Tuesday, March 27, 2018

مقياس السلام: نقل السفارة الأمريكية سيفتح باب العنف، ولا ثقة في طمأنة نتنياهو



تقرير منشور على موقع شبكة رؤية الإخبارية، اضغط هنا للانتقال
·       معظم الجمهور الإسرائيلي يخشى من تداعيات نقل السفارة.
·       نحو 62% من المشاركين في الاستطلاع لا يثقون في تطمينات نتنياهو.
·       لا يعني الخوف من العنف أن يتم التراجع عن القرار الأمريكي.
استطلاع رأي جديد أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية وجامعة تل أبيب، بخصوص رأي الجمهور في مسألة نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، ومن ثم الاعتراف بمدينة الأقصى عاصمة لإسرائيل بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العام الفائت.
أعد الاستطلاع كل من البروفسير إفرايم يعر أستاذ علم الاجتماع بجامعة تل أبيب، والبروفسير تامار هِرمان أستاذ العلوم السياسية بالجامعة المفتوحة وأحد أعضاء المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وقاما بإعداد الاستطلاع في الفترة من 13- 14 مارس 2018، بإحصاء آراء نحو 600 مواطن من الإسرائيليين ومن فلسطينيي الداخل.
جاءت نتيجة الاستطلاع لتشير إلى أن معظم الإسرائيليين يعتقدون أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس من شأنه أن يشعل غضبا فلسطينيا قد يتحول إلى موجة عنف، لكن هذا ليس مبررا كافيا لتتراجع الولايات المتحدة عن قرارها، كما أشار الاستطلاع إلى أن نحو 62.5% من الجمهور الإسرائيلي لا يثقون في تصريح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بخصوص هذا الأمر، حيث قال: "لن يحدث شيئا، فليس ثمة شيء".
كما شمل الاستطلاع كذلك معرفة توجهات الرأي العام بالنسبة للتحقيقات مع نتنياهو على خلفية اتهامه بالفساد، وكذلك معرفة رأي الجمهور في الوضع الاقتصادي الاجتماعي بإسرائيل.
بشكل عام – وفقا لنتائج الاستطلاع – يثق الجمهور الإسرائيلي في المسئولين عن التحقيقات بشأن اتهام نتنياهو بالفساد، كما أن الغالبية يعتقدون في احتمالية ظهور موجة عنف كبيرة في أعقاب تدشين السفارة الأمريكية بالقدس، أما المسألة التي يرى كثير من الجمهور وجوب التعامل معها فهي الهوة الاقتصادية- الاجتماعية الآخذة في الاتساع بإسرائيل.
أهم نتائج الاستطلاع:
·       بخصوص نتنياهو:
-          55% من الجمهور يرون أنه إذا تم تقديم لائحة اتهام ضد رئيس الوزراء نتنياهو فعليه أن يقدم استقالته.
-         يعارض ثلثا الجمهور فكرة العفو عن نتنياهو حتى إذا اعترف بالتهم المنسوبة ضده وقدم استقالته.
-         62.5% لا يثقون في تطمينات نتنياهو بشأن نقل السفارة الأمريكية، وتصريحه بأن: "لا شيء سيحدث، فلا يوجد شيء".
·       بخصوص أجهزة الشرطة والتحقيق:
-         50% من الإسرائيليين يثقون في مهنية الشرطة فيما يتعلق بسير التحقيقات بشأن نتنياهو، في مقابل 45% لا يثقون في نزاهتها بخصوص التحقيقات.
-         54% يتوقعون قرارا حاسما من المستشار القانوني لإسرائيل كي يصدر أمرا قانونيا فيما يتعلق بملفات التحقيق ضد نتنياهو.
-         55% يؤمنون بمهنية ونزاهة المنظومة القضائية الإسرائيلية إذا ما وصلت إليها ملفات التحقيق.
·       بخصوص الجانب الفلسطيني:
-         على خلفية التقارير التي تفيد بتراجع الحالة الصحية لمحمود عباس أبي مازن؛ أظهر الاستطلاع انقسام الرأي العام الإسرائيلي عند سؤاله عن مرحلة ما بعد أبي مازن، وهل ستشهد موجة عنف ضد إسرائيل، فقد أظهر الاستطلاع أن 40.5% يعتقدون أن احتمال العنف بعيد، بينما 42.5 يعتقدون أن نسبة حدوث العنف من جانب الفلسطينيين كبيرة، وبالنسبة لمن شملهم الاستطلاع من فلسطيني الداخل فقد جاءت النتيجة لتشير إلى أن 70% منهم لا يتوقعون حدوث عنف.
