس، من أجل تمرير خطة الضم أحادية الجانب.
   خرجت مخططات تشير إلى ضم "تدريجي" لأراضي الضفة، يبدأ بالكتل الاستيطانية الكبرى معاليه أدوميم (مقامة على أرض أبوديس) وجوش عتسيون (في جبل الخليل) وأريئيل (تقع على أراضي بلدات كلفيت، اسكاكا، كفر حارس، مردة)، بخلاف الحديث الأول عن الضم الكامل، مرة واحدة في الأول من شهر يوليو القادم، ثم تُنفى فكرة التدريج، لتعود مخططات الضم الكلي دفعة واحدة، مثلما صرحت وزيرة الاستيطان تسيبي حوتوبيلي، التي نفت صحة خرائط لخطة ضم مرحلية، بدعوى "عدم معقولية التمييز بين المستوطنات الكبيرة والمستوطنات الصغيرة".
   من جانبه؛ صرح إيلي كوهين وزير الاستخبارات، أن "فرض السيادة على الضفة من مصلحة إسرائيل، وليس هناك حديث عن إقامة دولة فلسطينية".
   مع اقتراب الأول من يوليو؛ أعلنت إسرائيل إجراء أول إحصاء للسكان في الضفة منذ عام 1967، دون تحديد معايير التعداد، أو حدوده الجغرافية، بيد أن صحيفة يديعوت أحرونوت نشرت أن التعداد سيتركز في المنطقة (ج C) التي تمثل أكثر من 60% من الضفة، وتسيطر عليها إسرائيل سيطرة شبه كاملة، وغالبيتها مخصص لصالح المستوطنات ومواقع الجيش الإسرائيلي، في مقابل إعاقة دائمة لسبل الحياة والمعيشة الفلسطينية، بهدم المباني والتهجير التعسفي والتهديد بالترحيل، وإغلاق المحلات والأسواق، وترسيخ الفقر.
   أفادت يديعوت كذلك أن التعداد يهدف لـ: "تقرير مصير الفلسطينيين المقيمين في الأراضي التي تنوي إسرائيل ضمها" وتقرير المصير يعني هنا "مصير الجنسية الإسرائيلية".
   الأسبوع الماضي، كتب يتسحاق إيلان، العسكري ونائب رئيس الشاباك الأسبق، في صحيفة يسرائيل هايوم اليمينية، مقالا يتناول مسألة "الضم" باعتبارها "مصيرًا يخص إسرائيل وحدها، ولا ينبغي لأحد أن يقرر عنها مصيرها، ولا ينبغي حتى التحرك للضم بناء على الرد الفلسطيني أو العربي أو الأوربي، وإنما يتحدد قرار الضم من خلال نظرة استراتيجية لصالح مستقبل إسرائيل."
   يدعو إيلان إذًا لعدم الخوف من رد فعل الفلسطينيين، حتى لو كان الرد يتضمن التهديد بانتفاضة ثالثة، أو تهديد الأردن بإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل، أو رد فعل جدي من الدول العربية، لأن إسرائيل تأخرت بالفعل، تأخرت 53 عامًا على اتخاذ هذه الخطوة، فكان عليها أن تضم الضفة الغربية منذ يونيو 1967.
   مقال يتسحاق إيلان يعكس جانبًا من الآراء اليمينية المؤيدة للضم، وبسرعة، لتعويض "التأخر" عن اتخاذ الخطوة منذ حرب 1967، ورغم خروج مظاهرة في قلب تل أبيب تندد بمساعي الحكومة لضم الضفة؛ فلا يمكن القول أن المسألة خاضعة لخلاف كبير بين مؤيدين للضم ومعارضين له، فالصورة الأوضح تُظهر أن الخلاف بين مؤيدين وبين مُترددين أو مُتخوفين.
   فوفقًا لاستطلاع رأي نظمه "مجلس مستوطنات شمال الضفة"، ونشرته القناة الإسرائيلية السابعة، ظهر أن ما يقرب من 68% من الإسرائيليين مؤيدون لخطة الضم، فيما ترى نسبة 72% ممن شاركوا في الاستطلاع أنه لا يجب على إسرائيل ترك المستوطنات المعزولة في الضفة كـ"جيوب" محاصرة داخل المناطق الفلسطينية.
