تقرير منشور على موقع شبكة رؤية الإخبارية، اضغط هنا للانتقال
وصلت إلى إسرائيل الأسبوع الماضي مجموعة من
زعماء يهود الولايات المتحدة، التقت خلالها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس
رؤوفين ريبلين، وبعض الوزراء وأعضاء الكنيست من اليهود الحريديم، وحملت هذه
المجموعة رسالة مفادها أن الأزمة بين إسرائيل وبين يهود الولايات المتحدة ما هي
إلا "أخبار كاذبة".
من بين
تصريحات فرديجر خلال الزيارة أن: "يهود الولايات المتحدة هم مستقبل إسرائيل،
ويحاولون جميعا إنهاء الوضع التراجيدي المتمثل اتساع هوة الخلافات بين المحافظين
والإصلاحيين، وبين الأرثوذوكس.
وفي هذا
الإطار تحدث كذلك زعيم الأرثوذوكس عن سبل دعمهم لإسرائيل التي تشمل إرسال أبنائهم
للمدارس الدينية اليهودية، وإقامة الكثير منهم في إسرائيل لمدة طويلة مما يسهم في
إنعاش الاقتصاد، كما يعمل الأرثوذوكس على الانخراط والتأثير في العملية السياسية،
ويقضون كذلك في إسرائيل أوقات الأعياد اليهودية، ويستثمرون أموالهم، بل ويتحصلون
على مساكن رغم إقامتهم بالولايات المتحدة.
بينما على النقيض منهم المحافظين والإصلاحيين الذين لا يزورون إسرائيل، بل
ويقف بعضهم مع حركة مقاطعة إسرائيل BDS (Boycott, Divestment, Sanctions) وحركة جي ستريت J Street (منظمة ليبرالية غير ربحية تهدف لدعوة الولايات
المتحدة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية بطرق سلمية
تؤسس لدولتين فلسطينية وإسرائيلية)، واتهم شلومو فرديجر المحافظين والإصلاحيين بأنهم يأتون
لإسرائيل فيقدمون أنفسهم وكأنهم متحدثين عن يهود الولايات المتحدة، وهو ما يرفضه
اليهود الأرثوذوكس.
الأرثوذوكس والمحافظون والإصلاحيون: -
يشكل اليهود الأرثوذوكس نسبة صغيرة من تعداد اليهود
بالولايات المتحدة وفقا لاستطلاع أجري في عام 2013، لكن تشير التوقعات إلى ارتفاع
أعدادهم خلال السنوات المقبلة، والأرثوذوكس من اليهود هم المتشددون دينيا الذين
يتمسكون بتشريعات اليهودية بشكل صارم، ولذا فإنهم من أكثر الطوائف اليهودية تزمتا،
لدرجة عدم تقبلهم لأي فكرة أو تصرف حضاري من شأنه أن يغير من أسلوب حياتهم
ومعتقداتهم، ويطلق على أفراد هذه الطوائف المتشددة "الحريديم".
وفي السنوات الأخيرة خرجت من عباءة الأرثوذوكسية
المتشددة طائفة اليهودية الأرثوذوكسية الحديثة، لتسعى إلى الدمج بين شعائر
اليهودية المتشددة وبين قيم العالم الحداثي.
الصراع بين اليهودية الأرثوذكسية وكل من المحافظين
والإصلاحيين يقوم أساسا على المنهج الفكري، فالأرثوذوكس لا يعترفون بأي تفصيلة
دينية فقهية أو حياتية خارج إطار الكتب اليهودية المقدسة، بينما يبدو اليهود
المحافظون أقل تشددا، رغم تمسكهم بالتشريعات الدينية، حيث لا يوصفون بالمتدينين أو
بالعلمانيين، ونشأت اليهودية المحافظة ابتداء في الولايات المتحدة مع نهايات القرن
التاسع عشر للتعاطي مع متطلبات اليهود في عالم متغير بعيدا عن التزمت المبالغ فيه
الذي اتبعته اليهودية الأرثوذوكسية.