-         نحو 61% من الإسرائيليين يتوقعون حدوث موجات عنف كبيرة مع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس بالتزامن مع الذكرى القادمة للنكبة الفلسطينية (ما يسمى بذكرى يوم الاستقلال).
-         59.5% ممن يتوقعون عنفا متزايدا لا يعتقدون بأن هذا مبرر لتأجيل افتتاح السفارة الأمريكية بالقدس.
·       بخصوص الاقتصاد والمسائل الاجتماعية:
-         وفقا للاستطلاع؛ يبدو أن المسألة الأكثر إلحاحا – تبعا لرأي الجمهور- هي الهوة الاقتصادية- الاجتماعية التي تتسع في المجتمع الإسرائيلي، فرأى 40% من الجمهور أن الحكومة الإسرائيلية عليها أن تضع هذه المسألة على رأس أولوياتها، بينما رأى 23% أن مكافحة الفساد يجب أن تكون في المرتبة الأولى ببرنامج الحكومة، في حين جاءت نسبة 7% من الجمهور ممن يعتقدون بأهمية مسألة تجنيد المتدينين الحريديم بالجيش الإسرائيلي.
·       بخصوص إيران والمفاوضات مع الفلسطينيين:
-          أظهر الاستطلاع أن نسبة 14.5 يعتقدون أن التهديد الإيراني يجب أن يكون القضية الأهم التي تعالجها الحكومة الإسرائيلية، ورأى 10% أن تكون المفاوضات مع الفلسطينيين على رأس مهام الحكومة الإسرائيلية.

Monday, March 19, 2018

الرقص الإيقاعي الأخرق بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع وهدية أولمرت لنتنياهو



مقال بقلم: عميت سيجال
منشور على موقع: ماقور ريشون (مصدر أول)
18 مارس 2018
ترجمة من العبرية: محمد عبد الدايم
الترجمة منشورة على موقع شبكة رؤية الإخبارية، اضغط هنا للإطلاع
(مقال رأي عن مستقبل الائتلاف الحكومي، والصراع الطويل بين نتنياهو وليبرمان، ودور الحريديم في الائتلاف الحكومي، ومساعي تكوين حزب جديد بلا هوية سياسية واضحة)
نتنياهو كان مقتنعا أن ليبرمان يجهز له شيئا ما، ليبرمان كان مقتنعا أن نتنياهو يجهز لانتخابات ويبحث فقط عن مبرر. وكذلك رغم الهجوم ضد نتنياهو، يبدو أن خلفه يعتمد في منصبه على كتالوج أولمرت.
لم تفارق البسمة بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع، ابتسم حين كادت حكومته تنهار، بمساعدته أو بدونها، ضحك حين تعسكر الشركاء عند بابه، كان "مبسوطا" كذلك حين انحسرت الأزمة، وفقا لبعض التحليلات على عكس ما يرى. فمائة أزمة سياسية أفضل من تحقيق جنائي واحد. ما الذي حدث هنا بالفعل في الأسبوع الأكثر دراماتيكية في ولايته، ربما منذ مايو 2016 حينما هرب يتسحاق هرتزوج من اتحاد المعسكر الصهيوني وأصبح أفيجادور ليبرمان عضوا بالحكومة؟  هنا أيضا استُخدمت السياسة كمسرح لرقص إيقاعي أخرق بين رئيس الوزراء وبين وزير دفاعه. من الخارج يبدو هذا كاتفاق توأمة بين شريكين خصمين قديمين، لكن كما قال ذات مرة الرئيس الحالي ريفلين: "من الصعب التصديق إلى أي حد لا يثق كل منهما في الآخر."
كان نتنياهو، بإيعاز من بعض مستشاريه، مقتنعا أن ليبرمان "يطبخ له شيئا ما". وكان ليبرمان مقتنعا أن نتنياهو يعد لانتخابات ويبحث عن مبرر فحسب. أما الحريديم فقد سارعوا بتخفيض مطالبهم حينما أدركوا أنهم من شأنهم أن يسيروا خطأ باتجاه انتخابات صادمة، أما موشيه كحلون فقد أبدى من اللحظة الأولى استعدادا ليكون مرنا. لكن دون تهدئة سوء الظن المزمن بين الثنائي نتنياهو- ليبرمان؛ لم يكن هناك مبرر لحل الأزمة.