   لا يمكن أن يكون هذا الاستطلاع معبرًا عن آراء الجمهور الإسرائيلي، لأنه لم يستطلع وجهات نظر ما يقرب من نصف المجتمع، ولكنه مؤشر على التوجه اليميني المسيطر على أهواء الشارع، وخطوات الساسة، وأهداف إسرائيل التوسعية المتمثلة في الاستيطان والسيطرة على الضفة الغربية.
تقدير ردود الفعل
   الجدال الكبير الدائر في إسرائيل بخصوص خطوة الضم أحادية الجانب يتعلق بتقدير ردود الفعل الفلسطينية والعربية والدولية (الأوربية تحديدًا)، فالسلطة الفلسطينية أعلنت إنها سوف تقدم على خطوات تصعيدية للرد على الضم، وتبدأ بإلغاء التنسيق الأمني مع الحكومة الإسرائيلية، فيما حذرت الأردن من أن الضم سيدفعها للتفكير في إلغاء اتفاقيات السلام مع إسرائيل، أما الإمارات العربية فقد حذرت هي الأخرى ، على لسان يوسف العتيبة سفيرها لدى الأمم المتحدة،  إسرائيل من اتخاذ خطوة الضم، وخيرتها ما بينه وبين إمكانية التطبيع العربي مع إسرائيل، كما حذر العتيبة من أن الضم سيؤدي للعنف، وسيؤثر على المنطقة بأسرها.
   أما الاتحاد الأوربي فقد حذر إسرائيل أكثر من مرة من هذه الخطوة في الوقت الحالي، وأرسل لها تحذيرات مبطنة وظاهرة، منها موافقة بعض دُوله على الاعتراف بدولة فلسطين، أو إصدار عقوبات ضد إسرائيل، وآخر التحذيرات جاءت على لسان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الذي أعلن خلال لقائه بنظيره الإسرائيلي جابي أشكنازي، تخوف ألمانيا والاتحاد الأوربي من هذه الخطوة التي لا تتوافق مع القانون الدولي، ورغم أن الاتحاد  الأوربي في قمة ضعفه خلال هذه المرحلة الراهنة؛ فإنه لا يمكن لإسرائيل أن تراهن على هذا الضعف وحده كي تستمر في مخططات الضم، خصوصًا وأن دول الاتحاد أظهرت تباعًا ردود أفعالها على إعلان الخطة، فبخلاف زيارة وزير الخارجية الألماني، أجرت ميركل اتصالا بنتنياهو لتستوضح منه نوايا حكومته، وتحذره من الخطة، كذلك فعل الرئيس الفرنسي، بل ومن خارج الاتحاد الاوربي أيضا، حيث حذر رئيس الوزراء الكندي من عواقب الضم، كما التقى أشكنازي بمبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط، نيكولاي ميلادينوف، ناقشا فيه "صفقة القرن" وخطة الضم التي يعارضها ميلادينوف، وأعلن التزام الأمم المتحدة بحل الدولتين.
مستجدات قد تعرقل الخطة وطموح نتنياهو
   مخطط نتنياهو لضم الضفة من المفترض إعلان تنفيذه رسميًا في يوليو القادم، كان هذا التقدير الزمني قبل حدوث تفشي وباء الكورونا، وقبل الاضطرابات الكبيرة التي تزلزل الولايات المتحدة وتقلقل إدارة ترامب الراعي الأول لإسرائيل.
   لن تقدم إسرائيل عمليا على الضم بدون دعم الإدارة الأمريكية، ونقلت وسائل إعلامية أن إدارة أوباما تريد أولا الحصول على موافقة من بيني جانتس وجابي أشكنازي، كي تضمن أن معظم التيارات السياسية الحاكمة في إسرائيل توافق على الخطة، وبالتالي تتحمل عواقب تنفيذها، إضافة إلى غموض مصير نتنياهو الذي يُحاكم أمام القضاء، والتأرجح الظاهر على الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
   في إطار التجهيز لتنفيذ الضم، أُعلِن عن حديث هاتفي بين جاريد كوشنير، مستشار ترامب وصهره، وبين نتنياهو، وتداخل في الحديث السفير الأمريكي في إسرائيل دافيد فريدمان، ولم يُعلن عن محتوى الحديث، كما حدث لقاء بين جابي أشكنازي وزير الخارجية وبين السفير الأمريكي فريدمان، وتناولا فيه تفاصيل "خطة القرن" وخطوات الضم، وتأتي هذه المحادثات بين أفراد الإدارة الأمريكية المكلفين بـ"خطة القرن" وبين أفراد الحكومة الإسرائيلية من أجل تنسيق المواقف، وتقريب وجهات النظر بين فريق نتنياهو وفريق جانتس، من أجل الحصول على تأييد الفريقين.