أما اليهودية الإصلاحية فعندما ظهرت أكدت على الجانب
الإنساني، ودعت للتعايش مع الآخر والسعي لاندماج اليهود مع الشعوب الأخرى، ومن أهم
ما تختلف فيه عن اليهودية الأرثوذكسية هو عدم دعوتها لإعادة بناء
"الهيكل" أو العودة لفلسطين باعتبارها "أرض الميعاد".
الأرثوذوكس بالخارج والحريديم بالداخل: -
تتسع هوة الخلافات بين الأرثوذوكس المتشددين من جانب
وبين المحافظين والإصلاحيين من جانب آخر، وتؤثر هذه الخلافات – الدينية في الأساس –
على الوضع السياسي العام بإسرائيل، ووصل التوتر إلى ذروته العام الماضي بعد منع
اليهود من التيارين الإصلاحي والمحافظ من الصلاة في باحة حائط البراق في القدس
المحتلة، كما تفاقمت الأزمة على خلفية قانون اليهودية، الذي لا يعترف بالتهود على أيدي
حاخامات من التيارات اليهودية غير الأرثوذكسية، واندلعت هذه الأزمة في أعقاب ضغوط
مارستها الأحزاب الحريدية المشاركة في الائتلاف الحكومي مع حزب هاليكود بزعامة
نتنياهو.
وفي أعقاب هذه القرارات، ألغي العام الماضي لقاء كان من
المتوقع إجراؤه برعاية الوكالة اليهودية بين نتنياهو وزعماء الجاليات اليهودية المحافظة
والإصلاحية بالولايات المتحدة، وصرح رئيس الوكالة اليهودية، نتان شيرانسكي، إن "المزيد من اليهود يبتعدون
عن إسرائيل يوميا بسبب سياسات الائتلاف الحاكم الذي تُسيره ضغوط الأحزاب الدينية
الحريدية وتنتهج سياسات مضادة للمحافظين والإصلاحيين رغم أنهم يمثلون أغلبية
الجالية اليهودية بالولايات المتحدة.
دعم
لنتنياهو وترسيخ وضع المتشددين: -
جاءت زيارة زعيم اليهود الأرثوذوكس
مؤخرا لإسرائيل للتأكيد على وقوفهم بجانب نتنياهو وحكومته، بالتزامن مع رسالة دعم
قوية تلقاها رئيس الوزراء من رجال دين بإسرائيل، أعلنوا فيها وقوفهم بجانبه ضد
تحقيقات الفساد التي تزيد الضغوط عليه يوما بعد يوم، كما جاءت زيارة وفد
الأرثوذوكس من يهود أمريكا لاستثمار الخلاف بين حكومة نتنياهو وبين المحافظين
والإصلاحيين من الجالية اليهودية من أجل تحصيل مزيد من المكاسب الدينية المدعومة
بغطاء سياسي من أحزاب الحريديم، ورغم أن ائتلاف حكومة نتنياهو يعاني من خلافات
كبيرة مع الحريديم على خلفية قوانين السبت وقانون تجنيد الحريديم، فإن رئيس
الحكومة الإسرائيلية يبدو منقادا لضغوط الأرثوذوكس بالخارج – على قلتهم مقارنة
بالإصلاحيين والمحافظين- لأنهم يستندون بدورهم إلى قوة أحزاب الحريديم المشاركين
في الائتلاف الحاكم.
وعلى ما يبدو أن نتنياهو لا يريد حل الائتلاف
الحكومي في الوقت الحالي خشية أن يواجه فوهات الجحيم على خلفية التحقيقات في
فساده، كما أن حكومته تستفيد من الدعم المادي الذي يقدمه الأرثوذوكس من يهود
الولايات المتحدة، بما يساهم في رفع مؤشرات الاقتصاد الإسرائيلي، رغم أن إسرائيل
تتلقى كذلك دعما كبيرا من الجالية اليهودية المحافظة والإصلاحية يقدر بحوالي مليار
دولار سنويا، لكن يظهر نتنياهو وكأنه يحتمي في أحضان الحريديم المتشددين في
مواجهته للضغوط السياسية بالداخل الإسرائيلي، كما لا يجب التغافل عن حقيقة تزايد
قوة المتشددين دينيا وتعاظم تأثيرهم في السياسة الإسرائيلية وعلى الصعيد الاجتماعي
كذلك.
No comments:
Post a Comment