أدرك الوزير ياريف لفين (وزير السياحة) الأزمة منذ لحظاتها الأولى (يقصد أزمة قانون التجنيد الذي يعارضه الحريديم في مقابل دعم ليبرمان له) حين عانى من التهاب الحنجرة (خلال اجتماع الحريديم مع نتنياهو ولفين مكتب رئيس الوزراء، شكوا أن مرض لفين حجة كي يتملص نتنياهو من التفاوض معهم). وأول من أمس عانى نتنياهو من التهاب الحنجرة هو وأرييه درعي وزير الشئون الداخلية وزعيم شاس الحريدي، ليكون مرض لفين بمثابة دليل طبي على تدخله العميق في حل الأزمة بين نتنياهو الحريديم، ففي الأسبوع الماضي، بين السعال والمضادات الحيوية، حاول مئير لفين إقامة جسر على شفا هاوية سوء الظن.
لم يكن هذا جهد شخص واحد، بل إن الوزير أييلت شاقيد (وزيرة القضاء)، على سبيل المثال، ركزت على أن تشرح لليبرمان أنه إذا أراد نتنياهو إجراء انتخابات فإن التكتل المشارك في الائتلاف الحكومي سينزع منه المبرر لذلك، في هذه اللحظة بدأ ليبرمان يقتنع، فمد يده، والنهاية معروفة.
إذا لم يتفكك الائتلاف الحكومي في مايو عن طريق الخطأ، فإن الدراما القادمة ستنتظره في موسم الأعياد، حيث سيتم الوصول إلى قرار بخصوص تسمية المفتش العام للشرطة، فثمة شك كبير أن يصل الائتلاف الحالي إلى أغلبية توافق على تمديد فترة روني الشيخ، الذي يكرهه الليكود وأغلبية اليمين. هل يقترح وزير الأمن الداخلي تمديد فترته؟ أم سيفضلون في الحكومة تحويله إلى كبش فداء؟ ومن سيشارك في التصويت بشكل عام؟
هدية أولمرت
دون أن يقصد؛ منح إيهود أولمرت هدية مجانية كبيرة لنتنياهو، رغم أن الكتاب الذي كتبه بسجن "معاسيهو" يحمل نقدا كبيرا ضد خليفته في منصب رئيس الوزراء، فإن النصوص اللاذعة، شديدة الوقاحة، عن الادعاء العام والشرطة قد ذاعت على نطاق واسع في الفيسبوك وتويتر.
حاول أصدقاء أولمرت الطيبون الثناء على كتابه، لكن ما ينفع أن يكون علاجا في السجن ليس من الجيد نشره، وهذا ما حاولوا شرحه له. فما الداعي للغوص مجددا في التحقيقات والقضايا، ما فائدة إيقاظ أعداء قدماء؟ بالنسبة لهم، كان من الأفضل أن يكز الكتاب على القنبلة النووية بسوريا (يقصد عملية البستان التي كانت عبارة عن ضربة جوية إسرائيلية على ما يشتبه فيه بأنه مفاعل نووي بدير الزور في سبتمبر 2007) أو عن الجوانب السياسية لولاية رئيس الوزراء، بدلا من أن يركز كتابه على تفاصيل جنائية تتعلق برئيس الوزراء الإسرائيلي الثاني عشر. لكن أولمرت لم ينصت.
سبط ليفي

قبل تدشينه حتى، نجح الحزب الجديد لأورلي ليفي أفيقاسيس (استقالت من حزب يسرائيل بيتينو وتسعى لتأسيس حزب جديد) في أن يحول دون انتخابات جديدة، فقد أشار استطلاع لمؤسسة ميتجام أن أورلي تحصل على أصوات تقريبا من جميع الكتل الأخرى: هاليكود، ييش عاتيد، المعسكر الصهيوني وكولانو، فجميعهم يفقدون أصواتا. في منظومة سياسية تتجه نحو الهاوية، هذا أمر لافت على وجه الخصوص، فها هو حزب يرفض الالتزام بتحديد هوية سياسية، وبالنسبة للناخبين، وفقا للاستطلاع على الأقل، هذا ليس مهما.
