الأحد 29 أبريل 2012 - 41 : 3 |
نستيقظ كل يوم لنجد فلانا يطالعنا بمبادرة لتبرع إلى جمعية خيرية، إلى مؤسسة علمية، إلى مستشفى عام، إلى ميزانية الدولة، أو حتى إلى ميزانية الجيش، فأصبحنا دولة متفردة، حيث أن دخل الأفراد فيها يدور في دائرة بدايتها ونهايتها في جيب الحكومات التي يبدو أنها تحولت إلى مجموعات تسول، سواء بالحسنى، أو بالقهر عن طريق فرض رسوم وضرائب وإجبار على التبرع بجزء من الأجر، ليصل الأمر إلى نوع من الإتاوة.
بعد أن تسلمت حكومة "شرف" مقاليد الأمور بعد الثورة قرر وزير المالية آنذاك "سمير رضوان" فتح حساب بنكي، ودعا المصريين للتبرع من أجل إعادة بناء مر بعد الثورة، وبغض النظر عن مستوى حكومة "شرف"، أو عن رفضي لهذا الأسلوب في حل المشكلات المالية؛ فإنني تحمست للفكرة كثيرا، واعتقدت أن الجميع كذلك، غير أنني فوجئت بأن مجموع ما تم جمعه لم يتعد 15 مليون جنيه، والآن يطالب رجل دين لا يدري شيئا في أمور الاقتصاد، ويبدو أنه لا يعلم شيئا عن اتفاقية كامب ديفيد فيطلق مبادرة لجمع الأموال من المصريين للاستغناء عن المعونة الأمريكية، والكارثة أننا فوجئنا بتجاوب الحكومة والمجلس العسكري والمؤسسات الدينية، وكأن هؤلاء جميعا اتفقوا على "استعباط" الشعب المصري، فالمعونة ـ والملايين تعلم ـ أغلبها مساعدات عسكرية، وليست طعاما أو شرابا، والمعونة بند في اتفاقية كامب ديفيد لن تتجرأ الولايات المتحدة على إلغائه، كي لا نتجرأ ونعدل الاتفاقية، فتخسر إسرائيل "وداعة" مصر، وبفرض أن المصريين جمعوا ما يساوي مبلغ المعونة، هل سنسلمها للقوات المسلحة؟ وماذا عن المعونة في الأعوام القادمة؟ هل سيتبرع المصريون طوال حياتهم على هذه الأرض؟، والأهم من هذا؛ أين كان رجل الدين من مبادرة "سمير رضوان"، والتي لو كان النجاح قد أصابها؛ لكان طريق الإصلاح أقل تعقيدا.
تتصاعد الآن الدعوات بالتبرع لإنعاش الاقتصاد المصري، ولا تتصاعد الخطوات التي تفكر في حلول عملية لانتشال مصر من كبوتها الاقتصادية، وكأننا دولة فقيرة الموارد تعاني من القحط، وكأن قناة السويس أُغلقت، أو أن الغاز نفد، أو جفت آبار النفط، وكأننا نستفيد حقا من منجم السكري.
في عهد "عصام شرف" سمعنا عن تطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور، ولم يخرج القانون إلى الضوء، ثم أ‘لن وزير المالية الحالي أن القانون سيتم تطبيقه في يناير 2012، يناير الذي مضى، ولم نر شيئا، لنستيقظ كل يوم على نواح وعويل المسئولين على حالنا، ومصر التي ستعلن إفلاسها، والحقيقة أن هؤلاء المسئولين يخشون تطبيق الحد الأقصى للأجور، أو لا يرغبون في هذا.
جاءت حكومة " الجنزوري"تحت مُسمى الإنقاذ، ولكنها تجرنا معها للقاع، فلا أنقذت، ولا تركت غيرها يُصلح، ولا نسمع من برلمان الشعب إلا سفسطة فارغة، لا أدري لماذا لم يُطبق قانون الضرائب التصاعدية، أو فرض ضريبة على البورصة، لا أدري كم من المكاسب تحققها المشاريع الاقتصادية المملوكة للقوات المسلحة، وهل تدفع هذه المصانع ضريبة أم لا؟.
مسألة التبرع أمر معتاد في العالم كله، ولكن ليس من أجل خزينة الدولة، بل من أجل منظمات مجتمع مدني، ومؤسسات بحثية وأكاديمية تعمل على إنتاج حلول للأزمات التي تواجهها الدولة، ومنها الأزمات الاقتصادية بالطبع، في حين أن حكوماتنا المتعاقبة تأخذ بيسارها ما تعطيه للمواطن بيمينها، وكأنها عصابات بلطجية تقف على نواصي الشوارع تفرض إتاوات على الناس.
كلنا يعلم المثل القائل "من أعطاني سمكة أطعمني يوما، ومن علمني الصيد أطعمني كل يوم"، ونحن في مصر نعطي السمك كله للحكومات، فتتواكل عن النهوض الاقتصادي، وتعتمد فقط على مبادرات شعبية لا تسمن ولا تغني من جوع، في حين يعلم الجميع أننا نمتلك من الثروات ما لا تملكه أية دولة في مثل ظروفنا، ثروات طبيعية، عقول بشرية، أيدي عاملة، عزيمة مصرية أصيلة، ونفرط في هذا كله لنعطي الضوء الأخضر للحكومات والقطط السمان كي تنهش الكنوز الدفينة والظاهرة في مصر، ثم يتحولون إلينا ويرسمون وجه الأرملة المعوزة التي تمد يدها.
نهضت ماليزيا اقتصاديا لأن القائمين على الأمور هناك جعلوا الضمير الجمعي حجر أساس التنمية والتقدم، مع انتهاج الديمقراطية، والحرص على العدالة الاجتماعية، ولم نسمع أن "مهاتير محمد" طلب من الشعب الماليزي أن يتبرع، ولم يمد "رجب طيب أردوغان" يد حكومته إلى شعبه كي يؤسس تركيا الحديثة.
مصر ستصبح دولة عالم أول اقتصاديا بالعمل، بالشفافية، بنظام ضرائب عادل، ببنية أساسة شاملة، بديمقراطية مدنية حقيقية، ولن تكون أبدا دولة ذات ثقل اقتصادي إذا أصررنا على نظرية "سلفني 3 جنيه".
منشور في موقع قناة نريد:
No comments:
Post a Comment