   من المرجح أن نتنياهو تحديدًا يربط بين تنفيذ الضم وبين وجوده السياسي، وفي هذا الوقت لا يرغب في أن يحنث بوعده الذي وعد به، بأن يعلن ضم الضفة الغربية وغور الأردن في يوليو، لكن خطته تواجه عقبات كبيرة قبيل أسبوعين من إعلان تنفيذها، على رأسها معارضة أغلب المستوطنين أنفسهم، الحلفاء الأكثر دعمًا له، الذين يرفضون سيناريوهات إعلان دولة فلسطينية، أو تحديد الاستيطان، أو ترك جيوب استيطانية في قلب المناطق الفلسطينية.
   نتنياهو يبحث في المقام الأول عن تعزيز وجوده، وإثقال إرثه السياسي، ولا يمكن فصل مخطط الضم عن محاولاته الحثيثة للإفلات من المحاكمة والحبس، حتى لو سعى لحل الحكومة، والدعوة لانتخابات جديدة، بحجة عدم الاتفاق على موازنة الدولة.
   الآن، مع تعاظم الخلافات حول الخطة في اليمين الإسرائيلي نفسه، وردود الأفعال العربية، والتحذيرات الأوربية، وجراء الأزمة الكبيرة التي تواجهها إدارة ترامب، مع اقتراب الانتخابات، واستمرار مظاهرات رفض العنصرية، وإعلان الحزب الديمقراطي أن جو بايدن سيكون مرشحه الرسمي للانتخابات؛ والذي أعلن اعتراضه الشديد على الضم، هناك تقدير بأنه في ضوء هذه المستجدات يُحتمل أن يتأجل الموعد المُحدد للضم، والمقرر سابقًا في الأول من يوليو القادم، ومع ذلك فإن بيني جانتس، كوزير للدفاع، أعلن عن سلسلة خطوات عملية لترتيب خطوات الضم، على رأسها رفع جهوزية الجيش الإسرائيلي، كما عقد اجتماعات جمعت حزبه كاحول لافان مع رئيس الأركان أفيف كوخافي ورئيس جهاز الأمن الداخلي، لمناقشة الاستعدادات اللازمة، وفحص التوقعات بردود الأفعال الفلسطينية.
التحذير الأمني من الغضب الفلسطيني
   أمنيًا؛ بالتأكيد هناك تخوفات من عواقب الخطوة المزمع تنفيذها بعد أسبوعين، فإسرائيل تصر على اختبار قدرتها على كبح اليأس الشعبي الفلسطيني، ويخشى مسئولون عسكريون بالجيش الإسرائيلي والشاباك من ردة فعل فلسطينية قوية، ويحذر خبراء أمنيون من أن رد الفعل الفلسطيني لن يكون في الضفة الغربية وحدها، بل ستخرج غزة عن صمتها، ولن تستطيع التحكم في وتيرة الهدوء، وربما عودة البالونات المشتعلة للطيران ، وحرق الأراضي في محيط غزة إشارة للتحذير الفلسطيني أن رد الفعل على الضم سيكون سريعًا، ولن تستطع حماس والجهاد أن تكونا متفرجتين، أو على الأقل لن تستطيعا كبح الغضب الشعبي.

   هذا ومن المقرر أن يلتقي السفير الأمريكي بإسرائيل مجددًا هذا الأسبوع مع مسئولي الحكومة، لمناقشة المضي قدمًا في الخطة، على أن يفصح الأسبوعان القادمان عن مصيرها، سواء بالتنفيذ، أو التأجيل.
 #أبو_إياس


No comments:

Post a Comment