تقف ليفي الآن أمام تحد كبير: كي تحقق وجودا في خلال عام، وربنا حتى أكثر من عام، لتقيم أساسا حزبيا وتصبح نائبا منتخبا لائقا. في الأسابيع الماضية، في أعقاب نزاع، انفصلت عن عدينا برشالوم وميخائيل بيطون، الثنائي النشيط جدا اللذين يمثلان اتجاهين سياسيين مختلفين. فهل العزف المنفرد الواضح الذي تقوم به سينجح في تكوين فريق؟ لم يظهر شيء سلبي في الأفق بعد، وهذا أمر جيد بالنسبة لها لتجتذب ناخبين ممن يخشون ضياع أصواتهم، لكنهم الآن يشعرون بالأمان في دعمها. يصر ليفي على المضي قدما وحدها، وبذلك يكون هذا بمثابة سابقة عائلية، فحزب جيشر (جسر) الذي أسسه والدها دافيد ليفي دائما ما كان ينضوي في النهاية تحت لواء حزب كبير (انضم إلى حكومة نتنياهو عام 1996، وحكومة باراك عام 1999).

Friday, March 09, 2018

يهود الولايات المتحدة: مزيد من ضغوط الأرثوذوكس في صالح ائتلاف نتنياهو


تقرير منشور على موقع شبكة رؤية الإخبارية، اضغط هنا للانتقال
 وصلت إلى إسرائيل الأسبوع الماضي مجموعة من زعماء يهود الولايات المتحدة، التقت خلالها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس رؤوفين ريبلين، وبعض الوزراء وأعضاء الكنيست من اليهود الحريديم، وحملت هذه المجموعة رسالة مفادها أن الأزمة بين إسرائيل وبين يهود الولايات المتحدة ما هي إلا "أخبار كاذبة".
وأعرب وفد اليهود الأرثوذوكس بالولايات المتحدة عن دعمهم الكامل لإسرائيل، باعتبارهم نخبة يهودية تتجاوز جدل المحافظين والإصلاحيين كي تقف كـ"شعب واحد" يضم حاخامات و رجال أعمال متبرعين ينتمون جميعا للتيار اليهودي الحريدي بالولايات المتحدة تحت زعامة الحاخام شلومو فرديجر رجل الأعمال النشط في مجال الرياضة ورئيس جالية إسرائيل بالولايات المتحدة.
من بين تصريحات فرديجر خلال الزيارة أن: "يهود الولايات المتحدة هم مستقبل إسرائيل، ويحاولون جميعا إنهاء الوضع التراجيدي المتمثل اتساع هوة الخلافات بين المحافظين والإصلاحيين، وبين الأرثوذوكس.
وفي هذا الإطار تحدث كذلك زعيم الأرثوذوكس عن سبل دعمهم لإسرائيل التي تشمل إرسال أبنائهم للمدارس الدينية اليهودية، وإقامة الكثير منهم في إسرائيل لمدة طويلة مما يسهم في إنعاش الاقتصاد، كما يعمل الأرثوذوكس على الانخراط والتأثير في العملية السياسية، ويقضون كذلك في إسرائيل أوقات الأعياد اليهودية، ويستثمرون أموالهم، بل ويتحصلون على مساكن رغم إقامتهم بالولايات المتحدة.  بينما على النقيض منهم المحافظين والإصلاحيين الذين لا يزورون إسرائيل، بل ويقف بعضهم مع حركة مقاطعة إسرائيل BDS (Boycott, Divestment, Sanctions) وحركة جي ستريت J Street (منظمة ليبرالية غير ربحية تهدف لدعوة الولايات المتحدة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية بطرق سلمية تؤسس لدولتين فلسطينية وإسرائيلية)، واتهم شلومو فرديجر المحافظين والإصلاحيين بأنهم يأتون لإسرائيل فيقدمون أنفسهم وكأنهم متحدثين عن يهود الولايات المتحدة، وهو ما يرفضه اليهود الأرثوذوكس.
الأرثوذوكس والمحافظون والإصلاحيون: -
يشكل اليهود الأرثوذوكس نسبة صغيرة من تعداد اليهود بالولايات المتحدة وفقا لاستطلاع أجري في عام 2013، لكن تشير التوقعات إلى ارتفاع أعدادهم خلال السنوات المقبلة، والأرثوذوكس من اليهود هم المتشددون دينيا الذين يتمسكون بتشريعات اليهودية بشكل صارم، ولذا فإنهم من أكثر الطوائف اليهودية تزمتا، لدرجة عدم تقبلهم لأي فكرة أو تصرف حضاري من شأنه أن يغير من أسلوب حياتهم ومعتقداتهم، ويطلق على أفراد هذه الطوائف المتشددة "الحريديم".
