Saturday, June 03, 2017

‮ ‬أكتب‮ ‬ الحلم‮ ‬المارق

‬منشور في أخبار الأدب بمناسبة فوزي بالمركز الثالث لجائزة أخبار الأدب بدورتها الثالثة عن المجموعة القصصية "كراس تسعة أسطر"


‮   "‬يعجبني أسلوبك،‮ ‬لكن أتمني أن أري خطك جميلا مهذبا‮" ‬كانت هذه الجملة النقدية الأولي ربما التي كتبها لي مُعلم اللغة العربية في الصف الخامس الابتدائي،‮ ‬كنت حينذاك مغرما بكتابة موضوع التعبير،‮ ‬أجد لذة خاصة في صياغة مقدمة للموضوع تخالف الأسطر الافتتاحية التي يحفظها معظم التلاميذ لتكون بمثابة تجميع نقاط مضمونة،‮ ‬وبمرور الوقت ازداد تعلقي بالكتابة التعبيرية،‮ ‬خصوصا مع حبي للغة العربية‮.‬
    بدأت في مرحلة الدراسة الإعدادية في قراءة أعمال أدبية للراسخين في المجال،‮ ‬أحيانا ما كنت أجد صعوبة في استكناه تعابير وكلمات فأبحث عن معانيها ودلالاتها،‮ ‬ومع كل صفحة أقرأها أتعلق أكثر بالقراءة،‮ ‬وتتنامي تطلعاتي نحو الكتابة‮.‬
أعتقد رغم ما سبق أن وصولي إلي المرتبة الثالثة في مسابقة أخبار الأدب قد ساقته المصادفة وحدهها،‮ ‬فالكتابة كحلم تختلف عن الفعل،‮ ‬ظللت لسنوات أحلم،‮ ‬لكني كنت أؤجل الفكرة،‮ ‬لأسباب كثيرة،‮ ‬علي رأسها تواري الثقة،‮ ‬حتي وصلت لمرحلة أجد فيها كل مشهد حياتي يترك أثرا في نفسي،‮ ‬فقررت البداية بتوثيق تداعي الأفكار عبر مدونتي التي أسميتها شظايا العقلب‮.‬
    عرقلتني مسارات التعليم المتعرجة التي سلكتها بعد المرحلة الثانوية،‮ ‬لكنها ساعدتني كي أتشبث بحلم الكتابة،‮ ‬فكل رحلة إلي كلية،‮ ‬وكل لمحة من يوم دراسي في جامعة كانت توقظ في مخيلتي هلاوس أحلام تمرق سريعا،‮ ‬ورويدا رويدا تجمعت الهلاوس لتكون أفكارا توشك علي ولادة أجنة أدبية،‮ ‬خصوصا في مرحلة الدراسة بكلية الآداب،‮ ‬وتخصصي فيما بعد وحتي الآن في مجال الدراسات الأدبية النقدية،‮ ‬فتحولتُ‮ ‬من كتابة الخواطر والسطور الشعرية الساذجة كتابة قصصية تُلِح للخروج‮.‬
   أمام هذا التداعي ومع فرط المشاهد الحياتية العابرة التي تتكدس أمام العين قررت تدوين ما أراه في حلمي وما يمر أمامي وما تعتركه ذاتي فيما بينها،‮ ‬حتي وصلت إلي مجموعة قصصية من اثنين وعشرين قصة،‮ ‬استبعدت منها ثماني قصص قصيرة جدا،‮ ‬وتقدمت بالباقي في مسابقة أخبار الأدب،‮ ‬ووضعت عنوان المجموعة‮ "‬كراس تسعة أسطر‮"‬،‮ ‬وهو العنوان نفسه الذي اخترته منذ سنوات قبل أن أكتب مضمون القصص‮.‬
    مع كل يوم يمضي وأتماشي معه أُصبح أكثر تعلقا بالكتابة القصصية،‮ ‬فمن خلالها أري ذاتي وكيف تبدو في وحدتها،‮ ‬أري أحلامي المارقة قبلما تهرب،‮ ‬أكتب لأنني وصلت لمرحلة تتكوم فيها الأفكار برأسي تكوما يُربك،‮ ‬فتوشك علي التشظي،‮ ‬صرت مؤمنا بأن القصة القصيرة رفيق درب،‮ ‬وصديق تخيلي،‮ ‬فحاولت هزيمة تكاسلي عن عملية النقر علي لوحة المفاتيح،‮ ‬واستخرجت الأوراق القديمة المطمورة في الأدراج والأفكار المتوارية في المخيلة والومضات المتراكضة في أحلام ما بعد الفجر لأتفاجأ بمجموعة قصص تُكَوّن كتابا،‮ ‬تعزف علي أوتار الاغتراب والعزلة والليل والموت،‮ ‬وهي التيمات الغالبة في المجموعة،‮ ‬ربما لأنها المستحوذة علي طرائق التفكير لدي‮. ‬
   جاءت نصف قصص المجموعة تقريبا علي لسان راوي أنثي،‮ ‬وربما ذلك بتأثير من دراستي للأدب النسوي،‮ ‬والنصف الثاني علي لسان راوي ذكر،‮ ‬في محاولة مني للتمويه علي جنس الراوي العام،‮ ‬لينشغل المتلقي بمضامين العمل مع الأخذ بنظرية موت المؤلف‮.‬
قررت التقدم بالمجموعة للمسابقة في اللحظات الأخيرة،‮ ‬وفوجئت بخبر فوزي،‮ ‬وفوجئت أكثر بتعليق د.سمية رمضان علي المجموعة بقولها‮ "‬متكاملة‮.. ‬ورهيفة رغم ثقل الموضوع،‮ ‬وجهة نظره وبصمة صوته لا مراء فيها‮".‬
   المشهد الأدبي في مصر يبدو ملتبسا بسبب التشابك المفاجئ للأيديولوجيات الفكرية،‮ ‬لكني أعتقد بأن الأفق القريب تلوح فيه بشائر أدبية جديدة،‮ ‬خصوصا مع تشجيع شباب الأدباء والمبدعين‮.  ‬
   سعيد بفوزي من خلال مسابقة تنظمها جريدة عريقة،‮ ‬وسعيد لأن مجموعتي القصصية تطل علي استحياء،‮ ‬وقد أمسكت فيها بتلابيب الحلم المارق‮. ‬

No comments:

Post a Comment