وفي السنوات الأخيرة خرجت من عباءة الأرثوذوكسية المتشددة طائفة اليهودية الأرثوذوكسية الحديثة، لتسعى إلى الدمج بين شعائر اليهودية المتشددة وبين قيم العالم الحداثي. 
الصراع بين اليهودية الأرثوذكسية وكل من المحافظين والإصلاحيين يقوم أساسا على المنهج الفكري، فالأرثوذوكس لا يعترفون بأي تفصيلة دينية فقهية أو حياتية خارج إطار الكتب اليهودية المقدسة، بينما يبدو اليهود المحافظون أقل تشددا، رغم تمسكهم بالتشريعات الدينية، حيث لا يوصفون بالمتدينين أو بالعلمانيين، ونشأت اليهودية المحافظة ابتداء في الولايات المتحدة مع نهايات القرن التاسع عشر للتعاطي مع متطلبات اليهود في عالم متغير بعيدا عن التزمت المبالغ فيه الذي اتبعته اليهودية الأرثوذوكسية.
أما اليهودية الإصلاحية فعندما ظهرت أكدت على الجانب الإنساني، ودعت للتعايش مع الآخر والسعي لاندماج اليهود مع الشعوب الأخرى، ومن أهم ما تختلف فيه عن اليهودية الأرثوذكسية هو عدم دعوتها لإعادة بناء "الهيكل" أو العودة لفلسطين باعتبارها "أرض الميعاد".
الأرثوذوكس بالخارج والحريديم بالداخل: -
تتسع هوة الخلافات بين الأرثوذوكس المتشددين من جانب وبين المحافظين والإصلاحيين من جانب آخر، وتؤثر هذه الخلافات – الدينية في الأساس – على الوضع السياسي العام بإسرائيل، ووصل التوتر إلى ذروته العام الماضي  بعد  منع اليهود من التيارين الإصلاحي والمحافظ من الصلاة في باحة حائط البراق في القدس المحتلة،  كما تفاقمت الأزمة على خلفية  قانون اليهودية، الذي لا يعترف بالتهود على أيدي حاخامات من التيارات اليهودية غير الأرثوذكسية، واندلعت هذه الأزمة في أعقاب ضغوط مارستها الأحزاب الحريدية المشاركة في الائتلاف الحكومي مع حزب هاليكود بزعامة نتنياهو.
وفي أعقاب هذه القرارات، ألغي العام الماضي لقاء كان من المتوقع إجراؤه برعاية الوكالة اليهودية بين نتنياهو وزعماء الجاليات اليهودية المحافظة والإصلاحية بالولايات المتحدة، وصرح رئيس الوكالة اليهودية، نتان شيرانسكي، إن "المزيد من اليهود يبتعدون عن إسرائيل يوميا بسبب سياسات الائتلاف الحاكم الذي تُسيره ضغوط الأحزاب الدينية الحريدية وتنتهج سياسات مضادة للمحافظين والإصلاحيين رغم أنهم يمثلون أغلبية الجالية اليهودية بالولايات المتحدة.
دعم لنتنياهو وترسيخ وضع المتشددين: -
  جاءت زيارة زعيم اليهود الأرثوذوكس مؤخرا لإسرائيل للتأكيد على وقوفهم بجانب نتنياهو وحكومته، بالتزامن مع رسالة دعم قوية تلقاها رئيس الوزراء من رجال دين بإسرائيل، أعلنوا فيها وقوفهم بجانبه ضد تحقيقات الفساد التي تزيد الضغوط عليه يوما بعد يوم، كما جاءت زيارة وفد الأرثوذوكس من يهود أمريكا لاستثمار الخلاف بين حكومة نتنياهو وبين المحافظين والإصلاحيين من الجالية اليهودية من أجل تحصيل مزيد من المكاسب الدينية المدعومة بغطاء سياسي من أحزاب الحريديم، ورغم أن ائتلاف حكومة نتنياهو يعاني من خلافات كبيرة مع الحريديم على خلفية قوانين السبت وقانون تجنيد الحريديم، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية يبدو منقادا لضغوط الأرثوذوكس بالخارج – على قلتهم مقارنة بالإصلاحيين والمحافظين- لأنهم يستندون بدورهم إلى قوة أحزاب الحريديم المشاركين في الائتلاف الحاكم.
 وعلى ما يبدو أن نتنياهو لا يريد حل الائتلاف الحكومي في الوقت الحالي خشية أن يواجه فوهات الجحيم على خلفية التحقيقات في فساده، كما أن حكومته تستفيد من الدعم المادي الذي يقدمه الأرثوذوكس من يهود الولايات المتحدة، بما يساهم في رفع مؤشرات الاقتصاد الإسرائيلي، رغم أن إسرائيل تتلقى كذلك دعما كبيرا من الجالية اليهودية المحافظة والإصلاحية يقدر بحوالي مليار دولار سنويا، لكن يظهر نتنياهو وكأنه يحتمي في أحضان الحريديم المتشددين في مواجهته للضغوط السياسية بالداخل الإسرائيلي، كما لا يجب التغافل عن حقيقة تزايد قوة المتشددين دينيا وتعاظم تأثيرهم في السياسة الإسرائيلية وعلى الصعيد الاجتماعي كذلك.

Friday, March 02, 2018

مستقبل نتنياهو: كل الطرق تؤدي لليمين



تقرير منشور على موقع شبكة رؤية الإخبارية، اضغط هنا للانتقال

في خضم الجدل حول الفساد الحكومي في إسرائيل، خرج أربعة من الحاخامات ببيان، أعلنوا فيها تأييدهم المطلق غير المشروط لنتنياهو، وقالوا في بيانهم: "إن الرب ينتظر من الإسرائيليين أن يتدبروا الأمور باستقامة فيما يتعلق بالرجل العظيم الذي يقود الأمة، وندعو الإسرائيليين لعدم ارتكاب الظلم بحق رئيس الوزراء".
أصبح السؤال الأكثر تواترا على صعيد السياسة الإسرائيلية هو: "ماذا بعد نتنياهو؟!"، وهو سؤال يستتبعه مجموعة من الأسئلة الحائرة التي ستعبر إجاباتها في جميع الأحوال عن مرحلة جديدة في تاريخ إسرائيل.
من المؤكد أن حكومة نتنياهو ستصل في وقت ما إلى مرحلة النهاية، وقت قريب أو قد يطول بعض الشيء، فالرجل الأول في إسرائيل يواجه اتهامات بالفساد يُحاسب عليها العديد من المقربين إليه الآن، ومنهم من يتحول إلى شاهد إثبات لينجو بنفسه، لكن نتنياهو نفسه ما يزال يصارع طواحين الهواء، ويزعم أنه "يتعرض وأسرته للاضطهاد اليومي منذ سنوات عديدة، لكن في الأخير لن يوجد شيء من الممكن يُثبَت ضده ويقصيه"، أو يحيل مصيره إلى السجن كمصير سلفه أولمرت.
الرجل الأول إلى متى؟:-
هذه الثقة التي يتحدث بها نتنياهو وفريق محاميه وإدارة مكتبه تفتح الباب أما احتمالية نجاته من مقصلة التحقيقات الضارية التي تزيد ملفاتها يوما بعد يوم، ومن ثم فإمكانية بقائه في منصبه رئيسا للحكومة ما تزال واردة كسيناريو أول، فحتى الآن لم ترتقي الشبهات ضده إلى درجة اعتقاله، رغم اقتناع جهات التحقيق بأن حجم الأدلة لديها ضده يستدعي خضوعه للاستجواب الرسمي، وربما يصل الأمر إلى اعتقاله، وهو السيناريو الثاني المطروح، لكن نتنياهو يصر على عدم التراجع أمام ضغوط الرأي العام وأدلة جهات التحقيق، وبالتالي فلم يفكر حتى الآن في تقديم استقالته، وهذا هو السيناريو الثالث، فهو يعلم جيدا أن تقديم الاستقالة في هذا الوقت تحديدا – رضوخا للضغوط- يمكن أن يفتح في وجهه جحيم التحقيق، مثلما فعل أولمرت حين استقال بعد ضغوط كثيرة وظهور أدلة تشير لفساده، والنتيجة مكوثه في السجن لمدة 19 شهرا.
يصر نتنياهو وحزبه على أن القانون لا يرغمه على تقديم الاستقالة طالما لم يخضع بعد للمحاكمة بتهمة الفساد، كما أنه يحاول استنزاف الضغوط الشعبية بسبل شتى، في مساع لتبخير هذه الضغوط، فتارة يهاجم قوى المعارضة، وتارة أخرى يصرف الأنظار عن فساده بتحركات سياسية واقتصادية خارجية أثمرت عن وفرة من المكاسب تصب في صالح إسرائيل، مثل زيارته لدول أمريكا اللاتينية، وكذلك زيارته التاريخية للهند.
السيناريو الرابع يتمثل في اضطرار نتنياهو للإعلان عن حل الائتلاف الحكومي والدعوة لانتخابات مبكرة، وهذا السيناريو مطروح ليس بسبب قضايا الفساد وحدها، ولكن بسبب الصراعات الكبيرة بين أطراف الائتلاف الحكومي، وهي الصراعات التي تشعلها أحزاب الحريديم بالائتلاف، على خلفية قضايا شائكة مثل تجنيد الحريديم بالجيش الإسرائيلي، وشريعة يوم السبت، وقانون القومية،  إضافة إلى محاولات اليمين الدين بالحكومة تديين مؤسسات الدولة الإسرائيلية بشكل فج، وهي المحاولات التي أثارت رأي العام العلماني بالأساس، وأثارت مخاوف كبيرة على مستقبل إسرائيل.
مستقبل هاليكود وترقب المعارضة: -
صعد حزب هاليكود إلى منصة الحكومة الإسرائيلية للمرة الأولى عام 1977 بعد انتخابات الكنيست التاسعة، واستتبع هذا الصعود وجودا بارزا للتيارات الدينية اليهودية، واستمر صعود هذه التيارات كجماعات وأحزاب شريكة في حكومات ائتلافية، آخرها حكومة نتنياهو، مع تراجع كبير لحزب اليسار الصهيوني الأكبر هاعفودا، إضافة إلى اضمحلال قوة حزب ميرتس اليساري الذي تعتمل فيه أزمة كبيرة في الوقت الحالي تهدد وحدتة الصغيرة جدا على الساحة السياسية.
رغم استشعار البعض داخل حزب هاليكود بأن نتنياهو أصبح يمثل عبئا على الحزب قد يؤثر على مستقبله السياسي في الانتخابات القادمة، فإن إشكالية تصعيد قائد جديد تبدو أكثر تعقيدا، لأن معظم الأسماء المطروحة لخلافة نتنياهو لا تتمتع بالتأثير والشعبية مثلما يتمتع رئيس هاليكود والحكومة، الذي ما يزال يحظى بشعبية على محيط واسع في إسرائيل، شعبية لا يحظى بها أي من المطروحين لخلافته، مثل يسرائيل كاتس وزير النقل، جلعاد أردان وزير الأمن الداخلي، ميري ريجِف وزيرة الثقافة، جِدعون ساعر الذي عاد مجددا للحياة السياسية، وغيرهم من الأسماء.
على جانب آخر يقف يائير لابيد على مقربة، حيث يترقب رئيس حزب ييش عاتيد ما تؤول إليه حكومة نتنياهو، مع ارتفاع أسهمه يوما بعد يوم لخلافة هاليكود في رئاسة الحكومة، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى ارتفاع شعبية حزبه، وإمكانية حصوله على نسبة أكبر من مقاعد الكنيست إذا ما أجريت انتخابات جديدة، لكن الأمر ليس محسوما، فحتى الآن ليس مرجحا أن يستطيع لابيد الحصول على أغلبية تؤهله لتقلد منصب رئاسة الوزراء، على الأقل لن يستطيع وحده تشكيل حكومة، فيما يظل موقف حزب هاعفودا ضعيفا رغم التغييرات التي طرأت عليه، مع فوز آفي جفاي برئاسة الحزب، فحتى الآن ما يزال جزب اليسار الصهيوني غير قادر على استجداء الاقتناع الشعبي مجددا.
قوة موقف نتنياهو رغم الفساد: -
أصبحت قضية سوريا أمرا واقعا منذ سنوات، لكن مع دخول روسيا والولايات المتحدة بقوة للتدخل في الشأن السوري سياسيا وعسكريا، دخلت إسرائيل على الخط لتحقق مكاسب سياسية وعسكرية هي الأخرى، على رأسها الضغط على حزب الله اللبناني في سوريا، في مساع لتحجيم قوته المتزايدة، وفي الوقت نفسه تتحاشى إسرائيل حتى الآن الدخول في مواجهة مباشرة جديدة مع الحزب، فالولايات المتحدة تتكفل بالضغط على أتباع نصر الله في سوريا، وكذلك تسعى لحل إشكالية ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان بما يقلص احتمالية المواجهة مع إسرائيل، لتستفيد الأخيرة اقتصاديا من حقول الغاز والنفط في المتوسط، دون الاضطرار لمعركة مع حزب الله.
على جانب آخر تدخلت روسيا هي الأخرة بقوة في الشأن السوري، بمبرر محاربة داعش، وبالفعل تراجع التنظيم الإرهابي كثيرا في الداخل السوري، كما انحصرت قوته في العراق، لتصبح القوتان الكبيرتان أمريكا وروسيا بمثابة حائط صد يحمي إسرائيل من حزب الله ومن داعش في الوقت ذاته، أيا كان مصير سوريا وشعبها.
على الجانب الآخر، وبعد هدوء لاح أخيرا في أواخر عهد أوباما، بدأت أزمة النووي الإيراني تلوح مجددا في عهد ترامب، لتبدأ جولة جديدة من الصراع الذي تشعله إسرائيل أكثر من أجل الضغط على إدارة أوباما لتحجيم القوة الإيرانية المتصاعدة، على الصعيدين النووي العسكري والسياسي الخارجي.
بالنسبة للجانب الفلسطيني؛ يبدو الأمر أكثر راحة لنتنياهو، فالقضية الفلسطينية يتراجع الاهتمام بها يوما بعد يوم، مع التآكل الظاهر في المؤسسات الفلسطينية، وتراجع حركة فتح مع استمرار الجمود السياسي، وعدم الوصول إلى مصالحة حقيقية مع حماس، إضافة إلى تراجع التهديدات الأمنية بشكل كبير، وزيادة التوسع في الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية بأريحية كبيرة.
الطفرة الاقتصادية: -
رغم كم المشاكل التي تعصف بحكومته، فإن مؤشرات الاقتصاد الإسرائيلي تؤكد أن نتنياهو استطاع تحقيق طفرة اقتصادية كبيرة في إسرائيل، خصوصا في العام الماضي، ويستر التوهج هذا العام، مع توقيع اتفاقيات اقتصادية وأمنية مع دول في أمريكا اللاتينية والهند ومؤخرا اتفاقية مع مصر لتصدير الغاز وصف نتنياهو التوقيع عليها بيوم العيد، وتصب هذه الطفرة الاقتصادية في صالح نتنياهو، وهو خبير اقتصادي كذلك، رغم توغل حكومته في المخصصات الاجتماعية للشرائح الأقل دخلا والمعوقين، ورغم تراجع خدمات التأمين الصحي والتعليم.
ضعف قوة المعارضة: -
في المقابل لم تشفع للمعارضة تحركاتها على الأرض، فرغم فضائح الفساد التي طالت نتنياهو وزوجته وابنه والعديد من المقربين له، ورغم الصراع بين أطياف الائتلاف الحاكم، فإن اليسار الإسرائيلي لم يستطع حتى الآن اجتذاب تأييد الجمهور في الشارع الإسرائيلي، فلم ينهض حزب يساري معافى يستطيع مواجهة هاليكود أو أي حزب يميني غيره، كما لم تحقق فعاليات اليسار نتيجة إيجابية كبيرة، سواء المظاهرات ضد الفساد أو ضد ترحيل اللاجئين الأفارقة، أو ضد هيمنة اليمين الديني.
نقل السفارة أكبر هدايا ترامب: -
من أبرز المكاسب السياسية التي يعتمد عليها نتنياهو لترسيخ شعبيته إعلان ترامب نيته نقل سفارة بلاده إلى القدس واعتبار المدينة عاصمة لإسرائيل، وهو الإعلان الذي أثار حفاوة كبيرة على المستويات كافة في إسرائيل، وأعطى دفعة سياسية تأمينية لبنيامين نتنياهو، وما زاد من توهج القرار إعلان الإدارة الأمريكية مؤخرا عزمها نقل السفارة قريبا جدا مع حلول ذكرى قيام إسرائيل (النكبة الفلسطينية)، ومن المؤكد أن نتنياهو سيقاتل كي يظل في رئاسة الوزراء ليشهد عهده إعلان الولايات المتحدة اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل.
الواقع يقول إن نتنياهو وهاليكود يتمتعان حتى الآن بقوة سياسية كبيرة، ولا توجد احتمالية لأن ينهزم حزب رئيس الوزراء أمام حزب يساري، ربما تشهد المعركة الانتخابية، سواء كانت قريبة بانتخابات مبكرة، أو في موعدها بعد انتهاء ولاية نتنياهو بنهاية 2019، صعودا لأحزاب يمينية علمانية أخرى، مع استمرار ظهور الأحزاب الدينية، لكن اليسار أبعد ما يكون عن الصورة حتى الآن.